الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبقة الرابعة
[13- الشافعي]
أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي المكي.
أحد أئمة الإسلام في الفقه والحديث، وأشدهم بحثاً عن صحيح السنن واستعمالها في أبوابها، وهو أقدم هذه الطبقة موتاً، وأقربهم من الطبقة التي قبله لانفراده عن المذكورين معه بلقاء مالك والسماع منه، ولمساواته المذكورين قبله في ذلك، ولمساواته للطبقتين في ابن عيينة، ولم يطل العمر به حتى يرغب المتقدمون من أصحاب الحديث في حديثه كالبخاري ومسلم، فإنهما لم يدركاه، وأدركا من هو أعلى سنداً منه، ومن هو في عداد شيوخه، لأن أعلى من عنده مالك بن أنس، وقد أدركنا من أصحابه جمعاً كثيراً وسفيان بن عيينة، وكان بين وفاته ووفاة الشافعي ست سنين، وقد أدركا من أصحابه أكثرهما، أدركا من أصحاب مالك لتأخر وفاته عن وفاة مالك، وقد أخرج له أبو داود السجستاني
في ((سننه)) ، وأبو عيسى الترمذي في ((جامعه)) ، ما هو من شرط كتابيهما، وهما من أئمة هذا العلم، وكتبه تدل على معرفته بهذا الشأن أعني علم الحديث، فقد تكلم على الرجال بالتصحيح والتسقيم بما يحقق ما ذكرناه، ولم يزل العلماء الماضون يقولون: أصحاب الحديث مالك، والشافعي، وأحمد، وأصحاب الرأي: أبو حنيفة، وأهل الكوفة، ومن ظن بالشافعي قصوراً في هذا الفن لم يعرف الشافعي حق معرفته، وكيف يكون ذلك كذلك وإنما بنى مذهبه على تقديم الحديث على الرأي، والبحث عن صحيحه وسقيمه، والكلام على رجاله، حتى لقد روينا عنه بالإسناد أنه قال لأصحابه: إذا وجدتم حديثاً صحيحاً مكياً، أو مدنياً، أو عراقياً، أو شامياً، أو مصرياً على خلاف مذهبي فخذوا به ودعوا مذهبي. وهو القائل لمن سأله عن حديث صحيح: أتأخذ به يا أبا عبد الله؟ فقال: متى صح الحديث ولم آخذ به فاشهدوا أن عقلي قد اختل. ونقل عنه أنه كان إذا قيل له مثل هذا القول أيضاً فيما صح من الأخبار: أتقول به؟ يقول: إي والله، أقول به على الرأس والعين.
وقد صنف وأملى، وحدث وروى، وأماليه تشهد بنظره في الأسانيد ومعرفة الرجال، وهل زاد على أصحاب الحديث المحققين بنقله إلا البحث عن معاني الأخبار وأجرى الفروع على الأصول، وتلك فضيلةٌ زائدةٌ وفائدةٌ على الشريعة عائدةٌ، بل هي ثمرة النظر في السقيم والصحيح والتعديل والتجريح، وقد شاركه في ذلك أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمهما الله وإن
كان الشافعي فوقه في فقه الأحاديث واستنباط المعاني منها، (وهو فيها) شيخه ومعلمه، وقد سبقهما إلى مثل ذلك جماعةٌ من الأئمة كمالك والثوري والأوزاعي وغيرهم، رحمة الله عليهم أجمعين.
ولد الشافعي بغزة من بلام الشام، ونشأ بمكة وتفقه بالحجاز والعراق، وكان مولده في صفر سنة خمسين ومائة، وفيها مات أبو حنيفة رحمهما الله تعالى، وتوفي بمصر في آخر يوم [من] رجب سنة أربع ومائتين.
روى عن: مالك، وإبراهيم بن سعد، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن علية، ومسلم بن خالد، وعمه محمد بن علي بن شافع، وعبد الله بن المؤمل، وغيرهم.
