الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنت السيد القادر، ونحو ذلك، وأما (أنت) فإن معها نفسها الاسم، وهو (أن) من (أنت)، فالاسم على كل حال حاضر.
الثالث: أن عبارة ابن الأثير: "وقد تعمق قوم في ذلك حتى قالوا: من الأدب ألا تخاطب الملوك ومن يقاربهم بكاف الخطاب" إنما هو ترجمة أمينة لقول ابن جنى: حتى دعا ذلك قوماً إلى أن زعموا أن الاسم هو المسمى، فلما أرادوا إعظام الملوك وإكبارهم تحاشوا وتجانفوا عن ابتذال أسمائهم التي هي شواهد وأدلة عليهم إلى الكناية بلفظ الغيبة" ومع هذا فإن ابن الأثير لم يشر إلى ابن جنى هنا.
4 - التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي وعكسه:
هذا الموضوع، قد تحدث عنه ابن جنى بعمق (1) وربما كان حديثه - هنا - المنبع الذي عرف منه البلاغيون سر التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي، وعن الماضي بلفظ المستقبل، وهو أن التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي، يفيد تحقق الوقوع، وأن التعبير عن الماضي بلفظ المستقبل، إنما هو لاستحضار الصورة الماضية.
وبعد أن بين ابن جنى - في باب المستحيل، وصحة قياس الفروع على فساد الأصول - أنه من المحال، أن تنقض أول كلامك بآخره، وذلك كقولك: قمت غداً، وسأقوم أمس ونحو هذا، ثم افترض أن معترضاً قال: فقد تقول: (إن قمت غداً قمت معك)، وتقول:(لم أقم أمس)، وتقول:(أعزك الله، وأطال بقاءك) فتأتي بلفظ الماضي ومعناه الاستقبال، وقال:(رجل من بني سلول):
(1) الخصائص 3/ 105
ولقد أمر على اللئيم يسبني
…
فمضيت ثمت قلت: لا يعنيني
أي: ولقد مررت وقال (الطرماح):
وإني لآتيكم تشكر ما مضى
…
من الأمر، واستيجاب ما كان في غد
أي: ما يكون، وقال:
أوديت إن لم تحب حبو المحتنك
أي: أودى - وأمثاله كثيرة (1):
ويجيب ابن جنى بأن هذه المواضع المتجوزة، وما كان نحوها قد ورد أكثرها فيما حكاه عن أبي علي الفارسي، الذي كان قد سأل أبا بكر محمد بن مقسم (2) عنه، في نحو هذا، فقال أبو بكر: كان حكم الأفعال: أن تأتي كلها بلفظ واحد، لأنها لمعنى واحد، غير أنه لما كان الغرض في صناعتها، أن تفيد أزمنتها، خولف بين مثلها، ليكون ذلك دليلاً على المراد فيها، قال: فإن أمن اللبس فيها جاز أن يقع بعضها موقع بعض، وذلك مع حرف الشرط؛ نحو:(إن قمت جلست)، لأن الشرط، معلوم أنه لا يصح إلا مع الاستقبال، وكذلك (لم يقم أمس)(3) وجب لدخول لم ما لولا
(1) الخصائص 3/ 331
(2)
الخصائص 1/ 38
(3)
الخصائص 3/ 331
هي لم يجز، .. ولأن المضارع أسبق في الرتبة من من الماضي؛ فإذا نفى الأصل كان الفرع أشد انتفاء.
وكذلك - أيضاً - حديث الشرط. في نحو إن قمت؛ جئت فيه بلفظ الماضي، الواجب تحقيقاً للأمر، وتثبيتاً له، أي: إن هذا وعده وفي به لا محالة كما أن الماضي واجب ثابت - لا محالة.
ونحو من ذلك: لفظ الدعاء، ومجيئه على صورة الماضي الواقع، نحو:(أيدك الله) و (حرسك الله)، إنما كان تحقيقاً له، وتفؤلاً بوقوعه أن هذا ثات بإذن الله، وواقع غير ذي شك؛ وعلى هذا يقول السامع للدعاء - إذا كان مريداً لمعناه - وقع إن شاء الله، ووجب - لا محالة - أن يقع ويجب.
فالغرض البلاغي من وضع الماضي موضع المضارع، هو: إرادة تحقق الوقوع والتأكيد على أنه واقع لا محالة، لأنه أراد الاحتياط للمعنى، فجاء بمعنى المضارع المشكوك في وقوعه بلفظ الماضي المقطوع بكونه، حتى كان هذا، قد وقع، وأستقر لا أنه متوقع مترقب (1)!
يقول ابن جنى بعد هذا الكلام، وهذا تفسير أبي علي عن ابي بكر؛ وما أحسنه!
ولله ابن جنى، ما أروعه، وهو يقدم لنا الفكرة رائعة، منسوبة إلى أصحابها الحقيقييين!
وأما وضع المضارع موضع الماضي، فقد ذكر ابن جنى أن الغرض
(1) الخصائص 3/ 331
منه إنما هو حكاية الحال الماضية، والحال لفظها - أبداً - بالمضارع؛ نحو قولك: زيد يتحدث، ويقرأ أي: هو في حال تحدث وقراءة.
وعلى نحو من حكاية الحال في نحو هذا؛ قولك: (كان زيد سيقوم أمس)، أي: كان متوقعاً منه القيام فيما مضى (1).
وقد وضع ابن الأثير هذا النوع من أساليب الكلام في القسم الثالث من الالتفات - في رأيه - وسماه: الإخبار عن الفعل الماضي بالمستقبل، وعن المستقبل، بالماضي (2)، وتابعه العلوي صاحب الطراز.
ولم يوافقه بقية المتأخرين على هذا الرأي، فوضعوه، في باب الاستعارة التبعية في الفعل. حيث تستعار صيغة الماضي لصيغة المضارع، للتنبيه على تحقق الوقوع، وأن ما هو للوقوع كالواقع، وتستعار صيغة المستقبل للماضي، لاستحضار الصورة العجيبة "أو حكاية الحال الماضية، وإن كان العلامة السبكي يرى أنه أشبه بالمجاز المرسل (3).
(1) الخصائص 3/ 332
(2)
المثل السائر 172
(3)
عروس الأفراح (شروح التلخيص) 4/ 111