الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من شرط المنسوخ من الكتاب والسنة المتواترة ان يكون عاما وناسخه من خبر الواحد خاصا حتى يتأتى ما ذكر بل قد يكون عامين أو خاصين والمنسوخ خاصا والناسخ عاما على رأي من يرى ان العام المتأخر ينسخ الخاص المتقدم.
وإذالم يتأت ما ذكر من المنع لزم ترجيح الأضعف على الأقوى فلم يجز النسخ في هذه الصور وإذا لم يجز في هذه الصور ولم يجز في تلك الصورة لعدم القائل بالفصل في ولا تعارض بمثله بان يقال إذا جاز النسخ في تلك الصورة لتساويهما جاز في هذه الصورة لعدم القائل بالفصل لأن إلحاق الفرد بالأكثر أولى ولأن تحقق المفسدة فى صور عديده اشد محذورا من تحققها في صوره واحدة.
وثانيهما: النقض يجوزان تخصيصهما به ولقائل ان يقول التخصيص أهون فلا يلزم من جوازه جواز النسخ وأيضا فالتخصيص لا يلزم منه ترجيح الأضعف على الأقوى لما ذكر من المعنى فلا يلزم النقض واستدل الخضم بقوله تعالى:
{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} 1 الآية فإنه يقتضي حصر التحريم فيما ذكر في الآية وقد نسخ ذلك بما روت الأئمة الستة من نهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع فقد نسخ الكتاب بعد هذا الخبر الظني وأجاب في الكتاب بأن الآية إنما دلت على الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجد في ذلك الوقت من المحرم الا الأربعة المذكورة في الآية ولذا قال أوحى بلفظ الماضي وبقي ما عداها على الأصل الحل ونهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب وجد بعد ذلك فلا نسخ لأن الآية دلت الحال ولم تتعرض للاستقبال والحديث إنما دل على الاستقبال ولو قدر تناول الآية للاستقبال فالحديث مخصص لعموم ليس غير هذه الاربعة بمجرد وهو عموم المفهوم من حصر التحريم في الاربعة بناء على ان للمفهوم عموما وحينئذ فهو مخصص لا ناسخ.
1 سورة الأنعام آية 145.
المسألة الثالثة: الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به
…
قال الثالثة الاجماع لا ينسخ لأن النص يتقدمه ولا ينعقد الاجماع ولا ينسخ به أما النص والإجماع فظاهران وأما القياس فلزواله بزوال شرطه.
هذه المسألة تشتمل على بحثين:
الأول: في ان الحكم الثابت بالاجماع لا ينسخ وان الحكم الثابت باجماع هذا هو رأي الجماهير اعني ان الاجماع لا ينسخ ولا ينسخ به وبه جزم في الكتاب ودليله انه لو انتسخ لكان انتساخه إما بالكتاب والسنة أو الاجماع أو القياس والكل باطل أما بطلانه بالأوليين فلأن نص الكتاب والسنة متقدم على الاجماع لأن جميع النصوص متلقاة من النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينعقد الاجماع في زمنه لأنهم ان اجمعوا دونه لم يصح وان كان معهم أو علم بهم وسكت فالعبرة بقوله أو تقريره واما بالاجماع فلاستحالة انعقاده على خلاف الاجماع للزوم خطا أحد الاجماعين والى هذا أشار بقوله ولا ينعقد الاجماع بخلافه واما القياس فلأن شرط صحته ان لا يخالف الاجماع فإذا قام القياس على خلاف الاجماع لم يكن معتبرا لزوال شرطه واما ان الاجماع لا ينسخ به فلأن المنسوخ به إما النص أو الاجماع او القياس والأولان باطلان لما عرفت وكذا القياس لزواله بزوال شرطه كما عرفت أيضا وأعلم أن ما ذكرناه من أن الإجماع لا ينعقد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هو ما ذكره الأصوليون على طبقاتهم القاضي في مختصر التقريب لمن بعده ولقائل ان يقول إذا كانت الأمة لا تجتمع على خطا انعقد الإجماع بقولها ولا سيما إذا جوزنا الاجتهاد في زمانه وهو الصحيح فلعلهم اجتهدوا في مسألة واجمعوا عليها ولم يعلم هو صلى الله عليه وسلم بهم والامام وان جرى هنا على ما ذكره الأصوليون من ان الاجماع لا ينعقد في زمانه صلى الله عليه وسلم فقد ذكر ما يناقضه بعد ذلك.
