المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أنواع الأعياد الزمانية المبتدعة] - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل في مفهوم العيد والحذر من التشبه بالكفار في أعيادهم]

- ‌[فصل في أعياد الكفار]

- ‌[بعض ما يفعله الناس من المسلمين من البدع في ذلك]

- ‌[النهي عن فعل ما يعين الكفار في أعيادهم]

- ‌[بيع الدار ونحوها للذمي وإجارتها له]

- ‌[ابتياع الذمي أرض العشر من مسلم]

- ‌[استئجار الأرض الموقوفة على الكنيسة وشراء ما يباع للكنيسة]

- ‌[قبول الهدية من أهل الذمة يوم عيدهم]

- ‌[ذبيحتهم يوم عيدهم وأنواع ذبائح أهل الكتاب]

- ‌[ما ذبح على النصب]

- ‌[ذبائح الجن المزعزمة]

- ‌[عودة إلى تفصيل القول فيما ذبح على النصب]

- ‌[فصل في صوم أيام عيد الكفار]

- ‌[فصل في صوم النيروز والمهرجان ونحوهما من أعياد المشركين]

- ‌[فصل في سائر الأعياد والمواسم المبتدعة]

- ‌[ما أحدث من المواسم والأعياد فهو منكر لوجهين]

- ‌[الأول دخول سائر الأعياد والمواسم المبتدعة في مسمى البدع المحدثات]

- ‌[الثاني اشتمالها الفساد في الدين]

- ‌[فصل في الأعياد الزمانية المبتدعة]

- ‌[أنواع الأعياد الزمانية المبتدعة]

- ‌[فصل في الأعياد المكانية المبتدعة]

- ‌[فصل في أنواع الأعياد المكانية]

- ‌[النوع الأول مكان لا خصوص له في الشريعة]

- ‌[بعض الأمكنة والقبور التي ابتدعها الناس]

- ‌[فصل في النوع الثاني من الأمكنة]

- ‌[النوع الثاني ما له خصيصة لا تقتضي اتخاذه عيدا]

- ‌[إطلاق العيد على المكان الذي يقصد الاجتماع فيه]

- ‌[ما يتصل بالقبور من زيارتها والصلاة عندها واتخاذها مساجد والبناء عليها]

- ‌[أنواع من المحرمات]

- ‌[الدعاء عند القبور]

- ‌[رد القول بأن الأمة أجمعت على استحسان الدعاء عند القبور]

- ‌[أثر العبادة والدعاء عند القبور ليس دليلا على استحسانها]

- ‌[أنواع الشرك]

- ‌[الدعاء بعد تحية النبي صلى الله عليه وسلم عند القبر]

- ‌[تفنيد ما ورد في استحباب الدعاء عند القبر]

- ‌[بعض بدع القبور]

- ‌[فصل في عدم جواز سائر العبادات عند القبور]

- ‌[فصل في العكوف عند القبور ومجاورتها وسدانتها]

- ‌[فصل في مقامات الأنبياء وحكم قصدها]

- ‌[أقوال العلماء وبيان القول الصحيح وأدلته]

- ‌[الأمكنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد الصلاة أو الدعاء عندها]

- ‌[الاستسقاء بأهل الخير الأحياء إنما يكون بدعائهم]

- ‌[التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة]

- ‌[التوسل بالأنبياء والصالحين يكون بطاعتهم واتباعهم أو بدعائهم وشفاعتهم]

- ‌[المساجد التي تشد إليها الرحال]

- ‌[فصل في المسجد الأقصى]

- ‌[فصل في عدم اختصاص بقعة بقصد العبادة إلا المساجد]

- ‌[أقوال الناس في الشفاعة والقول الحق في ذلك]

- ‌[أصل التوحيد الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب]

- ‌[أصل دين الأنبياء واحد وإنما تنوعت الشرائع]

- ‌[غلط طوائف في مسمى التوحيد وبيان الحق في ذلك]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[أنواع الأعياد الزمانية المبتدعة]

[فصل في الأعياد الزمانية المبتدعة]

[أنواع الأعياد الزمانية المبتدعة]

فصل قد تقدم أن العيد يكون اسمًا لنفس المكان، ولنفس الزمان، ولنفس الاجتماع. وهذه الثلاثة قد أحدث منها أشياء:

أما الزمان فثلاثة أنواع، ويدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال:

أحدها: يوم لم تعظمه الشريعة أصلًا، ولم يكن له ذكر في السلف، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه: مثل أول خميس من رجب (1) وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب (2) فإن تعظيم هذا اليوم والليلة، إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة، وروي فيه حديث موضوع باتفاق العلماء، مضمونه: فضيلة صيام ذلك اليوم وفعل هذه الصلاة، المسماة عند الجاهلين بصلاة الرغائب (3) وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين من العلماء من الأصحاب وغيرهم.

والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم: النهي عن إفراد هذا اليوم (4) بالصوم، وعن هذه الصلاة المحدثة، وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم

(1) انظر: تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب، لابن حجر العسقلاني (ص23) .

(2)

انظر: ما قاله العلماء عن هذه الصلاة المزعومة وما ورد فيها من الحديث الموضوع في: تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب، رسالة لابن حجر العسقلاني (مطبوعة) تصحيح الشيخ عبد الله الجبرين، والمنار المنيف لابن القيم (ص95)(تحقيق أبو غدة) ، واللآلئ المصنوعة (2 / 55ـ56) .

(3)

نفس التعليق السابق.

(4)

في (د) : النوع.

ص: 121

من صنعة الأطعمة، وإظهار الزينة، ونحو ذلك حتى يكون هذا اليوم بمنزلة غيره من الأيام، وحتى لا يكون له مزية أصلًا.

وكذلك يوم آخر في وسط رجب، يصلى فيه صلاة تسمى صلاة أم داود (1) فإن تعظيم هذا اليوم لا أصل له في الشريعة أصلًا.

النوع الثاني (2) ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره، من غير أن يوجب ذلك جعله موسمًا، ولا كان السلف يعظمونه: كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بغدير خم مرجعه من حجة الوداع، فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه خطبة وصى فيها باتباع كتاب الله، ووصى فيها بأهل بيته كما روى ذلك مسلم في صحيحه (3) عن زيد بن أرقم رضي الله عنه (4) . فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلافة بالنص الجلي، بعد أن فرش له، وأقعده على فراش عالية، وذكروا كلامًا وعملًا قد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك شيء، وزعموا أن الصحابة تمالئوا على كتمان هذا النص، وغصبوا الوصي حقه، وفسقوا وكفروا، إلا نفرًا قليلًا.

(1) لعلها الصلاة المذكورة في ليلة النصف من رجب. انظر: اللآلئ المصنوعة (2 / 57) .

(2)

يعني من الأعياد الزمانية.

(3)

جاء ذلك في حديث طويل أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الحديث رقم (2408) ، (4 / 1873)، وقد جاء فيه:(وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) كررها ثلاث مرات.

