الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ بَلْ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
[2816]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:((لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ))، قَالَ رَجُلٌ: وَلَا إِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! قَالَ: ((وَلَا إِيَّايَ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا)).
[خ: 6463]
وَحَدَّثَنِيهِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:((بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ))، وَلَمْ يَذْكُرْ:((وَلَكِنْ سَدِّدُوا)).
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ- يَعْنِي: ابْنَ زَيْدٍ- عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ))، فَقِيلَ: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! قَالَ: ((وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي رَبِّي بِرَحْمَةٍ)).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ)) قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! قَالَ: ((وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ))، وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ عَلَى رَأْسِهِ، ((وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ)).
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ أَحَدٌ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ)) قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! قَالَ: ((وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَدَارَكَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ)).
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبَّادٍ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ- مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ
الْجَنَّةَ)) قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! قَالَ: ((وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ)).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا أَنْتَ؟ ! قَالَ:((وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ)).
وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، كَرِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ، وَزَادَ:((وَأَبْشِرُوا)).
[2817]
حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((لَا يُدْخِلُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَلَا يُجِيرُهُ مِنَ النَّارِ، وَلَا أَنَا إِلَّا بِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ)).
[2818]
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ- زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ)) قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! قَالَ: ((وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ، وَإِنْ قَلَّ)).
وَحَدَّثَنَاهُ حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ:((وَأَبْشِرُوا)).
قوله: ((سَدِّدُوا وَقَارِبُوا))، أي: افعلوا السداد والصواب، وهو الوسط بين الغلو والتقصير، فإن لم تقدروا على فعل السداد فقاربوه.
وقوله: ((وَأَبْشِرُوا))، يعني: أبشروا بالخير إذا بذلتم وُسْعكم في فعل السداد والصواب.
وقوله: ((وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ))، يعني: العمل الدائم، ولو كان قليلًا أحسن من العمل الكثير الذي ينقطع، فالإنسانُ إذا واظب كلَّ ليلة على صلاة ركعتين، أو أربعٍ تطوعًا لله تعالى أفضلُ من أن يصلي اثنتي عشرة ركعة، ثم لا يواظب عليها.
وفي هذا الحديث- برواياته المتعددة وطرقه المختلفة-: دليل على أن العمل ليس عوضًا عن الجنة، ولا أن دخول الجنة يكون بالعمل، وإنما دخول الجنة يكون بفضل الله ورحمته، والعمل سبب في ذلك، فمن جاء بالسبب- الذي هو العمل- نالته رحمة الله، ومن لم يأتِ بالعمل فإن رحمته تعالى لن تناله، قال الله تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} ، أي: ليست الرحمة لكل أحد، وإنما هي للمتقين خاصة، والمتقي هو الموحد المؤمن.
والباءُ في قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ، وقوله تعالى:{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} باءُ السببية، وهي التي أثبتت الدخول.
وفي رواية أخرى في غير الصحيحين: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِعَمَلٍ)): قُلْنَا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((لَا، وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ عز وجل بِرَحْمَةٍ مِنْهُ- وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ))
(1)
، وعليه فالباء في قوله:((بِعَمَلٍ)): للعوض، وهي التي نفت الدخول
(2)
، والمعنى: أنه لن يدخل أحدٌ الجنة عوضًا عن عمله.
(1)
أخرجه أحمد (7479)، والطبراني في الكبير (493).
(2)
حادي الأرواح، لابن القيم (ص 88)، مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1/ 8).
وقد غلط في هذا الأشاعرة والمعتزلة؛ فالمعتزلة عكسوا، وقالوا: إن الباء التي في الإثبات- كالتي في قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} - فهي للعوض، قالوا: وعليه فإن العمل عوض عن الجنة، والعامل يستحق الثواب على الله تعالى، كما يستحق الأجير أجرته
(1)
.
وهذا من جهلهم؛ فقد سبق أن هناك فرقًا بين الباء التي سبقها نفي، وبين الباء التي وقعت في سياق الإثبات.
قال النووي رحمه الله في رده على المعتزلة-: ((اعلم أن مذهب أهل السنة: أنه لايثبت بالعقل ثواب ولاعقاب، ولا أيجاب ولاتحريم، ولاغيرها من أنواع التكاليف، ولاتثبت هذه كلها ولا غيرها إلا بالشرع، ومذهب أهل السنة- أيضًا-: أن الله تعالى لا يجب عليه شيء- تعالى الله عن ذلك-، بل العالم ملكه، والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين، وأدخلهم النار كان عدلًا منه، وإذا أكرمهم ونعَّمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه، ولو نعَّم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك، ولكنه أخبر- وخبره صدق- أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب المنافقين ويخلدهم فى النار عدلًا منه، وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل، ويوجبون ثواب الأعمال، ويوجبون الأصلح، ويمنعون خلاف هذا في خبط طويل لهم- تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع))
(2)
.
قلت: هذا الكلام من المعتزلة والأشاعرة منابذ للشرع.
وقال النووي- أيضًا- رحمه الله: ((وفي ظاهر هذه الأحاديث: دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته، وأما قوله تعالى:{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ، {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ
(1)
شرح الطحاوية، لابن أبي العز (2/ 643).
(2)
شرح مسلم، للنووي (17/ 159 - 160).
تَعْمَلُونَ} ونحوُهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يُدخَل بها الجنة فلا يعارض هذه الأحاديث، بل معنى الآيات: أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها، وقبولها برحمة الله تعالى وفضله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الأحاديث. ويصح أنه دخل بالأعمال، أي: بسببها، وهي من الرحمة، والله أعلم))
(1)
.
قلت: هذا هو الصحيح؛ فليس دخول الجنة بسبب الأعمال، والإمام النووي رحمه الله هنا خالف مذهب الأشاعرة، فكأنه رحمه الله مثل الحافظ ابن حجر رحمه الله، أحيانًا يميل إليهم وأحيانًا أُخَرَ يخالفهم، فدخول الجنة إنما هو برحمة الله عز وجل، ثم يقتسم الناسُ درجاتِ الجنان بأعمالهم.
(1)
شرح مسلم، للنووي (17/ 160 - 161).