الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواز أو الاستحباب وقد يكون استرشادا أيضا فيكون الجواب بلا أو نعم وارد على ما فهم من السؤال والظاهر في الحديث.
الثاني: أن المراد الإستفهام عن الجواز ولذلك كان الانحناء حراما وقوله نعم: في السلام والمصافحه فيه جواز ذلك خاصة واستحبابه من دليل آخر ولا نقدره أمرا بل خبرا وكذا في حديث سعد الظاهر فيه أنه استفهام عن الجواز ولذلك في الثلث قال الثلث والثلث كثير فإن نعم مقدرة فيه ولا نقدره أمرا لأنه ليس مستحبا لقوله إنه كثير وليس بنا ضرورة إلى تقديره أمرا وصرفه عن ظاهره فهذا هو القاعدة في ذلك قررها والدي رحمه وينبني عليها مباحث في مواضع كثيرة فافهمها.
المسألة الرابعة: الأمر المطلق لا يفيد التكرار ولا يدفعه
…
قال: الرابعة: الأمر المطلق لا يفيد التكرار ولا يدفعه وقيل للتكرار وقيل للمرة وقيل بالتوقف للاشتراك أو للجهل بالحقيقة.
الأمر: إما أن يرد مقيدا وهو نوعان:
أحدهما: أن يرد مقيدا بالمرة أو بالتكرار فيحمل عليه قطعا.
والثاني: ان يرد مقيدا بصفة أو شرط وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله وأما إن يرد مطلقا عاريا من القيود وهو مسألة الكتاب وفيه مذاهب.
أحدهما: أنه لا يدل بذاته لا على التكرار ولا على المرة وانما يفيد طلب الماهية من غير إشعار بالوحدة والكثرة نعم لا يمكن إدخال الماهية في الوجود بأقل من مرة فصارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به لا أن الأمر يدل عليها بذاته واختاره الإمام واتباعه منهم المصنف والآمدي وابن الحاجب ونص على اختيار القول به القاضي في التلخيص لإمام الحرمين.
وقد عبر المصنف عن المرة بقوله ولا يدفعه فانه إذا لم يدفع التكرار لا يكون للمرة فإنه لو كان للمرة يدفع التكرار إذ هما متقاربان.
والثاني: أنه يدل على التكرار المستوعب لزمان العمر ونقل الشيخ أبو اسحاق في شرح اللمع عن شيخه أبي حاتم القزويني وعن القاضي أبي بكر
وهو مذهب الأستاذ وجماعة من الفقهاء والمتكلمين وذكر الاصفهاني ان العالمي نقله عن اكثر أصحاب الشافعي لكن شرط هذا القول الإمكان دون أزمنة قضاء الحاجة والنوم وضروريات الإنسان كما صرح به اكثر الاصوليين منهم الشيخ أبو اسحاق وإمام الحرمين وابن الصباغ في عدة العالم والآمدي وغيرهم.
قال صفي الدين الهندي ثم لا يخفي عليك أنه ليس المراد من التكرار هنا معناه الحقيقي وهو إعادة الفعل الأول فان ذلك غير ممكن من المكلف وإنما المراد مثله ولك أن تقول ما تريد بقولك ليس المراد إعادة ذلك الفعل الأول أتريد الماهية مع قيد التشخيص في الأول أم الماهية وحدها الأول مسلم والثاني ممنوع لان الماهية الموجودة في الأول موجودة في الثاني بعينها.
والثالث: انه يدل على المرة ولا يحتمل التكرار وإنما يحمل عليه بدليل ونقله الشيخ أبو اسحاق عن اكثر أصحابنا وأبي حنيفة واكثر الفقهاء وعن اختيار شيخه القاضي أبي الطيب والشيخ أبى حامد ونقل بعض الشارحين تبعا للأصفهاني في شرح المحصول عن الآمدي أنه قال وإليه ميل إمام الحرمين والواقفية ثم خطا هذا الشارح والآمدي بأن إمام الحرمين إنما يرى الوقف ولا يقضي في الزيادة بنفي ولا إثبات.
واعلم أن الآمدي لم ينقل في الأحكام عن إمام الحرمين إلا الوقف كما هو الواقع وهذه عبارة الآمدي ومنهم من نفى احتمال التكرار وهو اختيار أبى الحسين البصري وكثير من الاصوليين ومنهم من توقف في الزيادة ولم يقض فيها نفي ولا إثبات وإليه ميل إمام الحرمين والوقفية انتهى والظاهر أن نسخة الاصفهاني وكذلك هذا الشارع من الأحكام سقيمة منها من قوله ومنهم إلى قوله وإليه وهذه النسخة التي عندي صحيحة مقروءة على الآمدي وعليها خطه.
واعلم أن صفي الدين الهندي نقل عن أبي الحسين وكثير من الاصوليين المذهب المختار وهو خلاف ما نقله عنه الآمدي كما رأيت والذي رأيته في
المعتمد يقتضي موافقة ما نقله الهندي أو يصرح بل لم يحك هذا القول الذي نقله عن الآمدي بالأصالة.