(4)

هو الصحابي الجليل: زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان الخزرجي، حضر الخندق ـ وهي أول مشاهده ـ مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنه يوم أحد استصغره ورده، وشهد سبع عشرة غزوة. وهو الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم بقول المنافق عبد الله بن أبي " لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ " وأنزل الله تصديقه في سورة المنافقون، وشهد صفين مع علي، ومات بالكوفة سنة (66هـ) . انظر: الإصابة (1 / 560) ، (ت2873) .

ص: 122

والعادة التي جبل الله عليها بني (1) آدم، ثم ما كان القوم عليه من الأمانة (2) والديانة، وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق يوجب العلم اليقيني بأن مثل هذا ممتنع (3) كتمانه.

وليس الغرض الكلام في مسألة الإمامة، وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم عيدًا محدث لا أصل له، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم-من اتخذ ذلك اليوم عيدًا، حتى يحدث فيه أعمالًا. إذ الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الاتباع، لا الابتداع.

وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة: مثل يوم بدر، وحنين، والخندق، وفتح مكة، ووقت هجرته، ودخوله المدينة، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين. ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعيادًا. وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع. وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه.

وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمًا. والله قد يثيبهم (4) على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع- من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا. مع اختلاف الناس في مولده. فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا (5) محضا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص.

(1) في (أ) : بنو.

(2)

قوله: من الأمانة والديانة: سقط من (أد ط) .

(3)

في (ج د) : يمتنع.

(4)

في (ب) : يثبتهم.

(5)

في المطبوعة: اختلاف في العبارة. راجع: (ص295) سطر (2) من المطبوعة.

ص: 123

وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه (1) طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان. وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حراصًا (2) على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حسن القصد، والاجتهاد الذين (3) يرجى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في (4) أمر الرسول، عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه وبمنزلة من يزخرف المسجد، ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلًا، وبمنزلة من يتخذ المسابيح (5) والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع، ويصحبها من الرياء والكبر، والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها، كما جاء في الحديث:«ما ساء عمل أمة قط إلا زخرفوا مساجدهم» (6) .

واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير، لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضًا شر، من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل

(1) في (ب) : هذا.

(2)

في المطبوعة: حرصاء.

(3)

كذا في (ط) : (الذين)، ولعل المراد (اللَّذَين) للمثنى. وفي باقي النسخ:(الذي) .

(4)

في (ب) : عن. وفي (ط) : من.

(5)

المسابيح جمع مسبحة، وسبحة، وهي خرزات يُسبَّح بها. انظر: مختار الصحاح، مادة (س ب ح) ، (ص282) ، ويزعم الذين يستخدمون المسابيح أنها تعينهم على ضبط عد التسبيح والذكر، لكن المتصوفة يضيفون عليها شيئًا من القداسة والتبرك والاعتقادات الباطلة، ويكاد بعضهم لا يذكر الله ويسبحه دون اصطحابها، مع أنها مبتدعة لا أصل لها في دين الله، لا سيما إذا اعتقد فيها فضيلة.

(6)

الحديث أخرجه ابن ماجه، في كتاب المساجد، باب تشييد المساجد، الحديث رقم (741) ، (1 / 244، 245)، وقال السيوطي في الجامع الصغير (2 / 497) :(حديث حسن) ، الحديث رقم (7918) .

ص: 124

خيرًا (1) بالنسبة إلى [ما اشتمل عليه من أنواع المشروع وشرًا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من](2) الإعراض عن الدين بالكلية كحال المنافقين والفاسقين (3) وهذا قد ابتلى به أكثر (4) الأمة في الأزمان المتأخرة، فعليك هنا بأدبين:

أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنًا وظاهرًا، في خاصتك وخاصة من يطيعك. وأعرف المعروف وأنكر المنكر.

الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه، ولكن إذا كان في البدعة من الخير، فعوض عنه من الخير (5) المشروع بحسب الإمكان، إذ النفوس لا تترك شيئًا إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرًا إلا إلى مثله أو إلى خير منه، فإنه كما أن الفاعلين لهذه البدع معيبون قد أتوا مكروهًا، فالتاركون أيضًا للسنن مذمومون، فإن منها ما يكون واجبًا على الإطلاق، ومنها ما يكون واجبًا على التقييد، كما (6) أن الصلاة النافلة لا تجب. ولكن من أراد أن يصليها يجب عليه (7) أن يأتي بأركانها، وكما يجب على من أتى الذنوب من الكفارات والقضاء والتوبة والحسنات الماحية، وما يجب على من كان إماما، أو قاضيا، أو مفتيا، أو واليا من الحقوق، وما يجب على طالبي العلم، أو نوافل العبادة من الحقوق.

(1) في المطبوعة: شرًا. وهو قلب للمعنى المراد.

(2)

ما بين المعكوفين أثبته من (ب) فقط، وسقط من بقية النسخ والمطبوعة.

(3)

في (أ) : والفاسدين.

(4)

في (أ) : كثير.

(5)

قوله: فعوض عنه من الخير: ساقطة من (د) .

(6)

كما: ساقطة من (أ) .

(7)

عليه: سقطت من (ج د) .

ص: 125

ومنها: ما يكره المداومة على تركه كراهة شديدة.

ومنها: ما يكره تركه أو يجب فعله على الأئمة دون غيرهم وعامتها يجب تعليمها والحض عليها والدعاء إليها.

وكثير من المنكرين لبدع العبادات والعادات تجدهم مقصرين في فعل السنن من ذلك، أو الأمر به. ولعل حال كثير منهم يكون أسوأ من حال من يأتي بتلك العبادات المشتملة على نوع من الكراهة. بل الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه، فلا ينهى عن منكر إلا ويؤمر بمعروف يغني عنه كما يؤمر بعبادة الله سبحانه، وينهى عن عبادة ما سواه، إذ رأس الأمر شهادة أن لا إله إلا الله، والنفوس خلقت لتعمل، لا لتترك، وإنما الترك مقصود لغيره، فإن لم يشتغل بعمل صالح، وإلا لم يترك العلم السيئ، أو الناقص، لكن لما كان من الأعمال السيئة ما يفسد عليها العمل الصالح، نهيت عنه حفظًا للعمل الصالح.

فتعظيم المولد، واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه (1) أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس، ما يستقبح من المؤمن المسدد. ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحف ألف دينار، أو نحو ذلك فقال: دعهم، فهذا أفضل ما أنفقوا فيه الذهب، أو كما قال. مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة. وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجويد (2) الورق والخط. وليس مقصود أحمد هذا، إنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة، وفيه أيضًا مفسدة كره لأجلها. فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا، وإلا اعتاضوا بفساد (3) لا صلاح

(1) في: سقطت من (أ) .

(2)

في المطبوعة: تجديد.

(3)

في المطبوعة: بالفساد الذي لا صلاح فيه.

ص: 126

فيه، مثل أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور: من كتب الأسمار أو الأشعار، أو حكمة فارس والروم.

فتفطن لحقيقة الدين، وانظر ما اشتملت عليه الأفعال من المصالح الشرعية، والمفاسد، بحيث تعرف ما مراتب المعروف، ومراتب المنكر، حتى تقدم أهمها عند الازدحام، فإن هذا حقيقة العلم بما جاءت به الرسل، فإن التمييز بين جنس المعروف، وجنس المنكر، أو جنس الدليل، وغير الدليل، يتيسر كثيرًا (1) .

