الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ التَّوْبَةِ
بَابٌ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّوْبَةِ، وَالْفَرَحِ بِهَا
[2675]
حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:((قَالَ اللَّهُ عز وجل: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي، وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ)).
[خ: 7405]
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ- يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيَّ- عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا)).
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَاهُ.
التوبة هي الرجوع إلى الله عز وجل والندم والإقلاع عن المعاصي، والتوبة في اللغة: الرجوع، وشرعًا: رجوع العاصي عن معصيته وتركها. وللتوبة أركان ثلاثة:
الركن الأول: الإقلاع عن المعصية وتركها.
الركن الثاني: الندم على ما مضى والتأسف والتحسر.
الركن الثالث: العزم الصادق على عدم العودة إليها.
وإذا كانت المعصية بينه وبين الناس فيزاد ركن رابع: وهو التحلل من المعصية، وردُّ الظُّلامة إلى أهلها مالًا، أو بدنًا، أو عِرضًا.
ولا تصح التوبة إلا أن تكون قبل الموت، وقبل طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان.
قوله: ((أنَا عِندَ ظنِّ عَبدِي بِي)): فيه: أنه ينبغي للعبد أن يحسن ظنه بالله، مع إحسان العمل؛ لأن من حسُن عمله حسُن ظنه، ومن ساء عمله ساء ظنه.
وقوله: ((وأنا معَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي)): فيه: إثبات المعية الخاصة بالذاكرين، وهي تقتضي التأييد والتوفيق والتسديد والحفظ والكلاءة، وهناك معية عامة للمؤمن والكافر، وهي معية المراقبة والاطلاع، ونفوذ السمع والبصر، ونفوذ القدرة والمشيئة.
وقوله: ((ومَنْ تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليهِ ذِراعًا)): فيه: إثبات القرب لله عز وجل، وهو صفة من صفاته، والله يقرب من عبده، والقرب نوعان:
الأول: قرب لازم من قرب العبد، فإذا تقرب العبد إلى الله تقرب الله إليه، ومنه:{فاسجد واقترب} .
الثاني: قرب فعل يفعله سبحانه وتعالى، ويقوم بنفسه؛ كالمجيء والنزول، وهو قرب حقيقي.
وقوله: ((من تقرب إلى شبرًا تقربت إليه ذراعًا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)): هذا قرب حقيقي، وتأويل باطل، فتأويله بالرحمة- على طريقة الأشاعرة- تأويل بصفة أخرى، وتأويله بالإثابة تأويل بأثر الصفة، كتأويل الغضب بالعقاب، فكذلك تأويل القرب بالرحمة والإثابة تأويلٌ بالأثر.
وهذه صفات تليق بالله، لا تشبه صفات المخلوقين، ومن ثمرتها
وآثارها: أن الله أسرع بالخير والثواب من عبده، وأنه لا يقطع عنه الثواب حتى يقطع العمل.
وفي هذا الحديث: إثبات الفرح لله عز وجل، وهو من الصفات الفعلية، وهو كما يليق بجلال الله وعظمته، وليس هو الرضا كما تأوله المازري والقاضي عياض والنووي
(1)
، وكذلك تأويل الخطابي وابن فورك وابن حجر كله على طريقة الأشاعرة
(2)
، فتأويل الفرح بالرضا تأويل باطل، ونسبة النووي هذا المعنى إلى العلماء، مراده: علماء الأشاعرة، لا علماء السنة، فهم يؤولون الفرح بالرضا، ثم هم يؤولون الرضا بالثواب، فصفة الفرح غير صفة الرضا، والثواب أثر من آثار صفة الرضا، فلا تُتأول صفة بأخرى، أو تُتأول صفة بأثرها.
(1)
المعلم، للمازري (3/ 331)، إكمال المعلم، للقاضي عياض (8/ 240)، شرح مسلم، للنووي (17/ 60).
(2)
فتح الباري، لابن حجر (11/ 106).
[2744]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ- قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا، وقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ؛ حَدِيثًا عَنْ نَفْسِهِ، وَحَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ، وَعَلَيْهَا زَادُهُ، وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ)).
[خ: 6308]
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ:((مِنْ رَجُلٍ بِدَاوِيَّةٍ مِنَ الْأَرْضِ)). وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، حَدِيثَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ))، بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ.
