الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول المخصوص كما سبق وبين الشيء كقولنا تحرك هذا الجسم لأمر أي لشيء والصفة كقول الشاعر:
لأمر ما يسود من يسود
أي لصفة من صفات الكمال والشأن والطريق كذا نص عليه في المعتمد إذ قال ما نصه وأنا اذهب إلى أن قول القائل أمر مشترك بين الشيء والصفة والشأن والطريق وبين جملة الشأن والطريق وبين القول المخصوص انتهى ومقتضى ذلك أنه مشترك عنده بين خمسة أشياء لكنه في شرح المعتمد فسر الشأن والطريق بمعنى واحد فيكون الأقسام عنده أربعة فلذلك حذف المصنف الطريق وذلك من محاسنه.
واستدل البصري على ما ذهب إليه بأن من سمع قول القائل هذا أمر فلان تردد ذهنه بين هذه المعاني ما لم يضف إلى قرينة معينة لواحد منها تعين المراد منه وذلك أنه الاشتراك أي علامته.
وأجاب عنه المصنف بمنع تردد الذهن عن عدم القرينة بل يتبادر فهم القول المخصوص منه إلى الذهن وقوله في الكتاب إذا قيل أمر فلان أمر هنا بإسكان الميم لا غير وما نقله المصنف عن أبي الحسين من أن الأمر موضوع للفعل بخصوصه حتى يكون مشتركا غلط فالذي نص أبو الحسين عليه أنه غير موضوع له وانما يدخل في الشأن فقال مجيبا عن اعتراض لخصومه ما نصه اسم الأمر ليس يقع على الفعل من حيث هو فعل لا على سبيل المجاز ولا على سبيل الحقيقة وإنما يقع على جملة الشان حقيقة وهو المراد بقول الناس أمور فلان مستقيمة انتهى.
المسألة الثانية في تعريف الطلب
…
قال: الثانية: الطلب بديهي التصور وهو غير العبارات المختلفة وغير الإرادة خلافا للمعتزلة.
لنا: أن الإيمان من الكافر مطلوب وليس بمراد لما عرفت وأن الممهد لعذره في ضرب عبده يأمره ولا يريد.
ولما ذكر أن مدلول الأمر القول الطالب للفعل احتاج إلى بيان الطلب تتميما لإيضاح مدلول الأمر فقال الطلب بديهي التصور وهذا قد صار إليه
الجمهور واستدلوا عليه بأن كل عاقل مارس الحدود والرسوم أو لم يمارس شيئا البتة يأمر وينهى ويفرق بالبديهة بين طلب الفعل وطلب الترك وبينهما وبين المفهوم من الخبر وهذا الدليل قد أكثر الإمام التعويل عليه وهو مدخول من وجوه:
أحدها: أنه لا يلزم من الحكم بالتفرقة بين الشيئين بالبديهة معرفة كنه حقيقتهما بل قد لا يعرف الحكم بالتفرقة ماهية ذلك الشيء فضلا عن أن يعرفه بالبديهة ألا ترى أن كل أحد يعلم من نفسه أنه موجود بالبديهة ويفرق بين الإنسان والملك والطائر والفرس ولا يدري ماهية نفسه ولا ماهية الملك ولا الطائر والفرس معرفة خاصيته بالجنس والفصل.
الثاني: أن قوله يفرق بين طلب الفعل وطلب الترك بالبديهة وكذا بينهما وبين الخبر يلزم منه أن تكون هذه الأشياء بديهة على ما قرر وإذا كان كذلك فلم حد ماهية الأمر قبل ذلك.
الثالث: أن بحثه عن هذا المعنى هو بحث عن هذا الكلام وهذا متناقض ثم هو اعني الطلب مغاير للعبارات المختلفة باختلاف النواحي والأمم ومغاير للإرادة أما مغايرته للعبارات فواضح فإن ماهية الطلب معنى قائم بقلب المتكلم لا يختلف بذلك بخلاف العبارات المختلفة.
هذا شرح قول المصنف.
وقوله: المختلفة ليس لإخراج شيء صفة جاءت للتوضيح أي أن شأن العبارات أنها مختلفة ولو قال بدل ذلك لاختلافها لكان أصرح وأحسن وأما مغايرته للإرادة والخلاف فيه مع المعتزلة فلوجهين:
أحدهما: أن الإيمان من الكفار مطلوب بالإجماع ومنهم من أخبر الله تعالى بأنه لا يؤمن فكان إيمانه ممتنعا لإخبار الله تعالى بعدمه كما عرفت في مسألة تكليف المحال والممتنع لا يكون مرادا لله تعالى لأن الإرادة صفة مخصصة لحدوث الفعل بوقت حدوثه والشيء إذا لم يوجد لكونه ممتنعا امتنعت إرادته لعدم تخصصه بوقت الحدوث ويلزم من هذا مغايرة الطلب الذي هو مدلول
الأمر للإرادة لتحققه دونها هذا تقريره وهو ضعيف لأن حاصله الاستدلال على عدم الإرادة بعدم الوقوع وذلك مصادرة على المطلوب.
والوجه الثاني: أن الطلب قد يتحقق بدون الإرادة وذلك لأنه قد يجتمع مع كراهيته ويستحيل أن تجتمع إرادته مع كراهته فالأمر غير الإرادة وبيان ذلك أن السيد الذي لامه السلطان على ضرب عبده إذا اعتذر إلى السلطان عنه بتمرد العبد وعصيانه عن امتثال أوامره وكذبه السلطان فأراد إظهار صدقه بالتجربة فإنه إذا أمره بشيء عند السلطان لا يريد ذلك الفعل قطعا لاستحالة ألا يريد تمهيد عذره حالة كونه مريدا له فإنه ما أمره إلا لتمهيد عذره وفي إرادة فعله عدم إرادة تمهيد عذره فيستحيل إرادته ولأن العاقل لا يريد ما فيه مضرة من غير ضرورة ملجئة إليه.