فأما مراتب المعروف والمنكر، ومراتب الدليل، بحيث يقدم عند التزاحم أعرف المعروفين (2) وينكر أنكر المنكرين، ويرجح أقوى الدليلين، فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين.

فالمراتب ثلاث: أحدها: العمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه.

والثانية (3) العمل الصالح من بعض وجوهه، أو أكثرها إما لحسن القصد، أو لاشتماله مع ذلك على أنواع من المشروع.

والثالثة (4) ما ليس فيه صلاح أصلًا: إما لكونه تركا للعمل الصالح مطلقًا، أو لكونه عملًا فاسدًا محضًا.

(1) انظر: رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للمؤلف. طبعت مستقلة في كتاب بتحقيق صلاح الدين المنجد. وانظر: مجموع الفتاوى (28 / 121 ـ 171) ، للمؤلف أيضًا.

(2)

في المطبوعة زاد: فندعو إليه.

(3)

في (د) : والثاني.

(4)

في (أب د) : والثالث.

ص: 127

فأما الأولى: فهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، باطنها وظاهرها، قولها وعملها، في الأمور العلمية والعملية مطلقًا، فهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه، والأمر به وفعله على حسب مقتضى الشريعة، من إيجاب واستحباب، والغالب على هذا الضرب: هو أعمال السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان.

وأما المرتبة الثانية: فهي كثيرة جدًا في طرق المتأخرين من المنتسبين إلى علم أو عبادة، ومن العامة أيضًا، وهؤلاء خير ممن لا يعمل عملًا صالحًا مشروعًا، ولا غير مشروع، أو من يكون عمله من جنس المحرم: كالكفر والكذب والخيانة، والجهل. ويندرج في هذا أنواع كثيرة.

فمن تعبد ببعض هذه العبادات المشتملة على نوع من الكراهة: كالوصال في الصيام، وترك جنس الشهوات (1) ونحو ذلك، أو قصد إحياء ليال لا خصوص لها: كأول ليلة من رجب، ونحو ذلك، قد يكون حاله خيرًا من حال البطال (2) الذي ليس فيه حرص على عبادة الله وطاعته. بل كثير من (3) هؤلاء الذين ينكرون هذه الأشياء، زاهدون في جنس عبادة الله: من العلم النافع، والعمل الصالح، أو في أحدهما -لا يحبونها ولا يرغبون فيها، لكن (4) لا يمكنهم ذلك في المشروع، فيصرفون قوتهم إلى هذه الأشياء، فهم بأحوالهم منكرون للمشروع وغير المشروع، وبأقوالهم لا يمكنهم إلا إنكار غير المشروع.

(1) أي المباحة التي لم يؤمر بتركها.

(2)

قال في مختار الصحاح: وبطل الأجير يبطل، بالضم، بطالة بالفتح، أي تعطل، فهو بطّال. مختار الصحاح، مادة (ب ط ل) ، (ص56) . فهي بمعنى الكسول عن عبادة الله وطاعته.

(3)

من: سقطت من (أ) .

(4)

لكن: سقطت من (ب) .

ص: 128

ومع هذا: فالمؤمن يعرف المعروف وينكر المنكر، ولا يمنعه من ذلك موافقة بعض المنافقين له، ظاهرًا في الأمر بذلك المعروف، والنهي عن ذلك المنكر، ولا مخالفة بعض علماء المؤمنين. فهذه الأمور وأمثالها مما ينبغي معرفتها، والعمل بها.

النوع الثالث (1) ما هو معظم في الشريعة: كيوم عاشوراء، ويوم عرفة، ويومي العيدين والعشر (2) الأواخر من شهر رمضان والعشر الأول من ذي الحجة، وليلة الجمعة ويومها، والعشر الأول من (3) المحرم، ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة.

فهذا الضرب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة، وتوابع ذلك، ما يصير منكرًا ينهى عنه. مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء، في يوم عاشوراء، من التعطش، والتحزن والتجمع (4) وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من السلف، لا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من غيرهم (5) لكن لما أكرم الله فيه سبط نبيه (6) أحد سيدي شباب (7) أهل الجنة، وطائفة من أهل بيته، بأيدي الفجرة الذين

(1) هذا هو النوع الثالث من الأعياد الزمانية، والأول مضى ص121 والثاني ص122.

(2)

العشر: ساقطة من (أ) .

(3)

قوله: والعشر الأول من المحرم: سقطت من (أط د) .

(4)

في (ب) : التجميع.

(5)

إنما تفعل ذلك الرافضة.

(6)

يقصد إكرامه بالشهادة حيث قتل شهيدًا.

(7)

قد جاء ذلك في حديث أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، وقال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح) . انظر: سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب الحسن والحسين، الحديث رقم (3768) ، (5 / 656) ، ومسند أحمد (3 / 3) .

ص: 129

أهانهم الله (1) وكانت هذه مصيبة عند المسلمين، يجب أن تتلقى بما يتلقى به المصائب، من الاسترجاع المشروع (2) فأحدث بعض أهل البدع، في مثل هذا اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب، وضموا إلى ذلك من الكذب والوقيعة في الصحابة، البرآء من فتنة الحسين رضي الله عنه، وغيرها، أمورًا أخرى، مما يكرهها الله ورسوله، وقد روي عن فاطمة بنت الحسين (3) عن أبيها الحسين (4) بن علي رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصيب بمصيبة، فذكر مصيبته، فأحدث استرجاعًا، وإن تقادم عهدها، كتب الله له من الأجر مثلها يوم أصيب» رواه أحمد وابن ماجه (5) .

فتدبر كيف روى مثل هذا الحديث الحسين رضي الله عنه، وعنه (6) بنته التي شهدت مصابه!

(1) انظر: تفاصيل القصة كما رواها ابن كثير في البداية والنهاية (8 / 172ـ 198) ، وأشار إليها المؤلف في مجموع الفتاوى (25 / 306 ـ 307) .

(2)

من ذلك قوله تعالى في وصف المؤمنين: " الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" سورة البقرة: الآية 156.

(3)

هي: بنت الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمية المدينة، وهي زوجة الحسن بن الحسن بن علي، ثقة من الطبقة الرابعة، ماتت بعد المائة وهي مسنة. انظر: تقريب التهذيب (2 / 609) ، (ت 5) .

(4)

هو: الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، سبط رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وريحانته، وابن بنته فاطمة، وكان كثير الشبه به، وحضر مع أبيه الجمل وصفين، وقتال الخوارج، وفي سنة (61هـ) ، خرج من المدينة قاصدًا الكوفة لأخذ البيعة من أهلها لكنهم خذلوه، وقاتله جيش عبيد الله بن زياد بكربلاء، فقتل بها يوم عاشوراء من سنة (61هـ) . انظر: الإصابة (1 / 332ـ 335) .

(5)

انظر: مسند الإمام أحمد (1 / 201) ، وسنن ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصبر على المصيبة، الحديث رقم (1600) ، (1 / 510) .

(6)

في (ب) : وعن بنته.

ص: 130

وأما اتخاذ أمثال أيام المصائب مآتم (1) فهذا ليس في دين المسلمين، بل هو إلى دين الجاهلية أقرب.

ثم فوتوا (2) بذلك ما في صوم هذا اليوم من الفضل، وأحدث بعض الناس فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة، لا أصل لها، مثل: فضل الاغتسال فيه، أو التكحل، أو المصافحة (3) وهذه الأشياء ونحوها، من الأمور المبتدعة، كلها مكروهة، وإنما المستحب صومه.

وقد روي في التوسيع على العيال في آثار معروفة (4) أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن (5) المنتشر (6) عن أبيه (7) قال: «بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته» (8) رواه عنه

(1) المآتم جمع مأتم، وقال في مختار الصحاح: المأتم عند العرب: نساء يجتمعن في الخير والشر، والجمع (مآتم)، وعند العامة: المصيبة. انظر: مختار الصحاح، مادة (أت م)، (ص4) . فالمقصود بالمآتم التي أشار إليها المؤلف: ما يحدثه بعض الناس من التحزن وإظهار الجزع، وما يصاحب ذلك من التجمع وإقامة المراسم وتلاوة القصص المحزنة ونحو ذلك، بالمناسبات المكروهة، كما تفعل الشيعة أيام عاشوراء.

(2)

في (ط) : فرقوا.

(3)

انظر: تفصيل هذه المسألة في مجموع الفتاوى للمؤلف (25 / 299ـ 317) .

(4)

من هنا حتى قوله: (بعد صفحة ونصف تقريبًا) : وقد يكون سبب الغلو في تعظيمه. . إلخ: ساقط من (أ) .

(5)

ابن: سقطت من (د) .

(6)

هو: إبراهيم بن محمد بن المنتشر الأجدع، الهمداني الكوفي، ثقة، من الطبقة الخامسة، أخرج له الستة. انظر: تقريب التهذيب (1 / 42) ، (ت268) .

(7)

مر ذكر نسبه الآن في نسب ابنه، وهو ثقة من الطبقة الرابعة، أخرج له الستة. انظر: تقريب التهذيب (2 / 210) ، (ت733) .

(8)

جاء ذلك في مسائل الإمام أحمد للنيسابوري قال: (سألت أبا عبد الله قلت: هل سمعت في الحديث أنه من وسع على عياله في يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة؟ قال: نعم، شيء رواه سفيان عن جعفر الأحمر، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر. قال سفيان ـ وكان من أفضل من رأينا ـ أن بلغه (أنه من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته) . انظر: مسائل الإمام أحمد للنيسابوري (1 / 136، 137) ، وذكره المؤلف في مجموع الفتاوى (25 / 300)، وقال بأنه:(حديث موضوع مكذوب) .

ص: 131

ابن عيينة (1) . وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله. والأشبه أن هذا وضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة (2) والرافضة (3) فإن هؤلاء اتخذوا يوم عاشوراء مأتمًا (4) فوضع أولئك فيه آثارًا تقتضي التوسع فيه، واتخاذه عيدًا، وكلاهما باطل.

وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيكون في ثقيف كذاب ومبير» (5) فكان الكذاب المختار بن أبي عبيد (6) وكان يتشيع

(1) هو: سفيان. مرت ترجمته. انظر فهرس الأعلام.

(2)

الناصبة: هم الذين يبغضون عليًا وأصحابه. انظر: مجموع الفتاوى (25 / 301) .

(3)

الرافضة: فرقة من فرق الشيعة الكبرى، بايعوا زيد بن علي، ثم قالوا له: تبرأ من الشيخين (أبي بكر وعمر) فأبى، فتركوه ورفضوه، أي قاطعوه وخرجوا من بيعته، ومن أصولهم: الإمامة، والعصمة، والمهدية، والتقية، وسب الصحابة، وغيرها. انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1 / 89) ، والتنبيه والرد للملطي (29ـ45) ، وانظر القاموس المحيط (ر ف ض) ص830. ط الرسالة.

(4)

في (ب) : مأثمًا.

(5)

أخرجه مسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، في فضائل الصحابة، باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها، الحديث رقم (2545) ، (4 / 1971، 1972) بغير هذا اللفظ الذي أشار إليه المؤلف، وإنما لفظ مسلم:(إن في ثقيف كذابًا ومبيرًا) .

(6)

هو: المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي، كان أول أمره يبغض عليًا ثم مال إلى التشيع حتى استحوذ على الكوفة فالتف إليه جماعات من الشيعة، فقاتل جيوش بني أمية، وكان يظهر ولاءه لابن الزبير فلما انتصر على جيش ابن زياد انفرد بالأمر وأظهر بدعته من التشيع والكهانة ودعوى الوحي إليه، وقاتله مصعب بن الزبير حتى هزمه وقتله سنة (67)، وعمره (67) سنة. انظر: البداية والنهاية لابن كثير (8 / 289 ـ 292) .

ص: 132

للحسين، ثم أظهر الكذب والافتراء على الله. وكان فيها الحجاج (1) بن يوسف، وكان في انحراف عن علي وشيعته، وكان مبيرًا (2) .

وهؤلاء فيهم بدع وضلال، وأولئك (3) فيهم بدع وضلال وإن كانت الشيعة أكثر كذبًا وأسوأ حالًا.

لكن لا يجوز لأحد أن يغير شيئًا من الشريعة لأجل أحد، وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء، وتوسيع النفقات فيه، هو من البدع المحدثة المقابلة (4) للرافضة، وقد وضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه من الاغتسال، والاكتحال وغير ذلك. وصححها بعض الناس: كابن ناصر (5) وغيره، وليس فيها ما يصح. لكن رويت لأناس اعتقدوا صحتها، فعملوا بها، ولم يعلموا أنها كذب، فهذا مثل هذا.

(1) هو: الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي، عامل عبد الملك بن مروان وابنه الوليد على العراق، وكان حازمًا قويًا ظالمًا توفي سنة (95هـ) . انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان (2 / 29ـ54) .

(2)

المبير: هو المهلك. يقال: أباره: أي أهلكه. سمي الحجاج بذلك لكثرة قتله. انظر: مختار الصحاح، مادة (ب ور) ، (ص68) .

(3)

من هنا حتى قوله: المقتضي لاستحبابها مكروه (بعد ثلاث صفحات تقريبًا) : سقط من (د) .

(4)

أي المقابلة لعمل الشيعة حين بالغوا في التحزن وإقامة المآتم في هذا اليوم فجاء آخرون وبالغوا في مخالفتهم، فجعلوا يوم عاشوراء مناسبة فرح أشبه بالعيد. وكلا الفريقين سن ما لم يشرعه الله.

(5)

هو: أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر البغدادي المعروف بالسلامي من علماء القرن السادس، سمع الحديث والفقه على مذهب الشافعي، وكان كثير الحفظ والعناية بالأدب والنحو واللغة، وانتقل آخر عمره إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع. توفي سنة (551هـ)، وكانت ولادته سنة (467هـ) . انظر: وفيات الأعيان (4 / 293، 294) ، (ت624) ، (7 / 330) ، وكتاب الذيل على طبقات الحنابلة (1 / 225 ـ 229) ، (ت113) .

ص: 133

وقد يكون سبب الغلو في تعظيمه من بعض المنتسبة (1) لمقابلة الروافض، فإن الشيطان قصده أن يحرف الخلق عن الصراط المستقيم، ولا يبالي إلى أي الشقين صاروا.

فينبغي أن يجتنب جميع هذه المحدثات.

ومن هذا الباب: شهر رجب، فإنه أحد الأشهر الحرم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أنه كان إذا دخل شهر رجب قال: اللهم بارك لنا في (2) رجب وشعبان، وبلغنا (3) رمضان» (4) . ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب حديث آخر، بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب، والحديث إذا لم يعلم أنه كذب، فروايته في الفضائل أمر قريب، أما إذا علم كذبه فلا يجوز روايته إلا مع بيان حاله. لقوله صلى الله عليه وسلم:«من روى عني حديثًا وهو يرى (5) أنه كذب، فهو أحد الكاذبين (6) » (7) .

(1) لعله يقصد بعض المنتسبين إلى العلم والسنة.

(2)

في المطبوعة: في شهر رجب.

(3)

في (ب) : وبلغنا شهر رمضان.

(4)

ذكر ابن حجر العسقلاني هذا الحديث في رسالته (تبيين العجب بما ورد في فضل رجب)(ص11، 12) ، وذكر أنه أخرجه البزار في مسنده، والطبراني في الأوسط والبيهقي في فضائل الأوقات، وأبو يوسف القاضي في كتاب الصيام، وقال ابن حجر:(وهو حديث ليس بالقوي) . وانظر: كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي (1 / 457) ، الحديث رقم (961) فقد أورد الحديث، وعلق عليه.

(5)

في المطبوعة: يعلم.

(6)

في (ط) : الكذابين.

(7)

أخرجه أحمد في المسند (1 / 113) ، عن علي بن أبي طالب (4 / 250، 252، 255) ، عن المغيرة بن شعبة. وأخرجه مسلم مقطوعًا وموصولًا عن المغيرة، في المقدمة، باب وجوب الرواية عن الثقات (1 / 9) .

ص: 134

نعم، روي عن بعض السلف في تفضيل العشر الأول من رجب بعض الأثر، وروي (1) غير ذلك، فاتخاذه موسمًا بحيث يفرد بالصوم، مكروه عند الإمام أحمد وغيره، كما روي عن عمر بن الخطاب (2) وأبي بكرة (3) وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم.

وروى ابن ماجه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم رجب"(4) رواه عن إبراهيم بن منذر الحزامي (5) عن (6) داود بن عطاء (7) حدثني زيد بن

(1) وروي: ساقطة من (ب) .

(2)

ابن الخطاب: ساقطة من (ب) . ولمعرفة ما ورد عن عمر في ذلك. انظر: تبيين العجب (ص35) .

(3)

في المطبوعة: وأبي بكر، وكلاهما صحيح، لأنه ورد أن أبا بكر نهي أهله عن ذلك. انظر: مجموع الفتاوى للمؤلف (25 / 291) . وكذلك ورد عن أبي بكرة. انظر: تبيين العجب بما ورد في فضل رجب (ص35) . وأبو بكرة هو الصحابي الجليل: نفيع بن الحارث، وقيل: ابن مسروح، الثقفي، مولى رسول الله عليه السلام، وكان من فضلاء الصحابة وسكن البصرة. انظر: الإصابة (3 / 572) ، (ت8793) .

(4)

من هنا حتى قوله: وهل الإفراد المكروه (بعد ثلاثة أسطر تقريبًا) : ساقط من (أ) .

(5)

في (ب) : الجزامي وهو تصحيف. وهو: إبراهيم بن المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة الأسدي الحزامي، قال في تقريب التهذيب:(صدوق، تكلم فيه أحمد لأجل القرآن) ، من الطبقة العاشرة، توفي سنة (236هـ)، وقد أخرج له البخاري والترمذي وغيرهما. انظر: تقريب التهذيب (1 / 43، 44) ، (ت283) .

(6)

عن: سقطت من (ط)، وفي (ب) : حدثنا داود بن عطاء.

(7)

هو: داود بن عطاء، المزني، بالولاء، أبو سليمان، المدني، ضعيف، لم يخرج له من الستة سوى ابن ماجه، من الطبقة الثامنة. انظر: تقريب التهذيب (1 / 233) ، (ت28) .

ص: 135

عبد الحميد بن (1) عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب (2) .

، عن سليمان بن علي (3) عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وليس بالقوي (4) .

وهل الإفراد المكروه أن يصومه كله؟ أو ألا يقرن به شهرا آخر؟ فيه للأصحاب وجهان. ولولا أن هذا موضع الإشارة إلى رؤوس المسائل لأطلنا الكلام في ذلك (5) .

ومن هذا الباب: ليلة النصف من شعبان، فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة (6) وأن من السلف من

(1) في المطبوعة: عن عبد الرحمن. وهو تحريف (ابن) ، فالصحيح (ابن) كما هو في النسخ المخطوطة، وسنن ابن ماجه (1 / 554) .

(2)

هو: زيد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي القرشي المدني، مقبول، من الطبقة السابعة، ولم يخرج له من الستة سوى ابن ماجه.

انظر تقريب التهذيب (1 / 275) ، (ت 194) .

(3)

هو: سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، عم الخليفتين السفاح والمنصور، مقبول، من الطبقة السادسة، توفي سنة (142) ، وعمره (59) سنة، أخرج له النسائي وابن ماجه. انظر: تقريب التهذيب (1 / 328) ، (ت475) .

(4)

في (ب ط) : بقوي.

أخرجه ابن ماجه في كتاب الصيام، باب صيام أشهر الحرم، الحديث رقم (1743) ، (1 / 554) .

(5)

لزيادة الفائدة في بيان حقيقة ما ورد في فضل رجب. راجع: تبيين العجب بما ورد في فضل رجب، رسالة لابن حجر العسقلاني مطبوعة بعناية عبد الله الجبرين.

(6)

أخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله عليه السلام قال: (يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا لاثنين: مشاحن وقاتل نفس) ، مسند أحمد (2 / 176)، ورجاله ثقات إلا أن فيه ابن لهيعة تكلم فيه بعضهم. انظر: ترجمته (1 / 262)، وأخرج أحمد أيضًا والترمذي عن عائشة في حديث ذكرت فيه أن النبي عليه السلام قال:(إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب) ، مسند أحمد (6 / 238) ، وسنن الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان، الحديث رقم (739) ، (3 / 116ـ 117)، وأشار الترمذي إلى تضعيفه. وكذلك أخرجه ابن ماجه. انظر: الحديث رقم (1389) ، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1 / 297) ، حديث رقم (1942)، وقال:(حديث حسن) . وأشار الشوكاني في الفوائد المجموعة إلى حديث عائشة هذا وقال: (فيه ضعف وانقطاع) ، الفوائد المجموعة (ص51) .

ص: 136

كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة. ومن العلماء: من السلف (1) من أهل المدينة، وغيرهم من الخلف، من أنكر فضلها، وطعن في الأحاديث الواردة فيها، كحديث:«إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم كلب» (2) ". وقال: لا فرق بينها وبين غيرها.

