الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ ذِكْرِ الدَّجَّالِ وَصِفَتِهِ وَمَا مَعَهُ
[169]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الدَّجَّالَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ، فَقَالَ:((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ)).
[خ: 3439]
حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ، وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ- وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ- عَنْ أَيُّوبَ. ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ- يَعْنِي: ابْنَ إِسْمَاعِيلَ- عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
قوله: ((كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ))، يعني: لا يبصر بها، وسيأتي أن العين اليسرى ناتئة، والعين اليمنى عوراء، بمعنى: أنها طافئة لا يبصر بها.
[2933]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: ك ف ر)).
[خ: 7131]
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((الدَّجَّالُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: ك ف ر، أَيْ: كَافِرٌ)).
وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، ثُمَّ تَهَجَّاهَا: ك ف ر، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ)).
[2934]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَرِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ)).
[خ: 3450]
في هذا الحديث: أن الدجال أعور العين اليسرى، والحديث السابق أنه أعور العين اليمنى، والجمع بينهما: أن المراد بالعور: العيب، يعني: أن كلتيهما معيبة، فالعين اليمنى كأنها عنبة طافئة لا يبصر بها، والعين اليسرى ناتئة ومرتفعة لكنه يبصر بها، فالفرق بينهما: أن العين اليمنى طافئة لا نور فيها، وهي مساوية للوجه، واليسرى ناتئة مرتفعة، لكنه يبصر بها.
وفيه: أن معه صورة الجنة، وصورة النار، لكنهما معكوستان، فالجنة هي النار، والنار هي الجنة؛ لهذا قال:((فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ))، وهذا من الخوارق التي أعطاها الله للدجال.
وقوله: ((جُفَالُ الشَّعَرِ)): بضم الجيم وتخفيف الفاء، أي: كثير الشعر.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ، أَحَدُهُمَا: رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالْآخَرُ: رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لَيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ، فَيَشْرَبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كَاتِبٍ، وَغَيْرِ كَاتِبٍ)).
[2936]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ- فِي الدَّجَّالِ-:((إِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا، فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَمَاؤُهُ نَارٌ فَلَا تَهْلِكُوا)).
[خ: 3338]
[2935]
قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
[2934 - 2935] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، فَقَالَ لَهُ عُقْبَةُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّجَّالِ، قَالَ:((إِنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ، وَإِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا، فَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ مَاءً فَنَارٌ تُحْرِقُ، وَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ نَارًا فَمَاءٌ بَارِدٌ عَذْبٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَاهُ نَارًا؛ فَإِنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ طَيِّبٌ)).
فَقَالَ عُقْبَةُ: وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ؛ تَصْدِيقًا لِحُذَيْفَةَ.
قوله: ((إِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا، فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَمَاؤُهُ نَارٌ، فَلَا تَهْلِكُوا))، يعني: لا
تهلكوا بتصديق الدجال واتِّباعه، وهذا من نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، حيث نهاهم عن تصديق الدجال واتباعه؛ لأن من صدَّقه وتبعه هلك.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ حُجْرٍ- قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ المُغِيرَةِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ، فقال حذيفة: لَأَنَا بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ أَعْلَمُ مِنْهُ، إِنَّ مَعَهُ نَهْرًا مِنْ مَاءٍ، وَنَهْرًا مِنْ نَارٍ، فَأَمَّا الَّذِي تَرَوْنَ أَنَّهُ نَارٌ مَاءٌ، وَأَمَّا الَّذِي تَرَوْنَ أَنَّهُ مَاءٌ نَارٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَأَرَادَ الْمَاءَ فَلْيَشْرَبْ مِنَ الَّذِي يَرَاهُ أَنَّهُ نَارٌ؛ فَإِنَّهُ سَيَجِدُهُ مَاءً، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: هَكَذَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ.
[2936]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَدِيثًا مَا حَدَّثَهُ نَبِيٌّ قَوْمَهُ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ مِثْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَالَّتِي يَقُولُ: إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ، وَإِنِّي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ، كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ)).
[2937]
حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ قَاضِي حِمْصَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ.
ح، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ:((مَا شَأْنُكُمْ؟ ))، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي
طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ:((غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا، وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ، فَاثْبُتُوا))، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ:((أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ))، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ ! قَالَ:((لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ))، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ:
((كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ، وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ؛ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ؛ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ،
وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ
يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّه عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ، فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ؛ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ)).
