المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[بيع الدار ونحوها للذمي وإجارتها له] - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل في مفهوم العيد والحذر من التشبه بالكفار في أعيادهم]

- ‌[فصل في أعياد الكفار]

- ‌[بعض ما يفعله الناس من المسلمين من البدع في ذلك]

- ‌[النهي عن فعل ما يعين الكفار في أعيادهم]

- ‌[بيع الدار ونحوها للذمي وإجارتها له]

- ‌[ابتياع الذمي أرض العشر من مسلم]

- ‌[استئجار الأرض الموقوفة على الكنيسة وشراء ما يباع للكنيسة]

- ‌[قبول الهدية من أهل الذمة يوم عيدهم]

- ‌[ذبيحتهم يوم عيدهم وأنواع ذبائح أهل الكتاب]

- ‌[ما ذبح على النصب]

- ‌[ذبائح الجن المزعزمة]

- ‌[عودة إلى تفصيل القول فيما ذبح على النصب]

- ‌[فصل في صوم أيام عيد الكفار]

- ‌[فصل في صوم النيروز والمهرجان ونحوهما من أعياد المشركين]

- ‌[فصل في سائر الأعياد والمواسم المبتدعة]

- ‌[ما أحدث من المواسم والأعياد فهو منكر لوجهين]

- ‌[الأول دخول سائر الأعياد والمواسم المبتدعة في مسمى البدع المحدثات]

- ‌[الثاني اشتمالها الفساد في الدين]

- ‌[فصل في الأعياد الزمانية المبتدعة]

- ‌[أنواع الأعياد الزمانية المبتدعة]

- ‌[فصل في الأعياد المكانية المبتدعة]

- ‌[فصل في أنواع الأعياد المكانية]

- ‌[النوع الأول مكان لا خصوص له في الشريعة]

- ‌[بعض الأمكنة والقبور التي ابتدعها الناس]

- ‌[فصل في النوع الثاني من الأمكنة]

- ‌[النوع الثاني ما له خصيصة لا تقتضي اتخاذه عيدا]

- ‌[إطلاق العيد على المكان الذي يقصد الاجتماع فيه]

- ‌[ما يتصل بالقبور من زيارتها والصلاة عندها واتخاذها مساجد والبناء عليها]

- ‌[أنواع من المحرمات]

- ‌[الدعاء عند القبور]

- ‌[رد القول بأن الأمة أجمعت على استحسان الدعاء عند القبور]

- ‌[أثر العبادة والدعاء عند القبور ليس دليلا على استحسانها]

- ‌[أنواع الشرك]

- ‌[الدعاء بعد تحية النبي صلى الله عليه وسلم عند القبر]

- ‌[تفنيد ما ورد في استحباب الدعاء عند القبر]

- ‌[بعض بدع القبور]

- ‌[فصل في عدم جواز سائر العبادات عند القبور]

- ‌[فصل في العكوف عند القبور ومجاورتها وسدانتها]

- ‌[فصل في مقامات الأنبياء وحكم قصدها]

- ‌[أقوال العلماء وبيان القول الصحيح وأدلته]

- ‌[الأمكنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد الصلاة أو الدعاء عندها]

- ‌[الاستسقاء بأهل الخير الأحياء إنما يكون بدعائهم]

- ‌[التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة]

- ‌[التوسل بالأنبياء والصالحين يكون بطاعتهم واتباعهم أو بدعائهم وشفاعتهم]

- ‌[المساجد التي تشد إليها الرحال]

- ‌[فصل في المسجد الأقصى]

- ‌[فصل في عدم اختصاص بقعة بقصد العبادة إلا المساجد]

- ‌[أقوال الناس في الشفاعة والقول الحق في ذلك]

- ‌[أصل التوحيد الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب]

- ‌[أصل دين الأنبياء واحد وإنما تنوعت الشرائع]

- ‌[غلط طوائف في مسمى التوحيد وبيان الحق في ذلك]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[بيع الدار ونحوها للذمي وإجارتها له]

لهم، ولا تعنهم على ما هم فيه (1) . وقد نقل عن محمد بن الحكم (2) وسأله عن الرجل المسلم يحفر لأهل الذمة قبرا بكراء؟ قال: لا بأس به، والفرق بينهما أن الناووس من خصائص دينهم الباطل كالكنيسة، بخلاف القبر المطلق، فإنه ليس في نفسه معصية، ولا من خصائص دينهم.

