الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به مخالف وكل مخالف معذب فتارك المأمور به معذب وكما سبق في باب اللغات الجمع المحلي بالألف واللام يدخله الاستثناء والاستثناء ما لولاه لدخل فيدل على أن الجمع المحلي للعموم فقول المصنف كما سبق يحتمل عوده إلى كل واحد من هذه الثلاث وقد أجيب عن هذا الدليل بجواب ثالث وهو التزام حصوله بالتواتر ولا يلزم منه رفع الخلاف لأنه إنما يلزم ذلك أن لو كان العقلي هنا ضروريا لكنه نظري فيحتمل أن يصل إلى بعضهم بكثرة المطالعة في كلامهم وتواريخهم ولا يصل إلى الآخر لعدم أو قلة اشتغاله بذلك وأجاب بعضهم بأن مات ذكره المتوقف من الدليل لازم عليه وذلك لأن العقل لا يقتضى الوقف والنقل القطعي غير متحقق والظني لا يفيد فما كان جوابه فهو جوابنا لكن في هذا نظر إذ المتوقف لم يحكم بشيء فلا دليل عليه واعلم أن المنع الثاني ذكره المصنف قدمه الإمام على الأول وهو أولى على قاعدة أهل النظر مما فعله المصنف فكان ينبغي أن يقول لا نسلم الحصر سلمنا نختار معرفته بالآحاد والجدليون يعللون مثل ذلك بأن الثاني هنا مثلا فيه تسليم للحصر فلا يحسن منعه بعد ذلك والله اعلم.
المسألة الثالثة مدلول الأمر بعد التحريم
…
قال: الثالثة: الأمر بعد التحريم للموجوب
وقيل للإباحة لنا أن الأمر يفيده ووروده بعد الحرمة لا يدفعه قيل: إذا حللتم فاصطادوا قلنا: معارض بقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} .
هذه المسألة مفرعة على ثبوت أن صيغة افعل تقتضي الوجوب فاختلف القائلون بذلك فيما إذا أوردت بعد الخطر هل هي باقية على دلالتها أو ورودها بعد الخطر قرينة للإباحة أم كيف الحال على أربعة مذاهب.
الأول: أنها على حالها في اقتضاء الوجوب وهو اختيار الإمام وأتباعه منهم المصنف وبه قالت المعتزلة وصححه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في شرح اللمع والإمام أبو المظفر بن السمعاني في القواطع ونقله ابن الصباغ في عدة العالم عن اختيار القاضي أبي الطيب ونقله ابن برهان في الوجيز عن القاضي لكن لم يقل لذلك مطلقا وإنما الذي قاله كما حكاه عنه إمام الحرمين في البرهان لو كنت من القائلين بالصيغة لقطعت بان الصيغة
المطلقة بعد الخطر مجراه على الوجوب وكذا قال في مختصر التقريب الذي نختاره أن الأمر بعد سبق الخطر كالأمر من غير سبقه وإن فرضنا الكلام في العبارة فهي بعد الحظر كهي من غير خطر يسبق وقد فرط من أصلنا المصير إلى الوقف وها نحن عليه في صوره التنازع كما ارتضيناه في صورة الاطلاق من غير تقدم خطر انتهى.
والثاني: أنها تكون للإباحة ورجحه ابن الحاجب ونقله ابن برهان في وجيزه عن أكثر الفقهاء والمتكلمين واين التلمساني في شرح المعالم عن نص الشافعي وكذا نقل عن نصه عبد العزيز بن عبد الجبار الكوفي كما نقله الاصبهاني في شرح المحصول وقال القاضي في مختصر التقريب أنه أظهر أجوبة الشافعي وحكاه الشيخ أبو حامد الاسفرايني في باب الكتابة من تعليقته عن الشافعي وقال الشيخ أبو اسحاق للشافعي كلام بدل عليه وقال ابن السمعاني عليه دل ظاهر قول الشافعي في أحكام القرآن.
