الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في الأعياد المكانية المبتدعة]
فصل وقد يحدث في اليوم الفاضل، مع العيد العملي المحدث، العيد المكاني، فيغلظ قبح هذا، ويصير خروجا عن الشريعة. فمن ذلك: ما يفعل يوم عرفة، مما لا أعلم بين المسلمين خلافا في النهي عنه، وهو قصد قبر بعض من يحسن به الظن يوم عرفة، والاجتماع العظيم عند قبره، كما يفعل في بعض أرض المشرق والمغرب، والتعريف هناك، كما يفعل بعرفات فإن هذا نوع من الحج المبتدع الذي لم يشرعه الله، ومضاهاة للحج الذي شرعه الله، واتخاذ القبور أعيادا.
وكذلك السفر إلى بيت المقدس، للتعريف فيه، فإن هذا أيضا ضلال بين، فإن زيارة بيت المقدس مستحبة مشروعة للصلاة فيه والاعتكاف، وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، لكن قصد إتيانه في أيام الحج هو المكروه، فإن ذلك تخصيص وقت معين بزيارة بيت المقدس، ولا خصوص لزيارته في هذا الوقت على غيره.
ثم فيه أيضا مضاهاة للحج إلى المسجد الحرام، وتشبيه له بالكعبة، ولهذا قد أفضى إلى ما لا يشك مسلم في أنه شريعة أخرى، غير شريعة الإسلام، وهو ما قد يفعله بعض الضلال من الطواف بالصخرة، أو من حلق الرأس هناك، أو من قصد النسك هناك.
وكذلك ما يفعله بعض الضلال (1) من الطواف بالقبة التي بجبل الرحمة بعرفة (2) كما يطاف بالكعبة.
فأما الاجتماع في هذا الموسم لإنشاد الغناء أو الضرب بالدف بالمسجد الأقصى ونحوه، فمن أقبح المنكرات من جهات أخرى.
منها: فعل ذلك في المسجد (3) فإن ذلك فيه ما نهي عنه خارج المساجد (4) فكيف بالمسجد الأقصى؟!
ومنها: اتخاذ الباطل دينا.
ومنها فعله في الموسم.
فأما قصد الرجل (5) مسجد بلده يوم عرفة للدعاء والذكر فهذا هو التعريف في الأمصار الذي اختلف العلماء فيه، ففعله ابن عباس، وعمرو بن حريث (6) من الصحابة وطائفة من البصريين والمدنيين (7) ورخص فيه أحمد،
(1) في (أ) : الصلاة. وهو تحريف.
(2)
الآن بحمد الله لا توجد هذه القبة بجبل عرفات وذلك بفضل الله ثم بفضل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، التي ناصرها الأئمة من آل سعود، والتي هيأها الله للقضاء على هذه المشاهد والأبنية المبتدعة في جزيرة العرب، ونسأل الله أن يحميها من كيد المبتدعين الذين ما فتئوا يحاولون إحياء بدعهم في هذه البلاد.
(3)
في المطبوعة زاد: الأقصى ونحوه.
(4)
في (ج د) : المسجد.
(5)
في المطبوعة: الرجل المسلم.
(6)
هو الصحابي الجليل: عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان القرشي المخزومي، قيل بأنه ولد قبل الهجرة بسنتين، ولي إمارة الكوفة أيام زياد وابنه عبيد الله، وتوفي بها سنة (85هـ) . انظر: الإصابة (2 / 531) ، (ت5808) ، والاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 515) .
(7)
انظر: السنن الكبرى للبيهقي (5 / 117، 118) ، والمغني والشرح الكبير (2 / 259) .
وإن كان مع ذلك لا يستحبه (1) هذا هو المشهور عنه (2) . وكرهه طائفة من الكوفيين والمدنيين: كإبراهيم النخعي (3) وأبي حنيفة ومالك، وغيرهم.
ومن كرهه قال: هو من البدع، فيندرج في العموم لفظا ومعنى.
ومن رخص فيه قال: فعله ابن عباس بالبصرة (4) حين كان خليفة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ولم ينكر عليه، وما يفعل في عهد الخلفاء الراشدين من غير إنكار لا يكون بدعة.
لكن ما يزاد على ذلك من رفع الأصوات الرفع الشديد في (5) المساجد بالدعاء، وأنواع من الخطب والأشعار الباطلة مكروه في هذا اليوم وغيره. قال المروزي: سمعت أبا عبد الله يقول: "ينبغي أن يسر دعاءه؛ لقوله: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110](6) . قال: هذا في الدعاء. قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: وكان (7) يكره أن يرفعوا أصواتهم بالدعاء.
وروى الخلال بإسناد صحيح، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال:"أحدث الناس الصوت عند الدعاء"(8) .
وعن سعيد بن أبي عروبة: أن مجالد بن سعيد (9) سمع قوما يعجون في
(1) في (د) : لا يستقبحه.
(2)
المغني والشرح الكبير (2 / 259) .
(3)
انظر: السنن الكبرى للبيهقي (5 / 118) .
(4)
انظر: السنن الكبرى للبيهقي (5 / 118) ، حيث ذكر عن الحسن أن أول من صنع ذلك ابن عباس. وكذلك ذكر في المغني والشرح الكبير (2 / 259) .
(5)
في (ب د) : هنا في المساجد.