[بيع الدار ونحوها للذمي وإجارتها له]

وقال الخلال: " باب الرجل يؤاجر داره للذمي أو يبيعها منه " وذكر عن المروزي أن أبا عبد الله سئل عن رجل باع داره من ذمي، وفيها محاريبه:(3) فقال: " نصراني (4) ! " واستعظم ذلك، وقال:" لا تباع يضرب فيها بالناقوس (5) وينصب (6) فيها الصلبان، وقال: لا تباع من الكفار "، وشدد في ذلك.

وعن أبي الحارث (7) أن أبا عبد الله سئل عن الرجل يبيع داره، وقد جاء

(1) انظر: مسائل الإمام أحمد للنيسابوري (2 / 30) ، المسألة رقم (1299) .

(2)

هو: محمد بن الحكم أبو بكر الأحول، سمع من الإمام أحمد مسائل، وكان له علم وفهم سديد، توفي قبل الإمام سنة (223هـ) . انظر: طبقات الحنابلة (1 / 295، 404) .

(3)

المحاريب جمع محراب، وهو: مقام الإمام في المسجد، ويطلق على الغرفة، وصدر البيت. انظر: القاموس المحيط، فصل الحاء، باب الباء (1 / 54)، والذي يظهر لي أن المقصود بالمحاريب هنا: الأماكن التي تخصص لصلاة التطوع وصلاة النساء في المنزل، والله أعلم.

(4)

في المطبوعة: فيها نصراني.

(5)

في (أ) : يضرب فيها الناقوس.

(6)

في (ط) : وتنصب.

(7)

يغلب على ظني أنه: أحمد بن محمد الصائغ، أبو الحارث، فقد كان أحمد بن حنبل يقدمه ويكرمه، وروى عن الإمام مسائل كثيرة. انظر: طبقات الحنابلة (1 / 74، 75) ، (ت 59) .

ص: 21

نصراني فأرغبه، وزاده في ثمن الدار، ترى (1) له أن يبيع داره منه وهو نصراني أو يهودي أو مجوسي؟ قال:" لا أرى له ذلك، يبيع داره من كافر يكفر (2) بالله فيها! يبيعها من مسلم أحب إلي " فهذا نص على المنع.

ونقل عنه إبراهيم بن الحارث (3) قيل لأبي عبد الله: الرجل يكري منزله من الذمي ينزل فيه، وهو يعلم أنه يشرب فيه الخمر، ويشرك فيها؟ قال:" ابن عون (4) كان لا يكري إلا من أهل الذمة يقول: يرعبهم "(5) ".

قيل له: كأنه أراد إذلال أهل الذمة بهذا. قال: " لا، ولكنه أراد: أنه كره أن يرعب (6) المسلمين، يقول: إذا جئت أطلب الكراء من المسلم أرعبته. فإذا كان ذميا كان (7) أهون عنده " وجعل أبو عبد الله يعجب لهذا من ابن عون، فيما رأيت. وهكذا نقل الأثرم سواء، ولفظه: قلت لأبي عبد الله.

(1) في (أ) : وضع في الهامش: هل، قبل: ترى.

(2)

يكفر: ساقطة من (أ) .

(3)

هو: إبراهيم بن الحارث بن مصعب بن الوليد بن عبادة بن الصامت، من كبار أصحاب الإمام أحمد، ويعد من الطبقة الثانية عشرة. انظر: طبقات الحنابلة (1 / 94)(ت 92) ، وتهذيب التهذيب (1 / 113) ، (ت197) .

(4)

لعله عبد الله بن عون بن أبي عون بن يزيد، الهلالي، الخراز، البغدادي، ثقة عابد، من الطبقة العاشرة، توفي سنة (232هـ)، أخرج له مسلم والنسائي. انظر: تقريب التهذيب (1 / 439) ، (ت527)، وهو معاصر للإمام أحمد. وربما يكون المقصود: الإمام عبد الله بن عون بن أرطبان البصري، عالم فقيه، من السادسة، توفي سنة (150هـ) ، وهذا هو الأرجح عندي؛ لأنه فقيه يناسب اعتبار الإمام أحمد لقوله وفعله، انظر: تقريب التهذيب (1 / 439) ، (ت 526) .

(5)

في (ب ج د ط) : يرغبهم، وما أثبته أصح،؛ لأن السياق يتطلبه.

