الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدلالات: هي اللفظية، والصناعية، والمعنوية
.
مراتبها: أقوى هذه الدلالات هي اللفظية، ثم تليها الصناعية، ثم تليها المعنوية ومن ذلك: جميع الأفعال ففي كل واحد منها الأدلة الثلاثة.
ففي (قام) - مثلاً - دلالة لفظه على مصدره، ودلالة بنائه على زمانه، ودلالة معناه على فاعله، فهذه ثلاث دلائل من لفظه، وصيغته، ومعناه.
وإنما كانت الدلالة الصناعية أقوى من المعنوية من قبل أنها، وإن لم تكن لفظاً فإنها صورة يحملها اللفظ، ويخرج عليها، ويستقر على المثال المعتزم بها، فلما كانت كذلك لحقت بحكمه، وجرت مجرى اللفظ المنطوق به، فدخلاً بذلك في باب المعلوم بالمشاهدة، وأما المعنى: فإنما دلالته لاحقه بعلوم الاستدلال، وليست في حيز الضروريات.
وذلك لأنك حين تسمع (ضرب) تعرف حدثه وزمانه، ثم تنظر فيما بعد، فتقول، هذا فعل ولابد له من فاعل، فليت شعري من هو؟ وما هو؟ فتبحث حينئذ، إلى أن تعلم الفاعل من هو؟ وما حاله من موضع آخر، لا من مسموع ضرب.
والألفاظ أدلة على إثبات معانيها:
فمن ذلك: قولهم: للسلم، (مرقاة) بكسر الميم وللدرجة (مرقاة) بفتحها فنفس اللفظ يدل على الحدث، وهو الرقى، وكسر الميم يدل على أنها مما ينقل، ويعتمل عليه، وبه، كالمطرقة، والمئزر، والمنجل، بكسر الميم فيها، ولكن فتح ميم مرفاه تدل على أنه مستقر في موضعه، كالمنارة والمثابة.
فنفس (رقي) يفيد معنى الارتقاء، وكسر الميم وفتحها يدلان على
ما سبق، من معنى الثبات، أو الانتقال وكذلك، الضرب، والقتل: نفس اللفظ يفيد الحدث فيهما، ونفس الصيغة تفيد فيهما صلاحهما للأزمنة الثلاثة.
وكذلك اسم الفاعل: نحو قائم وقاعد لفظه يفيد الحدث الذي هو القيام والقعود، وصيغته وبناؤه يفيد كونه صاحب الفعل.
وكذلك قطع وكسر: فنفس اللفظ ههنا، يفيد معنى الحدث، وصورته تفيد شيئين أحدهما، الماضي، والآخر: تكثير الفعل.
كما أن ضارب يفيد بلفظه الحدث، وببنائه الماضي، وكون الفعل من اثنين، وبمعناه على أن له فاعلاً (1).
فالدلالات - عند ابن جنى - هي: اللفظية، والصناعية، والمعنوية وهو يمثل لها بجميع الأفعال: فدلالة الفعل على الحدث - أي المصدر - في رأيه - هي اللفظية؛ ودلالته على زمانه هي: الصناعية، ودلالة معناه على فاعله، هي المعنوية.
غير أنه وجد أن الدلالة المعنوية لاحقة بعلوم الاستدلال، لأنك حين تسمع (ضرب) تعرف حدثه وزمانه، ثم تفكر بعد ذلك فيمن وقع منه الضرب من موضع آخر، لا من مسموع الضرب.
ومن هنا تجد: أن الدلالة اللفظية، غير الدلالة المعنوية؛ وهي التي يسميها عبد القاهر، الدلالة العقلية، لأن طريقها هو العقل.
وقد فرق عبد القاهر بين الدلالتين: اللفظية والعقلية - وهو يفرق
(1) الخصائص 3/ 101.
(10 - الخصائص)
بين المجازين واللغوي والفعلي - بأن مما يجب ضبطه في هذا الباب: أن كل حكم يجب في العقل وجوباً، حتى لا يجوز خلافه فإضافته إلى دلالة اللغة، وجعله مشروطاً فيها محال، لأن اللغة تجري مجرى العلامات والسمات، ولا معنى للعلامة والسمة حتى يحتمل الشيء ما جعلت العلامة دليلاً عليه وخلافه (1).
(1) أسرار البلاغة 300.