المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قصة أصحاب الأخدود، والساحر والراهب والغلام - توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم - جـ ٨

[عبد العزيز بن عبد الله الراجحي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الرِّقَاقِ

- ‌بَاب أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْفُقَرَاءُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ النِّسَاءُ

- ‌بَابُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْغَارِ الثَّلَاثَةِ، وَالتَّوَسُّلِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ

- ‌كِتَابُ التَّوْبَةِ

- ‌بَابٌ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّوْبَةِ، وَالْفَرَحِ بِهَا

- ‌بَابُ سُقُوطِ الذُّنُوبِ بِالِاسْتِغْفَارِ تَوْبَةً

- ‌بَابُ فَضْلِ دَوَامِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَالْمُرَاقَبَةِ، وَجَوَازِ تَرْكِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَالِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا

- ‌بَابٌ فِي سِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهَا سَبَقَتْ غَضَبَهُ

- ‌بَابُ قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَإِنْ تَكَرَّرَتِ الذُّنُوبُ وَالتَّوْبَةُ

- ‌بَابُ غَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ

- ‌بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}

- ‌بَابُ قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَثُرَ قَتْلُهُ

- ‌بَابُ حَدِيثِ تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ، وَقَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ

- ‌بَاب بَرَاءَةِ حَرَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الرِّيبَةِ

- ‌كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ

- ‌كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ

- ‌بَابُ ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ، وَخَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌بَابٌ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَصِفَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌بَابُ نُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ

- ‌بَابُ سُؤَالِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرُّوحِ

- ‌بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}

- ‌بَابُ قَوْلِهِ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَأَىهُ اسْتَغْنَى}

- ‌بَابُ الدُّخَانِ

- ‌بَابُ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ

- ‌بَابُ لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى مِنَ اللَّهِ عز وجل

- ‌بَابُ طَلَبِ الْكَافِرِ الْفِدَاءَ بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا

- ‌بَابُ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ

- ‌بَابُ صَبْغِ أَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي النَّارِ، وَصَبْغِ أَشَدِّهِمْ بُؤْسًا فِي الْجَنَّةِ

- ‌بَابُ جَزَاءِ الْمُؤْمِنِ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

- ‌بَابُ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالزَّرْعِ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَشَجَرِ الْأَرْزِ

- ‌بَابُ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ

- ‌بَابُ تَحْرِيشِ الشَّيْطَانِ، وَبَعْثِهِ سَرَايَاهُ لِفِتْنَةِ النَّاسِ

- ‌بَابُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ بَلْ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى

- ‌بَابُ إِكْثَارِ الْأَعْمَالِ، وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ

- ‌بَابُ الِاقْتِصَادِ فِي الْمَوْعِظَةِ

- ‌كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا

- ‌بَاب إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا

- ‌بَابُ إِحْلَالِ الرِّضْوَانِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَا يَسْخَطُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا

- ‌بَابُ تَرَائِي أَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَ الْغُرَفِ كَمَا يُرَى الْكَوْكَبُ فِي السَّمَاءِ

- ‌بَابُ فِيمَنْ يَوَدُّ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ

- ‌بَابٌ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ، وَمَا يَنَالُونَ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ وَالْجَمَالِ

- ‌بَابٌ أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ

- ‌بَابٌ فِي صِفَاتِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا، وَتَسْبِيحِهِمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا

- ‌بَابٌ فِي دَوَامِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وقَوْلِه تَعَالَى:

- ‌بَابٌ فِي صِفَةِ خِيَامِ الْجَنَّةِ وَمَا لِلْمُؤْمِنِينَ فِيهَا مِنَ الْأَهْلِينَ

- ‌بَابٌ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ

- ‌بَابٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ

- ‌بَابٌ فِي شِدَّةِ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ، وَبُعْدِ قَعْرِهَا، وَمَا تَأْخُذُ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ

- ‌بَابٌ النَّارُ يَدْخُلُهَا الْجَبَّارُونَ، وَالْجَنَّةُ يَدْخُلُهَا الضُّعَفَاءُ

- ‌بَابُ فَنَاءِ الدُّنْيَا، وَبَيَانِ الْحَشْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌بَابٌ فِي صِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَعَانَنَا اللَّهُ عَلَى أَهْوَالِهَا

