الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد صرح في هذه الآية ان المبشر به فيها اسحاق ولم يكن سؤال من ابراهيم عليه السلام بل قالت امرأته أنها عجوز وانه شيخ وكان ذلك في الشام لما جاءت الملائكة إليه بسبب قوم لوط وهو في أواخر أمره واما للبشارة الاولى لما انتقل من العراق الى الشام حين كان سنه لا يستغرب فيه الولد ولذلك سأله فعلمنا بذلك أنهما بشارتان في وقتين بغلامين احدهما بغير سؤال وهو اسحاق صريحا والثانية قبل ذلك بسؤال وهو غيره فقطعنا بأنه إسماعيل وهو الذبيح ولا يرد على هذا قوله: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} 1 ووجه الإيراد ذكر هبة اسحاق بعد الإنجاء لأنا نقول لما ذكر لوطا واسحاق هو المباشر به في قضية لوط ناسب ذكره ولم يذكره ولم يكن في الآية ما يدل على التعقيب والبشارة الأولى ولم يكن للوط فيها ذكر والله أعلم.
واعلم ان هذه الفائدة ليس لها كبير تعلق بما نحن فيه من الشرح ولكن لما عظم موقعها حسن إيرادها.
1 سورة الأنبياء آية 71- 72.
المسألة الرابعة: يجوز النسخ بغير بدل أو ببدل أثقل منه
…
قال الرابعة يجوز النسخ بلا بدل أو ببدل أثقل كنسخ وجوب تقديم النجوى والكف عن الكفار بالقتال استدل بقوله تعالى نأت بخير منها قلنا ربما يكون عدم الحكم أو الأثقل خيرا.
المسألة مشتملة على بحثين:
أحدهما: في جواز نسخ الشيء لا إلى بدل ذهب إليه الجمهور.
وخالف فيه قوم من أهل الظاهر. وكذلك المعتزلة كما قال القاضي في مختصر التقريب واستدل الجمهور بأن وجوب تقديم الصدقة بين يدي مناجاته عليه السلام نسخ بلا بدل واعلم ان الأصوليين صدروا المسالة بالخلاف في الجواز وهذا الدليل يدل على انهم يختارون الوقوع وهو صحيح إذ الظاهر ان نسخ الصدقة قبل النجوى لا إلى بدل وقول من قال وجوب الزكاة هو الناسخ وهو البدل ضعيف من وجهين.
أحدهما: أنه تعالى قال: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فلو كانت الزكاة ناسخة لزم مساواة الصلاة والطاعة لها وأقام الصلاة وطاعة الله ورسوله واجبان قبل ذلك.
وثانيها: أنه يحتاج الى نقل التاريخ في ذلك وهو يعيد بل الظاهر انه لما نسخ عنهم وجوب الصدقة أمروا بلزوم الواجبات التي هي عليهم باقية تنبيها على أنها هي ذروة الامر وسنامه واستدل القاضي في مختصر التقريب على تجويز نسخ الشيء لا الى بدل بانا يجوز ارتفاع التكليف عن المخاطبين جملة فلأن يجوز ارتفاع عبادة بعينها لا الى بدل أولى قال والمخالفون في ذلك وهم المعتزلة لا يجوزون ارتفاع التكليف فلهذا خالفونا في هذه المسألة فهذا هو مثار الخلاف في هذه المسألة.