(6)

في (ب ط) : يرغب، والصحيح ما أثبته كسابقه؛ لأنه في طلب الكراء، وفيه إرعاب للمستأجر؛ لأنه غارم.

(7)

كان: ساقطة من (ج د) .

ص: 22

ومسائل الأثرم وإبراهيم بن الحارث يشتركان فيها.

ونقل عنه مهنا قال: سألت أحمد عن الرجل يكري المجوس داره، أو دكانه، وهو يعلم أنهم يزنون، فقال:" كان ابن عون (1) لا يرى أن يكري المسلمين، يقول: أرعبهم (2) في أخذ الغلة، وكان يرى أن يكري غير المسلمين ".

قال أبو بكر الخلال: كل من حكى عن أبي عبد الله في رجل يكري داره من ذمي، فإنما أجابه أبو عبد الله على فعل ابن عون، ولم ينفذ (3) لأبي عبد الله فيه قول.

وقد حكى عنه إبراهيم أنه رآه معجبا بقول ابن عون، والذين رووا عن أبي عبد الله في المسلم يبيع داره من الذمي (4) أنه كره ذلك كراهة شديدة، فلو نفذ (5) لأبي عبد الله (6) قول في السكنى؛ لكان (7) السكنى والبيع عندي واحدا، والأمر في ظاهر قول أبي عبد الله أنه لا يباع منه؛ (8)(8) لأنه يكفر فيها، وينصب الصلبان، وغير ذلك، والأمر عندي: أنه لا يباع منه ولا يكرى (9)(9) ؛ لأنه معنى واحد.

(1) في (أ) : ابن عوف. وهو تحريف من الناسخ.

(2)

في (أط) : أرغبهم. والمثبت أصح كما بينت.

(3)

في (أ) : ينقل.

(4)

في (ب) : من ذمي.

(5)

في (ب) نقل.

(6)

في (أ) : فيه قول.

(7)

في (أ) : كأن. وفي المطبوعة: لكانت.

(8)

ما بين الرقمين ساقط من (أ) .

(9)

ما بين الرقمين ساقط من (أ) .

ص: 23

قال: وقد أخبرني أحمد بن الحسين بن حسان (1) قال: سئل أبو عبد الله عن حصين بن عبد الرحمن (2) فقال: " روى عنه (3) حفص (4) لا أعرفه " قال أبو بكر: هذا من النساك حدثني أبو سعيد الأشج (5) سمعت أبا خالد الأحمر (6) يقول: حفص هذا العدوي نفسه باع دار حصين بن عبد الرحمن عابد أهل الكوفة، من عون البصري (7) فقال له أحمد:" حفص "؟ قال: نعم.

(1) هو: أحمد بن الحسين بن حسان السامري ـ من سرّ من رأى ـ قال في طبقات الحنابلة: رأى إمامنا أحمد، وروى عنه أشياء. انظر: طبقات الحنابلة (1 / 39) ، (ت12) ، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص125) ، تحقيق د. عبد الله التركي.

(2)

يظهر لي أنه: حصين بن عبد الرحمن النخعي الكوفي (وهو غير حصين بن عبد الرحمن السلمي المشهور،؛ لأن حفص بن غياث من الطبقة الثامنة، وحصين السلمي من الخامسة) ، أما حصين المترجم له فهو من الطبقة السابعة، قال ابن حجر في التقريب: قلت: قال أبو حاتم: مجهول. وذكره ابن حبان في الثقات. انظر: تهذيب التهذيب (2 / 383) ، (ت662) .

(3)

في (أ) روى عن حفص. والصحيح ما أثبته. انظر: تهذيب التهذيب (2 / 383) .

(4)

هو: حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي، أبو عمرو، الكوفي، القاضي، ثقة، صاحب حديث، ولد سنة (117هـ) وتوفي سنة (195هـ) . انظر: تهذيب التهذيب (2 / 415-418)(ت 725) .

(5)

هو: عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، أبو سعيد الأشج، من صغار الطبقة العاشرة، ثقة، أخرج له الستة، مات سنة (257هـ) . انظر: تقريب التهذيب (1 / 419) ، (ت 342) .

(6)

هو: سليمان بن حيان الأزدي، الكوفي، أبو خالد الأحمر، قال في التقريب: صدوق يخطئ، من الثامنة، وأخرج له الستة، توفي سنة (190هـ) . انظر: تقريب التهذيب (1 / 323) ، (ت425) .