- ‌بَابُ الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ

- ‌بَابُ عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ مِنَ الْجَنَّةِ، أَوِ النَّارِ عَلَيْهِ

- ‌بَابُ إِثْبَاتِ الْحِسَابِ

- ‌بَابُ الْأَمْرِ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْمَوْتِ

- ‌كِتَابُ الْفِتَنِ، وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ اقْتِرَابِ الْفِتَنِ، وَفَتْحِ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ

- ‌بَابُ الْخَسْفِ بِالْجَيْشِ الَّذِي يَؤُمُّ الْبَيْتَ

- ‌بَابُ نُزُولِ الْفِتَنِ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ

- ‌بَابُ إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا

- ‌بَابُ هَلَاكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ

- ‌بَابُ إِخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ

- ‌بَابٌ فِي الْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ

- ‌بَابٌ فِي فَتْحِ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ

- ‌بَابُ تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ

- ‌بَابُ إِقْبَالِ الرُّومِ فِي كَثْرَةِ الْقَتْلِ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ

- ‌بَابُ مَا يَكُونُ مِنْ فُتُوحَاتِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الدَّجَّالِ

- ‌بَابٌ فِي الْآيَاتِ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ

- ‌بَابُ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَعِمَارَتِهَا قَبْلَ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ الْفِتْنَةُ مِنَ الْمَشْرِقِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعْبُدَ دَوْسٌ ذَا الْخَلَصَةِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ ابْنِ صَيَّادٍ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّجَّالِ وَصِفَتِهِ وَمَا مَعَهُ

- ‌بَابُ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ، وَتَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدَّجَّالِ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ عز وجل

- ‌بَابٌ فِي خُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَمُكْثِهِ فِي الْأَرْضِ، وَنُزُولِ عِيسَى، وَقَتْلِهِ إِيَّاهُ، وَذَهَابِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْإِيمَانِ، وَبَقَاءِ شِرَارِ النَّاسِ، وَعِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ، وَالنَّفْخِ فِي الصُّورِ، وَبَعْثِ مَنْ فِي الْقُبُورِ

- ‌بَابُ قِصَّةِ الْجَسَّاسَةِ

- ‌بَابٌ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِي الْهَرْجِ

- ‌بَابُ قُرْبِ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ

- ‌كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ

- ‌بَاب لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ

- ‌بَابُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ

- ‌بَابُ فَضْلِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ

- ‌بَابُ الصَّدَقَةِ فِي الْمَسَاكِينِ

- ‌بَابُ مَنْ أَشْرَكَ فِي عَمَلِهِ غَيْرَ اللَّهِ

- ‌بَابُ التَّكَلُّمِ بِالْكَلِمَةِ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ

- ‌بَابُ عُقُوبَةِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَفْعَلُهُ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَيَفْعَلُهُ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ هَتْكِ الْإِنْسَانِ سِتْرَ نَفْسِهِ

- ‌بَابُ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَكَرَاهَةِ التَّثَاؤُبِ

- ‌بَابٌ فِي أَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ

- ‌بَابٌ فِي الْفَأْرِ، وَأَنَّهُ مَسْخٌ

- ‌بَابُ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ

- ‌بَابٌ الْمُؤْمِنُ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ المَدْحِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِفْرَاطٌ

- ‌بَابُ مُنَاوَلَةِ الْأَكْبَرِ

- ‌بَابُ التَّثَبُّتِ فِي الْحَدِيثِ، وَحُكْمِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ، وَالسَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَالْغُلَامِ

- ‌بَابُ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَقِصَّةِ أَبِي الْيَسَرِ

- ‌بَابٌ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ، وَيُقَالُ لَهُ: حَدِيثُ الرَّحْلِ

- ‌كِتَاب التَّفْسِيرِ

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}

- ‌بَاب فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ، وَالْأَنْفَالِ، وَالْحَشْرِ

- ‌بَابٌ فِي نُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}

الفصل: ‌باب قصة أصحاب الأخدود، والساحر والراهب والغلام

‌بَابُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ، وَالسَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَالْغُلَامِ

[3005]

حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ، قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ، فَأَعْجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ، وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ، أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ، فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ، فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ، أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي؛ قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ، وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا

أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ، فَجِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ، قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ، وَالْأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَأَخَذَهُ، فَلَمْ

ص: 447

يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ،

فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ، فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي؛ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ، فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ، فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ، قَدْ- وَاللَّهِ- نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ، وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ

ص: 448

وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ، اصْبِرِي؛ فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ)).