وهذا الدليل كما يدل على أن الأمر غير الإرادة كذلك يدل على أنه غير مشروط بها.
وقد اعترض على هذا الدليل بوجهين:
أحدهما: أنا لا نسلم أنه وجد الأمر في الصورة المذكورة وان كانت صورته صورة الأمر والصورة لا توجب أن يكون أمرا حقيقيا كما في التهديد.
وأجيب عنه بأن تمهيد العذر إنما يحصل بالأمر لا بغيره فدل على أنه أمر وهذا جواب ضعيف فإن قوله التمهيد إنما يحصل بالأمر إن أراد النفسي فممنوع لأن مجرد سماع العبد اللساني يحصل التجربة وإن أراد اللساني فالفرق بينه وبين الإرادة مسلم.
وثانيهما: ذكره الآمدي فقال هذا لازم على أصحابنا في تفسيرهم الأمر بأنه طلب الفعل من جهة أن السيد أيضا أمر في مثل هذه الصورة لعبده مع علمنا بأنه يستحيل منه طلب الفعل من عبده لما فيه من تحقيق عقابه وكذبه والعاقل لا يطلب ما فيه مضرته وإظهار كذبه.
قال صفي الدين الهندي وهو اعتراض ضعيف لأنا لا نسلم أنه يستحيل من العاقل أن يطلب ما فيه مضرته إذا لم يكن مريدا له.
قال: وهذا لأن طلب المضرة لا ينافي غرضه بل قد يوافقه كما هو واقع فيما ذكرنا من الصورة وإنما المنافي لغرضه وقوع المضرة والطلب لا يوجبه فالحاصل أن طلب المضرة من حيث إنه طلب لا ينافي غرض العاقل لا بالذات ولا بالغرض بخلاف الإرادة فإنها وان لم تنافه بالذات لكنها منافية له بالغرض لكونها توجب وقوع المضرة ضرورة أن الإرادة صفة تقتضي وقوع المراد نعم الطلب والإرادة في الأكثر يتلازمان فيظن أنه يستحيل أن تجتمع مع الكراهة كما يستحيل أن تجتمع الإرادة معها.
فائدة استدل القاضي أبو الطيب الطبري في شرح الكفاية وتبعه الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع على أن الأمر مغاير للإرادة بأن من حلف ليقضين زيدا دينه غدا وقال إن شاء الله ولم يقضه لا يحنث في يمينه مع كونه مأمورا بقضاء دينه فلو كان الله تعالى قد شاء ما أمره به وجب أن يحنث في يمينه وهذا ظاهر إذا كان الدين حالا وصاحبه مطالب به أما إن كان مؤجلا فإنا لا نسلم وجوب الوفاء في غد إذا لم يكن عند محل الأجل وأما إذا كان حالا وصاحبه غير مطالب له ففي وجوب الوفاء على الفور إختلاف معروف في المذهب مذكور في صدر كتاب التفليس من ابن الرفعة عن الروياني وإمام الحرمين فان لم نوجبه فقد يمنع الوجوب أيضا فينبغي أن يقتصر على الاستدلال بمن عليه دين حال وصاحبه مطالب به والمديون متمكن من الإيفاء ليخرج أيضا ما إذا لم يتمكن كالمعسر فإنه لا يجب عليه مع عدم التمكن.
قال: واعترف أبو علي وابنه بالتغاير وشرطا الإرادة في الدلالة ليتميز عن التهديد. قلنا: كونه مجازا كاف.
اعترف أبو على وابنه أبو هاشم وتابعهما القاضي عبد الجبار وأبو الحسين بأن الأمر مغاير لإرادة المأمور به ولكن شرطوا إرادة المأمور به في دلالة الأمر عليه وقالوا لا ينفك الأمر عن الإرادة محتجين بأن الصيغة كما ترد للطلب ترد للتهديد مع خلوه عن الطلب فلا بد من مميز بينهما ولا مميز سوى الإرادة
والجواب أن المميز حاصل بدون الإرادة لأن صيغة الأمر حقيقة في القول المخصوص ومجاز في غيره وهذا كاف في التمييز لأنها إن وجدت بغير قرينة حملت على مدلولها الحقيقي أو بقرينة حملت على ما دلت القرينة عليه.
واعلم أن محل الخلاف إنما هو في إرادة الامتثال واما إرادة الدلالة الصيغة على الأمر احتراز عن التهديد والتسخير وغيرهما من المحامل فالنزاع فيها ليس مع المعتزلة بل مع غيرهم من المتكلمين والفقهاء وأما إرادة إحداث الصيغة احترازا عن النائم ومن جرى لسانه إليه من غير قصد فتلك شرط من غير توقف وقد حكى قوم فيها الاتفاق ولكن حكى ابن المطهر هذا المتأخر المنسوب إلى الرفض في كتاب له مبسوط في أصول الفقه وقفت عليه من مدة ولم يحضرني حالة التصنيف عن بعضهم أنه لم يشترط إرادة إيجاد الصيغة وهذا شيء ضعيف لا يعتمد عليه وكيف يجعل ما يجري على لسان النائم والساهي أمرا يترتب عليه مقتضاه اللهم أن يلتزم أن مقتضاه لا يترتب عليه وحينئذ يجيء الخلاف النحوي في أنه هل من شرط الكلام القصد فابن مالك يشترطه وشيخنا أبو حيان لا يشترطه.