روى عنه: أحمد بن حنبل، والحميدي، وعبد الله بن عبد الحكم، وابنه محمد، وأبو ثور، والزعفراني، وحرملة، وابن السرح، والبويطي، والمزني، والربيعان، وعمرو بن سواد، ويونس بن
عبد الأعلى، وأبو الوليد الجارودي، وبحر بن نصر، وأحمد بن أخي ابن وهب، وهارون بن سعيد، وأحمد بن سنان، وآخرون.
وقد روى عنه: أحمد بن حنبل في ((مسنده)) أحاديث كثيرة، وروى أيضاً عن سليمان بن داود الهاشمي عنه، وأخرج له ابن خزيمة، وابن أبي حاتم، وناهيك بهما.
أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن محمود الثقفي بأصبهان، وأخبرنا الشريف أبو الفتوح محمد بن الحسن بن إسماعيل الحسيني في كتابه، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن أبي داود الفارسي بمصر. قالا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء، حدثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين الصابوني إملاء، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بلالاً ينادي بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتومٍ)) .
وأخبرنا أحمد، أخبرنا القاسم، وأخبرنا محمد في كتابه، أخبرنا محمد قالا: أخبرنا ابن نظيف، حدثنا أبو الفوارس، حدثنا المزني، حدثنا الشافعي، عن مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعيرٍ على كل حر وعبدٍ ذكرٍ وأنثى من المسلمين)) .
قال الشيخ أطال الله بقاه وأحسن عقباه: متفق عليهما من حديث مالك، أخرجهما مسلم جميعاً عن يحيى بن يحيى النيسابوري عنه.
وأخرج البخاري الحديث الأول عن عبد الله بن مسلمة القعنبي، والحديث الثاني عن عبد الله بن يوسف التنيسي عنه، وأخرجه مسلم أيضاً عن القعنبي، وقتيبة عن مالك.
حدثنا الإمام الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي من لفظه بسؤالي، حدثنا الإمام إلكيا أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري
ببغداد من لفظه، أخبرنا إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، أخبرنا والدي الإمام أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((المتبايعان كل واحدٍ منهما على صاحبه بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار)) .
قال الشيخ أمده الله بمعونته: أخرجه مسلمٌ من حديث جماعة عن عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع.
قال لنا السلفي: وهذا الإسناد مستحسنٌ بسبب ما اجتمع فيه من الفقهاء الأئمة بعضهم على بعض.
قال السلفي: وقد وقع لي عالياً من حديث الأصم إلا أن هذه الرواية مع نزولها أجود لما ذكرته.
قال السلفي: وقد أجاز لي لاحق بن محمد التميمي وغيره، وعن أبي بكر الحيري شيخ شيخ الإمام أبي المعالي.
أخبرنا السلفي قراءةً عليه، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسين الحنائي بدمشق، أخبرنا أبو القاسم يحيى بن الحسين بن موسى العطار في كتابه، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الأزهر بن نجم، حدثني أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن إبراهيم بن جابر التنيسي، حدثنا أبو علي الحسن بن بدرٍ التنيسي، حدثنا أبو الطيب أحمد بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: ((كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر قلده)) .
قال ابن بدر: وحدثني علي الوراق، قال: حدثني المزني، قال:((ما رأيت أحداً يعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبه إعظام الشافعي)) . قال ابن بدر: وحدثني أبو الطيب، قال: حدثني الربيع، قال:((كان الشافعي يمر على الصبيان فيسلم عليهم اتباعاً للحديث، ورأيت الشافعي أوتي بماءٍ يشرب فشرب قائماً اتباعاً لحديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشرب قائماً)) .
أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا محمد بن مرزوق الزعفراني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا عبد الله بن عدي
الحافظ، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني حدثنا صالح بن أحمد ابن حنبل، سمعت أبي يقول:((سمعت ((الموطأ)) من محمد بن إدريس الشافعي لأني رأيته فيه ثبتاً، وقد سمعته من جماعة قبله)) .