والثالث: اختاره الغزالي وهو إن كان الخطر الشائق عارضا بعلة وعلق صيغة افعل بزواله مثل فإذا حللتم فاصطادوا فعرف الاستعمال يدل على انه لرفع الذم فقط حتى يرجع حكمه إلى ما قبله وان احتمل ان يكون رفع هذا الخطر بندب أو إيجاب لكن هذا هو الأغلب كقوله عليه السلام: "كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فادخروا" وأما إذا لم يكن الخطر عارضا بعلة ولا صيغة افعل علق بزوالها فيبقى موجب الصيغة على اصل التردد بين الإيجاب والندب وتريد ههنا احتمال الإباحة وتكون هذه قرينة تروح هذا الاحتمال وإن لم تعينه وأما إذا لم ترد صيغة افعل ولكن قال إذا حللتم فأنتم مأمورون بالاصطياد فهذا يحتمل الوجوب والندب ولا يحتمل الإباحة قال وقوله أمرتكم بكذا يضاهي قوله افعل في جميع المواضع إلا في هذه الصورة وما يقال بها وهذا المذهب أخذه الغزالي مما حكاه إمامه البرهان وفي التلخيص عن بعضهم أنه إن ورد الخطر مؤقتا وكان منتهاه صيغة في الاقتضاء فهي للإباحة قال والغرض من مساق الكلام رد الخطر إلى غاية وهي
كقوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} ثم زاد الغزالي ما ذكره وقد قال في التلخيص عن هذا المذهب أنه أسد مذهب لهؤلاء.
والرابع: الوقف وهو مذهب امام الحرمين واختاره جماعة واستدل المصنف على ما اختاره بأن الأمر يفيد الوجوب إذ التفريع على القول بذلك ووروده بعد الحرمة غير صالح لأن يكون معارضا فإنه كما لا يمتنع الانتقال من التحريم إلى الإباحة لا يمتنع الانتقال منه إلى الوجوب لمنافاة كل واحد منهما للتحريم فإذا جاز الانتقال إلى أحد المتنافين جاز الانتقال إلى الآخر واحتج القائل بالإباحة بأنها وردت لذلك مثل قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 1 وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا} 2 وقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} 3 وفي الحديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" 4 "كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فكلوا وادخروا" 5 وأجاب في الكتاب بأن هذه الأدلة معارضة بقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 6 فإنه يفيد الوجوب لأن الجهاد وأجب وكذلك قوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} 7 وحلق الرأس نسك وليس بمباح محض كذا ذكره الإمام وكذلك قوله عليه السلام: "فإذا أدبرت الحيضة فاغسلي عنك الدم وصلي" 8 وإذا تعارضا من هذه الجهة بقي دليلنا على اصله ولمن يقول:
1 سورة المائدة آية 2.
2 سورة الجمعة آية 10.
3 سورة البقرة آية 222.
4 رواه الحاكم عن أنس وابن ماجة عن ابن مسعود الفتح الكبير 2/334.
5 رواه الترمذي من حديث بريدة بلفظ " كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذوو الطول على من لاطول له فكلوا مابدا لكم وأطعموا وادخروا".
6 سورة التوبة آية 5.
7 سورة البقرة آية 196.
8 حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود من حديث عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – فقالت يارسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" المغني لابن قدامة 1/312.
بالإباحة أن يمنع استفادة الوجوب في هذه السور من الصيغة الواردة بعد الخطر ويقول أن الوجوب مستفاد من خارج فان قتال المشركين واجب وكذلك الصلاة بالنسبة إلى المرأة ثم لما منع منه حصل الإحجام عنه فكان ورود الأمر مفيدا أن نسبب الأحجام زائل وأن هذا الأمر صار مباحا ومتى صار مباحا لزم ان يعود إلى ما كان عليه من الوجوب.
فائدة: قد عرفت الخلاف في الامر الوارد بعد الخطر هل يدل على الوجوب أو الإباحة ويضاهيه مسائل منها الكتابة فهي مستحبة وإن كانت واردة بعد خطر وعن صاحب التقريب حكاية قول أنها تجب بطلب العبد.