(7)

لم أتوصل لمعرفته؛ لأن المعروفين بهذا الاسم كثيرون، ولم أجد ما يدل عليه. وكذلك الشيخ هنا شك فيه.

ص: 24

فعجب أحمد، يعني من حفص بن غياث، قال الخلال: وهذا أيضا تقوية لمذهب أبي عبد الله.

قلت: عون هذا كأنه من أهل البدع، أو من الفساق بالعمل، فقد أنكر أبو خالد الأحمر على حفص بن غياث قاضي الكوفة، أنه باع دار الرجل الصالح من مبتدع، وعجب أحمد (1) أيضا من فعل القاضي.

قال الخلال: " فإذا كان يكره بيعها من فاسق، فكذلك من كافر، وإن كان الذمي يقر، والفاسق لا يقر، لكن ما يفعله الكافر فيها أعظم "، وهكذا ذكر القاضي عن أبي بكر عبد العزيز (2) أنه ذكر قوله في رواية أبي الحارث: لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها، يبيعها من مسلم أحب إلي، فقال أبو بكر:" لا فرق بين الإجارة والبيع عنده، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة" ووافقه القاضي (3) وأصحابه على ذلك.

وعن إسحاق بن منصور (4) أنه قال لأبي عبد الله: سئل -يعني الأوزاعي - عن الرجل يؤاجر نفسه لنظارة كرم النصراني، فكره ذلك، وقال أحمد:" ما أحسن ما قال؛ لأن أصل ذلك يرجع إلى الخمر، إلا أن يعلم أنه يباع لغير الخمر فلا بأس به (5) ".

(1) أحمد: سقطت من (ج د) .

(2)

في (ج د) : أبي عبد العزيز. أي أن: (بكر) سقطت.

(3)

هو: أبو يعلى الفراء.

(4)

هو: إسحاق بن منصور بن بهرام التميمي، أبو أيوب الكوسج، المروزي ثم النيسابوري، صاحب مسائل الإمامين: أحمد وإسحاق، إمام ثقة واسع العلم، توفي سنة (251هـ) . انظر: خلاصة تذهيب التهذيب (ص30) ، وشذرات الذهب (2 / 123) .

(5)

به: سقطت من (أط) والمطبوعة.

ص: 25

وعن أبي النضر العجلي (1) قال: قال أبو عبد الله فيمن يحمل خمرا أو خنزيرا أو ميتة لنصراني، فهو يكره أكل كرائه، ولكنه يقضي للحمال (2) بالكراء، وإذا كان للمسلم فهو أشد كراهية ".

وتلخيص الكلام في ذلك: أما بيع داره من كافر، فقد ذكرنا منع أحمد منه. ثم اختلف أصحابه: هل هذا تنزيه أو تحريم؟ فقال الشريف أبو علي بن أبي موسى: (3)" كره أحمد أن يبيع مسلم داره من ذمي يكفر فيها بالله تعالى، ويستبيح فيها (4) المحظورات، فإن فعل أساء، ولم يبطل البيع " وكذلك أبو الحسن الآمدي أطلق الكراهة مقتصرا عليها، وأما الخلال وصاحبه (5) والقاضي فمقتضى كلامهم تحريم ذلك، وقد ذكر كلام الخلال وصاحبه، وقال القاضي:" لا يجوز أن يؤاجر داره أو بيته ممن يتخذه بيت نار، أو كنيسة، أو يبيع فيه الخمر، سواء شرط أنه يبيع فيه الخمر، أو لم يشرط لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر ".

(1) هو: إسماعيل بن عبد الله بن ميمون بن عبد الحميد، أبو النضر العجلي، مروزي الأصل، نقل عن الإمام أحمد أشياء كثيرة، ونقل عنه مسائل مهمة، توفي سنة (270هـ)، وعمره (84) سنة. انظر: طبقات الحنابلة (1 / 105) ، (ت115) .

(2)

في (أط) : للجمّال. والجمّال هو: صاحب الجمل (البعير) الذي يؤجر بعيره للأحمال، ونحوها. والحمّال: الذي يؤجر نفسه أو دابته للأحمال، فهو أعم.

