الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معاذ (1) حدثنا ابن (2) عون (3) قال: سأل رجل نافعًا (4) فقال: هل كان ابن عمر يسلم على القبر، فقال: نعم، لقد رأيته مائة (5) أو أكثر من مائة مرة، كان يأتي القبر، فيقوم عنده فيقول:"السلام على النبي، السلام على أبي بكر، السلام على أبي"(6) . وفي رواية أخرى، ذكرها الإمام أحمد محتجًا بها:"ثم ينصرف"، وهذا الأثر رواه مالك في الموطأ (7) .
[ما يتصل بالقبور من زيارتها والصلاة عندها واتخاذها مساجد والبناء عليها]
وزيارة القبور جائزة في الجملة، حتى قبور الكفار، فإن في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي (8) فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي» (9) ".
وفيه أيضًا عنه قال: «زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور
(1) هو: معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري، أبو المثنى، البصري القاضي، ثقة متقن. مات سنة (196هـ)، أخرج له الستة. انظر: تهذيب التهذيب (2 / 257) ، (ت1209) .
(2)
ابن: ساقطة من (أ) .
(3)
في (د) : عوف. والصحيح: ابن عون؛ لأنه هو الراوي عن معاذ، وقد مرت ترجمته. انظر فهرس الأعلام.
(4)
أي: مولى ابن عمر.
(5)
في (أ) : مائة مرة.
(6)
في المطبوعة: على عمر أبي.
(7)
انظر: الموطأ، كتاب قصر الصلاة والسفر، باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، رقم (68) ، (2 / 166) .
(8)
في (ط) : لأمتي. وهو خطأ.
(9)
صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي ربه في زيارة قبر أمه، الحديث رقم (976) ، 2 / 671) .
قبرها فأذن لي فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت» (1) .
وفي صحيح مسلم (2) عن بريدة، " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " (3)«نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» (4) . وفي رواية لأحمد والنسائي: «فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرًا» (5) .
وروى أحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة» (6) .
فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارتها بعد النهي، وعلل ذلك بأنها تذكر الموت، والدار الآخرة، وأذن (7) إذنًا عامًا، في زيارة قبر المسلم والكافر.
والسبب الذي ورد عليه هذا اللفظ يوجب دخول الكافر، والعلة -وهي تذكر الموت والآخرة- موجودة في ذلك كله. وقد كان (8) صلى الله عليه وسلم يأتي قبور أهل
(1) نفس المرجع السابق.
(2)
مسلم: ساقطة من (أ) .
(3)
في المطبوعة: كنت نهيتكم. لكنه خلاف النسخ الأخرى ومسلم.
(4)
صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي ربه في زيادة قبر أمه، الحديث رقم (977) ، (2 / 672) .
(5)
مسند أحمد (5 / 361) ؛ وسنن النسائي (4 / 89) ؛ ومالك في الموطأ، كتاب الضحايا، باب ادخار لحوم الأضاحي، حديث رقم (8) ، (2 / 485) ؛ وأخرج الشافعي في (الأم) عن مالك، عن ربيعة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا " وإسناده صحيح. انظر: (الأم)(1 / 278) . والهجر، بالضم: الكلام القبيح. قال الشافعي: " وذلك مثل الدعاء بالويل والثبور، والنياحة ". (الأم)(1 / 278) ؛ والقاموس المحيط، فصل الهاء، باب الراء (2 / 164) .
(6)
مسند أحمد (1 / 145) .
(7)
في المطبوعة: وأذن لنا.
(8)
في (ب د) : وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
البقيع والشهداء للدعاء لهم والاستغفار، فهذا المعنى يختص (1) بالمسلمين دون الكافرين. فهذه الزيارة وهي زيارة القبور، لتذكر الآخرة، أو لتحيتهم والدعاء لهم، هو الذي جاءت به السنة، كما تقدم.
وقد اختلف أصحابنا وغيرهم، هل يجوز السفر لزيارتها؟ على قولين:
أحدهما: لا يجوز، والمسافرة لزيارتها معصية، ولا يجوز قصر الصلاة فيها، وهذا قول ابن بطة وابن عقيل، وغيرهما؛ لأن هذا السفر بدعة، لم يكن في عصر السلف، وهو مشتمل على ما سيأتي من معاني النهي، ولأن في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» (2) .