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ- قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ الْآخَرِ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ:((لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ، وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا))، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ:((فَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِيْ لَا يَدَيْ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ)).
حديث النواس بن سمعان هذا فيه معانٍ عظيمةٌ، وفوائدُ وأحكامٌ:
ففيه: ذكر ثلاثة أشراط من أشراط الساعة: الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وخروج يأجوج ومأجوج، وهذه العلامات متوالية ومرتبة، ولم يذكر العلامة الأولى وهي المهدي، وهي ثابتة في غير الصحيحين.
وأحاديث المهدي ليست على شرط مسلم؛ لهذا لم يخرجها، وهي أحاديث كثيرة، منها: ما هو ثابت، ومنها: ما هو غير ثابت.
وقد ذُكِرَ في هذا الحديث الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين، وهي متأخرة؛ لأنه ثبت أن البيت يُحَجُّ بعد يأجوج ومأجوج، فالريح الطيبة هذه متأخرة تكون بعد ذلك، ولا يلزم أن تكون بعد يأجوج ومأجوج مباشرة؛ لأن عيسى عليه السلام يعيش، ويمر زمن بعد إهلاك الله ليأجوج ومأجوج.
وقوله: ((فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ)): اختلف في معناها، فقيل: خفَّض، يعني: حقَّره، ورفَّع، يعني: فخَّمه وعظَّمه.
فمن تحقيره: قوله: ((إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ))، وقوله:((أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى))، وأنه لا يستطيع قتل أحد بعد ذلك الرجل، وأنه يقتله عيسى عليه السلام، وأنه ينتهي أمره.
ومن تفخيمه، وتعظيمه: قوله: إن معه فتنًا عظيمة، ومعه خوارق العادات، حيث يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، ويُفتن به كثير من الناس.
وقيل: ((فَخَفَّضَ))، أي: خفَّض صوته بعد كلام طويل، ((وَرَفَّعَ))، أي: رفَّع صوته لِيُسمع منه.
وقوله: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ، وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ))، يعني: حتى ظنوا أنه قريبٌ منهم، وأنه موجود بسبب تحذيرهم منه وذكره لأوصافه، وتحقيره وتفخيمه.
وقوله: ((إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ
فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)): هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبيَّن له متى يخرج؛ لأنه يحتمل أن يخرج في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أو بعد زمانه، ثم بعد ذلك بيَّن الله له أنه لا يخرج في زمانه؛ وإنما يخرج في آخر الزمان بعد دهر طويل من بعثته صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ((إِنْ يَخْرُجْ، وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ))، يعني: أحاجِجُه، وأجادله، وأكفيكم إياه.
وقوله: ((وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ))، أي: أن الله تعالى يتولى كل مسلم، ويثبته على إيمانه بعد وفاته.
وقوله: ((إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ))، أي: أنه شاب وليس شيخًا، وهو قطط، أي: شديد جعودة الشعر، وعينه طافئة، أي: عينه اليمنى عوراء ليس فيها نور.
وقوله: ((كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ)): وجاء في الحديث الآخر: ((يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ يَضُرُّنِي شَبَهُهُ؟ قَالَ: لَا، أَنْتَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ امْرُؤٌ كَافِرٌ))
(1)
، وهذا فيه دليل على أن الإنسان إذا كان يشبه شخصًا كافرًا لم يضره ذلك؛ لأن العبرة بالإيمان والأعمال، وليست بتشابه الصور.
وقوله: ((فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ)): فيه: مشروعية قراءة فواتح سورة الكهف لمن أدرك الدجال، وأن هذا من أسباب الوقاية من فتنته، وجاء في الحديث الآخر:((مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ))
(2)
، وفي رواية أخرى:((مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ))
(3)
.
وقوله: ((إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ)): الخلة: ما بين الشيئين، والمراد بها هنا: ما بين البلدين.
(1)
أخرجه أحمد (7905)، وابن حبان (7490).
(2)
أخرجه مسلم (809).
(3)
أخرجه مسلم (809).
وقوله: ((فَعَاثَ يَمِينًا، وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ، فَاثْبُتُوا)): عاث، يعني: أفسد، والعيث معناه: الإفساد، والإسراع فيه، والإكثار منه، أي: يفسد في الأرض، بأن يدعو إلى الكفر- والعياذ بالله- ويدعو إلى النار، والمراد بالفساد هنا: الفساد المعنوي، لا الحسي.