(3)

الشريف: محمد بن أحمد بن أبي موسى، الهاشمي القاضي، أبو علي، ولد سنة (345هـ) ، من علماء عصره، ومن كبار أتباع الإمام أحمد، من مصنفاته: الإرشاد في المذهب. وشرح كتاب الخرقي، وتولى القضاء في عهد القادر بالله. وتوفي سنة (428هـ) . انظر: طبقات الحنابلة (2 / 182 ـ 186) ، (ت652) .

(4)

فيها: ساقطة من (أب ط) .

(5)

يعني: أبا بكر عبد العزيز بن جعفر المعروف بغلام الخلال.

ص: 26

وقد قال أحمد في رواية أبي الحارث: " لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها (1) يبيعها من مسلم أحب إلي ". قال أبو بكر: " لا فرق بين الإجارة والبيع عنده، فإذا أجاز (2) البيع أجاز الإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة ".

وقال أيضا في نصارى أوقفوا ضيعة لهم للبيعة: " لا يستأجرها الرجل المسلم منهم، يعينهم على ما هم فيه ". قال: وبهذا قال الشافعي " (3) .

فقد حرم القاضي إجارتها لمن يعلم أنه يبيع فيها الخمر، مستشهدا على ذلك بنص أحمد على أنه لا يبيعها لكافر، ولا يستكري وقف الكنيسة، وذلك يقتضي أن المنع في هاتين الصورتين عنده منع تحريم، ثم قال القاضي في أثناء المسألة: فإن قيل أليس قد أجاز أحمد إجارتها من أهل الذمة، مع علمه بأنهم يفعلون فيها ذلك؟ قيل: " المنقول عن أحمد أنه حكى قول ابن عون (4) وعجب منه، وذكر القاضي رواية الأثرم، وهذا يقتضي أن القاضي لا يجوز إجارتها من ذمي.

وكذلك أبو بكر قال: إذا أجاز أجاز (5) وإذا منع منع (6) وما لا يجوز فهو محرم "، وكلام أحمد رحمه الله (7) محتمل الأمرين، فإن قوله في رواية

(1) في (ج د) : يكفر فيها بالله.

(2)

في (أ) : جاز.

(3)

انظر: (الأم) للشافعي (4 / 213) ففيه ما يفيد هذا المعنى لا نصه.

(4)

في المطبوعة زاد: رضي الله عنه.

(5)

في (ج د) : إذا أجاز جاز.

(6)

أي: إذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة، كما هو مبين قبل قليل في الأصل.

(7)

في (ط) : رضي الله عنه.

ص: 27

أبي الحارث " يبيعها من مسلم أحب إلي " يقتضي أنه منع تنزيه. واستعظامه لذلك (1) في رواية المروذي (2) وقوله: " لا تباع من الكفار "(3) -وشدد في ذلك- يقتضي التحريم.

وأما الإجارة فقد سوى الأصحاب بينها وبين البيع، وأن ما حكاه عن ابن عون ليس بقول له، وإن إعجابه بفعل ابن عون إنما كان لحسن مقصد ابن عون، ونيته الصالحة، ويمكن أن يقال: بل ظاهر الرواية أنه أجاز ذلك، فإن إعجابه بالفعل دليل على (4) جوازه عنده، واقتصاره على (5) الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين.

والفرق بين الإجارة والبيع: أن ما في الإجارة من مفسدة الإعانة قد عارضه مصلحة أخرى، وهو صرف إرعاب المطالبة بالكراء عن المسلم، وإنزال ذلك بالكفار، وصار ذلك بمنزلة إقرارهم بالجزية، فإنه وإن كان إقرارا لكافر (6) لكن لما تضمنه (7) من المصلحة جاز، وكذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة.

فأما البيع: فهذه المصلحة منتفية فيه، وهذا ظاهر على قول ابن أبي موسى (8) وغيره أن البيع مكروه غير محرم، فإن الكراهة في الإجارة تزول

(1) في (أ) : كذلك.

(2)

في (ج د) وفي المطبوعة: المروزي.

(3)

في (أ) : لا يباع من الكافر.

(4)

على: ساقطة من (أ) والمطبوعة.

(5)

في (ج د) : عن.

(6)

في المطبوعة: وإن كان فيه إقرار الكفار.

(7)

في (أ) : تضمنته.

(8)

في (ط) : علي بن أبي موسى. ولعله تصرف من الناسخ؛ لأن ابن أبي موسى اسمه محمد كما مر، أو لعلها: أبو علي، وهي كنيته، فحرفت.