لكن الذي عليه كثير من أهل (3) العلم، أو أكثرهم، من أصحابنا وغيرهم -على تفضيلها، وعليه يدل (4) نص (5) أحمد، لتعدد (6) الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن (7) . وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر.

(1) من السلف: سقطت من (أ) .

(2)

جاء ذلك في الحديث المشار إليه آنفًا.

(3)

في (ب) : قال: من أهل المدينة من أهل العلم.

(4)

في (ب) : ويدل عليه.

(5)

في (ط ب) : نصوص أحمد.

(6)

في (ب) : لتعداد.

(7)

قد أشرت إلى بعض الأحاديث الواردة فيها في مسند أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه، عن عائشة وعبد الله بن عمرو. وهذه الأحاديث إنما تذكر فضل هذه الليلة لكن ليس فيها ما يشير إلى إحيائها بالصلاة والعبادة ولا الاحتفال فيها كما يفعل المبتدعون.

ص: 137

فأما صوم يوم النصف مفردًا (1) فلا أصل له، بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسمًا تصنع فيه الأطعمة، وتظهر فيه الزينة، هو من المواسم المحدثة المبتدعة، التي لا أصل لها.

وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف، من الاجتماع العام للصلاة الألفية (2) في المساجد الجامعة، ومساجد الأحياء والدروب (3) والأسواق. فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيدة بزمان وعدد، وقدر من القراءة لم يشرع، مكروه. فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفية (4) موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وما كان هكذا لا يجوز استحباب صلاة بناء عليه، وإذا لم يستحب فالعمل المقتضي لاستحبابها مكروه.

ولو سوغ (5) أن كل ليلة لها نوع فضل، تخص بصلاة مبتدعة يجتمع لها، لكان يفعل مثل هذه الصلاة -أو أزيد أو أنقص (6) - ليلتي العيدين، وليلة عرفة، كما أن بعض أهل البلاد يقيمون مثلها أول ليلة من رجب.

وكما بلغني أنه كان (7) في بعض القرى يصلون بعد المغرب صلاة مثل المغرب في جماعة، يسمونها صلاة بر الوالدين. وكما كان بعض الناس يصلي

(1) مفردًا: سقطت من (ب) .

(2)

الصلاة الألفية هي التي يزعمون أنه ورد الفضل بقراءة " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " فيها ألف مرة. انظر: اللآلئ المصنوعة (2 / 58، 59) .

(3)

في المطبوعة: والدور.

(4)

انظر: تفصيل ذلك في كتب الموضوعات مثل: اللآلئ المصنوعة (2 / 58، 59) ، والفوائد المجموعة (ص50، 51) ، وتبيين العجب (ص25، 26) .

(5)

في (ب) : ولو شرع.

(6)

في (أ) : أو ليقص.

(7)

في (ج د) : أنهم كانوا.

ص: 138

كل ليلة في جماعة صلاة الجنازة (1) على من مات من المسلمين في جميع الأرض، ونحو ذلك من الصلوات الجماعية التي لم تشرع.

وعليك أن تعلم: أنه إذا استحب التطوع المطلق في وقت معين، وجوز التطوع في جماعة، لم يلزم من ذلك تسويغ جماعة راتبة غير مشروعة (2) ففرق بين البابين، وذلك أن الاجتماع لصلاة تطوع (3) أو استماع قرآن، أو ذكر الله، ونحو ذلك، إذا كان يفعل أحيانًا، فهذا حسن. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه صلى التطوع في جماعة أحيانًا"(4) . و"خرج على أصحابه وفيهم من يقرأ وهم يستمعون (5) فجلس معهم يستمع"(6) . وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدًا يقرأ وهم يستمعون.

وقد ورد في القوم الذين يجلسون يتدارسون كتاب الله ويتلونه، وفي القوم الذين يذكرون الله من الآثار ما هو معروف مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا غشيتهم

(1) في (ب د) : الجنائز.

(2)

في المطبوعة: قال: بل ينبغي أن نفرق بين البابين.

(3)

في (د) وفي المطبوعة: التطوع.

(4)

من ذلك ما ورد في الصحيحين عن أنس أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو واليتيم وأم سليم، ونحو ذلك. انظر: فتح الباري، الحديث رقم (727) ، في كتاب الأذان، الباب رقم (78) ، وصحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الجماعة في النافلة، الحديث رقم (658، 659، 660) ، (1 / 457، 458) ومثله في قصة عتبان بن مالك. انظر: صحيح مسلم، الحديث رقم (33) ، (1 / 455) .

(5)

من هنا حتى قوله: وقد ورد (بعد سطر تقريبًا) : سقط من (ط) .

(6)

انظر: تفسير ابن كثير في تفسير سورة النساء: الآية 41 (1 / 498) ، فقد ذكر قصة بهذا المعنى ومثله في فتح الباري (9 / 99) .

ص: 139

الرحمة ونزلت (1) عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» (2) .

وورد أيضًا في الملائكة الذين يلتمسون مجالس الذكر فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا (3) إلى حاجتكم. الحديث (4) .

فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر (5) بتكرر الأسابيع أو الشهور أو الأعوام، غير الاجتماعات المشروعة، فإن ذلك يضاهي الاجتماع للصلوات الخمس، وللجمعة، وللعيدين وللحج. وذلك هو المبتدع المحدث.

ففرق بين ما يتخذ سنة وعادة، فإن ذلك يضاهي المشروع. وهذا الفرق هو المنصوص عن الإمام أحمد، وغيره من الأئمة فروى أبو بكر الخلال، في كتاب الأدب، عن إسحاق بن منصور الكوسج، أنه قال لأبي عبد الله: تكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم؟ قال: "ما أكرهه للإخوان إذا لم

(1) في (ب) : وينزل. وفي (ج د ط) : وتنزلت.

(2)

أخرجه مسلم عن أبي هريرة في حديث طويل وفيه: (وما اجتمع قوم. .) الحديث، باختلاف يسير وزيادة عما ذكره المؤلف. انظر: صحيح مسلم، كتاب الذكر، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، الحديث رقم (2699) ، (4 / 2074) . ومثله عن أبي سعيد الخدري مختصرًا، الحديث رقم (2700) ، (4 / 202074) من صحيح مسلم أيضًا.

(3)

في (أب ط) : هلم.

(4)

جاء ذلك في حديث أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. .) إلخ من حديث طويل في كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله، الحديث رقم (6408) من فتح الباري (11 / 208، 209) ، وفي مسلم بلفظ آخر، الحديث رقم (2689) ، (4 / 2069) .

(5)

يتكرر: ساقطة من (ط) .

ص: 140

يجتمعوا على عمد (1) إلا أن يكثروا" (2) .

قال إسحاق بن راهويه كما قال (3) . وإنما معنى أن لا يكثروا: أن لا يتخذوها عادة حتى يكثروا. هذا كلام إسحاق.

