الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[محل التمتع: ]
وتمتع بغير دبر، تعدد معناه، وتحريمه إجماعًا (1)، وحل لهما للزوج
(1) قال القرطبي في تفسيره: (3/ 94): "قد ذكر أبو عمر بن عبد البر أن العلماء لم يختلفوا في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به، إلا شيئًا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها، والفقهاء كلهم على خلاف ذلك، لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح، وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء، ولو كان موضعًا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج. وفي إجماعهم أيضًا على أن العقيم التي لا تلد لا ترد. والصحيح في هذه المسألة ما بيناه. وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرؤون من ذلك، لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث، لقوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ}، ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل، فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح، وهذا هو الحق. وقد قال أصحاب أبي حنيفة: إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم، ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض، فكان أشنع. وأما صمام البول فغير صمام الرحم. وقال ابن العربي في قبسه: قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه: الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين، وأخرج يده عاقدًا بها. وقال: مسلك البول ما تحت الثلاثين، ومسلك الذكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة، وقد حرم اللَّه تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة. فأولى أن يحريم الدبر لأجل النجاسة اللازمة. وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسًا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك، فنفر من ذلك، وبادر إلى تكذيب الناقل فقال: كذبوا علي، كذبوا علي، كذبوا علي! ثم قال: ألستم قومًا عربًا؟ ألم يقل اللَّه تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت! وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل: {أَنَّى شِئْتُمْ} شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها، إذ هي مخصصة بما ذكرناه، وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيًا بمتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم. وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه "تحريم المحل المكروه". ولشيخنا أبي العباس أيضًا في ذلك جزء سماه "إظهار إدبار، من أجاز الوطء في الأدبار".
قلت: وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة، ولا ينبغي لمؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه. وقد حذرنا من زلة العالم. وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا، وتكفير من فعله، وهذا هو اللائق به =
والسيد حتى نظر الفرج، لقوله تعالى:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، ومعناه عند جمهور الصحابة والتابعين وعند أئمة الفتوى: من أي جهة شئتم: خلف أو قدام، باركة ومستلقية ومضطجعة، وذكر الحرث دليل على أن الإتيان من محله المأذون شرعًا، فعن طاووس: كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن.
وما نسب لمالك من حله فهو منكر، وقيل له: نسبه إليك قوم من مصر. فقال: كذبوا علي ثلاثًا.
قال التفتازاني (1): من الاعتراض الواقع بين كلامين، وهو أكثر من
= رضي الله عنه. وكذلك كذب نافع من أخبر عنه بذلك، كما ذكر النسائي، وقد تقدم. وأنكر ذلك مالك واستعظمه، وكذب من نسب ذلك إليه. وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري حين أحمض بهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكرت له الدبر، فقال: هل يفعل ذلك أحد من المسلمين! وأسند عن خزيمة بن ثابت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أيها الناس إن اللَّه لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن". ومثله عن علي بن طلق. وأسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى امرأة في دبرها لم ينظر اللَّه تعالى إليه يوم القيامة" وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تلك اللوطية الصغرى" يعني إتيان المرأة في دبرها. وروي عن طاوس أنه قال: كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن. قال ابن المنذر: وإذا ثبت الشيء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استغني به عما سواه".
(1)
هو: مسعود بن عمر بن عبد اللَّه التفتازاني، سعد الدين، (712 - 793 هـ = 131 - 1390 م): من أئمة العربية والبيان والمنطق، ولد بتفتازان (من بلاد خراسان) وأقام بسرخس، وأبعده تيمورلنك إلى سمرقند، فتوفي فيها، ودفن في سرخس. كانت في لسانه لكنة. من كتبه (تهذيب المنطق - ط) و (المطول - ط) في البلاغة، و (المختصر- ط) اختصر به شرح تلخيص المفتاح، و (مقاصد الطالبين - ط) في الكلام، و (شرح مقاصد الطالبين - ط) و (النعم السوابغ - ط) في شرح الكلم النوابغ للزمخشري، و (إرشاد الهادي - خ) نحو، و (شرح العقائد النسفية - ط) و (حاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب - ط) في الأصول، و (التلويح إلى كشف غوامض التنقيح - ط) و (شرح التصريف العزي - ط) في الصرف، وهو أول ما صنف من الكتب، وكان عمره ست عشرة سنة، و (شرح الشمسية - ط) منطق، و (حاشية الكشاف - خ) لم تتم، و (شرح الأربعين النووية - ط). ينظر: الأعلام (7/ 219).