المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أصل التوحيد الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب] - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل في مفهوم العيد والحذر من التشبه بالكفار في أعيادهم]

- ‌[فصل في أعياد الكفار]

- ‌[بعض ما يفعله الناس من المسلمين من البدع في ذلك]

- ‌[النهي عن فعل ما يعين الكفار في أعيادهم]

- ‌[بيع الدار ونحوها للذمي وإجارتها له]

- ‌[ابتياع الذمي أرض العشر من مسلم]

- ‌[استئجار الأرض الموقوفة على الكنيسة وشراء ما يباع للكنيسة]

- ‌[قبول الهدية من أهل الذمة يوم عيدهم]

- ‌[ذبيحتهم يوم عيدهم وأنواع ذبائح أهل الكتاب]

- ‌[ما ذبح على النصب]

- ‌[ذبائح الجن المزعزمة]

- ‌[عودة إلى تفصيل القول فيما ذبح على النصب]

- ‌[فصل في صوم أيام عيد الكفار]

- ‌[فصل في صوم النيروز والمهرجان ونحوهما من أعياد المشركين]

- ‌[فصل في سائر الأعياد والمواسم المبتدعة]

- ‌[ما أحدث من المواسم والأعياد فهو منكر لوجهين]

- ‌[الأول دخول سائر الأعياد والمواسم المبتدعة في مسمى البدع المحدثات]

- ‌[الثاني اشتمالها الفساد في الدين]

- ‌[فصل في الأعياد الزمانية المبتدعة]

- ‌[أنواع الأعياد الزمانية المبتدعة]

- ‌[فصل في الأعياد المكانية المبتدعة]

- ‌[فصل في أنواع الأعياد المكانية]

- ‌[النوع الأول مكان لا خصوص له في الشريعة]

- ‌[بعض الأمكنة والقبور التي ابتدعها الناس]

- ‌[فصل في النوع الثاني من الأمكنة]

- ‌[النوع الثاني ما له خصيصة لا تقتضي اتخاذه عيدا]

- ‌[إطلاق العيد على المكان الذي يقصد الاجتماع فيه]

- ‌[ما يتصل بالقبور من زيارتها والصلاة عندها واتخاذها مساجد والبناء عليها]

- ‌[أنواع من المحرمات]

- ‌[الدعاء عند القبور]

- ‌[رد القول بأن الأمة أجمعت على استحسان الدعاء عند القبور]

- ‌[أثر العبادة والدعاء عند القبور ليس دليلا على استحسانها]

- ‌[أنواع الشرك]

- ‌[الدعاء بعد تحية النبي صلى الله عليه وسلم عند القبر]

- ‌[تفنيد ما ورد في استحباب الدعاء عند القبر]

- ‌[بعض بدع القبور]

- ‌[فصل في عدم جواز سائر العبادات عند القبور]

- ‌[فصل في العكوف عند القبور ومجاورتها وسدانتها]

- ‌[فصل في مقامات الأنبياء وحكم قصدها]

- ‌[أقوال العلماء وبيان القول الصحيح وأدلته]

- ‌[الأمكنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد الصلاة أو الدعاء عندها]

- ‌[الاستسقاء بأهل الخير الأحياء إنما يكون بدعائهم]

- ‌[التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة]

- ‌[التوسل بالأنبياء والصالحين يكون بطاعتهم واتباعهم أو بدعائهم وشفاعتهم]

- ‌[المساجد التي تشد إليها الرحال]

- ‌[فصل في المسجد الأقصى]

- ‌[فصل في عدم اختصاص بقعة بقصد العبادة إلا المساجد]

- ‌[أقوال الناس في الشفاعة والقول الحق في ذلك]

- ‌[أصل التوحيد الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب]

- ‌[أصل دين الأنبياء واحد وإنما تنوعت الشرائع]

- ‌[غلط طوائف في مسمى التوحيد وبيان الحق في ذلك]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[أصل التوحيد الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب]

[أصل التوحيد الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب]

فالله تعالى مستحق أن نعبده لا نشرك به شيئا، وهذا هو أصل التوحيد الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب، قال الله تعالى {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] (1) .

وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25](2) وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36](3) .

ويدخل في ذلك أن لا نخاف إلا إياه، ولا نتقي إلا إياه، كما قال تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52](4) . فجعل الطاعة لله وللرسول، وجعل الخشية والتقوى لله وحده.

وكذلك قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59](5) . فجعل الإيتاء لله وللرسول.

كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7](6) فالحلال ما حلله الرسول، والحرام: ما حرمه الرسول، والدين: ما شرعه الرسول.

وجعل التحسب بالله وحده، فقال تعالى:{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} [التوبة: 59] ولم يقل ورسوله. كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173](7) .

(1) سورة الزخرف: الآية 45.

(2)

سورة الأنبياء: الآية 25.

(3)

سورة النحل: من الآية 36.

(4)

سورة النور: الآية 52.

(5)

سورة التوبة: الآية: 59.

(6)

سورة الحشر: من الآية 7.

(7)

سورة آل عمران: الآية 173.

ص: 365

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64](1) أي حسبك وحسب من اتبعك: الله، فهو وحده كافيكم (2) ومن ظن أن معناها: حسبك الله والمؤمنون، فقد غلط غلطا عظيما من وجوه كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع (3) .

ثم قال: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 59](4) فجعل الفضل لله، وذكر الرسول في الإيتاء، لأنه لا يباح إلا ما أباحه الرسول، فليس لأحد أن يأخذ ما تيسر له إن لم يكن مباحا في الشريعة.

ثم قال: {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59](5) فجعل الرغبة إلى الله وحده، دون ما سواه؛ كما قال (6) {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ - وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7 - 8] (7) فأمر بالرغبة إليه. ولم يأمر الله قط مخلوقا أن يسأل مخلوقا، وإن كان قد أباح في موضع من المواضع ذلك (8) لكنه لم يأمر به، بل الأفضل للعبد أن لا يسأل قط إلا الله.

كما ثبت في الصحيح في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب: «هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون» (9) فجعل

(1) سورة الأنفال: الآية 64.

(2)

في (ب ج د) : كافيهم.

(3)

لعله يشير إلى ما ذكره في مجموع الفتاوى (1 / 306) .

(4)

سورة التوبة: من الآية 59.

(5)

سورة التوبة: من الآية 59.

(6)

في المطبوعة: كما قال تعالى في سورة الانشراح.

(7)

سورة الانشراح: الآيتان 7، 8.

(8)

في (ج د) : في بعض المواضع ذلك. وفي المطبوعة: ذلك في بعض المواضع.

(9)

صحيح البخاري، كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، حديث رقم (5705) ، (10 / 155) من فتح الباري، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب، حديث رقم (218) ، (1 / 198) .

ص: 366

من صفاتهم أنهم لا يسترقون: أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، ولم يقل: لا يرقون. وإن كان ذلك قد روي (1) في بعض طرق مسلم (2) فهو غلط، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رقى نفسه وغيره، لكنه لم يسترق، فالمسترقي طالب للدعاء من غيره؛ بخلاف الراقي غيره، فإنه داع له.

وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» (3) فهو الذي يتوكل عليه (4) ويُستعان به، ويُستغاث به ويُخاف ويُرجى، ويُعبد وتنيب القلوب إليه، لا حول ولا قوة إلا به، ولا ملجأ (5) منه إلا إليه، والقرآن كله يحقق هذا الأصل.

والرسول صلى الله عليه وسلم يُطاع ويُحَبُّ ويرضى، ويسلم إليه حكمه، ويعزر، ويوقر، ويتبع، ويؤمن به وبما جاء به، قال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80](6) .

وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64](7) .

(1) في (أط) : قد روي بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رقى نفسه. فقوله: في بعض طرق مسلم فهو غلط: سقطت من (أط) .

(2)

انظر: صحيح مسلم، كتاب الإيمان. باب (94) السابق، حديث رقم (220) ، (1 / 200) .

(3)

أخرجه الترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة، باب (59) ، حديث رقم (2516) ، (4 / 667)، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح".

في المطبوعة: فالله هو الذي.

(4)

الذي يتوكل عليه: ساقطة من (ط) .

(5)

في المطبوعة: ولا منجى.

(6)

سورة النساء: من الآية 80.

(7)

سورة النساء: من الآية 64.

ص: 367

وقال تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62](1) .

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} [التوبة: 24] إلى قوله: (2){أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24](3) .

وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه (4) وجد (5) حلاة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار» (6) .

وقال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» (7) .

«وقال له (8) عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، قال:" لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك ". قال: فلأنت (9)

(1) سورة التوبة: الآية 62.

(2)

في المطبوعة: سرد الآية.

(3)

سورة التوبة: من الآية 24.

(4)

في (ط ب) : فقد وجد.