(6)
سورة الإسراء: من الآية 110. وفي المطبوعة: أكمل الآية.
(7)
في المطبوعة: وكانوا يكرهون. وهو أقرب للصواب.
(8)
لم أجده. وكتاب الجامع للخلال لم أحصل عليه.
(9)
هو: مجالد بن سعيد بن عمير بن بسطام الهمداني، أبو عمرو، ويقال أبو سعيد، الكوفي، ليس بالقوي في الحديث، وقد تغير في أواخر عمره. مات سنة (144هـ) . انظر تقريب التهذيب (2 / 229) ، (ت 919) .
دعائهم، فمشى إليهم فقال: أيها القوم، إن كنتم أصبتم فضلا على من كان قبلكم لقد ضللتم، قال: فجعلوا يتسللون رجلا رجلا، حتى تركوا بغيتهم التي كانوا فيها (1) .
وروى أيضا بإسناده عن ابن شوذب (2) عن أبي التياح (3) قال: قلت للحسن: إمامنا يقص، فيجتمع (4) الرجال والنساء، فيرفعون أصواتهم بالدعاء. فقال الحسن (5) إن رفع الصوت بالدعاء لبدعة، وإن مد الأيدي بالدعاء لبدعة، وإن اجتماع الرجال والنساء لبدعة (6) .
فرفع الأيدي فيه خلاف وأحاديث ليس هذا موضعها.
والفرق بين هذا التعريف المختلف فيه وتلك التعريفات التي لم يختلف فيها: أن في تلك قصد بقعة (7) بعينها للتعريف فيها: كقبر الصالح، أو كالمسجد الأقصى، وهذا تشبيه بعرفات، بخلاف مسجد المصر، فإنه قصد له بنوعه
(1) لم أجده.
(2)
في (أب ط) : ابن سودف. وهو تحريف.
هو عبد الله بن شوذب الخراساني، أبو عبد الرحمن، من الطبقة السابعة، قال ابن حجر في التقريب:(صدوق عابد) أخرج له الأربعة. ومات سنة (157هـ) . انظر: تقريب التهذيب (1 / 423) ، (ت 380) .
(3)
هو يزيد بن حميد الضبعي، أبو التياح، مشهور بكنيته، من الأئمة الثقات الأثبات، أخرج له الستة، من الطبقة الخامسة. توفي سنة (128 هـ) انظر تقريب التهذيب (2 / 363) ، (ت 240) .
(4)
في (ط) : فيجمع.
(5)
هو الحسن البصري: مرت ترجمته. انظر: فهرس الأعلام.
(6)
لم أجده.
(7)
في (أ) : قصد منفعة بعضها التعريف فيها.
لا بعينه، ونوع المساجد مما شرع قصدها، فإن الآتي إلى المسجد ليس قصده مكانا معينا لا يتبدل اسمه وحكمه، وإنما الغرض بيت من بيوت الله، بحيث لو حول ذلك المسجد لتحول حكمه، ولهذا لا تتعلق القلوب إلا بنوع المسجد لا بخصوصه.
وأيضًا، فإن شد الرحال إلى مكان للتعريف فيه، مثل الحج، بخلاف المصر، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» (1) . هذا مما لا أعلم فيه خلافا. فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر إلى غير المساجد الثلاثة، ومعلوم أن إتيان الرجل مسجد مصره: إما واجب كالجمعة، وإما مستحب كالاعتكاف به.
وأيضا فإن التعريف عند القبر اتخاذ له عيدا، وهذا بنفسه محرم، سواء كان فيه شد للرحل، أو لم يكن، وسواء كان في يوم عرفة أو في غيره، وهو من الأعياد المكانية مع الزمانية.
وأما ما أحدث في الأعياد، من ضرب البوقات والطبول فإن هذا مكروه في العيد وغيره، لا اختصاص للعيد به، وكذلك لبس الحرير، أو غير ذلك من المنهي عنه في الشرع وترك السنن من جنس فعل البدع، فينبغي إقامة المواسم على ما كان (2) السابقون الأولون يقيمونها، من الصلاة والخطبة المشروعة، والتكبير والصدقة في الفطر، والذبح في الأضحى. فإن من الناس من يقصر في التكبير المشروع. ومن الأئمة من يترك أن يخطب للرجال والنساء. كما كان
(1) هذا حديث متفق عليه، أخرجه البخاري عن أبي هريرة، في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، الحديث رقم (1189) من فتح الباري (3 / 63) ، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، الحديث رقم (1397) ، (2 / 1014) .
(2)
في (ط) : ما كان عليه السابقون.
رسول (1) الله صلى الله عليه وسلم يخطب الرجال ثم النساء (2) .
ومنهم من لا يذكر في خطبته (3) ما ينبغي ذكره، بل يعدل إلى ما تقل فائدته، ومنهم من لا ينحر بعد الصلاة بالمصلى وهو ترك للسنة، إلى أمور أخرى من السنة (4) فإن الدين هو فعل المعروف والأمر به، وترك المنكر والنهي عنه.
(1) في (ط) : النبي.
(2)
جاء ذلك في حديث متفق عليه. انظر: الحديث رقم (978، 979) من فتح الباري، والحديث رقم (884) في مسلم.
(3)
في (ب) خطبة.
(4)
في المطبوعة: من غير السنة.