الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالأمر لا يعدو، أن يكون مجرد ادعاء زيادة أسماء الجهات، أو الطير، أو اللباس، لأنه قال:(كأنه زاد) ولم يقل: (أنه زاد)!
شيوع المجاز في اللغة العربية:
يذكر ابن جنى أن أكثر اللغة إذا تأملته مجاز "لا حقيقة" فعامة الأفعال، نحو: قام زيد، وقعد عمرو، وانطلق بشر، وجاء الصيف وانهزم الشتاء:
وذلك لأن الفعل يفيد معنى الجنسية، فقولك: قام زيد، معناه: كان منه القيام، أي هذا الجنس من الفعل، ومعلوم أنه لم يكن منه جميع القيام لأنه جنس، والجنس يطبق جميع الماضي، وجميع الحاضر، وجميع الآتي، من الكائنات من كل من وجد منه القيام، ولا يجتمع لإنسان واحد في وقت واحد القيام كله الداخل تحت الوهم، ولهذا فإن:(قام زيد) مجاز لا حقيقة، من وضع الكل موضع البعض.
والدليل على انتظام الفعل لجميع جنس القيام: أنك تعمله في جميع أجزائه، فتقول، قمت قومة، وقمت قومتين، ومائة قومة؛ وقياماً حسناً فإعمالك إياه في جميع أجزائه دليل على أنه موضوع عندهم على صلاحه لتناول الجنس كله.
ولهذا قال الشاعر:
لعمري لقد أحببتك الحب كله
…
وزدتك حباً، لم يكن قبل يعرف
فاستغرق الحب كله، واستوعبه.
وقال الآخر:
وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما
…
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا!
فقوله: (كل الظن) يدل على ما ذهب إليه ابن جنى.
وكذلك: قولك: (ضربت عمراً) مجاز - أيضاً - من جهة التجوز في الفعل، وهو أنك ربما تكون قد ضربت بعضه، لا جميعه، بأن تكون قد ضربت يده، أو إصبعه، أو ناحية من نواحي جسده، ولهذا إذا احتطاط الإنسان جاء ببدل البعض، فقال: ضربت زيداً، وجهه، أو رأسه، ومع ذلك يكون - أيضاً - متجوزاً لأنه قد يقول: ضربت زيداً رأسه، فيبدل للأحباط، وهو إنما ضرب ناحية من رأسه، لا رأسه كله، ولهذا يحتاط بعضهم في نحو هذا بأن يقول: ضربت زيداً وجهه الأيمن، أو ضربته أعلى رأسه الأسمق، لأن أعلى الرأس قد تختلف أحواله فيكون بعضه أرفع من بعض! ! على أن وقوع التوكيد في اللغة العربية، أقوى دليل على شيوع المجاز فيها واشتماله عليها، فأنت تقول: قطع الأمير اللص ويكون القطع له بأمره لا بيده، فإذا قلت: قطع الأمير نفسه اللص، رفعت المجاز من جهة الفعل، وصرت إلى الحقيقة، لكن يبقى عليك التجوز من مكان آخر، وهو قولك:(اللص) لأنه لعله قطع يده، أو رجله، فإذا احتطت قلت، قطع الأمير نفسه يد اللص، أو رجله.
وكذلك تقول: جاء الجيش أجمع، ولولا أنه يحتمل أن يكون المجيء من بعضه، لما كان لقولك (أجمع) معنى.
على أن المجاز إذا أكثر عندهم لحق بالحقيقة، واستعمل استعمالها ومن تأكيد المجاز قولنا: قام زيد قياماً، وجلس عمرو جلوساً، وذهب سعيد ذهاباً، لأن تلك الأمثلة من باب المجاز - كما سبق-، ومع ذلك فاالأفعال فيها مؤكدة بالمصدر.
فالمجاز شائع في اللغة العربية بدليل وجود التوكيد فيها، وهو إذا ما شاع، استعمل استعمال الحقيقة، فأكد كما نؤكد الحقيقة.
(12 - الخصائص)