الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَإِنْ تَكَرَّرَتِ الذُّنُوبُ وَالتَّوْبَةُ
[2758]
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ:((أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ)).
قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى: لَا أَدْرِي، أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ:((اعْمَلْ مَا شِئْتَ)).
[خ: 7507]
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زَنْجُويَةَ الْقُرَشِيُّ الْقُشَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَاصٌّ- يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ- قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّ عَبْدًا أَذْنَبَ ذَنْبًا))، بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَذَكَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَفِي الثَّالِثَةِ:((قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ)).
في هذان الحديثان: فضل الله سبحانه وتعالى وإحسانه إلى عباده، وأن التوبة مقبولة من العبد ما لم يغرغر، وما لم تطلع الشمس من مغربها، إذا كانت توبة صادقة نصوحًا قد استوفت شروطها.
قوله: ((اعْمَلْ مَا شِئْتَ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ))، وفي لفظ:((قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ)): ليس هذا إذنًا بالمعصية، ولكن المعنى: أن العبد إذا تاب فإن التوبة مقبولة، وأنه إذا كان كلما أذنب تاب، فإن الذنب مغفور بالتوبة، فإذا وُفق الإنسان للتوبة فإن الله تعالى يمحو بالتوبة هذا الذنب، ولو تكرر، ولكن على الإنسان أن يحذر من معاودة الذنب؛ فقد لا يوفَّق للتوبة.
وأما قوله تعالى: {اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير} ، وقوله تعالى:{وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} فهذا أمر للتهديد؛ ولهذا قال بعدها: {إنا أعتدنا للظالمين نارًا أحاط بهم سرادقها} .
[2759]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)).
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
في هذا الحديث: أن التوبة مقبولة ما لم تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها في آخر الزمان، وهي إحدى أشراط الساعة الكبرى المتأخرة فإن التوبة لا تُقبل، وكذلك إذا بلغت الروح الحلقوم فإن التوبة لا تقبل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ))
(1)
، ولقول الله تعالى:{وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار} .
والتوبة واجبة على كل إنسان على الفور؛ لأن الإنسان لا يدري متى يأتيه
(1)
أخرجه أحمد (6160).
الأجل، فالحزم كل الحزم أن يكون الإنسان مبادرًا في توبته بليله ونهاره، قال الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا} ، وقال سبحانه وتعالى:{وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} وهذا الأمر للوجوب وهو على الفور.
وكل الذنوب تُكفَّر حتى الشرك والكفر يمحوه الله بالتوبة، فقول الله تعالى:{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا} عامٌّ في التائبين؛ لأن الله قد عمم وأطلق {إن الله يغفر الذنوب جميعًا} ، يعني: لمن تاب، وأما قوله تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فهذه في غير التائبين؛ لأن الله خص الشرك بأنه لا يُغفر، وعلق ما دونه بالمشيئة فهي في غير التائبين، أما التائب فإن الله يغفر له الذنوب مهما عظمت؛ ولهذا عرض الله التوبة على النصارى، فقال سبحانه:{أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه} .
ومن التوبة الفاسدة: توبة الكاذبين، كمن يستغفر بلسانه، وقلبه معقود على المعصية، كمن يدعي أنه يتوب عن التعامل بالربا، وهو مقيم عليه.
وفيه: إثبات اليد لله عز وجل، والرد على من تأولها بالنعمة، أو القدرة، وهم الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم
(1)
.
وقو النووي: "بسط اليد استعارة في قبول التوبة" تأويل لا وجه له، وقوله:(أن اليد الجارحه مستحيلة في حق الله) فيه تشبيه لصفة الخالق بصفة المخلوق، وهو باطل، فالله تعالى لله يد حقيقة لما يليق بجلاله وعظمته.
وصفتا البسط والقبض صفتان على الحقيقة، لا استعارة فيهما ولا مجاز، والقرآن لا استعارة فيه ولا مجاز.
(1)
غاية المرام، للآمدي (ص 139).