ص: 28

بهذه المصلحة الراجحة كما في نظائره فيصير في المسألة أربعة أقوال (1) .

وهذا الخلاف عندنا، والتردد في الكراهة، هو (2) إذا لم يعقد الإجارة على المنفعة المحرمة، فأما إن آجره إياه لأجل بيع الخمر، أو اتخاذها كنيسة أو بيعة؛ لم يجز قولا واحدا، وبه قال الشافعي وغيره، كما لا يجوز أن يكري أمته أو عبده للفجور.

وقال أبو حنيفة: " يجوز أن يؤجرها لذلك "(3) .

قال أبو بكر الرازي: لا فرق عند أبي حنيفة بين أن يشترط (4) أن يبيع فيه الخمر، وبين أن (5) لا يشترط لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر، أن الإجارة تصح".

ومأخذه في ذلك أنه لا يستحق عليه بعقد الإجارة فعل هذه الأشياء، وإن شرط؛ لأن له أن لا يبيع فيها الخمر ولا يتخذها كنيسة، وتستحق عليه الأجرة بالتسليم في المدة، فإذا لم يستحق عليه فعل هذه الأشياء، كان ذكرها وترك ذكرها سواء، كما لو اكترى دارا لينام فيها أو يسكنها، فإن الأجرة تستحق عليه، وإن لم يفعل ذلك، وكذا يقول (6) فيما إذا استأجر رجلا يحمل (7) خمرا، أو ميتة، أو خنزيرا: أنه يصح؛ لأنه لا يتعين حمل الخمر، بل لو حمل عليه

(1) ملخصها: القول الأول: تحريم البيع والإجارة من الذمي.

القول الثاني: كراهة البيع والإجارة.

القول الثالث: تحريم البيع وكراهية الإجارة.

القول الرابع: كراهية البيع وجواز الإجارة.

(2)

في المطبوعة زاد: فيما.

(3)

الإشارة ترجع إلى تأجير الدار لبيع الخمر، واتخاذها كنيسة، لا إلى إكراء الأمة للفجور.

(4)

يشترط: سقطت من (أ) .

(5)

في (ج د) : أو لا يشترط.

(6)

في (ب) : نقول.

(7)

في المطبوعة: لحمل خنزير، أو ميتة أو خمر.

ص: 29

بدله عصيرا استحق الأجرة، فهذا التقييد عنده لغو، فهو بمنزلة الإجارة المطلقة، والمطلقة عنده جائزة، وإن غلب على ظنه أن المستأجر يعصي فيها، كما يجوز بيع العصير لمن يتخذه خمرا، ثم إنه كره بيع السلاح في الفتنة، قال: لأن السلاح معمول للقتال لا يصلح لغيره.

وعامة الفقهاء خالفوه في المقدمة الأولى، وقالوا: " ليس المقيد كالمطلق، بل المنفعة المعقود عليها هي المستحقة، فتكون هي المقابلة بالعوض، وهي منفعة (1) محرمة، وإن جاز للمستأجر أن يقيم غيرها مقامها، وألزموه ما لو اكترى دارا يتخذها مسجدا، فإنه لا يستحق عليه فعل المعقود عليه، ومع هذا فإنه أبطل هذه الإجارة بناء على أنها اقتضت فعل الصلاة، وهي لا تستحق بعقد إجارة.

ونازعه أصحابنا وكثير من الفقهاء في المقدمة الثانية وقالوا: " إذا غلب على ظنه أن المستأجر ينتفع بها في محرم حرمت الإجارة له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عاصر الخمر ومعتصرها، والعاصر إنما يعصر عصيرا لكن إذا رأى أن المعتصر (2) يريد أن يتخذه خمرا، وعصره (3) استحق اللعنة، وهذا أصل مقرر في غير هذا الموضع.

لكن معاصي الذمي (4) قسمان:

أحدهما: ما اقتضى عقد الذمة إقراره عليها.

والثاني: ما اقتضى عقد الذمة منعه منها، أو من (5) إظهارها.

(1) في (ب) : المنفعة.

(2)

في (أ) : المقصود.

(3)

في المطبوعة: لذلك استحق اللعنة.

(4)

جميع النسخ المخطوطة قالت: معاصي الدين. ويظهر أن (الذمي) أصح كما جاء في المطبوعة.

(5)

في (ب) : أو منعه من إظهارها. وفي (ط) : منعه منها أو إظهارها، أي: بسقوط (من) .

ص: 30