وقوله: ((يَا عِبَادَ اللَّهِ، فَاثْبُتُوا)): هذا خطاب للمؤمنين الذين خرج الدجال في زمنهم بأن اثبتوا على دينكم، ولا تصدقوا الدجال، ولا تتبعوه، وهذه نصيحة من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنصحُ الناسِ هم الأنبياء، وأعظمهم نصيحة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ((قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ)): فيه: بيان المدة التي يمكثها الدجال في الأرض، وهي أربعون يومًا؛ يومٌ كسنة، أي: تطلع الشمس، ولا تغرب إلا بعد ثلاثمائة وستة وخمسين يومًا، واليوم الثاني كشهر، أي: تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد ثلاثين يومًا، واليوم الثالث كجمعة، أي: تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد سبعة أيام، والباقي كأيامنا.
وقوله: ((قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ)): قال النووي رحمه الله: ((ومعنى: ((اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ)): أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر، ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر، وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب، وكذا العشاء، والصبح، ثم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم))
(1)
.
وكذلك صيام رمضان يقدر بمقدار اليوم.
وأخذ العلماء من هذا الحديث فائدة عظيمة مهمة، وهي: أن البلاد التي
(1)
شرح مسلم، للنووي (18/ 66).
تطلع الشمس فيها مدة طويلة، أو لا تطلع فيها مدة طويلة، كالبلاد التي تطلع الشمس عليها ستة أشهر ولا تغيب، أو البلاد التي عندهم الليل ستة أشهر- يقدر أهلها كل أربع وعشرين ساعة خمس صلوات، ولو كانت الشمس طالعة، وكذلك البلاد التي يكون فيها الليل طويلًا، يقدر أهلها لكل أربع وعشرين ساعة خمس صلوات، ولو كانت الصلاة في الليل.
أما الصيام فيصومون على صيام أقرب بلد يليهم فيه نهار، فإن كان النهار في البلد الذي يليهم بمقدار أربع وعشرين ساعة، فيصومون مثلهم، وهكذا.
وقوله: ((وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ، فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَجِيبُونَ)): فيه: دليل على سرعة سير الدجال، وأنه كالمطر، إذا استدبرته الريح فإنه يكون سريعًا، فكذلك الدجال، والله أعلم بوسائل النقل التي ستنقله، هل هي من المخترعات الحديثة، أو ستنتهي هذه المخترعات؟
وقوله: ((فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ)): سارحتهم، أي: الماشية التي تسرح في أول النهار، وتعود وقد امتلأت ضروعها لبنًا وتسمن، وذُرًا: جمع ذروة، وهي الأسنمة، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، يعني: ممتلئة ضروعها باللبن، وأمده خواصر: كناية عن الامتلاء.
وقوله: ((ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ)): فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، أي: يكفرون به.
وقوله: ((فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ))، أي: لا شيء عندهم، لا مطر، ولا نبات، وسارحتهم ليس فيها لبن ابتلاءً وفتنةً؛ لهذا جاء في الحديث:((مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ))، كما سيأتي؛ ولهذا شُرع لنا أن نستعيذ بالله من فتنة المسيح الدجال في كل صلاة
(1)
؛ لأنها فتنة عظيمة.
(1)
أخرجه مسلم (588).
وقوله: ((وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ)): هذا- أيضًا- من الفتن، حيث يأتي الدجال إلى الخربة فيدعوها فتتبعه كنوزها، والخربة قد تكون تحت الأرض، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، وهي جماعة النحل، واليعسوب هو أميرهم، والمراد بالنحل: الحشرة المعروفة التي يخرج منها العسل.
وقوله: ((ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ، وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ))، أي: أنه يسلط على رجل، ولا يسلط على غيره، فيدعوه إلى الإيمان به، فيقول: أتؤمن بي؟ فيقول: أنت الدجال اللعين.
وقوله: ((فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ))، أي: قطعتين.
وقوله: ((رَمْيَةَ الْغَرَضِ))، أي: يجعل بين الجزلتين مقدار رمية السهم، ثم يمشي بينهما، ثم يقول له:((قُمْ))، فيحييه الله عز وجل، فيقوم متهللًا يضحك، ثم يقول له- كما في الحديث الآخر-:((هَلْ تُؤْمِنُ بِي؟ فيقول: مَا ازَدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً))، أنت الدجال اللعين، فيأتي ليقتله بعد ذلك فلا يسلط عليه، وجاء في الحديث:((فَيُجْعَلَ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ نُحَاسًا، فَلَا يَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ سَبِيلًا)).
