الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ وفيه مسائل
المسألة الأولى نسخ الكتاب بالسنة وبالعكس
…
الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ
قال الفصل الثاني في الناسخ والمنسوخ:
وفيه مسائل الأولى الأكثر على جواز نسخ الكتاب بالنسبة كنسخ الجلد في حق المحصن وبالعكس كنسخ القبلة وللشافعي رضي الله عنه قول بخلافها دليله في الأول قوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} بأن السنة وحي ايضا وفيهما بقوله لتبين للناس وأجيب الأول بان النسخ بيان وعورض الثاني بقوله تبيانا.
المراد هنا بالناسخ والمنسوخ ما ينسخ وما ينسخ به من الأدلة اعلم انه يجوز نسخ الكتاب به والسنة المتواترة بها والآحاد بمثله وبالمتواتر وأما نسخ الكتاب بالسنة والسنة بالكتاب فالجمهور على جوازه ووقوعه وذهب ابن سريح كما نقل القاضي عنه في مختصر التقريب الى جائز ولكن لم يرد وذهب قوم الى امتناعها ونقل عن الشافعي رضي الله عنه وقد استنكر جماعة من العلماء ذلك من الشافعي حتى قال الكيا الهراسي هفوات الكبار على أقدارهم ومن عن خطأوه عظم قدره وقد كان عبد الجبار بن احمد كثيرا ما ينصر مذهب الشافعي في الأصول والفروع فلما وصل الى هذا الموضع قال هذا الرجل كبير لكن الحق اكبر منه قال والمغالون في حب الشافعي لما رأوا هذا القول لا يليق بعلو قدره كيف وهو الذي مهد هذا الفن ورتبه وأول من أخرجه قالوا لا بد وان يكون لهذا القول من هذا العظيم محمل فتعمقوا في محامل ذكروها وأورد الكيان بعضها واعلم انهم صعبوا أمرا سهلا وبالغوا في غير عظيم وهذا ان صح عن الشافعي
فهو غير منكر وان جبن جماعة من الأصحاب عن نصرة هذا المذهب فذلك لا يوجب ضعفه.
ولقد صنف شيخ الدنيا الشيخ الجليل أبو الطيب سهل بن الإمام الكبير المتفق على جلالته وعظمته وبلوغه في العلم المبلغ الذي يتضاءل عنده جماعة من المجتهدين أبي سهل الصعلوكي كتابا في نصرة هذا القول وكذلك الأستاذان الكبيران أبو اسحق الاسفرايني وتلميذه أبو منصور البغدادي وهما من أئمة الأصول والفقه وكانا من الناصرين لهذا الرأي قال القاضي في مختصر التقريب.
واختلف الذين منعوا نسخ القرآن بالسنة فمنهم من منعه عقلا ومنهم من قال يجوز سمعا وانما امتنع بأدلة السمع.
قال القاضي وهذا هو الظن بالشافعي مع علو مرتبته في هذا الفن ومنهم من نقل للشافعي في كل من نسخ الكتاب بالسنة وعكسه قولين وهو ما أورده في الكتاب والرافعي حكى في باب الهدية وجهين في نسخ السنة بالقرآن أو قولين التردد منه.
قال وينسب المنع الى اكثر الأصحاب فإن جرى الخلاف في نسخ السنة بالقرآن فليكن من العكس بطريق أولى.
وقال امام الحرمين قطع الشافعي جوابه بأن الكتاب لا ينسخ بالسنة وتردد في قوله في نسخ السنة بالكتاب قلت وهنا هو الذي قاله في الرسالة فانه قال في باب ابتدأ سمي الناسخ والمنسوخ ما نصه ولا ينسخ كتاب الله الا كتابه كما كان المبتدي بفرضه فهو المزيل المثبت لما شاء منه جل ثناؤه ولا يكون ذلك لأحد من خلقه انتهى.
ثم قال ما نصه وهكذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسخها إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أحدث الله لرسوله في أمر سن فيه غير ما سن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسن فيما حدث الله إليه حتى يبين للناس أن له سنة ناسخة للتي قبلها مما يخالفها انتهى ومن صدر هذا الكلام أخذ من نقل عن الشافعي رحمه الله أن
النبي صلى الله عليه وسلم إذا سن سنة ثم انزل الله في كتابه ما ينسخ ذلك الحكم فلا بد ان يسن النبي صلى الله عليه وسلم سنة أخرى موافقة للكتاب تنسخ سنته الاولى لتقوم الحجة على الناس في كل حكم بالكتاب والسنة جميعا ولا تكون سنة منفردة تخالف الكتاب.