وهذا النهي يعم السفر إلى المساجد والمشاهد، وكل مكان يقصد السفر إلى عينه للتقرب (3) بدليل أن بصرة بن أبي بصرة الغفاري (4) لما رأى أبا هريرة راجعًا من الطور الذي كلم الله عليه موسى (5) قال: لو رأيتك قبل أن تأتيه لم تأته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» (6) .
(1) في (ب) : تخصيص للمسلمين.
(2)
الحديث مر. انظر: فهرس الأحاديث.
(3)
في المطبوعة زاد: والعبادة.
(4)
هو الصحابي الجليل: بصرة بن أبي بصرة، جميل بن بصرة بن وقاص الغفاري، له ولأبيه صحبة. انظر: تهذيب التهذيب (1 / 473) ، (ت876) .
(5)
في (ب) : الذي كلم الله موسى عليه.
(6)
جاء ذلك في حديث طويل أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجمعة، باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة، الحديث رقم (16)، (ص108 - 110) وفي لفظه:" لا تعمل المطي إلا ثلاثة مساجد"؛ وأخرجه النسائي في كتاب الجمعة، باب الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة (3 / 113 - 116) وبلفظ:" لا تعمل المطي " أيضا. وإسناد الحديث صحيح.
فقد فهم الصحابي الذي روى الحديث أن الطور وأمثاله من مقامات الأنبياء، مندرجة في العموم، وأنه لا يجوز السفر إليها، كما لا يجوز السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة. وأيضًا فإذا كان السفر إلى بيت من بيوت الله -غير الثلاثة- لا يجوز، مع أن قصده لأهل مصره يجب تارة، ويستحب أخرى، وقد جاء في قصد المساجد من الفضل ما لا يحصى- فالسفر إلى بيوت (1) عباده أولى أن لا يجوز.
والوجه الثاني: أنه يجوز السفر إليها، قاله طائفة من المتأخرين، منهم أبو حامد الغزالي (2) وأبو الحسن بن عبدوس الحراني (3) والشيخ أبو محمد المقدسي (4) . وما علمته منقولًا عن أحد من المتقدمين، بناء على أن الحديث
(1) في المطبوعة: بيوت الموتى من عباده.
(2)
هو: محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، أبو محمد، الملقب بحجة الإسلام، ولد سنة (450هـ) من فقهاء الشافعية، له مصنفات في الفقه وأصوله والفلسفة، ولولا اشتغاله بالفلسفة والتصوف لكان له شأن أعظم مما كان. من مصنفاته: إحياء علوم الدين، والمستضفى. والوجيز، والخلاصة. توفي سنة 505هـ) . انظر: وفيات الأعيان (4 / 216 - 219) ، (ت588) ؛ والأعلام (7 / 22) .
(3)
هو: على بن عمر بن أحمد بن عمار بن أحمد بن عبدوس الحراني، الفقيه الزاهد، العارف الواعظ، أبو الحسن، ولد سنة (511هـ) . من علماء الحنابلة في القرن السادس، له تفسير القرآن العظيم، وكتاب: المذهب في المذهب. توفي سنة (559هـ) . انظر: كتاب الذيل على طبقات الحنابلة (1 / 241 - 244) ، (ت128) .
(4)
ممن يعرف بهذه الكنية: عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور الجماعيلي المقدسي، تقي الدين، أبو محمد، الحافظ المحدث الفقيه الحنبلي. ولد سنة (541هـ) ، توفي سنة (600هـ)، وله مصنفات كثيرة منها: العمدة في الأحكام، والأحكام، والكمال في معرفة الرجال، وغيرها. انظر: كتاب الذيل على طبقات الحنابلة (2 / 5 - 29) . وكذلك: عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي، موفق الدين أبو محمد، صاحب كتاب (المغني) في الفقه الحنبلي، وصاحب التصانيف الكثيرة ولد سنة (541هـ)، وتوفي سنة (620هـ) . انظر: كتاب الذيل على طبقات الحنابلة (2 / 133 - 149) . وكلاهما يكنى بأبي محمد، كما أن كلا منهما مشهور عند الحنابلة وغيرهم، ولم أجد ما يرجح أيهما المقصود.
لم يتناول النهي عن ذلك، كما لم يتناول النهي عن السفر إلى الأمكنة التي فيها الوالدان، والعلماء والمشايخ، والإخوان، أو بعض المقاصد، من الأمور الدنيوية المباحة.