قال الخطيب: وحدثنا محمد بن أحمد بن رزق، حدثنا عبد الله بن جعفر ابن شاذان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: ((لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث)) .
قال الخطيب: وأخبرنا عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري، حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حدثنا الحربي، قال: سألت أحمد بن حنبل عن الشافعي فقال: ((حديثٌ صحيحٌ ورأي صحيح)) .
قال الخطيب: وأخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أحمد بن بندار، حدثنا أحمد بن روح، حدثنا الزعفراني قال:((كنت مع يحيى بن معين في جنازة، فقال له رجل: يا أبا زكريا ما تقول في الشافعي؟ قال: دع هذا عنك، لو كان الكذب مطلقاً كانت مروءته تمنعه من أن يكذب)) .
قال الخطيب: وأخبرنا أبو سعد الماليني، حدثنا عبد الله بن عدي، قال: سمعت يحيى بن زكريا يقول: سمعت هاشم بن مرثد الطبراني يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: ((الشافعي صدوق لا بأس به)) .
قال الخطيب: وأخبرنا رضوان بن محمد بن الحسن الدينوري قال: سمعت أبا عبد الله الحسين بن جعفر الغنوي بالري يقول: سمعت
الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني بمصر يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: ((ما عند الشافعي حديثٌ غلط فيه)) .
قال الخطيب: وأخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي أخبرنا علي بن عبد العزيز، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال: سمعت أبي يقول: ((محمد بن إدريس الشافعي صدوق)) .
قال الخطيب: وأخبرنا محمد بن علي بن أحمد المقرئ، أخبرنا محمد
ابن جعفر التميمي بالكوفة، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن حاتم بن إدريس البلخي، حدثنا نصر بن المكي، حدثنا ابن عبد الحكم قال:((ما رأينا مثل الشافعي، كان أصحاب الحديث ونقاده يجيئون إليه فيعرضون عليه، فربما أعل نقد النقاد منهم، ويوقفهم على غوامض من علل الحديث لم يقفوا عليها، فيقومون وهم متعجبون منه، ويأتيه أصحاب الفقه المخالفون والموافقون فلا يقومون إلا وهم مذعنون له بالحذق والديانة، ويجيئه أصحاب الأدب فيقرؤون عليه الشعر فيفسره، ولقد كان يحفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار هذيل بإعرابها وغريبها ومعانيها، وكان من أحفظ الناس للتاريخ، وكان يعينه على ذلك شيئان: وفور عقل، وصحة دين، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله عز وجل) .
قال الخطيب: وقد نقل عن الشافعي مع ضبطه للحديث كلامٌ في أحوال الرواة يدل على بصره بهذا الشأن وتبحره فيه ومعرفته به، فمن ذلك قوله:((الرواية عن حرام بن عثمان حرام)) .
وذكر داود بن قيس الفراء، وأفلح بن أحمد الأنصاري، فرفع بهما في الثقة والأمانة.
وسئل عن أسامة بن زيد الليثي ومحمد بن أبي حميد، فقال: لا بأس بهما.
وغمض على ليث بن أبي سليم، وقال: من يحدث عن أبي جابر البياضي بيض الله عينه.
وسئل عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فحكى من أمره ما يوجب ضعفه وترك الاحتجاج بحديثه.
وقال: ((إرسال الزهري عندنا ليس بشيءٍ، وذلك أنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم)) .
قال الخطيب: ولو اجتهد المتقن الحافظ وتحرى البصير الناقد أن يصف هؤلاء المذكورين آنفاً على قدر أحوالهم وتنزيلهم في الرواية منازلهم لما عدى ما ذكر الشافعي من أمرهم، وهذا يدل على علمٍ وافرٍ ومعرفةٍ ثاقبةٍ، وبصيرةٍ نافذة.