قوله: ((فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ، فَأَعْجَبَهُ)): فيه: أنه لو لم يتعلم منه لهلك وصار مثل هؤلاء الكفار في زمانه.

وهذا الراهب هو من رهبان النصارى الذين كانوا على الحق قبل التغيير والتبديل.

وقوله: ((فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ)): فيه: أنه لا بأس بالكذب لإنقاذ النفس أو الغير من الهلاك.

وقوله: ((فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ، أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ، فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ، فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ)): هذا أولًا ولم يكن قد تبين الأمر بعدُ، ولم يذق حلاوة الإيمان، فلما رأى هذه الدابة تمنع الناس من المرور أخذ حجرًا، ودعى ربه، فقال: اللهم إن كان أمرُ الراهب أحبَّ إليك فاقتل هذه الدابة؛ حتى يمر الناس، فرماها بحجر، فقتلها فمر الناس، ويحتمل أن تكون هذه الدابة حية، وجاء في رواية الترمذي:((إِنَّ تِلْكَ الدَّابَّةَ كَانَتْ أَسَدًا))

(1)

.

وقوله: ((فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ، أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى)): هذا اعتراف من الراهب بفضل الغلام، وقوله:((أَيْ بُنَيَّ)): هذا تلطف من الكبير للصغير، وهذه البنوة ليست بنوة نسب، وإنما هي بنوة الكِبَر، والتعليم، والراهب قال هذا الكلام للغلام لما رأى الكرامة التي أكرمه الله بها من قتله للدابة، وتوجهه إلى الخير والاستقامة، وقال

(1)

أخرجه الترمذي (3340).

ص: 449

له: ((إِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ))، وقد عرف الراهب هذا؛ لأن الله تعالى لا بد أن يمحص المؤمن ويبتليه لحكمته، وقد قال تعالى:{ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} [؟ ؟ : ؟ ؟ ]، فيبتلى صاحب الدين أولَ أمره، فإذا نجح في الامتحان وصبر كانت له العاقبة.

وقوله: ((وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ)): هذه كرامة من كرامات الأولياء، وأول الكرامات: أنه قتل الدابة، والثانية: أنه صار يبرئ الأكمه- وهو الذي يولد أعمى-، والأبرص، فيدعو الله أن يشفيهم على يديه فيشفيهم.

وفيه: إثبات الكرامات للأولياء، ولهذا أمثله كثيرة، ومن ذلك: ما حصل لمريم عليها السلام من الكرامات، فقد كانت تأتيها فاكهة الشتاء في زمن الصيف، وفاكهة الصيف في زمن الشتاء

(1)

.

وكما حصل لخبيب رضي الله عنه لما أرادوا قتله وجدوا عنده قطفًا من العنب يأكل منه، حتى قيل فيه:((وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ))

(2)

.

وقوله: ((فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ))، يعني: أن هذا الأعمى كان كافرًا، وكان يجلس عند الملك، فلما سمع أن هذا الغلام يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله جاء إليه بهدايا كثيرة، وقال له: هذه الهدايا كلها لك إن شفيتني، فقال له الغلام: أنا لا أشفي؛ وإنما الشافي هو الله سبحانه وتعالى، فإن آمنتَ بالله دعوتُ الله لك فشفاك، فآمن الأعمى، فدعى الله له فشفاه.

(1)

تفسير ابن جرير (5/ 359).

(2)

أخرجه البخاري (3045).

ص: 450

وقوله: ((فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ)): هذا يدل على أن هذا الملك الكافر كان يدعي الربوبية- والعياذ بالله- مثل فرعون.

وقوله: ((فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ)): كل ذلك وهو صابر على دينه، وهذا يدل على أن هذا الراهب كان من علماء الحق الذين لم يغيروا أو يبدلوا، وإنما بقي ثابتًا على التوحيد، وكذلك كان جليس الملك قد تمكن الإيمان من قلبه؛ ولذا بقي ثابتًا حتى قُتل.

وقوله: ((فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ)): وهذا من كرامات الأولياء، فقد كفاه الله شرهم، وأهلكهم.

وقوله: ((فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ، فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ)): القُرقور: قيل: السفينة الصغيرة، وقيل: السفينة الكبيرة، وهذه كرامه ثانية، حيث وكل أمرهم إلى الله عز وجل، فأنجاه الله، ((فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ))، أي: انقلبت بهم السفينة وسلم منهم، فعاد إلى الملك يمشي، ((فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ)).