فأما ما سوى ذلك من المحدثات، فأمور:
منها- الصلاة عند القبور مطلقًا، واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها، فقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك، والتغليظ فيه. فأما بناء المساجد على القبور فقد صرح عامة علماء الطوائف بالنهي عنه، متابعة للأحاديث، وصرح أصحابنا وغيرهم، من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما، بتحريمه، ومن العلماء من أطلق فيه لفظ الكراهة. فما أدري عنى به التحريم، أو التنزيه؟
ولا ريب في القطع بتحريمه، لما روى مسلم في صحيحه "عن جندب بن عبد الله البجلي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلًا، ولو كنت متخذًا من أمتي (1) خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك» (2) .
(1) في المطبوعة: منكم. والصحيح ما أثبته كما هو في مسلم والنسخ الأخرى.
(2)
انظر: صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، الحديث رقم (532) ، (1 / 377، 378) .
وعن عائشة رضي الله عنها، وعبد الله بن عباس قالا (1)«لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا» أخرجه البخاري ومسلم (2) . وأخرجا جميعًا عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود (3) اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (4) وفي رواية لمسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (5) . / 50 فقد نهى عن اتخاذ القبور مساجد في آخر حياته، ثم إنه لعن -وهو في السياق- من فعل ذلك من أهل الكتاب، ليحذر أمته أن يفعلوا ذلك.
قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا. رواه البخاري ومسلم (6) .
(1) في (ب) : قال.
(2)
أخرج البخاري هذا الحديث في مواضع كثيرة. انظر: كتاب الصلاة، الباب (55) ، الحديث رقم (435 -436) فتح الباري (1 / 532) . وأخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، الحديث رقم (531) ، (1 / 377) .
(3)
في المطبوعة: والنصارى. وهو خلاف ما في الصحيحين والنسخ الأخرى.
(4)
صحيح البخاري، كتاب الصلاة، الباب (55) ، الحديث رقم (437) ، (1 / 532) من فتح الباري. وصحيح مسلم، وكتاب المساجد، باب النهى عن بناء المساجد على القبور، الحديث رقم (530) ، (1 / 376، 377) .
من هنا حتى قوله: فقد نهى (سطر واحد تقريبا) : ساقطة من (د) .
(5)
صحيح مسلم، الكتاب والباب السابقان، تابع الحديث رقم (530) ، (1 / 377) .
(6)
صحيح مسلم، الكتاب والباب السابقان، الحديث رقم (529) ، (1 / 376) . وصحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، الحديث رقم (1330) ، (3 / 200) من فتح الباري.
وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد» (1) رواه أبو حاتم (2) في صحيحه (3) .
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود (4) اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (5) . رواه الإمام أحمد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي (6) .
(1) مسند أحمد (1 / 435) .
(2)
قوله: رواه أبو حاتم في صحيحه: سقطت من (أط) .
(3)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف، عن معمر والثوري، عن أبي إسحاق والحارث، عن علي، وأحسب معمرا رفعه قال:" من شرار الناس من يتخذ القبور مساجد ". المصنف (1 / 405) ، رقم (1586) ، باب الصلاة على القبور.
(4)
في (ب د) وفي المطبوعة: والنصارى. ولم أجدها في مسند أحمد عن زيد بن ثابت، أي كلمة " والنصارى".
(5)
مسند أحمد (5 / 184، 186) في مسند زيد. وفي إسناده عقبة بن عبد الرحمن، مجهول عند بعض أئمة الجرح، وذكره ابن حبان في الثقات. انظر: تهذيب التهذيب (7 / 245) ، (ت441) . أما بقية رجال الحديث فهم ثقات، وقد ذكر المؤلف آنفا هذا الحديث من طرق صحيحة متفق عليها عند البخاري ومسلم.
(6)
مسند أحمد (1 / 229، 287، 324، 337) ، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور، الحديث رقم (3236) ، (3 / 558) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا، الحديث رقم (320) ، (2 / 136)، وقال الترمذي:" حديث ابن عباس حديث حسن "(2 / 137) ، وإذا نظرنا إلى مجموع طرقه وشواهده فهو يصل إلى درجة الصحيح، وتقدم تخريجه. انظر: فهرس الأحاديث.