الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَكَرَاهَةِ التَّثَاؤُبِ
[2991]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ- وَهُوَ ابْنُ غِيَاثٍ- عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الْآخَرَ، فَقَالَ الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمَّتَّهُ، وَعَطَسْتُ أَنَا فَلَمْ تُشَمِّتْنِي؟ قَالَ:((إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ)).
[خ: 6221]
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ- يَعْنِي: الْأَحْمَرَ- عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
[2992]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ- وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ- قَالَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى- وَهُوَ فِي بَيْتِ بِنْتِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ- فَعَطَسْتُ فَلَمْ يُشَمِّتْنِي، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى أُمِّي، فَأَخْبَرْتُهَا، فَلَمَّا جَاءَهَا قَالَتْ: عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِي فَلَمْ تُشَمِّتْهُ، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَّهَا، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَكِ عَطَسَ فَلَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَمْ أُشَمِّتْهُ، وَعَطَسَتْ فَحَمِدَتِ اللَّهَ، فَشَمَّتُّهَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ)).
[2993]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ. ح، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ-، فَقَالَ لَهُ:((يَرْحَمُكَ اللَّهُ))، ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((الرَّجُلُ مَزْكُومٌ)).
في هذه الأحاديث: دليل على مشروعية تشميت العاطس إذا حمد الله، وأنه إذا لم يحمد الله فلا يشمَّت؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ)).
وفيها: دليل على أن من لم يحمد الله إذا عطس فلا يشمَّت؛ تعزيرًا له، ولعله يسأل فيستفيد بسبب ذلك.
وقد اختلف العلماء فى حكم تشميت العاطس- بعد إجماعهم على أن تشميته إذا حمد الله مشروع
(1)
- على ثلاثة أقوال:
الأول: ذهبت بعض الظاهرية إلى أن تشميت العاطس فرض-كما نقل ذلك ابن عابدين- على كل من يسمع حمده
(2)
، وذكره ابن الْمُزَيِّن من المالكية
(3)
، ويقال: إن أبا داود صاحب السنن يرى هذا القول؛ ولهذا لما سمع رجلًا عطس، وهو في الساحل قُرب البحر، وحمد الله، ذهب واستأجر قاربًا، وركب حتى وصل إليه وشمَّته
(4)
، فدل على أنه يرى أن تشميت العاطس واجب.
الثاني: أنه مستحب
(5)
.
الثالث: أن تشميت العاطس فرض كفاية، كردِّ السلام، فإذا شمته البعض كفى
(6)
وسقط عن الباقين، وإلى هذا ذهب الإمام مالك رحمه الله في المشهور عنه
(7)
، وهو الراجح، كرد السلام.
(1)
الإقناع، لابن القطان (2/ 308 - 309).
(2)
حاشية ابن عابدين، لابن عابدين (6/ 414).
(3)
إكمال المعلم، للقاضي عياض (8/ 541)، الأذكار للنووي، للنووي (ص 271)، زاد المعاد، لابن القيم (2/ 397).
(4)
فتح الباري، لابن حجر (10/ 610).
(5)
فتح الباري، لابن حجر (10/ 603).
(6)
الأذكار، للنووي (ص 271).
(7)
الشرح الصغير، للدردير (4/ 764).
وقد اختُلف في صيغة الحمد، وصيغة التشميت، وصيغة رد العاطس على الْمُشمِّت، قال النووي رحمه الله:((قال القاضي: واختلف العلماء في كيفية الحمد والرد، واختلفت فيه الآثار، فقيل: يقول: الحمد لله، وقيل: الحمد لله ربِّ العالمين، وقيل: الحمد لله على كل حال، وقال ابن جرير: هو مخير بين هذا كله، وهذا هو الصحيح، وأجمعوا على أنه مأمور بالحمد لله، وأما لفظ التشميت، فقيل: يقول: يرحمك الله، وقيل: يقول: الحمد لله، يرحمك الله، وقيل: يقول: يرحمنا الله وإياكم، قال: واختلفوا في رد العاطس على المشمت، فقيل: يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم، وقيل: يقول: يغفر الله لنا ولكم، وقال مالك والشافعي: يخير بين هذين، وهذا هو الصواب، وقد صحت الأحاديث بهما، قال: ولو تكرر العطاس، قال مالك: يشمته ثلاثًا، ثم يسكت))
(1)
.