وقوله: ((إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي)): فيه: نصح هذا الغلام لله، ولدينه، وللدعوة إلى دين الله عز وجل، ولخلقه؛ لأنه أراد أن يشاهد الناس ذلك حتى يؤمنوا، ففعل الملك ما أمره به الغلام، ((فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ

ص: 451

كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ رَمَاهُ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ، فَمَاتَ))، فعلم الناس حينها أن الملك لم يستطع قتله إلا بالاستعانة بربِّ الغلام، وهذا الذي كان يريده الغلام، فقالوا جميعًا:((آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ)).

وقوله: ((فَأُتِيَ الْمَلِكُ، فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ، قَدْ- وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ-، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ))، أي: جيء للملك، وقيل له: هذا الذي كنت تخاف منه قد حصل، وهو إيمان الناس؛ حيث خدعك الغلام، فقال لك: اجمع الناس في صعيد واحد، وقل: بسم الله ربِّ الغلام، فستقتلني، ففعلتَ، فآمن الناس!

وقوله: ((وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ، فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ))، أي: أمر الملك بأن تُشقَّ الأرض، وتُحفر، وتُضرم فيها النيران، ثم يُقذف فيها من لم يرجع عن دينه، وهذا ابتلاء وامتحان لهؤلاء الناس الذين آمنوا بربِّ الغلام.

وقوله: ((فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ، اصْبِرِي؛ فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ)): فيه: أن الله عز وجل أنطق هذا الغلام وهو في المهد، فقال لأمه:((يَا أُمَّهْ، اصْبِرِي؛ فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ)): وهذا من الغلمان الذين تكلموا وهم في المهد.

وهؤلاء القوم هم أصحاب الأخدود الذين ذكر الله عز وجل حالهم، فقال تعالى:{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [؟ ؟ : ؟ ؟ ].

وفي هذا الحديث: أنه كان في شرع مَن قبلنا عدمُ جواز التكلم بكلمة الكفر، ولو أكره عليها، بأن عُذِّب، أو هُدِّد بالقتل، أو بالسجن؛ ولهذا فإن الراهب قُتل

ص: 452

بالمنشار وشُق نصفين، ولم يتكلم بكلمه الكفر، وكذلك جليس الملك، ومن أُلقوا في النار لم يتلفظوا بكلمة الكفر، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا في حديث آخر، فقال صلى الله عليه وسلم:((كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ))

(1)

.

أما في شرعنا فإذا أُكره الإنسان إكراهًا حقيقيًّا مُلجِئًا، بأن يعذَّب، أو يهدَّد بالقتل، أو بالسجن، أو التعذيب- جاز له الأخذ بالرخصة، بشرط أن يكون قلبه مطمئنًّا بالإيمان، قال تعالى:{من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} ، فهذا من التوسعة في شرعنا، والحمد لله، ومن صبر وتحمل كما تحمل الإمام أحمد رحمه الله في فتنة القول بخلق القرآن وصبر فلا بأس.

أما إذا تكلم بكلمة الكفر من غير إكراه مختارًا ذاكرًا عالمًا فإنه يكفر، وكذلك من تكلم بكلمة الكفر هازلًا يكفر، وكذلك من تكلم بكلمة الكفر مكرهًا واطمئن قلبه بالكفر فإنه يكفر؛ لقوله تعالى:{ولكن من شرح بالكفر صدرًا} ، ولقوله تعالى:{ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة} .

وهذا الغلام هل كان بعد موسى، أو بعد عيسى عليهما الصلاة والسلام؟

يحتمل أن يكون بعد عيسى عليه السلام؛ لأن هذا الغلام أوتي كرامات من جنس ما أوتي عيسى عليه السلام حيث كان يبرئ الأكمه، والأبرص.

(1)

أخرجه البخاري (3612).

ص: 453

ويحتمل أن يكون بعد موسى عليه السلام؛ لأنه أعطي كرامات من جنس ما اشتهر به موسى عليه السلام، حيث أعطاه الله شيئًا من الحق يقابل ما يفعله السحرة، كما أن موسى عليه السلام أعطاه الله من الآيات ما فاق به السحرة، وعلموا أن ما هم فيه باطل، وأن موسى عليه السلام على الحق.

ص: 454