ومنها: النظر إلى المخطوبة بعد العزم على نكاحها مستحب وفي وجه هو مباح مجرد والأمر به في قوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة: "لا أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" 1 أي يجعل بينكما المودة وارد بعد الخطر وهو تحريم النظر إلى الأجنبيات عند خوف الفتنة.
ومنها: إذا قال لعبده اتجر صار مأذونا ويجب عليه امتثال أمر سيده وهو أمر وارد بعد خطر وهو الحجر على العبد في التصرف في مال سيده والله اعلم.
تنبيه: صرح الأمام هنا بأن حكم الأمر بعد الاستئذان حكمه بعد التحريم حتى يقع فيه الخلاف في إفادة الوجوب ومثال ذلك ان يستأذن على فعل شيء فيقول افعله وهذا حسن متجه ينفع في الاستدلال على وجوب التشهد بقوله صلى الله عليه وسلم إذ سألوه كيف نصلى عليك قال: "قولوا" الحديث.
قال: واختلف القائلون: بالإباحة في النهي بعد الوجوب.
الذين قالوا: بان الأمر الوارد بعد الخطر يفيد الوجوب جزموا القول: بأن النهي بعد الوجوب يفيد التحريم.
وأما الذين قالوا: هناك بأنه يفيد الإباحة فاختلفوا في النهي الوارد بعد الوجوب فمنهم من طرد فيه الخلاف وحكم بالإباحة ومنهم من قال لا تأثير
1 رواه الترمذي وحسنه والحاكم صححه. نيل الأوطار 6/10.
ههنا للوجوب المتقدم بل النهي يفيد التحريم وبه قال الأستاذ وقال لا ينتهض الوجوب السابق قرينة في حمل النهي على رفع الوجوب وادعى الوفاق في ذلك وفي التلخيص مختصر التقريب والإرشاد للقاضي دعوى الوفاق كما ذكر الاستاد فانه قال في أثناء الحجاج لو صح ما قلتموه للزم ان تقولوا إذا فرط الإيجاب وسبق التحتم ثم تعقبته لفظا تقتضي تحريما بما لو قدرت مطلقة أنها لا تحمل على التحريم وقد قلتم جميعا أنها محمولة على التحريم انتهى ولكن الخلاف ثابت مصرح به وقال أمام الحرمين أما أنا فسأجب ذيل الوقف عليه كما قدمته في صيغة الأمر بعد الخطر وقد فرق القائلون بأن النهي بعد الوجوب للتحريم مع قولهم: بأن الأمر بعد الخطر للإباحة بوجوه.
أحدها: أن النهي لرفع المفاسد المتعلقة بالمنهي والأمر لتحصيل المصالح المتعلقة بالمأمور واعتناء الشارع بدفع المفاسد أشد من اعتنائه بجلب المصالح.
والثاني: أن النهي عن الشيء موافق للأصل الذي هو عدم الفعل ولا كذلك الأمر لاقتضائه الفعل.
الثالث: أن القائل بالإباحة ثم إنما دعاه إليها ورود الصيغة كثيرا في الآيات والأخبار بمعنى الإباحة كما سبق بخلاف النهي بعد الوجوب.
والرابع: أن دلالة النهي على التحريم أقوى من دلالة الأمر على الوجوب لأنه إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام والله اعلم.
فائدة: تقدم ما ذكره الإمام في الامر عقيب الاستئذان واما النهي عقيب الاستئذان مثل قوله صلى الله عليه وسلم لسعد وقد قال له: أوصي بمالي كله قال: "لا" ومثل أيسلم بعضنا على بعض نعم أيصافح بعضنا البعض قال: "نعم" أينحني بعضنا لبعض؟ قال: "لا" ووقع في الستة كثير من ذلك فهذا الاستفهام الأصل فيه انه استفهام عن الخير كأنه يقول أيقع هذا أو لا وجوابه في الأصل خبر أيضا يقول يقع أو لا كقولك يقوم زيد فيجيب نعم أو لا ثم قد تأتي قرينة تدل على أن المراد بذلك الإستفهام عن الحكم الشرعي كما في هذين الحديثين وأشباههما فان القرينة تدل على ان المراد الاستفهام على الحكم الشرعي أما الوجوب أو