الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الدُّخَانِ
[2798]
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ جُلُوسًا، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ بَيْنَنَا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ قَاصًّا عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ يَقُصُّ، وَيَزْعُمُ أَنَّ آيَةَ الدُّخَانِ تَجِيءُ، فَتَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ- وَجَلَسَ وَهُوَ غَضْبَانُ-: يَا أَيَّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ، مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِمَا يَعْلَمُ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا، فَقَالَ:((اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ))، قَالَ: فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجُوعِ، وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ أَحَدُهُمْ، فَيَرَى كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ جِئْتَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} قَالَ: أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الْآخِرَةِ؟ ! {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا
مُنْتَقِمُونَ}، فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ، وَآيَةُ الرُّومِ.
[خ: 4821]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ.
ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو كُرَيْبٍ- وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى- قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: تَرَكْتُ فِي
الْمَسْجِدِ رَجُلًا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ، يُفَسِّرُ هَذِهِ الْآيَةَ:{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} قَالَ: يَأْتِي النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دُخَانٌ، فَيَأْخُذُ بِأَنْفَاسِهِمْ حَتَّى يَأْخُذَهُمْ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ، مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ: أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ، وَحَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِمُضَرَ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، فَقَالَ:((لِمُضَرَ، إِنَّكَ لَجَرِيءٌ! ))، قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} قَالَ: فَمُطِرُوا، فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ قَالَ: عَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} قَالَ:
يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَاللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ.
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
[2799]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل:
{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} قَالَ: مَصَائِبُ الدُّنْيَا، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ- أَوِ: الدُّخَانُ- شُعْبَةُ الشَّاكُّ فِي الْبَطْشَةِ، أَوِ الدُّخَانِ.
قوله: ((عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ)): كنيته أبو الضحى.
وقوله: ((مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ))، يعني: ينبغي ألَّا يتكلفَ الإنسان عِلمَ ما لا يَعلم، بل لا يقول إلا ما يتيقن عِلمَه، فإذا كان لا يعلم فلا يستكبر، وليقل: الله أعلم، كما قال الشعبي رحمه الله:((لَا أَدْرِي نِصْفُ الْعِلْمِ))
(1)
؛ ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ: أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ))، وسبب غضب ابن مسعود رضي الله عنه من هذا القاصِّ: أنه حدَّث بما لا يَعرف.
قوله: ((اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ))، وفي الرواية الأخرى:((دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ)): والسنينُ التي أصابت الناسَ في زمن يوسف عليه السلام كانت سنينَ جدب وقحط، ثم أتى بعدها سنينُ خصب ورخاء، كما أخبر تعالى بقوله:{وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات} .
ولقد استجاب الله تعالى دعاءَ نبيه عليه الصلاة والسلام؛ فأصابتهم سنة استأصلت كل شيء، حتى أكلوا العظام والجلود والميتة من شدة الجوع، فصار أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من شدة الجوع.
فهذا هو الدخان الذي قال الله تعالى فيه: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} ، وقد مضى هذا الدخان، كما أخبر الحق تبارك وتعالى عن ذلك بقوله:{إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} .
(1)
أخرجه الدارمي (186).
وقد استدل ابن مسعود رضي الله عنه على أن هذا الدخان قد مضى في الدنيا بقوله: ((أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الْآخِرَةِ؟ ! ))، فهذا استفهام إنكار على من يقول: إن الدخان يكون يوم القيامة؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} ، ومعلوم أن كشف العذاب ثم عودهم لا يكون في الآخرة، إنما هو في الدنيا.
وكما أن العذاب قد مضى فقد مضت البطشة- أيضًا- وقد فسرها ابن مسعود رضي الله عنه بأنها ما أصابهم ((يَوْمَ بَدْرٍ)).
قوله: ((وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ، وَآيَةُ الرُّومِ)): اللزام المراد به: قوله سبحانه وتعالى: {فسوف يكون لزامًا} ، أي: يكون عذابهم لازمًا، قالوا: وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر، وهي البطشة الكبرى
((وَآيَةُ الرُّومِ))، أي: أنْ تَغلِبَ الرومُ الفرسَ، كما قال تعالى:{آلم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بضع سنين} ، فهذه الأربع كلها قد مضت في الدنيا.
وهذا الذي قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صحيح، إلا أنه خفي عليه ما دلت عليه نصوصٌ أُخَرُ، من أن هناك دخانًا آخر يأتي في آخر الزمان، وهو من أشراط الساعة الكبرى، وهو دخان يأخذ بأنفاس الكفار ويصيب المؤمنَ منه كهيئة الزكام
(1)
.
وقوله: ((وَالْقَمَرُ)): المراد به: انشقاق القمر حتى صار كل شق في جهة، وهو المراد في قوله تعالى:{اقتربت الساعة وانشق القمر} ، وهو معجزة من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن علامات نبوته، كما سيأتي في الباب الآتي.
وفي هذا الحديث: دليل على أن العالم قد تخفى عليه بعض مسائل العلم مهما كان علمه واسعًا.
(1)
أخرجه البخاري (4774)، ومسلم (2798).