الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النظم فقط، وأما فتحك (أن) عند تقديم الكاف، وكانت مكسورة، فلا اعتداد بها، لأن معنى الكسر باق بحاله (1).
ثم يطلق على الفروق التي تجدها بين نظم ونظم، اسم المزايا أو الخصائص، فيذكر أن السبب في أن أحالوا، في أشباه هذه المحاسن التي ذكرها، على اللفظ، أنها ليست بأنفس المعاني: بل هي زيادات فيها وخصائص؛ ألا ترى، إن ليست المزية التي تجدها لقولك:(كأن زيداً الأسد) على قولك (زيد كالأسد) شيئاً خارجاً عن التشبيه الذي هو أصل المعنى، وإنما هو زيادة فيه، وفي حكم الخصوصية في الشكل، نحو أن يصاغ خاتم على وجه، وآخر على وجه آخر، تجمعهما صورة الخاتم، ويفترقان بخاصية، وشيء، يعلم أنه لا يعمل منفرداً، ولما كان الأمر كذلك لم يمكنهم أن يطلقوا، اسم المعاني على هذه الخصائص، إذ لا يفترق الحال - حينئذ - بين أصل المعنى، وبين ما هو زيادة في المعنى، وكيفية له، وخصوصية فيه، فلما امتنع ذلك توصلوا إلى الدلالة عليها بأن وصفوا اللفظ في ذلك بأوصاف يعلم أنها لا تكون أوصافاً له من حيث هو لفظ" (2).
2 - التشبيه البليغ:
في استطاعتنا، أن نتبين هذه الصورة، من صور التشبيه - وهي الصورة التي أطلق عليها عبد القاهر: التشبيه على حد المبالغة، وأطلق عليها المتأخرون: مصطلح التشبيه البليغ - من خلال حديث ابن جنى عن
(1) دلائل الإعجاز
(2)
دلائل الإعجاز 173
"استخلاص معاني الأوصاف من الأعلام"، فقد قال فيه: ومن ذلك: ما أنشدناه، أبو علي رحمه الله من قول الشاعر:
أنا أبو المنهال بعض الأحيان
…
ليس على حبي بضؤلان
أنشدنيه رحمه الله ونحن في دار الملك، وسألني عما يتعلق به الظرف الذي هو:(بعض الأحيان) فخضنا فيه؛ إلى أن برد في اليد، من جهته أنه يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون أراد: أنا مثل أبي المنهال، فيعمل في الظرف - على هذا - معنى التشبيه أي: أشبه أبا المنهال في بعض الأحيان.
والآخر: أن يكون قد عرف من أبي المنهال، هذا الغناء، والنجدة، فإذا ذكر فكأنه ذكراً، فيصير معناه إلى أنه، كأنه قال: أنا المغنى، في بعض الأحوال، أو: أنا النجد في بعض تلك الأوقات، أفلا ترى، كيف انتزعت من العلم الذي هو (أبو المنهال) معنى الصفة والفعلية؟
ثم قال: رقد مر بهذا الوضع: الطائي الكبير، فأحسن فيه، واستوفى معناه، فقال:
فلا تحسبا هنداً، لها الغدر وحدها
…
سجيه نفس، كل غانية هند!
فقوله: (كل غانية هند) متناه في معناه، وآخذ لأقصى مداه، ألا ترى أنه كأنه قال؛ كل غانية غادرة، أو قاطعة، أو خائنة، أو نحو ذلك؟ ! .
ومنه قول الآخر:
إن الذئاب قد اخضرت براثنها
…
والناس كلهم بكر إذا شبعوا
أي: إذا شبعوا، تعادوا، وتغادروا، لأن بكراً هكذا فعلها.
ثم قال ابن جنى: ونحو من هذا - وإن لم يكن الاسم المقول عليه علماً - قول الآخر:
ما أمك اجتاحت المنايا
…
كل فؤاد عليك أم!
كأنه قال: كل فؤاد عليك حزين أو كئيب، إذ كانت الأم هكذا غالب أمرها لاسيما مع المصيبة وعند نزول الشدة.
ومن العلم - أيضاً - قوله:
أنا أبو بردة إذ جد الوهل
أي: أنا المغنى، والمجدي عند اشتداد الأمر" (1).
وهكذا نرى أن ابن جنى كان يسأل أبا علي الفارسي في مسألة نحوية بحتة، تمثلت في البحث عن متعلق للظرف في قوله:(أنا أبو المنهال بعض الأحيان). وأن أبا علي الفارسي قد نكر مع ابن جنى في هذه المسألة إلى أن وجد أبو علي أنه يحتمل تفسيرين:
أولهما: أن يكون قصده: أنا مثل أبي المنهال، أي أشبه أبا المنهال في بعض الأحيان.
والآخر: أن يكون قصده: أنا المغنى في بعض الأحوال، وأنا النجد في بعض تلك الأوقات، لأنه قد عرف عن أبي المنهال ذلك الغناء، وتلك النجدة.
(1) الخصائص 3/ 270
وسواء كان المعنى: أنا أشبه أبا المنهال في بعض الأحيان، أو كان المعنى: أنا المغنى في بعض الأحوال، فإن الأمر لا يعدو أن يكون تشبيهاً على حد المبالغة كما يقول عبد القاهر، أو تشبيهاً بليغاً على حد تعبير المتأخرين.
فقوله: (كل غانية هند) يقول ابن جنى في معناها: "كل غانية غادرة، أو قاطعة، أو خائنة، أو نحو ذلك، وهذا مساو لقولنا: كل غانية مثل هند في غدرها، أو قطيعتها، أو خيانتها، وإلا لما أخبر عن كل غانية بأنها هند.
وهكذا يقال في: (والناس كلهم بكر إذا شبعوا)، وقوله:(كل فؤاد عليك أم) وقوله: (أنا أبو بردة).
فقول ابن جنى في "والناس كلهم بكر إذا شبعوا": أي: إذا شبعوا تعادوا وتغادروا، لأن بكراً هذا فعلها، مساو لقولنا: والناس كلهم إذا شبعوا مثل بكر في تعاديها، وتغادرها، وقوله في:"كل فؤاد عليك أم" أي: كل فؤاد عليك حزين، أو كئيب، مساو لقولنا: كل فؤاد حزين عليك كالأم عند المصيبة، أو نزول الشدة، وقوله في "أنا أبو بردة إذ جد الوهل" أي: أنا المغنى والمجدي عند اشتداد الأمر، مساو لقولنا: أنا مثل أبي بردة في غنائه عند اشتداد الأمر.
ويزيد الإمام عبد القاهر هذه النقطة وضوحاً، بأن الاسم إذا كان مجتلباً لإثبات معناه، أو نفيه؛ بأن كان خبراً عن مبتدأ، أو منزلاً منزلة الخبر، بأن كان خبراً لكان، أو مفعولاً ثانياً لباب علمت، ويكون - أيضاً - حالاً، فإنه في هذه الحال يكون إما لإثبات وصف هو مشتق منه لذلك المبتدأ، كالانطلاق في قولك (زيد منطلق) أو لإثبات جنسية هو موضوع لها، كقولك: هذا رجل، فإذا امتنع في قولنا:(زيد أسد)