وقوله: ((بَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤ)): هذه هي العلامة الثالثة، وهي نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء؛ لأن الله رفعه حيًّا، كما قال تعالى:{بل رفعه الله إليه} فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق واضعًا كفيه على جناحي الملكين.
وقوله: ((بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ))، يعني: ثوبين مصبوغين بالورس، ثم الزعفران، وهما نوعان من الصبغ.
وقوله: ((تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤ))، يعني: تنحدر منه حبات الفضة التي
تشبه اللؤلؤ الكبار، وهذا تشبيه للماء الذي ينزل منه باللؤلؤ في صفائه.
وقوله: ((فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ))، يعني: لا يمكن أن يجد كافر ريح نَفَس عيسى عليه السلام إلا مات.
وقوله: ((وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ))، يعني: أن أي كافر يراه مد البصر يموت، وأما الكفرة البعيدون فلا، وسيأتي أن يأجوج ومأجوج من الكفرة، وأن عيسى ومن معه من المؤمنين يتحرزون ويتحصنون بجبل الطور، فكيف لا يموتون إذا وجدوا ريح نفَسه؟ قيل: إما لكثرتهم؛ أو لأنهم مستثنون من هذا.
وقوله: ((فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ)): باب لد في بلدةٍ قرب بيت المقدس، وفي اللفظ الآخر:((فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ)): ولو تركه لمات، ولكنه يقتله.
وقوله: ((ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ))، يعني: يمسح عن وجوههم بِرًّا بهم، وبشارةً لهم.
وقوله: ((فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ؛ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ)): وهم يأجوج ومأجوج، وهذه هي العلامة الرابعة.
مسألة: قوله: ((فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى)): معلوم أن الوحي انقطع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يقول:((إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى))؟
والجواب: أن هذا خاص بعيسى عليه السلام، أو أن الوحي هنا بمعنى: الإلهام، أي: يلهمه الله: أني قد أخرجتُ عبادًا لي، وهم يأجوج ومأجوج.
وقوله: ((إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ))، أي: لا قدرة ولا طاقة لأحد بقتالهم.
فإن قيل: كيف يكونون عبادًا لله؟
قيل: المراد بالعبودية هنا: العبودية العامة، وليست العبودية الخاصة،
قال تعالى: {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا} ، يعني: هم معبَّدون مقهورون مذلَّلون مسخَّرون، المؤمن منهم والكافر.
وقوله: ((فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ))، يعني: اجعل الطور حصنًا لهم.
مسألة: إن قيل: لِمَ يُحرِّزهم في الطور؟ هل لأن يأجوج ومأجوج لا يصعدون إلى الطور؟
والجواب: الظاهر- والله أعلم-: أنه يكون كالحصن لهم، وأن يأجوج ومأجوج لا يستطيعون أن يصعدوا إليه، وأن الله لا يسلطهم على المؤمنين المتحصنين فيه.
ويبقون في هذا الجبل إلى هلاكهم، فإذا أهلكهم الله تعالى نزلوا بعد ذلك.
وقوله: ((وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)): الحَدَب: ما ارتفع وغلظ من الأرض، وينسلون: يمشون مسرعين، أي: ينزلون من هذا الجبل، ومن هذا الجبل مثل السيول.
وقوله: ((فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ)): وهذا يدل على كثرتهم الكاثرة، يمرون ببحيرة طبرية فيشربونها، ولا يبقى إلا التراب، ثم يمر آخرهم لا يعلمون عن أوائلهم، فيقولون: كان بهذه مرةً ماء.
ومن الأدلة على كثرتهم: ما ثبت في الحديث: ((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الوَاحِدُ؟ قَالَ: أَبْشِرُوا؛ فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا))
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (3348)، ومسلم (222).
وقوله: ((وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى، وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ)): الحصر: المنع والحبس.
قال الأبي رحمه الله: ((قال القاضي عياض: لعله لما ينالهم من الحاجة إلى ما يأكلون وما يحرثون؛ لشدة حرصهم. قلت: وإنما ذكر الرأس ليقاس البقية عليه في القيمة))
(1)
.
وقوله: ((فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ)): النغف: دود في أنوف الإبل والغنم واحدتها نَغَفَةٌ
(2)
.
وقوله: ((فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)): وفَرْسَى، أي: قتلى.
والمعنى: إذا حصر يأجوج ومأجوج المسلمين مدة يرغب نبي الله عيسى عليه السلام والمسلمون إلى الله، ويدعون على يأجوج ومأجوج، فيرسل الله النغف في رقابهم، فيهلكهم الله في ليلة واحدة، فيصبحون موتى كموت نفس واحدة.
وقوله: ((ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ))، أي: يهبطون من الطور؛ لأنهم كانوا عليه.
وقوله: ((فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ))، يعني: لا يجدون موضع شبر إلا ملأته رائحتهم الكريهة، لكن من فضل الله عليهم أنه يسخر لهم نوعًا من الطير كأعناق الإبل التي لها سنامان، تأخذهم وتلقيهم في البحر، ثم ينزل الله مطرًا يغسل الأرض حتى تزول هذه الرائحة، وإلا لو بقيت لمات الناس بهذه الرائحة الكريهة، قال:((ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ، وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ)).
وقوله: ((كَأَعْنَاقِ البُخْتِ)): أو البَخْت، أي: كأعناق الإبل التي لها
(1)
شرح مسلم، للأبي (7/ 273).
(2)
المعلم، للمازري (3/ 378).
سنامان، فتأخذ يأجوج ومأجوج، وتلقيهم في البحر، ثم يرسل الله مطرًا يغسل الأرض.
وقوله: ((لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ، وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ))، أي: لا يمنع من نزول الماء بيت المدر، وهو: بيت الطين، والوبر: بيت الشعر.
وقوله: ((حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ)): قال النووي رحمه الله: ((روي بفتح الزاي، واللام، والقاف، وروي الزُّلْفة بضم الزاي وإسكان اللام وبالفاء، وروي الزَّلَفَة بفتح الزاي واللام وبالفاء، وقال القاضي: روي بالفاء والقاف، وبفتح اللام وبإسكانها، وكلها صحيحة، قال في المشارق: والزاي مفتوحة، واختلفوا في معناه، قال ثعلب وأبو زيد وآخرون: معناه كالمرآة))
(1)
.
وقوله: ((ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا))، يعني: أن الله تبارك وتعالى بعد إهلاك يأجوج ومأجوج يصب البركة في الأرض فـ ((تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ))، أي: حتى تأكل الجماعة من الناس من الرمانة، ((وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا)): قحفها، أي: مُقَعَّر قشرها، فالرمانة الآن صغيرة تؤخذ باليد، أما في زمن عيسى عليه السلام فتكون الرمانة كأنها شجرة يستظل بها الجماعة من الناس.
وقوله: ((وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ)): الرِّسْل بكسر الراء وإسكان السين هو اللبن، واللِّقحة: بالكسر، والفتح: اللِّقحة واللَّقحة هي: قريبة الولادة، والفئام: الجماعات، والمراد: أن اللقحة من الإبل تكفي الجماعات الكثيرة، واللقحة من البقر تكفي القبيلة، واللقحة من الغنم تكفي الفخذ من الناس، وهذا كله من البركة التي يُنزلها الله سبحانه وتعالى.
(1)
شرح مسلم، للنووي (18/ 69).
وقوله: ((فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَكُلِّ مُسْلِمٍ)): وجاء في الحديث الآخر: أنها من جهة اليمن، وأنها لا تترك أحدًا، ((فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، أَوْ إِيمَانٍ، إِلَّا قَبَضَتْهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ))، ثم بعد ذلك لا يبقى إلا الكفرة، فعليهم تقوم الساعة.
وقوله: ((وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ)): يتهارجون، يعني: يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير، والهَرْج: الجماع، يقال: هرج زوجته، أي: جامعها، وهم مع ذلك يعبدون الأصنام، والأوثان فعليهم تقوم الساعة- نعوذ بالله.
وقوله: ((حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ)): قال النووي رحمه الله: ((هو بخاء معجمة وميم مفتوحتين، والخَمَر: الشجر الملتف الذي يستر مَن فيه، وقد فسره في الحديث بأنه جبل بيت المقدس))
(1)
، يعني: أن يأجوج ومأجوج إذا شربوا الماء انتهوا إلى جبل الخَمَر، وهو جبل بيت المقدس.
فإذا وصلوا إلى جبل بيت المقدس قالوا: ((لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا))، أي: يرسلون نشابهم ويرمونها في السماء، فترجع عليهم مخضوبة بالدماء ابتلاءً، وامتحانًا لهم، فيقولون: قتلنا أهل السماء، ثم يهلكهم الله بعد ذلك.
(1)
شرح مسلم، للنووي (18/ 71).