فائدة: قال الشافعي في الرسالة في ابتداء الناسخ والمنسوخ وليس بنسخ فرض أبدا الا اثبت مكانه فرض كما نسخت قبله بيت المقدس فأثبت مكانها الكعبة انتهى وظاهر هذه العبارة انه لا يقع النسخ الا ببدل وليس ذلك مراده بل هو موافق للجماهير على ان النسخ قد يقع بلا بدل وانما أراد الشافعي بهذه كما نبه عليه أبو بكر الصيرفي في شرح الرسالة انه ينقل من حظر الى إباحة أو إباحة الى حظر وتخيير على حسب أحوال الفروض قال ومثل ذلك مثل المناجاة كان يناجي النبي صلى الله عليه وسلم بلا تقديم صدقه ثم فرض الله تقديم الصدقة ثم أزال ذلك فردهم الى ما كانوا عليه فان شاءوا وتقربوا بالصدقة الى الله وان شاءوا ناجوه من غير صدقة قال فهذا معنى قول الشافعي فرض مكان فتفهمه انتهى وهذا لا يخالفه فيه الأصوليون فانهم يقولون إذا نسخ الامر بقوله رفعت الوجوب أو التحريم مثلا عاد الامر الى ما كان عليه وهو حكم أيضا.
البحث الثاني: يجوز عند الجمهور نسخ الشيء والإتيان ببدل اثقل منه وخالف بعض أهل الظاهر قال ابن برهان في الوجيز ونقل ناقلون ذلك عن الشافعي وليس بصحيح وانتهى وليس بصحيح عنه.
ومنهم من أجاز ذلك عقلا ومنع منه سمعا لنا ان الكف عن الكفار كان واجبا بقوله تعالى {ودع أذاهم} ونحوه ثم نسخ بإيجاب القتال وهو أثقل أي
أكبر مشقة واستدل الخصم على منعها أعني النسخ بلا بدل والنسخ ببدل أثقل بقوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} فدل على أنه لا بد أن يأتي بالبدل وهو المدعي أولا وعلى ان البدل منحصر في الأول والمساوي وهو المدعي ثانيا وأجاب بأن عدم الحكم قد يكون خير للمكلف منه في ذلك الوقت واعترض الهندي على هذا بان العدم الصرف لا يوصف بقوله نأت لأن ما أتى به فهو شيء وهو صحيح الا ان نقول النسخ يزيل الحكم ويعيد الامر الى ما كان عليه فكان مشتملا على الإتيان بالحكم الذي كان من قبل ومن هذا يظهر انه أتى بشيء.
وهذا إنما استفاد من كلام الصيرفي والأصل فيه كلام الشافعي رضي الله عنه وهذا تقرير الجواب عنهم قولهم لا يكون النسخ الا ببدل والقاضي في مختصر التقريب قال الجواب عن هذه الآية هذا إخبار عن أن النسخ يقع على هذا الوجه وليس فيه ما يدل على انه لا يجوز وقوع النسخ على غير هذا الوجه.
قال هذا واضح عند التأمل.
قلت: وهذا من القاضي يفهم ان محل الخلاف في الجواز وانه يسلم ان النسخ لا يقع إلا على هذا الوجه وهذا ما اقتضاه كلام الآمدي في آخر المسالة إذ قال ان سلم امتناع وقوع ذلك شرعا لكنه لا يدل على عدم الجواز العقلي وقد قدمنا ان الاستدلال بآية النجوى يدل على ان الخلاف في الوقوع ايضا وبذلك صرح الهندي إذ قال الآية وان لم تدل الا على عدم الوقوع فذلك كاف لأنه إذا ثبت عدم الوقوع ثبت عدم الجواز لأن كل من يقول بالجواز قال بالوقوع فالقول بعدم الوقوع من الجواز قول لم يقل به أحد والأظهر ان ما قال بالجواز قال بالوقوع كما ذكره الهندي وكلام الآمدي إنما هو على سبيل النزل إذ صدر المسالة بالجواز وقد صرح الآمدي بدليلين وقال احدهما يدل على الجواز العقلي والثاني على الجواز الشرعي وكلام القاضي ليس بالصريح في ذلك ان قال بعد ذلك أو يقول يعني في الجواز.
قوله ما ننسخ من آية يحمل على بعض الأحكام دون بعض قال ويقوى ذلك على منع صيغ العموم قلت ومن هنا يؤخذ من كلام القاضي أن النكرة في