وظاهر الأحاديث: أنه لو تكرر العطاس ثلاثًا، وحمد الله- يشمته، وقال بعض العلماء: إنه يقتصر على ثلاث؛ لأن العاطس يكون مزكومًا، ويدعو له بالعافية، وجاء هذا في أحاديث ضعيفة، وفيها حديث لا بأس به، ذكره أبو داود في سننه، ولفظه:((تُشَمِّتُ الْعَاطِسَ ثَلَاثًا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُشَمِّتَهُ فَشَمِّتْهُ، وَإِنْ شِئْتَ فَكُفَّ))
(2)
.
قال الأُبِّي رحمه الله: ((قوله: ((ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ مَزْكُومٌ)) قال النووي: يعني: أنك لست ممن يشمَّت بعد هذا؛ لأن هذا الذي بك مرض، فإن قيل: إذا كان مريضًا فكان الأولى أن يُدعى له؛ لأنه أحق بالدعاء من غيره، فالجواب: أنه يستحب أن يدعى له بالعافية، لا بدعاء العاطس. قلت: مذهب مالك: مَن تكرر منه العطاس أن يشمته ثلاثًا، ثم يمسك؛ لحديث أبي داود:((شَمِّتْ أَخَاكَ ثَلَاثًا، فَإِنْ زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ))، ووقع في
(1)
شرح مسلم، للنووي (18/ 120 - 121).
(2)
أخرجه أبو داود (5036)، والترمذي (2744).
الموطأ على الشك، قال: لا أدري أفي الثانية، أو في الثالثة؟ وحديث أبي داود هذا يرفع الشك، وأما حديث مسلم هذا فلم يذكر فيه أنه تكرر، وظاهره: أنه متى عرف أن العاطس مزكوم، أو تكرر فلا يشمته، ولعل الراوي لم يحضر إلا بعد الثالثة، أو لم يجعل باله إلا حينئذٍ))
(1)
.
[2994]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ- يَعْنُونَ: ابْنَ جَعْفَرٍ- عَنِ العَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ)).
[خ: 3289]
[2995]
حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنًا لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يُحَدِّثُ أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ)).
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ)).
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ)).
وَحَدَّثَنَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ.
(1)
إكمال إكمال المعلم، للأبي (7/ 301).
في هذا الحديث: أن التثاؤب من الشيطان، ومجموع ما ورد من النصوص حول التثاؤب: أنه يشرع للإنسان إذا تثاءب ثلاثة أمور:
الأول: أن يكتم ما استطاع.
الثاني: أن يجعل يده على فمه، سواء يده اليسرى، أو اليمنى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد ذلك.
الثالث: ألا يقول شيئًا، فلا يقول:((ها)) ولا يتكلم بقراءة ولا غيرها، وثبت في الحديث:((التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا، ضَحِكَ الشَّيْطَانُ))
(1)
.
قال القاضي عياض رحمه الله: ((وقوله: ((فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ))، قال الإمام المازري: قال ابن عرفة- فى قوله: {والكاظمين الغيظ} -: الكاظم: الممسك على ما في قلبه، وأصله: في الكظم للبعير، وهو أن يردد فى حلقه، وكظم فلان غيظه: إذا تجرعه، وكظم خصمه: إذا أجابه بالمسكت فأفحمه، وكظَّه كذلك- أيضًا.
قال القاضى: أمر النبى صلى الله عليه وسلم بكظم التثاؤب ورده، ووضع اليد على الفم؛ لئلَّا يبلِّغَ الشيطانَ العدوَّ أملَه فى المسلم بكل ما يسوءه، ويكره منه، من تشويه صورته، ودخوله فى فمه، وضحكه منه، وتفله فيه؛ ولهذا- والله أعلم- أمر المتثائب بالتفل؛ لطرح ما عسى أن يكون ألقاه الشيطان فى فيه، أو لما مسه من ريقه إن كان دخل))
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري (3289).
(2)
إكمال المعلم، للقاضي عياض (8/ 544).