(5)

في (أ) : وجد بهن حلاوة الإيمان.

(6)

صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، حديث رقم (16) ، (1 / 60) من فتح الباري وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، حديث رقم (43) ، (1 / 66) .

(7)

صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حب الرسول من الإيمان، حديث رقم (14) ، (1 / 58) من فتح الباري، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب محبة رسول الله، حديث رقم (69) ، (1 / 67) .

(8)

له: سقطت من (أ) .

(9)

في (أ) : فأنت.

ص: 368

أحب إلي من نفسي، قال " الآن يا عمر» (1) .

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31](2) وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا - لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 8 - 9](3) أي: الرسول خاصة {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9](4) أي: تسبحوا الله تعالى. فالإيمان بالله والرسول، والتعزير والتوقير للرسول، والتسبيح لله وحده. وهذا الأصل مبسوط في غير هذا الموضع.

وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بتحقيق (5) التوحيد وتجريده، ونفي الشرك بكل وجه، حتى في الألفاظ، كقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يقولن أحدكم (6) ما شاء الله وشاء محمد، بل: ما شاء الله ثم شاء محمد» (7) «وقال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: " أجعلتني لله (8) ندا؟ بل (9) ما شاء الله

(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ حديث رقم (6632) ، (11 / 523) .

(2)

سورة آل عمران: من الآية 31.

(3)

سورة الفتح: الآيتان 8، 9 وفي المطبوعة قال:(أو تعزروه وتوقروه) على أنها سياق المؤلف، فقد أخرجها من القوسين.

(4)

سورة الفتح: الآية 9.

(5)

في (ج) : هذا التوحيد.

(6)

لا يقولن أحدكم: ساقطة من (أ) .

(7)

أخرجه ابن ماجه في كتاب الكفارات، باب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت، حديث رقم (2118) ، وأشار المعلق إلى أنه في الزوائد، قال: رجال الإسناد ثقات على شرط البخاري، وفي لفظ ابن ماجه اختلاف يسير عن سياق المؤلف (1 / 685) . وأخرجه الدرامي، كتاب الاستئذان، باب النهي عن أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان (2 / 295) . وأحمد في المسند (5 / 72، 393) ، وكلهم بغير لفظ المؤلف.

(8)

في (ج د) : أتجعلني.

(9)

في المطبوعة: قل.

ص: 369

وحده» (1) .

والعبادات التي شرعها الله كلها تتضمن إخلاص الدين كله لله، تحقيقا لقوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5](2) فالصلاة لله وحده، والصدقة لله (3) وحده، والصيام لله وحده، والحج لله وحده، وإلى بيت الله وحده؛ فالمقصود من الحج: عبادة الله وحده في البقاع التي أمر الله بعبادته فيها، ولهذا كان الحج شعار الحنيفية، حتى قال طائفة من السلف:" حنفاء لله، أي حجاجا "(4) فإن اليهود والنصارى لا يحجون البيت.

قال طائفة من السلف: لما أنزل الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85](5) . قالت اليهود والنصارى: نحن مسلمون، فأنزل الله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97](6) . فقالوا: لا نحج؟ فقال تعالى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97](7) وقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا} [آل عمران: 85](8) عام في الأولين والآخرين، فإن دين الإسلام هو دين الله الذي عليه أنبياؤه، وعباده المؤمنون، كما ذكر الله ذلك في

(1) أخرجه أحمد في المسند (1 / 214، 224، 283، 347)، عن ابن عباس وفيه:"جعلتني لله عدلا" بدل: "ندا" ومعناهما واحد.

(2)

سورة البينة: الآية 5.

(3)

في (ج د) : أخر قوله: (والصدقة لله وحده) بعد الصيام.

(4)

انظر: تفسير ابن جرير (30 / 170) ، حيث ذكر ما أشار إليه المؤلف.

(5)

سورة آل عمران: من الآية 85.

(6)

سورة آل عمران: الآية 97.

(7)

سورة آل عمران: الآية 97.

ذكر ذلك ابن جرير في تفسيره (3 / 241) .

(8)

في (د) : " فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ" من بقية الآية.

ص: 370

كتابه من أول رسول بعثه (1) إلى أهل الأرض: نوح، وإبراهيم، وإسرائيل، وموسى، وسليمان، وغيرهم من الأنبياء والمؤمنين.

قال الله تعالى في حق نوح: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ - فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 71 - 72](2) .

وقال تعالى في إبراهيم وإسرائيل: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ - إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 130 - 131](3) .