[2745]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: خَطَبَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، فَقَالَ: لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ حَمَلَ زَادَهُ وَمَزَادَهُ عَلَى بَعِيرٍ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى كَانَ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَأَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ فَنَزَلَ، فَقَالَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، وَانْسَلَّ بَعِيرُهُ، فَاسْتَيْقَظَ فَسَعَى شَرَفًا، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ سَعَى شَرَفًا ثَانِيًا، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ سَعَى شَرَفًا ثَالِثًا، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَأَقْبَلَ حَتَّى أَتَى مَكَانَهُ الَّذِي قَالَ فِيهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ قَاعِدٌ إِذْ جَاءَهُ بَعِيرُهُ يَمْشِي حَتَّى وَضَعَ خِطَامَهُ فِي
يَدِهِ، فَلَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ مِنْ هَذَا حِينَ وَجَدَ بَعِيرَهُ عَلَى حَالِهِ.
قَالَ سِمَاكٌ: فَزَعَمَ الشَّعْبِيُّ أَنَّ النُّعْمَانَ رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَسْمَعْهُ.
[2746]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَجَعْفَرُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ جَعْفَرٌ: حَدَّثَنَا، وقَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ إِيَادٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((كَيْفَ تَقُولُونَ بِفَرَحِ رَجُلٍ انْفَلَتَتْ مِنْهُ رَاحِلَتُهُ، تَجُرُّ زِمَامَهَا بِأَرْضٍ قَفْرٍ، لَيْسَ بِهَا طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ، وَعَلَيْهَا لَهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ، فَطَلَبَهَا حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّتْ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ، فَتَعَلَّقَ زِمَامُهَا، فَوَجَدَهَا مُتَعَلِّقَةً بِهِ؟ ))، قُلْنَا: شَدِيدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَمَا وَاللَّهِ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ)).
قَالَ جَعْفَرٌ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ.
[2747]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ- وَهُوَ عَمُّهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ: مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ)).
[خ: 6309]
حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ إِذَا اسْتَيْقَظَ عَلَى بَعِيرِهِ قَدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضِ فَلَاةٍ)).
وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
في هذه الأحاديث: تصوير حال إنسان فقد راحلته في أرض صحراء مهلكة، ليس فيها أحد، وعليها طعامه وشرابه، وضلت عنه راحلته فطلبها، وفي اللفظ الآخر: أنه نام فلما استيقظ لم يجدها، فذهب ينظر إلى جميع الجهات ويطلبها حتى شق عليه وتعب فلم يجدها، فرجع إلى مكانه فنام ليموت؛ لأنه أيس من الحياة، فلما استيقظ وجدها عنده قائمة على رأسه بخطامها، وفي اللفظ الآخر: أنه أخذها وأمسك بخطامها، فماذا تكون حاله إذا وجدها؟ ! وكيف يكون فرحه؟ ! لا شك أن فرحه شديد، والله تعالى أشد فرحًا بتوبة عبده من هذا براحلته، لكن فرح الله لا يماثل فرح المخلوقين-كما سبق- بل هو وصف يليق بجلال الله وعظمته.
قوله: ((دَوِّيَّةٍ)) نقل النووي رحمه الله اتفاق العلماء على أنها بفتح الدال وتشديد الواو والياء، وهي الأرض القفر والفلاة الخالية
(1)
، وفي الرواية الثانية:((بِدَاوِيَّةٍ))، وجاء تفسيرها في الرواية الأخيرة بالأرض القفر - أي: التي لا نبات فيها-.
قوله: ((اللهمَّ أنتَ رَبِّي وأنَا عبدُكَ)): قال هذا لما فقد الراحلة وعليها طعامه وشرابه، وأيس منها، ثم نام ليموت، ثم لما استيقظ ووجدها عنده اندهش، وقال- من شدة الفرح يخاطب ربه-: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، فأخطأ، ولم يؤاخَذ، مع أن هذه كلمة كفرية.
فدل هذا على أن من تكلم بكلمة كفر مخطئًا لا يَكفر، وكذلك من تكلم بكلمة كفر جاهلًا لا يعلم، كما مر في حديث الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه، فتكلم واعتقد أنه لا يُبعث جهلا، حمله عليه الخوف العظيم من الله، لا عنادا ولا تكذيبا، فإنه لو كان عالما أو معاندا لكفر، قال شيخ
(1)
شرح مسلم، للنووي (17/ 61).
الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الرجل: ((كان يجهل ذلك ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده فخاف من عقابه فغفر الله له بخشيته، فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح لم يكن أسوأ حالا من الرجل فيغفر الله خطأه أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك فعظيم))
(1)
، وقال:((فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك. والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول أولى بالمغفرة من مثل هذا))
(2)
، قال تعالى:{من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} .
كذلك من تكلم بكلمة الكفر مخطئًا، أو متأولًا تأويلًا يُعذَر فيه لا يكفر، وإنما يكفر من تكلم بكلمة الكفر قاصدًا عالمًا ذاكرًا مختارًا.
(1)
الاستقامة، لابن تيمية (1/ 164 - 165).
(2)
مجموع الفتاوى، لابن تيمية (3/ 231).