الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد يتضور أن يدخل المجاز للجملة من الطرفين جميعاً؛ كقول المتنبي:
وتحيي له مال الصوارم والفنا
…
ويقتل ما تحيي التبسم والجدا
ثم فرق الإمام عبد القاهر بين المجاز العقلي، والمجاز اللغوي، بأنه إذا وقع في الإثبات فهو ملتقى العقل، فإذا عرض في المثبت فهو ملتقى من اللغة (1).
ولهذا، فإن ما وقع من المجاز في الإثبات جدير بأن يسمي مجاز عقلياً، لأنه مستقى من العقل، وما وقع من المجاز في المثبت جدير بأن يسمى مجازاً لغوياً، لأنه مستقى من اللغة.
إسناد الفعل إلى مصدره:
من صور المجاز العقلي التي تعرض لها ابن جنى، في مواضع أخرى من كتابه: إسناد الفعل إلى مصدره، وذلك إذا وصف بالمصدر، مبالغة في كثرة الحدث، ويؤخذ من كلامه، أن المبالغة - هنا - تأتي من وجوه.
الأول: أن الوصف بالمصدر مفيد للوصف بجميع الجنس (2)، فإذا قيل: رجل عدل، فكأنه وصفه بجميع الجنس مبالغة، كما تقول: استولى على الفضل، وحاز جميع الرياسة والنبل، ولم يترك لأحد نصيباً في الكرم والجود، ونحو ذلك، فوصف بالجنس أجمع تمكيناً لهذا الموضع وتوكيداً
الثاني: أن من وصف بالمصدر، فقد جعل موصوفه نفس الحدث (3) وذلك كقلك: هذا رجل زور، وصوم
(1) أسرار البلاغة 297
(2)
الخصائص 2/ 202
(3)
الخصائص 3/ 189
ومنه قوله تعالى: "إن أصبح ماؤلم غوراً" أي: غائراً، وقول الخنساء
فإنما هي إقبال وإدبار
أي. مقبلة. مدبرة
والثالث: أنه إذا وصف بالمصدر، صار الموصوف كأنه - في الحقيقة - مخلوق من ذلك الفعل، وذلك لكثرةة تعاطيه له، واعتياده إياه وبدل على أن هذا معنى لهم، ومتصور في نفوسهم قوله:
ألا أصبحت أسماء جاذمة الجبل
…
وضنت علينا والضنين من البخل
أي: كأنه مخلوق من البخل لكثرة ما يأتي به منه.
ومنه قول الآخر:
وهن من الإخلاف والولعان
وقوله:
وهن من الأخلاف بعدك والمطل
وأصل هذا الباب - عند ابن جنى - قول الله عز وجل: "خلق الإنسان من عجل"، فقولك: هذا رجل دنف بكسر النون، أقوى إعراباً، لأنه هو الصفة المحضة غير المتجوزة ولكن قولك: هذا رجل دنف بفتح النون، أقوى معنى، لكونه كأنه مخلوق من ذلك الفعل (1).
الرابع: أن هذا المعنى الذي فهمه ابن جنى من الآية الكريمة "خلق الإنسان من عجل" وهو: أنه جعل الإنسان كأنه مخلوق من العجل نفسه لكثرة فعله إياه، واعتياده له، أقوى معنى من أن يكون أراد خلق العجل
(1) الخصائص 3/ 260
من الإنسان - على طريق القلب-؛ لأنه أمر اطرد، واتسع، فجملة على القلب يبعد في الصنعة، ويصغر المعنى، وكأن هذا المعنى، لما خفي على بعضهم - كما يقول ابن جنى - قال في تأويله: إن العجل هنا هو الطين.
ويرد ابن جنى على هذا الرأي: بأن هذا المعنى - وإن صح في اللغة - إلا أنه هنا لا يصح إلا أن يراد به نفس العجلة، والسرعة، بدليل قوله تعالى - عقبه - "سأريكم آياتي فلا تستعجلون" ونظيره قوله تعالى "وخلق الإنسان عجولاً"، "وخلق الإنسان ضعيفاً"، لأن العجلة ضرب من الضعف، لما تؤدن به من الضرورة والحاجة (1).
(1) الخصائص 2/ 204