الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاني المجازية للاستفهام
جاءت المعاني المجازية للاستفهام على لسان ابن جنى في خصائصه من خلال الأبواب التي عقدها لدراسة اللغة؛ ومن هذه الأبواب:
1 -
باب في إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول، ما لم يدع داع إلى الترك والتحول، وعلى هذا فإن الاستفهام الذي جاء به، إذا كان قد خرج عن معناه؛ فإنما ذلك لداع دعا إليه، وهو ما يسمى عند البلاغيين بالأغراض والمقاصد (1).
2 -
باب في التفسير على المعنى دون اللفظ؛ ومعنى هذا أن اللفظ قد يكون في صورته استفهاماً، ولكن معناه قد يخرج إلى الخبر، وهو موضع - كما يقول ابن جنى - قد اتعب كثيراً من الناس، واستهواهم، ودعاهم إلى سوء الرأي والاعتقاد، تعلقهم بظواهر هذه الأمان دون أن يبحثوا عن سر معانيها، ومعاقد أغراضها (2).
3 -
باب في نقض الأوضاع، إذ ضامها طارئ عليها، ومن ذلك: لفظ الاستفهام، إذا انضم إليه معنى التعجب صار خبراً؛ ولفظ الواجب إذا لحقته همزة التقرير عاد نفياً، وإذا لحقه لفظ النفي عاد إيجاباً أما تلك المعاني المجازية، التي جاءت على لسان ابن جنى للاستفهام؛ في كما يلي
1 - التحقيق:
فأما (هل): فقد أخرجت عن بابها، وهو الاستفهام، إلى معنى
(1) الخصائص 2/ 462
(2)
الخصائص 3/ 260
(9 - الخصائص)
(قد) وهو: التحقيق، وذلك نحو قول الله تعالى:"هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً (1)؟ " قالوا: معناه: قد أتى عليه ذلك.
ويرى العلامة ابن جنى أن هل يمكن أن تكون مبقاة في هذا الموضع على بابها، من الاستفهام، فكأنه قال - والله أعلم - هل أتى على الإنسان هذا؟ فلابد في جوابه من نعم؟ ملفوظا بها أو مقدرة أي: فكما أن ذلك كذلك، فينبغي للإنسان أن يحتقر نفسه، ولا يفخر بما فتح له.
وهذا كقولك لمن تريد الاحتجاج عليه بالله هل سألتني فأعطيتك؟ ! أم هل زرتني فأكرمتك؟ ! أي: فكما أن ذلك كذلك فيجب أن تعرف حقي عليك، وإحساني إليك.
ويؤكد هذا المعنى عندك: قول الله تعالى: "إنا خلقاً الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً، إنا هديناه السبيل" فعدد الله تعالى عليه أباديه وألطافه. وهذا المعنى الذي يقول به ابن جنى قريب من معنى التقرير، لأن الله تعالى، إنما أتى بالكلام على صيغة الاستفهام لأنه يعلم أن الإجابة لابد أن تكون بنعم وكأنه تعالى، أراد أن يقر الإنسان بحقه عليه، وإحسانه إليه.
ومن ذلك (2): قول الله تعالى: "يوم نقول لجهنم هل امتلأت؟ وتقول: هل من مزيد؟ "(3) فقد قالوا: معناه: قد امتلأت، وهو - كما يقول ابن جنى - تفسير على المعنى دون اللفظ، وهل مبقاة على استفهامها
(1) الإنسان 1
(2)
الخصائص 3/ 263
(3)
سورة ق 30
وذلك كقولك للرجل - لا تشك في ضعفه عن الأمر - هل ضعفت عنه؟ وللإنسان - يحب الحياة - هل تحب الحياة؟ أي: فكما تحبها، فليكن حفظك لها، وكما ضعفت عن هذا الأمر، فلا تتعرض لمثله، مما تضعف عنه، وكأن الاستفهام، إنما دخل هذا الموضع، ليتبع الجواب عنه، بأن يقال: نعم، فيحتج عليه باعترافه، فيجعل ذلك طريقاً إلى وعظه، أو تبكيته. من معنى التقرير، لأن الوعظ، والتبكيت إنما يكونان لمن أقر بخطئه.
والدليل على ذلك قول ابن جنى بعد هذا الكلام مباشرة: ولو لم يعترف في ظاهر الأمر به، لم يقو توقيفه عليه، وتحذيره من مثله، قوته إذا اعترف به، لأن الاحتجاج على المعترف أقوى منه على المنكر، أو المتوقف.
ثم يقول: فكذلك قوله سبحانه هل امتلأت؟ فكأنها قالت: لا، فقبل لها: بالغي في إحراق المنكر لذلك، فيكون هذا خطاباً في اللفظ لجهنم، وفي المعنى للكفار.
وكذلك جواب هذا من قولها: هل من مزيد؟ أي: أتعلم يا ربنا أن عندي مزيداً؟ فجواب هذا منه - عز اسمه - لا، أي: فكما تعلم أن لا مزيد، فحسبي ما عندي.
فعلى هذا قالوا - في تفسيره - قد امتلأت، فتقول: ما من مزيد (1).
(1) الخصائص 3/ 264