وقال تعالى عن يوسف: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101](4) .

وقال تعالى عن موسى وقومه: {وَقَالَ مُوسَى (5) يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84](6) .

وقال في أنبياء بني إسرائيل:

(1) في (أط) : بعث.

(2)

سورة يونس: الآيتان 71، 72.

(3)

سورة البقرة: الآيات 130-131، وفي المطبوعة: سرد الآيات إلى قوله: " وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" سورة البقرة: من الآية 133.

(4)

سورة يوسف: الآية 101.

(5)

في (أط) : لقومه. وهي زيادة من النساخ.

(6)

سورة يونس: الآية 84.

ص: 371

{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [المائدة: 44](1) .

وقال تعالى عن بلقيس: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44](2) .

وقال تعالى عن أمة عيسى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111](3) .

وقال تعالى: (4){رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53](5) .

وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125](6) .

وقال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 111 - 112](7) .

وقد فسر إسلام الوجه لله بما يتضمن (8) إخلاص قصده (9) لله، وهو

(1) سورة المائدة: من الآية 44.

(2)

سورة النمل: من الآية 44.

(3)

سورة المائدة: الآية 111.

(4)

في المطبوعة زاد: عنهم أيضا.

(5)

سورة آل عمران: الآية 53.

(6)

سورة النساء: الآية 125.

(7)

سورة البقرة: الآيتان 111، 112.

(8)

في (ب ج د) : يقتضي.

(9)

في المطبوعة: قصد العبد لله بالعبادة له وحده، وهي زيادة عما في النسخ المخطوطة.

ص: 372

محسن بالعمل الصالح (1) المأمور به (2) وهذان الأصلان جماع الدين: أن لا نعبد (3) إلا الله، وأن نعبده بما شرع، لا نعبده بالبدع.

وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110](4) . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه (5)" اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه (6) شيئا "(7) .

وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2](8) . قال: " أخلصه وأصوبه ". قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال:" إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص (9) أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة "(10) .

وهذان الأصلان هما تحقيق الشهادتين اللتين هما رأس الإسلام: شهادة

(1) في المطبوعة زاد: المشروع.

(2)

في (أ) : المأمون به.

(3)

في (ب) : أن لا يعبدوا.

(4)

سورة الكهف: الآية 110.

(5)

في دعائه: ساقطة من (أ) .

(6)

في (ب) : فيها.

(7)

لم أجده.

(8)

سورة الملك: من الآية 2.

(9)

في (د ب) : فالخالص.

(10)

ذكره أبو نعيم في الحلية بسنده عن إبراهيم بن الأشعث أنه سمع الفضيل يقول ذلك (8 / 95) .

ص: 373

أن لا إله إلا الله، وشهادة (1) أن محمدا رسول الله. فإن الشهادة لله بأنه لا إله إلا هو (2) تتضمن إخلاص الإلهية له، فلا يجوز أن يتأله القلب غيره، لا بحب ولا خوف ولا رجاء، ولا إجلال ولا إكرام (3) ولا رغبة ولا رهبة؛ بل لا بد أن يكون الدين كله لله، كما قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39](4) .

فإذا كان بعض الدين لله، وبعضه لغير الله (5) كان في ذلك من الشرك بحسب ذلك. وكمال الدين كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره:«من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان» (6) .

فالمؤمنون يحبون لله، والمشركون يحبون مع الله، كما قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165](7) .

والشهادة بأن محمدا رسول الله، تتضمن: تصديقه في كل ما أخبر،

(1) في (ط) : وأن محمدا.

(2)

في (أ) : لا إله إلا الله.

(3)

في المطبوعة: ولا إكبار.

(4)

سورة الأنفال: من الآية 39.

(5)

في (ط) : لغيره.

(6)

أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، حديث رقم (4679) ، (5 / 60) عن أبي أمامة. وأخرجه الترمذي باختلاف يسير عن اللفظ الذي أورده المؤلف في كتاب صفة القيامة، باب (60)، حديث رقم (2521) عن أنس الجهني (4 / 670) وقال:" هذا حديث حسن". وأخرجه أحمد في مسند أنس بن معاذ الجهني (3 / 438، 440) .

(7)

سورة البقرة: من الآية 165.