وقوله ولو احدث الله الى آخره صريح في ذلك قوله بعد ذلك ما نصه فان قال هل تنسخ السنة بالقرآن قيل له لو نسخت السنة بالقرآن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم سنة تبين ان سنته الاولى منسوخة لسنة الأخيره حتى تقوم الحجة على الناس بأن الشيء ينسخ بمثله انتهى.
وكذلك ما ذكره بعد ذلك في باب جمل الفرائض التي احكم الله فرضها بكتابه وبين كيف فرضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه قال لما تكلم على صلاة ذات الرقاع ما نصه.
وفي هذا دلالة على ما وصفت قبل في هذا الكتاب من ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سن سنة فأحدث الله في تلك السنة نسخا أو مخرجا الى سنة منها سن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنة تقوم الحجة على الناس بها حتى يكونوا إنما صاروا من سنته الى سنته التي بعدها انتهى.
فهذا هو معنى القول المنسوب الى الشافعي أعني انه لا بد ان يسن النبي صلى الله عليه وسلم سنة أخرى واكثر الأصوليين الذين تكلموا في ذلك لم يفهموا مراد الشافعي وليس مراده الا ما ذكرناه.
واستدل المصنف على كون السنة المتواترة تنسخ الكتاب بان النبي صلى الله عليه وسلم رجم المحصن مع شمول آية الجلد له وفيه نظر فإن هذا تخصيص والمصنف قد ذكره بعينه مثالا لتخصيص الكتاب بالسنة ثم إنه ثابت بالقرآن الذي نسخت تلاوته وهو الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما.
واستدل على أن الكتاب ينسخ السنة بأن التوجيه الى بيت المقدس كان ثابتا بالسنة ثم نسخ بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 1 قوله
1 سورة البقرة آية 144.
دليله في الاول أي دليل الشافعي في امتناع نسخ الكتاب بالسنة قوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وقد استدل بها الشافعي رحمه الله في الرسالة ويمكن تقرير وجه الدلالة منها بطريقين.
أحدهما: أنه تعالى اسند للأنبياء بالخبر أو المثل الى نفسه وانما يكون ذلك إذا كان الناسخ القرآن.
والثاني: أنه تعالى قال نأت بالخبر أو المثل والسنة ليست خيرا من الكتاب ولا مثله فدل على ان الإتيان إنما هو بالقرآن.
والجواب ان السنة منزلة إذ هي حاصلة بالوحي كقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} فالآتي بها هو الله واما الخبر أو المثل فالمراد بهما الأكثر ثوابا والمساوي ودليل الشافعي فيهما اي في نسخ الكتاب بالسنة وفي عكسه قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} 1 فإما نسخ الكتاب بالسنة فلأن الآية دلت على ان السنة تبين جميع القرآن بدليل قوله: {مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فلو كانت ناسخة كانت رافعة لا مبينة.
وأما نسخ السنة بالكتاب فلأنها تدل على ان السنة تبين القرآن فلو كان القرآن ناسخا بالسنة لكان القرآن بيانا للسنة فيلزم كون كل واحد منهما بيانا للآخر أجيب عن الأول بأن النسخ لا ينافي البيان بل هو عينه بناء على بيان انتهاء الحكم وعن الثاني بقوله تعالى في صفة القرآن تبيانا لكل شيء فإنه يقتضي ان يكون الكتاب تبيانا للسنة كما في قوله لتبين يقتضي أن تكون السنة مبينة للكتاب فلما تعارض مقتضاهما لم يكن الاستدلال بواحد منهما ارجح من عكسه وفي الاستدلال بقوله لتبين على المقامين معا نظر آخر لأن البيان ان لم يكن مغايرا للنسخ لم يتجه الاستدلال به على امتناع نسخ الكتاب بالسنة وإن كان مغايرا لم يتجه ان يستدل به على العكس وأورد القرافي عل الشافعي بأن قوله تعالى: {مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} عام في الكتاب وفي السنة لأن السنة منزلة ايضا فقد يفهم ان الآية انه عليه السلام يبين القرآن والسنة بغيرهما وهو خلاف الإجماع.
1 سةرة النحل آية 44.