الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالحذف - عند الخطيب القزويني - لابد له من قرينة، كوقوع الكلام جواباً عن سؤال، إما محقق، كقوله تعالى:"ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض، ليقولون الله" وقوله: "ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء، فأحيا به الأرض بعد موتها، ليقولن الله، وأما مقدر نحو:
ليبك يزيد ضارع لخصومه
وقراءة من قرأ: "يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال" وقوله: كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم" ببناء الفعل للمفعول.
ثم يذكر الخطيب فضل هذا التركيب - وهو بناء الفعل للمفعول - على خلافه - وهو ببناء الفعل للفاعل ونصب يزيد، من وجوه:
أحدهما: أن هذا التركيب يفيد إسناد الفعل إلى الفاعل مرتين، إجمالاً ثم تفصيلاً.
والثاني: أن نحو: "يزيد" فيه ركن الجملة، لا فضلة.
والثالث: أن أوله غير مطمع للسامع في ذكر الفاعل؛ فيكون عند ورود ذكره، كمن تيسرت له غنيمة من حيث لا يحتسب (1).
6 - أثر السجع في النفوس:
لا يعقد ابن جنى للسجع باباً مستقلاً، ولا يتحدث عنه من حيث تعريفه وإنما يأتي حديثه عن السجع عرضاً، من خلال حديثه في الرد على
(1) الإيضاح 51
من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ وإغفالها المعاني؛ وكأنما حديثه عن السجع إنما هو حديث عن المعاني؛ لا عن الألفاظ؛ لأن الألفاظ عنده خدم للمعاني؛ والعناية بالخادم عناية بالمخدوم؛ فالسجع عند العرب، والتزامها استمراره من بين الأدلة التي تقطع بأنها تعني بمعانيها قدر عنايتها بالألفاظ وهي كما تعني بألفاظها؛ فتصلحها، وتهذبها، وتراعيها، وتلاحظ أحكامها؛ بالشعر تارة، وبالخطب أخرى، وبالأسجاع التي تلتزمها، وتتكلف استمرارها، فإن المعاني أقوى عندها، وأكرم عليها، وأفخم قدراً، في نفوسها؛ لأن الألفاظ، لما كانت عنوان معانيها وطريقاً إلى إظهار أغراضها ومراميها، أصلحوها، ورتبوها، وبالغوا في تحييرها، وتحسينها ليكون ذلك أوقع في السمع، وأذهب بها، في الدلالة على القصد.
فالمثل إذا كان مسجوعاً، لذ لسامعه، فحفظه، فإذا هو حفظه، كان جديراً باستعماله، ولو لم يكن مسجوعاً، لم تأنس النفس به، ولا أنقت لمستمعه، وإذا كان كذلك لم تحفظه، وإذا لم تحفظه، لم تطالب أنفسها باستعمال ما وضع له، وجئ به من أجله.
وابن جنى بهذا، يبين لنا القيمة البلاغية للسجع، وهو تأثيره العجيب في النفوس فهو يجعلها تتقبل المعاني باستعذاب، وارتياح لإيقاعه، لما به من جرس آخد ممتع يجعل النفوس مشتافة لما وراءه من المعاني، والخواطر، والأفكار.
يقول ابن جنى: قال لنا أبو علي يوماً: قال أبو بكر، إذ لم تفهموا كلامي، فاحفظوه، فإنكم إذا حفظتموه. فهمتموه وكذلك الشعر: النفس له أحفظ و. إليه أسرع (1)
(1) الخصائص 1/ 216
ومن هنا نفهم السر في نظم القدماء لبعض العلوم العربية؛ وذلك لأن نظمها يسهل عليهم حفظها، وحفظها يؤدي إلى تكرارها على أفهامهم، وتكرارها على أفهامهم يؤدي إلى فهمها.
على أن ابن جنى لم يبين لنا متى يحسن السجع، ومتى يقبح، وذلك لأنه لم يكن قاصداً في موضعه هذا السجع قصداً، وإنما جاء ذكر السجع دليلاً على عناية العرب بمعانيها، لأنهم إنما يلجأون إليه حفاظاً على ما وراءه من المعاني.
وبعد: الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه، وسلم،
حسن إسماعيل عبد الرازق