الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجاز العقلي
لم يضع ابن جنى للمجاز العقلي باباً، ولم يفرد له فصلاً؛ ولم يميزه من المجاز اللغوي؛ وإنما جاء، في مثال، من أمثلته التي ضربها للمجاز عموماً.
وذلك أنه من خلال حديثه عن سعة المجاز، في اللغة العربية؛ قال: ألا تراك قد تقول: (قطع الأمير اللص)، ويكون القطع له بأمره لا بيده؛ فإذا قلت: قطع الأمير نفسه اللص؛ رفعت المجاز، من جهة الفعل، وصرت إلى الحقيقة؛ لكن يبقى عليك النجوز من مكان آخر؛ وهو قولك؛ اللص؛ وإنما لعله قطع يده، أو رجله؛ فإذا احتطت، قلت، قطع الأمير نفسه يد اللص، أو رجله.
وكذلك: (جاء الجيش أجمع)، ولولا، أنه قد كان يمكن أن يكون إنما جاء بعضه - وإن أغلقت المجيء على جميعه - لما كان لقولك: أجمع معنى (1).
وهكذا تجد أن ابن جنى قد نبه إلى أنه يمكن أن يكون في قولهم: (قطع الأمير اللص) مجازين:
أحدهما: في إسناد الفعل (قطع) إلى غير الأمير، ولكن بأمره.
والآخر: في (اللص)؛ لأنه ربما يكون قد قطع يده، أو رجله.
والأول مجاز عقلي علاقته السببية؛ والآخر: مجاز لغوي علاقته الكلية.
(1) الخصائص 2/ 450
وابن جنى بهذا؛ قد نبه إلى الفرق بين المجاز العقلي وإن لم يسمه بهذا الاسم - وبين المجاز اللغوي.
ولعل هذا المثال الذي بحث ابن جنى ما فيه من مجاز؛ بتلك الطريقة التي رأيتها، كان خيط النور الذي اهتدى به عبد القاهر في بيان الفرق بين المجاز العقلي والمجاز اللغوي:
فكما أن ابن جنى قد بحث في هذا المثال من جهتين: جهة الفعل الذي أردت إثباته، وهو القطع، وجهة من وقع عليه القطع وهو اللص فكذلك بحث عبد القاهر المجاز والجملة من هاتين الجهتين! مبيناً أنه من حقك إذا أردت أن تقضي في الجملة بمجاز أو حقيقة، أن تنظر إليها من جهتين:
إحداهما: أن تنظر إلى ما وقع بها من الإثبات، هو في حقه وموضعه، أم قد زال عن الموضع الذي ينبغي أن يكون فيه؟
والثانية: أن تنظر إلى المعنى المثبت، يعني ما وقع عليه الإثبات، كالحياة في قولك: أحيا الله زيداً، والشيب في قولك: أشاب الله رأسي، أثابت على الحقيقة، أم قد عدل به عنها؟ .
ثم بين أنه إذا مثل لك دخول المجاز على الجملة من الطريقين عرفت إثباتها على الحقيقة منها.
فمثال ما دخله المجاز من جهة الإثبات قوله:
وشيب أيام الفراق مفارقي
…
وأنشرن نفسي فوق حيث تكون
ومثال ما دخل المجاز في مثبته دون إثباته: قوله عز وجل: "أو من كان ميتاً فأحييناه، وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس"