الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في النوع الثاني من الأمكنة]
[النوع الثاني ما له خصيصة لا تقتضي اتخاذه عيدا]
فصل النوع الثاني من الأمكنة: ما له خصيصة لكن لا يقتضي اتخاذه عيدا، ولا الصلاة ونحوها من العبادات عنده. فمن هذه الأمكنة: قبور الأنبياء والصالحين، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف النهي عن اتخاذها عيدا، عموما وخصوصا. وبينوا معنى العيد.
فأما العموم: فقال أبو داود في سننه: حدثنا أحمد بن صالح (1) قال: قرأت على عبد الله بن نافع (2) أخبرني ابن أبي ذئب (3) عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم
(1) هو: أحمد بن صالح المصري؛ أبو جعفر ابن الطبري، ثقة حافظ، من الطبقة العاشرة، تكلم فيه النسائي بسبب أوهام له قليلة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل، توفي سنة (248 هـ) وعمره (78) سنة. انظر: تقريب التهذيب (1 / 16) ، (ت 58) .
(2)
لقد تكلم عنه المؤلف بما يكفي، وقال ابن حجر في التقريب:" ثقة، صحيح الكتاب، في حفظه لين " توفي سنة (206 هـ) ، وأخرج له مسلم والأربعة. انظر. تقريب التهذيب (1 / 456) ، (ت686) .
(3)
هو: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري، أبو الحارث المدني، ثقة فقيه فاضل، من الطبقة السابعة، أخرج له الستة، ومات سنة (158هـ) . انظر: تقريب التهذيب (2 / 184) ، (ت462) .
قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» (1) " (2) وهذا إسناد حسن، فإن رواته كلهم ثقات مشاهير، لكن عبد الله بن نافع الصائغ الفقيه المدني صاحب مالك فيه لين لا يقدح في حديثه. قال يحيى بن معين: هو ثقة. وحسبك بابن معين موثقا. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالحافظ، وهو لين (3) تعرف (4) حفظه وتنكر (5) . فإن هذه العبارات منهم تنزل حديثه من مرتبة الصحيح إلى مرتبة الحسن، إذ لا خلاف في عدالته وفقهه، وأن الغالب عليه الضبط، لكن قد يغلط أحيانا، ثم هذا الحديث مما يعرف من حفظه، ليس مما ينكر، لأنه سنة مدنية (6) وهو محتاج إليها في فقهه، ومثل هذا يضبطه الفقيه. وللحديث شواهد من غير طريقه، فإن هذا الحديث روي من جهات أخرى (7) فما بقي منكرا. وكل جملة من هذا الحديث رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد معروفة، وإنما الغرض هنا النهي عن اتخاذه عيدا.
(1) في (أ) وفي المطبوعة: حيثما كنتم. وفي (ط) : حيث كنت، وفي أبي داود كما أثبته.
(2)
سنن أبي داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، الحديث رقم (2042) ، (2 / 534) ، وأخرجه أحمد في المسند (2 / 367) .
(3)
في المطبوعة: هو لين الحديث.
(4)
في (ب) وفي المطبوعة: يعرف حديثه وينكر.
(5)
انظر: تهذيب التهذيب (6 / 51 - 52)، ترجمة عبد الله بن نافع الصائغ رقم (98) . وانظر أيضا: الجرح والتعديل (5 / 183 - 184) ترجمة عبد الله بن نافع الصائغ رقم (856) .
(6)
أي من السنن التي تفعل بالمدينة، أو المعروفة عند أهل المدينة.
(7)
فقد أخرجه أحمد في المسند (2 / 367) ، كما سيذكر المؤلف من طرق الحديث ما فيه كفاية.
فمن ذلك: ما رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا (1) زيد بن الحباب، حدثنا جعفر بن إبراهيم -من ولد ذي الجناحين- حدثنا علي بن عمر، عن أبيه، عن علي بن الحسين: أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو. فنهاه، فقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته عن (2) أبي عن جدي عن رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم» رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ، فيما اختاره من الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين، وشرطه فيه أحسن من شرط الحاكم في صحيحه (4) .
وروى سعيد في سننه، حدثنا حبان بن علي (5) حدثني محمد بن عجلان (6) عن أبي سعيد مولى المهري (7) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) في المطبوعة: أنبأنا.
(2)
في (أد) : عن جدي.
(3)
في (د ب) : عن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم.
(4)
مرت الإشارة إلى الحديث ومصادره. انظر: فهرس الأحاديث.
(5)
هو: حبان بن علي العنزي الكوفي، ضعيف، وكان له فقه وفضل، من الطبقة الثامنة، أخرج له ابن ماجه، وتوفي سنة (172هـ)، وعمره (60) سنة. انظر: تقريب التهذيب (1 / 147) ، (ت 98) .
(6)
هو: محمد بن عجلان المدني القرشي، مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة، أحد العلماء العاملين، وثقه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم، وقد اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة. توفي سنة (148هـ) . انظر: تهذيب التهذيب (9 / 341، 342) ، (ت564) ؛ وتقريب التهذيب (2 / 190) ، (ت524) .
(7)
في (د) : مولى المهدي. وهو خطأ والصحيح ما أثبته. وأبو سعيد مولى المهري مقبول من الطبقة الثالثة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي. انظر: تقريب التهذيب (2 / 429) ، (ت42) .
«لا تتخذوا بيتي عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني» (1) .
وقال سعيد: حدثنا عبد العزيز بن محمد (2) أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر، فناداني، وهو في بيت فاطمة يتعشى. فقال: هلم إلى العشاء؟ فقلت لا أريده. فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا دخلت المسجد فسلم. ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتخذوا بيتي عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم» (3)[ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء](4) .
فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث، لا سيما وقد احتج من (5) أرسله به وذلك يقتضي ثبوته عنده، ولو لم يكن روي من وجوه مسندة غير هذين. فكيف وقد تقدم مسندا؟ .
ووجه الدلالة: أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيدا. فقبر غيره أولى بالنهي كائنا من كان، ثم إنه قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:«ولا تتخذوا بيوتكم قبورا» أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، (6) عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم.
(1) انظر: (1 / 339) من هذا الكتاب.
(2)
هو الدراوردي. انظر: فهرس الأعلام.
(3)
في المطبوعة: تقديم وتأخير في ألفاظ الحديث. راجع: (ص 323) من المطبوعة.
(4)
الحديث مر. انظر: فهرس الأحاديث، وقوله:[ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء] من كلام الحسن بن الحسن، وليس من نص الحديث.
(5)
في المطبوعة: به من أرسله.
(6)
في المطبوعة: وهذا عكس.
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورا» (1) .
وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يسمع سورة البقرة تقرأ فيه» (2) ثم إنه صلى الله عليه وسلم أعقب النهي عن اتخاذه عيدًا بقوله: «صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم» ، (3) وفي الحديث الآخر:«فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم» يشير بذلك صلى الله عليه وسلم إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدًا.
والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تعرض عليه كثيرة، مثل ما روى أبو داود من حديث أبي صخر حميد بن زياد (4) عن يزيد بن عبد الله بن قسيط (5) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد يسلم علي
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر، الحديث رقم (432) ، (1 / 528، 529) من فتح الباري ولفظه: " اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا" وكذلك الحديث رقم (1187) ، (3 / 62) ، واللفظ الذي ذكره المؤلف هو لفظ مسلم في صحيحه، وكتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، الحديث رقم (777) ، 1 / 538) .
(2)
أخرجه مسلم في الكتاب والباب السابقين، الحديث رقم (780)، (1 / 539) ولفظه:" لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ".
(3)
من هنا حتى قوله: أينما كنتم (نصف سطر) : سقط من (أ) .
(4)
هو: حميد بن زياد بن أبي المخارق، الخراط، أبو صخر، صاحب العباء، مدني، صدوق يهم، من الطبقة السادسة، مات سنة (189هـ) . انظر: تقريب التهذيب (1 / 202) ، (ت594) .
(5)
هو: يزيد بن عبد الله بن قسيط بن أسامة الليثي أبو عبد الله المدني الأعرج ثقة من الطبقة الرابعة أخرج له الستة، ومات سنة (122 هـ)، وعمره (90) سنة. انظر: تقريب التهذيب (2 / 367) ، (ت281) .
إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» (1) صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث على شرط مسلم.
ومثل ما روى أبو داود أيضا عن أوس بن (2) أوس (3) رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء» (4) .
[أرم أي صار رميما، أي عظما باليا، فإذا اتصلت به تاء الضمير فأفصح اللغتين أن يفك الإدغام فيقال: أرمت. وفيه لغة أخرى كما في الرواية: أرمت بتشديد الميم، وقد يخفف، فيقال: أرمت](5) .
(1) سنن أبي داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، الحديث رقم (2041) ، (2 / 534) ، وقد تبين المؤلف أنه على شرط مسلم.
(2)
في (د) : بن أبي أوس. لكنه في أبي داود وابن ماجه: أوس بن أوس، كما في النسخ المخطوطة الأخرى.
(3)
هو الصحابي الجليل: أوس بن أوس الثقفي، وقد اختلف في اسمه، عداده في أهل الشام: انظر: أسد الغابة (1 / 139، 140) ؛ وتهذيب التهذيب (1 / 381، 382) ، (ت397، 398) .
(4)
انظر: سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، الحديث رقم (1047)(1 / 635) ، وفيه زيادة قليلة فليراجع، كما أخرجه أبو داود أيضا في كتاب الصلاة، باب الاستغفار، الحديث رقم (1531) ، (2 / 184) باختلاف يسير في أول السياق عما ذكره المؤلف؛ وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز؛ باب (65) ، الحديث رقم (1636) ، (1 / 524) ، وأحمد في مسنده (4 / 8) .
(5)
ما بين المعكوفين من المخطوطة (أ) . ولم تذكره النسخ الأخرى كما في المتن، لكن ذكره في النسخة (ط) في الحاشية، وقال: حاشية بخط المصنف. ثم ذكره، وبعده رمز بالإشارة:(ن) .
وفي (1) مسند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى عند قبري (2) سمعته، ومن صلى علي نائيا بلغته» (3) . رواه الدارقطني بمعناه.
وفي النسائي وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام» (4) إلى أحاديث أخر (5) في هذا الباب متعددة.
ثم إن أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنه، نهى ذلك (6) الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم، واستدل بالحديث، وهو راوي الحديث الذي سمعه من أبيه الحسين، عن جده علي، واعلم بمعناه من غيره (7) ؛ فبين أن قصده (8) للدعاء ونحوه اتخاذ له عيدًا.
وكذلك ابن عمه حسن بن حسن شيخ أهل بيته، كره أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عند دخول المسجد، ورأى أن ذلك (9) من اتخاذه
(1) من هنا حتى قوله: إلى أحاديث أخر (ثلاثة سطور تقريبا) : سقط من (أ) .
(2)
في المطبوعة: علي. وعند قبري: ساقطة.
(3)
في (ط) : بغلته. وهو تحريف.
(4)
سنن النسائي، كتاب السهو، باب السلام على النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم (3 / 43)، ولفظه:" إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام "؛ وأخرجه الدرامي في سننه، كتاب الرقاق، باب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (1 / 317) ، وأحمد في المسند (1 / 387، 441، 452) ، كلهم عن عبد الله بن مسعود، وقال السيوطي في الجامع الصغير: حديث صحيح (1 / 359) .
(5)
في (أ) : أخزى.
(6)
في (ط) : نهى عن ذلك.
(7)
في المطبوعة: وهم أعلم بمعناه من غيرهم.
(8)
في المطبوعة: فتبين أن قصد قبره.
(9)
ذلك: ساقطة من (ط) .