الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لتكثير المعنى، راجع إلى أن الألفاظ أدلة المعاني، فإذا ما زيد فيها شيء أوجبت القمة له زيادة المعنى به، وكذلك إذا انحرف به عن سمته وهديته كان ذلك دليلاً على حادث متجدد له (1).
وقد أفاد ابن الأثير من هذا الباب - في كتابه: المثل للسائر - إفادة كبيرة، بل إنه جعل "قوة اللفظ لقوة المعنى" هي النوع الثاني عشر من المقالة الثانية في الصناعة المعنوية (2)، ودلاً من أن يحمد لابن جنى صنيعه بتنبيه البلاغيين والنقاد، إلى ناحية مهمة من نواحي نقد الأساليب، للتعرف على أسرار صياغتها، وأسباب، ضعفها، أو قوتها، راح يقول: إن ابن جنى لم يورده كما أوردته أنا، ولم ينبه على ما نبهت عليه من النكت، وهذا يظهر بالوقوف على كلامي، وكلامه.
وقد ألم ابن الأثير بكل ما قاله ابن جنى، ولكنه نبه إلى ما يلي:
أولاً: أن هذا الباب إنما يعمد إليه لضرب من التوكيد، ولا يوجد إلا فيما فيه معنى الفعلية، كاسم الفاعل، واسم المفعول، وكالفعل نفسه، وذلك كما في قوله تعالى:"فقلت استغفروا ربكم أنه كان غفاراً"، لأن غفاراً، أبلغ في المغفرة من غافر وقوله تعالى:"إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين"، فالتواب هو الذي تتكرر منه التوبة مرة بعد مرة، وقوله تعالى: "فكبكبو فيها هم والغاوون، فإن معنى (كبكبوا) من الكب، وهو القلب، إلا أنه مكرر المعنى، وإنما استعمل في الآية دلالة على شدة العقاب، لأنه موضع يقتضي ذلك.
وليس من هذا الباب: زيادة التصغير، لأن الزيادة في الألفاظ لا توجب زيادة في المعاني إلا إذا تضمنت معنى الفعلية.
(1) الخصائص 3/ 268
(2)
المثل السائر 190
ثانياً: قد يستعمل هذا الباب في مقام المبالغة، فينعكس المعنى فيه إلى ضده كما جاء لأبي كرام التميمي من شعراء الحماسة:
لله تيم أي رمح طراد
…
لاقى الحمام، وأي نصل جلاد
ومحش حرب مقدم متعرض
…
للموت غير مكذب، حياد
فقد أراد الشاعر بلفظه (حياد) المبالغة في وصف شجاعة هذا الرجل فانعكس عليه المقصد، لأنه نفى كثرة الحيدودة عنه؛ فيكون بهذا حائداً وإذا وجدت منه مرة واحدة كان جبنا لا شجاعة. وكان الأولى أن يقول غير مذكب حائد.
ثالثاً: إذا وردت لفظة تحتمل التضعيف الذي هو طريق المبالغة، وتحتمل غيره، فإن اقتضى المقام حملها على المبالغة كان ذلك أولى.
رابعاً: إن قوة اللفظ لقوة المعنى، لا تستقيم إلا في نقل اللفظ من صيغة إلى صيغة أكثر منها، كنقل الثلاثي إلى الرباعي، وإلا فإذا كانت صيغة الرباعي مثلاً موضوعة لمعنى فإنه لا يراد به ما أريد من نقل الثلاثي إلى مثل تلك الصيغة وذلك كما في قول الله تعالى:"وكلم الله موسى تكليماً" فإن كلم على وزن قتل ولم يرد به التكبير، ومن هنا شذ قولهم في (عليم) إنه أبلغ من (عالم) لأن كلا منهما أربعة أحرف، وليس بينهما زيادة ينقل فيها الأدنى إلى الأعلى.