ص: 374

وطاعته في كل ما أمر. فما (1) أثبته وجب إثباته، وما نفاه وجب نفيه، كما يجب على الخلق أن يثبتوا لله ما أثبته (2) من الأسماء والصفات، وينفوا عنه ما نفاه عنه من مماثلة المخلوقات، فيخلصوا من التعطيل والتمثيل، ويكونوا (3) في إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل. وعليهم أن يفعلوا ما أمر به وأن ينتهوا (4) عما نهى عنه، ويحللوا ما حلله، ويحرموا ما حرمه؛ فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله.

ولهذا، ذم الله المشركين في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما، لكونهم حرموا ما لم يحرمه الله، ولكونهم شرعوا دينا لم يأذن به الله، كما في قوله تعالى:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} [الأنعام: 136](5) إلى آخر السورة. وما ذكره في صدر سورة الأعراف، وكذلك قوله تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] (6) .

وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا - وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45 - 46](7) فأخبره (8) أنه أرسله داعيا إليه بإذنه (9) فمن دعا إلى غير الله فقد أشرك، ومن دعا إليه بغير إذنه فقد ابتدع، والشرك بدعة، والمبتدع يؤول إلى الشرك، ولم يوجد مبتدع إلا وفيه نوع من الشرك، كما قال

(1) في (ج د) : فكل ما أثبته.

(2)

في المطبوعة: ما أثبته الرسول لربه.

(3)

في المطبوعة: ويكونون على خير عقيدة في إثبات.

(4)

في (أ) : وينتهوا، وفي المطبوعة: أن يفعلوا ما أمرهم به وأن ينتهوا عما نهاهم عنه.

(5)

سورة الأنعام: من الآية 136.

(6)

سورة الشورى: من الآية21.

(7)

سورة الأحزاب: الآيتان 45، 46.

(8)

في (د ب) : فأخبر.

(9)

في (أ) زاد: وسراجا منيرا.

ص: 375

تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31](1) وكان من إشراكهم بهم: أنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم (2) وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم.

وقد قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29](3) فقرن بعدم إيمانهم بالله واليوم (4) الآخر: أنهم لا يحرمون ما حرمه الله (5) ورسوله، ولا يدينون دين الحق.

والمؤمنون صدقوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما أخبر به (6) عن الله، وعن اليوم الآخر، فآمنوا بالله واليوم الآخر (7) وأطاعوه فيما أمر ونهى، وحلل وحرم، فحرموا ما حرم الله ورسوله، ودانوا دين الحق، فإن الله بعث الرسول يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، فأمرهم بكل معروف، ونهاهم عن كل منكر، وأحل لهم كل طيب، وحرم عليهم كل خبيث.

ولفظ الإسلام: يتضمن الاستسلام والانقياد، ويتضمن الإخلاص، (8) من

(1) سورة التوبة: الآية 31.

(2)

في (ط) : فأضلوهم، وفي (أ) : فأخلوه، وهو تحريف من النساخ.

(3)

سورة التوبة: الآية 29.

(4)

في (أط) : وباليوم.

(5)

في (أ) : ما حرمه الرسول، وفي (ط) : ما حرمه الله والرسول.

(6)

ما بين الرقمين ساقط من (ج د)، ووضع بدله: في باب الإيمان بالله واليوم الآخر.

(7)

ما بين الرقمين ساقط من (ج د)، ووضع بدله: في باب الإيمان بالله واليوم الآخر.

(8)

في المطبوعة: مأخوذ من قوله تعالى.

ص: 376

قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} [الزمر: 29](1) . فلا بد في الإسلام من الاستسلام لله وحده، وترك الاستسلام لما سواه، وهذا حقيقة قولنا:" لا إله إلا الله (2) " فمن استسلم لله ولغيره فهو (3) مشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته، وقد قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60](4) .

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ". فقيل له: يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنا، أفمن الكبر ذاك؟ فقال: " لا، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس» (5) . بطر (6) الحق: جحده ودفعه، وغمط الناس: ازدراؤهم واحتقارهم.

فاليهود موصوفون بالكبر، والنصارى موصوفون بالشرك، قال تعالى في نعت اليهود:{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87](7) .

(1) سورة الزمر: من الآية 29.

(2)

في (ب) : لا إله إلا هو.

(3)

(أ) : هو.

(4)

سورة غافر: الآية 60.

(5)

صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، حديث رقم (91) ، (1 / 93) . وأبو داود، كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر، حديث رقم (4090) ، (4 / 350) . والترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الكبر، حديث رقم (1999) ، (4 / 361) .

(6)

في (ب) : فبطر.

(7)

سورة البقرة: من الآية 87.

ص: 377