الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا القول سمع هرير كلب، فخاف أن يكون لطارق شر، فقيل، شر أهر ذا ناب أي: ما أهر ذا ناب إلا شر، تعظيماً عند نفسه أو عند مستمعه (1).
وقد فهم ابن جنى من تقديمهم النكرة على الفعل في هذا المثال: أنهم يريدون بذلك تأكيد الخبر، لأن عدم تقديمها، لا يفيد تأكيداً، لأن قولك ما قام إلا زيد، آكد من قام زيد، وقد جاء التوكيد من طريق القصر، فتقديم النكرة على الفعل هنا إنما هي لإفادة القصر.
وقد بين ابن جنى - أيضاً - أن الحال هنا تقضي التأكيد، لأن الأمر مهم، وقد راعي حال المخاطب، وحال المتلم جميعاً، عندما قال: "فقال: شر أهر ذا ناب، أي: ما أهر ذا ناب إلا شر، تعظيماً عند نفسه أو عند مستمعه.
فمطابقة الكلام لمقتضى الحال يجب أن ينظر فيها إلى حال المخاطب، والمتكلم - أيضاً - عند ابن جنى، خلافاً لما عليه المتأخرون الذين يقسمون الخبر باعتبار حال المخاطب، إلى ابتدائي، وطلبي، وإنكاري (2) ولم يراعوا حال المتكلم.
إفادة عبد القاهر من تلك المسألة:
وقد أفاد الإمام عبد القاهر من تلك المسألة؛ حيث أراد أن يثبت أن تقديم النكرة على الفعل يفيد الوحدة، أو الجنس، وهو يحتملهما معاً، إلا أنك إذا قصدت أحدهما دون الآخر، صار هذا الآخر - بأن لم يدخل في القصد - كأنه لم يدخل في دلالة اللفظ فإذا قلت:(رجل جاني) لم يصلح حتى تريد أن تعلمه أن الذي جاءك رجل لا امرأة ويكون كلامك مع من
(1) الخصائص 1/ 319
(2)
الإيضاح 12
قد عرف أن قد أتاك آت، فإن لم ترد ذاك كان الواجب أن تقول، جاءني رجل، فتقدم الفعل.
وقولهم (شر أهر ذا ناب) إنما قدم فيه (شر)، لأن المراد أن يعلم أن الذي أهر ذا الناب من جنس الشر، لا من جنس الخير فجزى مجرى أن تقول: رجل جاءني، تريد أنه رجل لا امرأة.
ثم يقول عيد القاهر - وهو يعني ابن جنى-: وقول العلماء: إنه إنما يصلح لأنه بمعنى: (ما أهر ذا ناب إلا شر) بيان لذلك ألا ترى أنك لا تقول: ما أتاني إلا رجل إلا حيث يتوهم السامع أنه قد أتتك امرأة؟ !
وذلك لأن الخبر بنقض النفي يكون حيث يراد أن يقصر الفعل على شيء، وينفي عما عداه فإذا قلت: ما جاءني إلا زيد كان المعنى إنك قد قصرت المجيء على زيد، ونفيته عن كل من عداه، وإنما يتصور قصر الفعل على معلوم، ومتى لم يرد بالنكره الجنس لم يقف منها السامع على معلوم، حتى، يزعم أني أقصر له الفعل علي، وأخبره، وأنه كان منه دون غيره.
فتقدم النكرة على الفعل في قولهم (شراهر ذا ناب) يفيد قصر الفعل على جنس الشر.
فالنكرة إذن على أصلها، من كونها لواحد من الجنس، إلا أن القصد منك لم يقع إلى كونه واحداً في قولك: أرجل أتاك أم امرأة؟ وإنما وقع إلى كونه من جنس الرجال، وعكس هذا إذا قلت أرجل أتاك أم رجلان؟ كان القصد منك، إلى كونه واحداً، دون كونه رجلاً (1).
فابن جنى قد اكتشف من قولهم: (شر اهر ذناب) أنهم إنما قالوا ذلك لإصلاح اللفظ، ليفيد التأكيد، عن طريق القصر، لأن أصل اللفظ هو:(أهر ذا ناب شر)، فقدموا النكرة على الفعل، فأفاد التركيب معنى
(1) دلائل الإعجاز 95