الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد:
(1) أبو الفتح عثمان بن جنى
(1)
هو أبو الفتح عثمان بن جنى؛ كان أبوه مملوكاً رومياً؛ وربما كان اسمه: (جنى) معرباً عن لفظ يوناني. هو (جنايس)؛ فقد قال ابن ماكولا في كتابه في المؤتلف والمختلف؛ وحكى لي إسماعيل بن المؤهل، أن أبا الفتح، كان يذكر أن أباه، كان فاضلاً، بالرومية؛ ويبدو من هذا: أن ابن جنى أراد تفسير اسم أبيه جنى الرومي، وأن معناه في العربية فاضل، فاللفظ اليوناني (جنايس)؛ معناه: كريم، نبيل، جيد التفكير عبقري، مخلص.
ومن هنا يبدو صدق تفسير ابن جنى لاسم أبيه (2).
وفي نزهة الألباء لابن الأنباري: أن أباه "جنى" كان مملوكاً لسليمان ابن فهد الأزدي الموصلي (3).
(1) ينظر في ترجمة ابن جنى: التيمية 1/ 77، ونزهة الألباء لابن الأبباري 407، 469، تاريخ بغداد للخطيب 11/ 311، ابن خلكان 385، الإرشاد لياقوت 5: 15 - 32، ودمية القصر للباخرزي 97، شذرات الذهب لابن العماد 3: 140، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي (حونبول) ص 548، (دار الكتب 4/ 205 بغية الوعاة للسيوطي 312، ومرآة الجنان 1/ 445، ومعجم الأدباء 12/ 81، وإنباه الرواة 2/ 335، وتاريخ أبي الفداء 2/وفيات 392 تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 2/ 244، تاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان 303.
(2)
الخصائص (المقدمة) 1/ 8.
(3)
نزهة الألباء 320.
وقد كان سليمان بن فهد يكتب في حداثته بين يدي أبي إسحاق، الصابئ الذي توفى في سنة 384 هـ. ثم انتقل إلى الموصل، فأقتنى بها ضياعاً؛ ونظر فيها، لقرواش أمير بني عقيل، وهو، معتمد الدولة، أبو المنيع، قرواش بن المقلد أحد أمراء العقيليين. وقد ولى الموصل سنة 391، إلى سنة 442 هـ.
ثم غضب عليه قرواش؛ فقتله سنة 411 هـ.
ومما يدلك على أن سليمان بن فهد صاحب قرواش هو مولى (جنى) أن ابن الزملدم الذي هجا ابن جنى قد هجا سليمان بن فهد صاحب قرواش في شعر، ذكره ابن الأثير، في باب (التخلص. والإقتضاب).
يقول ابن الأثير، ومما استطرف من هذا النوع في الشعر: قول ابن الزملدم الموصلي، وهو:
وليل كوجه البرقعيدي مظلم
…
وبرد أغانيه، وطول قرونه
سربت ونومي فيه نوم مشرد
…
كعقل سليمان بن فهد ودينه
على أولق فيه النفات؛ كأنه
…
أبو جابر، في خبطه وجنونه
إلى أن بداضوء الصباح، كأنه
…
سنا وجه قرواش وضوء جبينه
ثم يذكر ابن الأثير قصة هذه الأبيات فيقول: وهذه الأبيات لهما حكاية. وذاك أن هذا الممدوح - وهو شرف الدولة قرواش -، ملك العرب، وكان صاحب الموصل، فاتفق أنه كان جالساً مع ندمائه في ليلة من ليالي الشتاء، وفي جملتهم هؤلاء الذين هجاهم الشاعر.
وكان البرقعيدي، مغنياً، وسليمان بن فهد وزيراً، وأبو جابر حاجباً، فالتمس شرف الدولة من هذا الشاعر، أن يهجو المذكورين، ويمدحه فأنشد هذه الأبيات ارتجالاً، وهي غريبة في بابها، لم يسمع بمثلها، ولم يرض قائلها بصناعة التخلص وحدها، حتى رقي في معانيه المقصودة إلى أعلى منزلة.
فابتدأ البيت الأول بهجو البرقعيدي، فجاء في ضمن مراده ذكر أوصاف ليل الشتاء جميعها، وهي الظلمة والبرد والطول، ثم إن هذه الأوصاف الثلاثة جاءت ملائمة لما شبهت به مطابقة له وكذل البيت الثاني والثالث
ثم خرج إلى المديج بألطف وجه، وأدق صنعة، وهذا يسمي الاستطراد وما سمعت في هذا الباب بأحسن من هذه الأبيات (1)
كما أنك نجد تلك الأبيات في الكامل؛ لابن الأثير، وهي - أيضاً - في قرواش، وابن فهد، البرقعيدي، وأبي جابر، كما تجدها في معجم الأدباء، وأن الأبيات في هجاء سليمان بن فهد، الموصلي، ومدح قرواش ابن المقله، أمير بني عقيل مع تغيير يسير.
