‌4 - تجاهل العارف: - خصائص النظم في «خصائص العربية» لابن جني

دخله النفي (1). ويرتب على هذا، العلامة الدسوقي (2). أنه يصح أن يقال: إن الهمزة فيه للتقرير، كما يصح أن يقال: إنها للإنكار، ومثله قول الله تعالى "ألم نشرح لك صدرك؟ ! " و"ألم يجدك يتيما فآوى؟ ! ، فقد يقال: إن الهمزة للإنكار. وقد يقال: إنها للتقريرن وكلاهما حسن.

‌

‌4 - تجاهل العارف:

يذكر ابن جنى أن أوصاف الشعراء، في غزلهم، إذا جاءت على طريق الشك كانت أعذب للفظ، وأقرب إلى تقبل القول

فمذهبهم في الغزل ونحوه: أن يظهروا شكا، وتخالجا، ليظهروا قوة الشبه، استجكام الشبهه، ولا يقطعوا قطع اليقين ألبته، فينسبوا بذلك إلى الإفراط، وغلو الاشتطاط، وإن كانوا هم ومن بحضرتهم، ومن يقرا من بعد أشعارهم، يعلمون أن لا حيرة هناك ولا شبهة، ولن كذا خرج الكلام على الإحاطة بمحصول الحال (3)،

ولهذا قال ذو الرمة

أيا ظبية الوعساء بين جلاجل

…

وبين النقا أأنت أم أم سالم؟ !

وهذا مما لا يشك أحد، في أن كلامه ههنا قد خرج مخرج الشك، لما فيه من عذوبته، وظرف مذهبه.

ومنه قول الأخير:

أقول لظبي يرتعي وسط روضة

…

أأنت أحو ليلي؟ فقال يقال!

وهذا الأسلوب هو ما يسمى عند البلاغيين بتجاهل العارف، وقد وضعوه في علم البديع، ولكنه - وإن كان أسلوباً من أساليب البديع - إلا أنه قد خرج فيه الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معان أخرى مجازبة.

وقد ذكر ابن جنى أن المستفهم عن الشيء قد يكون عارقا به مع استفهامه في الظاهر عنه لكن غرضه في الاستفهام أشياء، ومنها:

1 -

أن يرى المسئول إنه خفى عليه ليسمع جوابه عنه.

2 -

أن يتعرف حال المسئول، هل هو عارف بما السائل عارف به.

3 -

أن يرى الحاضر غيرهما أنه بصورة السائل المسترشد، لما له في ذلك من الغرض،

4 -

أن يعد ذلك لما بعده مما يتوقعه، حتى إن حلف بعد أنه قد سأله عنه حلف صادقاً، فأوضح بذلك عذراً (1).

وقد ذكر العلامة السبكي (2). أنه قد جاء في المصباح، أن الاستفهام قد يأتي للمبالغة في المدح كقوله:

بدا، فراغ فؤادي حسن صورته

…

فقلت: هل ملك ذا الشخص أم ملك؟

أو في الذم، كقول زهير:

وما أدرى وسوف إخال أدرى

…

أقوم آل حصن أم فساء؟ !