والرابع: التوقف قالوا وهو محتمل لشيئين.
أحدهما: أن يكون مشتركا بين التكرار والمرة فيتوقف إعماله في أحدهما على قرينة وهذا قد صرح بحكايته صاحب الكتاب في كتابه المرصاد الذي وضعه على مختصر ابن الحاجب.
والثاني: أنه لاحدهما ولا نعرفه فيتوقف لجهلنا بالواقع ولقائل أن يقول وضعه للمرة وللتكرار كل منهما على حدته وضع للنقيضين لأن التكرار وحده مع المرة وحدها مما لا يجتمعان إذ لا تجتمع الوحدة بقيد الوحدة مع الكثرة ولا يرتفعان إذا هو مأمور بشيء لا يخرج ذلك الشيء عن أحدهما ثم إن الوضع للنقيضين على رأي الإمام ومن نحا نحوه ممتنع فكيف يتجه ممن يعتقد اعتقاده أن يجعل التوقف محتملا وفي المسألة مذهب خامس حكاه صفي الدين الهندي عن عيسى بن إبان أنه إن كان فعلا له غاية يمكن إيقاعه في جميع المدة فيلزمه في جميعها وإلا فيلزمه الأقل.
قال: لنا تقييده بالمرة والمرات من غير تكرير ولا نقض وأنه ورد مع التكرار وعدمه فيجعل حقيقة في القدر المشترك وهو طلب الإتيان به دفعا للاشتراك والمجاز وأيضا لو كان للتكرار لعم الأوقات فيكون تكليفا بما لا يطاق وينسخه كل تكليف بعده لا يجامعه.
استدل على المختار بأوجه:
أحدهما: أنه لو كان الأمر المطلق دالا على المرة لكان تقييده بها تكرارا وبالمرات نقضا ولو كان دالا على التكرار لكان تقييده بالمرات تكرارا بالمرة نقصا والمرازمة بينة والملازمة باطل الصحة قولنا افعل ذلك مرات وليس فيه تكرار ولا نقض ولا يخفى عليك أن هذا الوجه ليس حجة الا على من يدعي أنه نص بالمرة الواحدة ولا يحتمل التكرار ومن يدعي العكس أما من يدعي التوقف والظهور في أحدهما فلا يصلح حجة عليه.
الثاني: أنه ورد للتكرار شرعا مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} و {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وعرفا مثل قول القائل لغيره احفظ دابتي واحسن إلى الناس وورد للمرة شرعا كآية الحج والعمرة وعرفا مثل ادخل الدار وقول السيد لعبده اشتر اللحم فحينئذ إما أن يكون حقيقة فيهما فيلزم الاشتراك أو في أحدهما فيلزم المجاز والمجاز والاشتراك على خلاف الأصل فيكون للقدر المشترك بينهما وهو طلب الإتيان بالمأمور وذلك أعم من أن يكون في المرة الواحدة أو المرات وحينئذ لا يدل على أحدهما بخصوصه إلا بقرينة.
وهذا الدليل قد استعملوه في مواضع عديدة وبعض المتأخرين من الاصوليين كالنقشواني وغيره قد ضعفوه فقالوا إذا كان موضوعا للقدر المشترك الذي هو مطلق الطلب ثم استعمل في طلب خاص فقد استعمل في غير ما وضع له لأن الأعم مغاير للأخص لكنه مشتمل على ما وضع له فيجوز مجازا وأيضا فان الالفاظ موضوعة بازاء المعاني الذهنية على رأي الإمام واتباعه فإذا استعمل فيما تشخص منهما في الخارج يكون مجازا لأنه غير ما وضع له فتقرر أن استعمال الأمر في المقيد بالتكرار وبالمرة مجاز لما قلناه وهذا بحث صحيح مطرد في كل أعم استعمل في أخص وبعضهم يفصل فيه فيقول إن استعمل فيه باعتبار ما فيه من القدر الأعم فهو حقيقة وإن استعمل فيه اعتبار خصوصه فهو مجاز وهذا التفصيل لا حاجة إليه لأنه إذا استعمل فيه باعتبار ما فيه من القدر الأعم لا يخرج عن كونه استعمل العام في الخاص وقوله باعتبار سبب في الإستعمال فهو كاستعمال الأسد الشجاع باعتبار الشجاعة وإن أراد بقوله باعتبار أنه لم يستعمل إلا في الأعم فذلك إحالة لفرض المسألة لأن فرض المسألة أنه استعمل في الأخص.
الثالث: وهو دليل على ضعف القول بالتكرار لأنه لو كان مقتضيا للتكرار نعم جميع الأوقات حتى يجب فعل المأمور به فيها وذلك لعدم أولوية وقت دون وقت لكنه لا يعم جميع الأوقات لوجهين.