ولما لم يكن ابن جنى منتسباً إلى أصل عربي، فقد أحس بأن عليه أن يعوض هذا النقص (2)، فانكب على العلم يرتوي من معينه، ويأخذ بأسبابه حتى علت مكانته، وعظم قدره، مما جعل الثعالبي يقول: هو القطب في لسان العرب، وإليه انتهت الرياسة في الأدب. وكان الشعر أقل خلاله (3) لعظم قدره، وارتفاع حاله.
ولهذا يقول ابن جنى من قصيدة طويلة (4)
(1) المثل السائر 280
(2)
معجم الأدباء 12/ 115
(3)
يتيمة الدهر 1/ 108
(4)
نزهة الألباب 220
فإن أصبح بلا نسب
…
فعلمي في الورى نسى
على أني أؤول إلى
…
قروم، سادة نجب
قياصرة إذا نطقوا
…
أرم الدهر، ذو الخطبب
أولاك دعا النبي لهم
…
كفى شرفاً دعاء نبي
وقد نشأ ابن جنى بالموصل، وتعلم النحو بها، وممن أخذ عنهم في النحو أحمد بن محمد الموصلي الشافعي المعروف بالأخفش، وقرأ الأدب في صباه على أبي علي الفارسي وصحبه أربعين عاماً، وكان سبب صحبته لأبي على أن أبا علي قد سافر إلى الموصل، فدخل إلى الجامع، فوجد أبا الفتح عثمان ابن جنى يقرأ النحو وهو شاب، وكان بين يديه متعلم، وهو يكلمه في قلب الواو ألفاً نحو: قام، وقال، فاعترض عليه أبو علي فوجده مقصراً، فقال له أبو علي: زببت قبل أن تحصرم، ثم قام أبو علي ولم يعرفه ابن جنى، وسأل عنه فقيل له: هو أبو علي الفارسي النحوي، فأخذ في طلبه فوجده ينزل إلى السميريه، يقصد بغداد فنزل ممه في الحال ولزم وصاحبه من حينئذ إلى أن مات أبو علي، وخلفه ابن جنى، ودرس النحو ببغداد، وأخذ عنه.
وكان تبحر ابن جنى في علم التصريف، لأن السبب في صحبته لأبي علي، وتغربه عن وطنه، ومفارقة أهله، مسألة تصريفية (1)
ويبدوا أن ذلك اللقاء كان في سنة 327 هـ وهي السنة التي أغار فيها معز الدولة بن بويه على الموصل، ولعل أبا علي الفارسي كان في ركبه في تلك الغزوة
(1) نزهة الألباء 222
(2)
تاريخ الأمم الإسلامية 383
كما أخذ ابن جنى بعد ذلك عن كثير من رواة اللغة والأدب كأبي بكر محمد بن الحسن المعروف بابن مقسم، وهو من القراء وكان راوية ثعلب، وقد روى ابن جنى عنه أخبار ثعلب، وعلمه، وأبو الفرج الأصفهاني صاحب الأغاني المتوفى 356 هـ وأبي بكر محمد بن هرون الروباني عن أبي حاتم السجستاني، ومحمد بن سلمة عن أبي العباس المبرد.
وممن أخذ عنهم من الأعراب، ممن لم تفسد لغتهم: أبو عبد الله محمد بن العساف العقيلي التميمي.
وقد كانت له رحلات في طلب العلم، يدل عليها ما يقوله في إجازة أثبتها ياقوت في ترجمته "وما صح عنده - أيد الله - من جميع رواياتي، مما سمعته من شيوخي رحمهم الله، وقرأته عليهم بالعراق، والموصل، والشام، وغير هذه البلاد التي أتيتها، وأقمت بها"
ومن رواياته التي انتفع بها ابن منظور؛ ما قاله ابن جنى أخبرنا أبو صالح السليل، بن أحمد بن عيسى بن الشيخ، قال:
حدثنا عبد الله محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثنا الخليل بن أسد النوشجاني، قال: حدثنا محمد بن يزيد بن ريان، قال أخبرني رجل عن حماد الراوية، قال: أمر النعمان، فنسخت له أشعار العرب في الطنوج - قال: وهي الكراريس، - ثم دفنها في قصره الأبيض، فلما كان المختار ابن عبيد، قيل له: إن تحت القصر كنزاً، فاحتفره، فأخرج تلك الأشعار فمن ثم أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة (1)
(1) لسان العرب مادة (طنج)