وقال المروزي: سألت أبا عبد الله عن القوم يبيتون، فيقرأ قارئ ويدعون حتى يصبحوا؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس. وقال أبو السري الحربي (4) قال أبو عبد الله: "وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس يصلون، ويذكرون ما أنعم الله عليهم، كما قالت الأنصار؟ "(5) وهذا إشارة إلى ما رواه أحمد، حدثنا (6) إسماعيل أنبأنا أيوب، عن محمد بن سيرين قال: "نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول (7) الله صلى الله عليه وسلم المدينة، قالوا: لو نظرنا يومًا فاجتمعنا فيه، فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا، فقالوا: يوم السبت ثم قالوا: لا نجامع اليهود في يومهم. قالوا: فيوم الأحد. قالوا: لا نجامع النصارى في يومهم. قالوا: فيوم العروبة. وكانوا يسموه يوم الجمعة يوم العروبة- فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد (8) بن زرارة فذبحت لهم شاة

(1) في (د) : على عهد.

(2)

من هنا حتى قوله: أن لا يتخذوها عادة: سقط من (د) .

(3)

أي كما قال الإمام أحمد. وكذا زادها في المطبوعة. وانظر: الآداب الشرعية لابن مفلح (2 / 110) .

(4)

هو: يعقوب بن يوسف، أبو السري الحربي، نقل عن الإمام أحمد بعض المسائل. انظر: طبقات الحنابلة: 1 / 417) .

(5)

طبقات الحنابلة (1 / 417) . وانظر: الآداب الشرعية لابن مفلح (2 / 112) .

(6)

في (ب د) : قال أخبرنا.

(7)

في (ب د) : النبي.

(8)

هو الصحابي الأنصاري: أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد الخزرجي، من أول الأنصار إسلامًا، وممن بايع بيعة العقبة، وكان نقيب قومه، ومات في السنة الأولى من الهجرة، رضي الله عنه، انظر: أسد الغابة (1 / 71) .

ص: 141

فكفتهم" (1) .

وقال أبو أمية الطرسوسي (2) سألت أحمد بن حنبل عن القوم يجتمعون ويقرأ لهم القارئ قراءة حزينة فيبكون، وربما طفوا (3) السراج. فقال لي أحمد: إن كان يقرأ قراءة أبي موسى فلا بأس.

وروى الخلال عن الأوزاعي: أنه سئل عن القوم يجتمعون (4) فيأمرون رجلا فيقص عليهم. قال: إذا كان ذلك يوما بعد (5) الأيام فليس به بأس.

فقيد أحمد (6) الاجتماع على الدعاء بما إذا لم يتخذ عادة. وكذلك قيد إتيان الأمكنة التي فيها آثار الأنبياء. قال سندي الخواتيمي (7) سألنا أبا عبد الله

(1) جاء ذلك في مصنف عبد الرزاق، كتاب الجمعة، باب أول من جمع، الحديث رقم (5144) ، (3 / 159) ، ولم أجده في مسند أحمد. وأورده القرطبي في تفسيره (18 / 98) ، كما ساقه ابن حجر في فتح الباري (2 / 353) مختصرًا، وذكر أن سنده صحيح إلى ابن سيرين.

(2)

هو: محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي الطرسوسي، أبو أمية، بغدادي الأصل، مشهور بكنيته، قال عنه في التقريب:(صدوق صاحب حديث، يهم) ، وروى عن الإمام أحمد بعض المسائل، توفي سنة (273هـ)، وأخرج له النسائي. انظر: تقريب التهذيب (2 / 141) ، (ت14) أ، وطبقات الحنابلة (1 / 265، 266)، (ت376) . وفي المطبوعة: قال: وقال أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي. أي ذكر اسمه. وهو خلاف النسخ الأخرى.

(3)

في المطبوعة: أطفئوا.

(4)

القوم يجتمعون: ساقطة من (أ) .

(5)

في (د) : من. ومعنى (بعد الأيام)، أي: لم يكن متكررًا وفي زمان محدد. والله أعلم.

(6)

أحمد: ساقطة من (ط) .

(7)

هو: سندي أبو بكر الخواتيمي البغدادي. سمع من الإمام أحمد مسائل صالحة. انظر: طبقات الحنابلة (1 / 170، 171) ، (ت229) .

ص: 142

عن الرجل يأتي هذه المشاهد ويذهب إليها، ترى ذلك؟ قال: أما على حديث " ابن أم مكتوم (1) أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته، حتى يتخذ ذلك مصلى". وعلى ما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنهما: يتبع مواضع النبي صلى الله عليه وسلم وأثره، فليس بذلك بأس أن يأتي الرجل المشاهد، إلا أن الناس قد أفرطوا في هذا جدا، وأكثروا فيه.

وكذلك نقل عنه أحمد بن القاسم (2) . ولفظه: سئل عن الرجل يأتي هذه المشاهد التي بالمدينة وغيرها؛ يذهب إليها؟ فقال: أما على حديث ابن أم مكتوم أنه: سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فيصلي في بيته، حتى يتخذه مسجدا، وعلى ما كان يفعله (3) ابن عمر: يتبع مواضع سير النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، حتى رئي يصب في موضع ماء، فسئل عن ذلك، فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصب هاهنا ماء. قال: أما على هذا فلا بأس قال: ورخص فيه. ثم قال: ولكن قد أفرط الناس جدا، وأكثروا في هذا المعنى، فذكر قبر الحسين وما يفعل الناس عنده. وهذا الذي كرهه أحمد وغيره من اعتياد ذلك مأثور عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره لما اتخذ أصحابه مكانا يجتمعون فيه للذكر، فخرج إليهم (4)

(1) هو الصحابي الجليل: عمرو ـ وقيل: عبد الله ـ بن قيس بن زائدة بن الأصم القرشي، وأم مكتوم، أمه، وهي: عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة. أسلم قديمًا بمكة وكان من المهاجرين الأولين إلى المدينة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليها، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستخلفه على المدينة يصلي بالناس في عامة غزواته، وشهد القادسية، واستشهد بها وكان معه اللواء، وقيل: بل رجع للمدينة فمات بها. انظر: الإصابة (2 / 523، 524) ، (ت5764) .

(2)

هو أحمد بن القاسم، صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام، حدث عن الإمام أحمد بمسائل كثيرة. انظر: طبقات الحنابلة (1 / 55، 56) ، (ت48) .

(3)

في (أب ج) : يفعل.

(4)

إليهم: ساقطة من (ط) .

ص: 143

قال: "يا قوم لأنتم أهدى من أصحاب (1) محمد (2) أو لأنتم على شعبة ضلالة"(3) .

وأصل هذا: أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات، حتى تصير سننا ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه. وفيه من الفساد ما تقدم التنبيه على بعضه، بخلاف ما يفعله الرجل وحده، أو الجماعة المخصوصة أحيانا، ولهذا كره الصحابة إفراد صوم (4) رجب، لما شبه برمضان، وأمر عمر رضي الله عنه بقطع الشجرة التي توهموا أنها الشجرة التي بويع (5) الصحابة تحتها بيعة الرضوان. لما رأى الناس ينتابونها (6) ويصلون عندها، كأنها المسجد الحرام، أو مسجد المدينة، وكذلك لما رآهم قد عكفوا على مكان قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عكوفا عاما نهاهم عن ذلك، وقال:"أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟ "(7) . أو كما قال رضي الله عنه.

فكما أن تطوع الصلاة فرادى وجماعة مشروع، من غير أن يتخذ جماعة

(1) في المطبوعة: أهدى من محمد.