أحدهما: أنه لو عمها للزم وقوع التكليف بما لا يطاق.
والثاني: أنه يلزم أن ينسخه كل تكليف يأتي بعده لا يمكن مجامعته له في الوجود وذلك لأن الأمر الأول قد استوعب جميع الأوقات بفعل المأمور به والثاني يقتضي الإتيان بالمأمور به والإتيان بالمأمور به أولا لا يمكن مع الإتيان به ثانيا فيرتفع وجوبه لعدم إمكان فعله فيلزم النسخ وهو يأكل قطعا لأن الأمر ببعض الصلوات ليس نسخا لغيرها والأمر بالحج ليس نسخا للصلاة فثبت ما قلناه من انه لا يعم كل الأوقات وحينئذ لا يكون مقتضيا وانما قيد المصنف بقوله لا يجامعه ليحترز عما يجتمع معه كالصوم مع الصلاة وفي هذين الوجهين نظر.
أما الأول: فلأن القائل بالتكرار يشترط الإمكان كما تقدم.
وأما الثاني: فلأن النسخ إنما يلزم إذا كان الأمر الثاني مطلقا غير مخصص ببعض الأوقات شرعا أو عقلا ومثل هذا غير واقع في الشرع ولو وقع لالتزم الخصم وقوع النسخ وأما إذا كان الامر الثاني مخصوصا ببعض الأوقات فلا يلزم منه نسخ الأول بل تخصيصه ولا امتناع في ذلك على أنه غير واقع على الوجه المفروض.
قال: تمسك الصديق رضي الله عنه على التكرار بقوله: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} ولم ينكر عليه قلنا لعله عليه الصلاة والسلام بين تكراره قبل النهي يقتضي التكرار فكذا الأمر قلنا الانتهاء أبدا ممكن دون الامتثال قيل لو لم يتكرر لم يرد النسخ. قلنا: وروده قرينة التكرار.
احتج من ذهب إلى أن الأمر يفيد التكرار بثلاثة اوجه.
أحدها: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه تمسك على أهل الردة من وجوب تكرار الزكاة بقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فدل على انعقاد الإجماع على أن الأمر للتكرار والجواب بعد تسليم أن الإجماع السكوتي إجماع أنه لعل النبي صلى الله عليه وسلم بين للصحابة رضي الله عنهم أن قوله: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} يفيد التكرار فتمسك الصديق رضوان الله عليه بها
مستندا إلى ما بينه عليه السلام وهذا وإن كان خلاف الأصل إذ الأصل أنه لم يبين لكن يجب المصير إليه جمعا بين الأدلة وقد يجاب بأن أمر الصلاة والزكاة والصوم معلوم التكرار بالضرورة من دين محمد عليه السلام أو بأن ههنا مع صيغة الأمر غيرها وهو أن القاعدة تكرر الحكم بتكرر سببه وسبب وجوب الزكاة نعمة من الملك فلما تكررت تكرر وجوب الزكاة وهذا مقتضى للتكرار غير الامر.
وثانيها: أن النهي يقتضى التكرار فكذلك الأمر قياسا عليه والجامع كون كل منهما للطلب والجواب أنه يمكن الانتهاء عن الشيء دائما لأن فيه بقاء على العدم وأما امتثاله أبدا اعني استعماله دائما فغير ممكن وهذا الجواب من المصنف ربما يفهم اختياره أن النهي يقتضي التكرار بلا خلاف وقد صرح بعد ذلك بأن النهي كالأمر في التكرار وعدمه ثم لك أن تقول في هذا الجواب نظر لأن من قال الأمر يقتضي التكرار اشترط الإمكان كما سبق فامتثال الأمر أبدا حينئذ كالانتهاء أبدا من حيث الإمكان فالصواب في الجواب أن يقال هذا إثبات اللغة بالقياس وليس بصحيح سلمنا صحته لكن لا نسلم أن النهي يقتضي التكرار بل هو على وزان الأمر سلمنا أن يقتضي التكرار لكن مقتضى الأمر اتحاد المأمور به وذلك يصدق مرة واحدة بخلاف النهي فإنه لما كان مقتضاه الكف عن المنهي عنه لم يتحقق ذلك إلا بالإمتناع المستمر.
وثالثها: أنه لو لم يدل على التكرار ودل على المرة لم يرد النسخ لأن وروده إما بعد فعلها وذلك محال إذ لا تكليف واما قبله وهو يدل على البداء أي ظهور المصلحة بعد خفائها وذلك محال على الله سبحانه وتعالى وورود النسخ جائز فدل على أنه للتكرار والجواب أن النسخ لا يجوز وروده عليه فإن ورد صار بذلك قرينة في أنه كان المراد به التكرار وحمل الأمر على التكرار لقرينة جائز.
قال: قيل: حسن الاستفسار دليل الاشتراك.
قلنا: فقد يستفسر عن إفراد المتواطئ.