(2)

في (ب) : صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي عنهم.

(3)

أخرجه الدارمي في سننه، باب في كراهية أخذ الرأي (1 / 68)، ولفظه:(والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة) ، ذكره في سياق قصة.

(4)

صوم: ساقطة من (أب) .

(5)

في (د) : التي بايع الصحابة تحتها. وفي المطبوعة: التي بايع الصحابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحتها.

(6)

في (ب) : يأتونها.

(7)

انظر القصة في كنز العمال (17 / 140) ورمز له بقوله: (عب) يعني عبد الرزاق في الجامع.

ص: 144

عامة (1) متكررة، تشبه المشروع من الجمعة، والعيدين والصلوات الخمس، فكذلك تطوع القراءة والذكر والدعاء، جماعة وفرادى، وتطوع قصد بعض المشاهد، ونحو ذلك، كله من نوع واحد، يفرق بين الكثير الظاهر منه، والقليل الخفي، والمعتاد وغير المعتاد، وكذلك كل مكان مشروع الجنس، لكن البدعة اتخاذه عادة لازمة، حتى يصير كأنه واجب، ويترتب (2) على استحبابه وكراهته حكم نذره، واشتراط فعله في الوقف والوصية ونحو ذلك، حيث كان النذر لا يلزم إلا في القرب، وكذلك العمل المشروط في الوقف، لا يجوز أن يكون إلا برا ومعروفا على ظاهر المذهب، وقول جمهور أهل العلم. وسنومئ إلى ذلك إن شاء الله.

وهذه المسائل تفتقر إلى بسط أكثر من هذا، لا يحتمله هذا الموضع، وإنما الغرض التنبيه على المواسم المحدثة. وأما ما يفعل في هذه المواسم مما جنسه منهي عنه في الشرع، فهذا لا يحتاج إلى ذكره؛ لأن ذلك لا يحتاج أن يدخل في هذا الباب مثل: رفع الأصوات في المساجد، واختلاط الرجال والنساء، أو كثرة إيقاد المصابيح زيادة على الحاجة، أو إيذاء المصلين أو غيرهم بقول أو فعل، فإن قبح هذا ظاهر لكل مسلم. وإنما هذا من جنس سائر (3) الأقوال المحرمة في المساجد، سواء حرمت في المسجد وغيره، كالفواحش والفحش، أو صين (4) عنها المسجد: كالبيع (5) وإنشاد الضالة، وإقامة الحدود ونحو ذلك.

(1) عامة: ساقطة من (ب) .

(2)

هنا بياض في (ط) : مكان (يترتب) .

(3)

سائر: سقطت من (ط) .

(4)

في (ب) : يصان. وفي (د) : مصان.

(5)

في المطبوعة زاد: والشراء.

ص: 145

وقد ذكر بعض المتأخرين، من أصحابنا وغيرهم- أنه يستحب قيام هذه الليلة بالصلاة التي يسمونها الألفية، لأن فيها قراءة " قل هو الله أحد " ألف مرة. وربما استحبوا الصوم أيضا، وعمدتهم في خصوص ذلك: الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك (1) . وقد يعتمدون على العمومات التي تندرج فيها هذه الصلاة، وعلى ما جاء في فضل هذه الليلة بخصوصها، وما جاء من الأثر بإحيائها، وعلى الاعتياد (2) حيث فيها من المنافع والفوائد ما يقتضي الاستحباب كجنسها من العبادات.

فأما الحديث المرفوع في هذه الصلاة الألفية: فكذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث (3) .

وأما العمومات الدالة على استحباب الصلاة فحق، لكن العمل المعين إما أن يستحب بخصوصه، أو يستحب لما فيه من المعنى العام.

فأما المعنى العام: فلا يوجب جعل خصوصها (4) مستحبا ومن استحبها ذكرها في النفل المقيد: كصلاة الضحى والتراويح. وهذا خطأ، ولهذا لم يذكر هذا أحد من الأئمة المعدودين، لا الأولين ولا الآخرين. وإنما كره التخصيص لما صار يخص ما لا خصوص له بالاعتقاد والاقتصاد (5) كما كره (6)

(1) انظر: اللآلئ المصنوعة (2 / 60) ، والفوائد المجموعة (ص 50، 51) ، وقد ذكروا أن الحديث الوارد في صوم ذلك اليوم موضوع.

(2)

في (أ) : الاعتبار. وقوله على الاعتياد: أي أنهم يعتمدون على ما اعتادوه حتى صار كأنه مشروع، وهو باطل.

(3)

مرت الإشارة إلى ذلك (ص138) .

(4)

في المطبوعة: فلا يجب جعله خصوصًا.

(5)

في المطبوعة: والقصد.

(6)

في المطبوعة: كما ذكره.

ص: 146

النبي صلى الله عليه وسلم: إفراد يوم الجمعة وسرر (1) شعبان بالصيام، وإفراد ليلة الجمعة بالقيام، وصار نظير هذا: لو (2) أحدثت صلاة مقيدة ليالي العشر (3) أو بين العشائين، ونحو ذلك.

فالعبادات ثلاثة:

منها ما هو مستحب بخصوصه: كالنفل المقيد (4) من ركعتي الفجر، وقيام رمضان، ونحو ذلك. وهذا منه المؤقت كقيام الليل.

ومنه المقيد بسبب: كصلاة الاستسقاء، وصلاة الآيات (5) .

ثم قد يكون مقدرا (6) في الشريعة بعدد: كالوتر. وقد يكون مطلقا مع فضل الوقت: كالصلاة يوم الجمعة قبل الصلاة، فصارت أقسام المقيد أربعة.

ومن العبادات ما هو مستحب بعموم معناه، كالنفل المطلق، فإن الشمس إذا طلعت فالصلاة مشهودة محضورة حتى يصلي العصر.

ومنها ما هو مكروه تخصيصه لا مع غيره كقيام (7) ليلة الجمعة. وقد يكره مطلقا، إلا في أحوال مخصوصة، كالصلاة في أوقات النهي. ولهذا اختلف العلماء في كراهة الصلاة بعد الفجر والعصر، هل هو لئلا يفضي إلى تحري

(1) في المطبوعة: وسرد، وهو خطأ.

(2)

في (أ) : نظير هذا الحديث.

(3)

في المطبوعة: فصار نظير هذا ما لو أحدثت ليالي العشر صلاة مقيدة.

(4)

من هنا حتى قوله: بسبب كصلاة الاستسقاء (سطر ونصف) : سقط من (ط) .

(5)

صلاة الآيات: صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر. وما يشرع من الفزع للصلاة عند النوازل والزلازل ونحوها.

(6)

في (ب) : مقيدا. وفي (ط) : قرر.

(7)

في المطبوعة: إلا مع غيره كالقيام.

ص: 147

الصلاة في هذا الوقت، فيرخص في ذوات الأسباب العارضة، أو هو (1) نهي مطلق لا يستثنى منه إلا قدر الحاجة؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، وفيها أقوال أخر للعلماء (2) .

(1) في المطبوعة: هي.

(2)

في المطبوعة زاد: والله أعلم.

انظر: المغني والشرح الكبير (1 / 756 ـ 768) ، وبداية المجتهد (1 / 131 ـ 135) .

ص: 148