قال والقياس إنما ينسخ مقياس أجلي منه.
البحث الثاني: في نسخ القياس والنسخ به وقد اختلفوا في ذلك والذي ذهب إليه المصنفون ان القياس إنما ينسخ بقياس اجلي من القياس الأول وأظهر ويعرف قوة أحد القياسين بما سيأتي ان شاء الله في ترجيح الأقيسة وإنما حصر الذي ينسخ في القياس الأجلي دون غيره لأن غيره أما نص أو إجماع ويمتنع النسخ بهما لزوال شرطه حينئذ كما تقدم واما قياس مساو للأول ويمتنع الترجيح من غير مرجح واما قياس أخفى ويمتنع لتقديم المرجوح على الراجح فقد تحرر من كلام المصنف هذا ان القياس قد يكون منسوخا وقد يكون ناسخا لأن
في نسخ القياس بالقياس ذلك ومنهم من منع نسخه والنسخ به مطلقا ومنهم من جوز نسخه بسائر الأدلة ونسخ جميع الأدلة وقال الإمام نسخ القياس إما ان يكون في زمان حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته فإن كان حال حياته فلا يمتنع رفعه بالنص والإجماع والقياس أما بالنص فبأن ينص الرسول صلى الله عليه وسلم في الفرع على خلاف الحكم الذي يقتضيه القياس بعد استقرار التعبد بالقياس.
واما بالاجماع فلأنه ان اختلفت الامة على قولين قياسا ثم اجمعوا على أحد القولين رافعا لحكم القياس الذي اقتضى القول واما بالقياس فبأن ينص في صورة بخلاف ذلك الحكم ويجعله معللا بعلة موجودة في ذلك الفرع ويكون إمارة عليتها أقوى من امارة علية الوصف للحكم الأول في الأصل الأول ويكون كل ذلك بعد التعبد بالقياس الأول.
وأما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يجوز نسخه في المعنى وان كان ذلك لا يسمى نسخا في اللفظ أما بالنص إذا اجتهد إنسان في طلب النصوص ثم لم نظفر بشيء أصلا ثم اجتهد فخرج شيئا بالقياس ثم ظفر بعد ذلك بنص أو اجماع أو قياس أقوى من القياس الأول على خلافه فان قلنا كل مجتهد مصيب كان هذا الوجدان ناسخا لحكم الأول من القياس لكنه لا يسمى ناسخا لأن القياس إنما يكون معمولا به بشرط ان لا يعارضه شيء من ذلك وان قلنا المصيب واحد لم يكن القياس الأول معتدا به فلم يكن النص الذي وجده آخر ناسخا لذلك القياس واما ان يكون القياس ناسخا فهو أما ان ينسخ كتابا أو سنة أو اجماعا أو قياسا والأقسام الثلاثة الأول باطلة بالإجماع.
واما الرابع وهو كونه ناسخا لقياس آخر فقد تقدم الكلام فيه هذا كلام الإمام قال صاحب التحصيل ولقائل ان يقول في هذه الاقسام نظر فليتأمله الناظر وما ذكره صاحب التحصيل صحيح فان النظر من أوجه.
أحدها: قوله يجوز نسخ القياس حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالاجماع يناقض قوله قبل ذلك أن الاجماع لا ينعقد في زمنه وأنه يمتنع نسخ القياس به أيضا.
والثاني: بناء ذلك على ان كل مجتهد مصيب غير سديد فان ذلك النص
الذي يطلع عليه المجتهد بعد ذلك لا بدوران يكون كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ضرورة ان النصوص لا تنشا بعده ولكنه كان قد خفى عليه فإذا بان له تبين إذ ذاك ان حكم القياس مرتفع من اصله وليس هو من النسخ في شيء لا في اللفظ ولا في المعنى سواء قيل كل مجتهد مصيب أم لم يقل بذلك.
والثالث: ان بناء ذلك على ان كل مجتهد مصيب ان صح لم يختص بما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والرابع: أنه نقل الاجماع على بطلان الاقسام الثلاثة الأول وليس يجيد لما نقله جماعة من تجويز نسخ الكتاب بالسنة وبالقياس عن طائفة.
والخامس: في قوله ان قلنا المصيب واحد لم يكن القياس الأول متعبدا به قلنا لا نسلم فإن المصيب وان اتحد فقد انعقد الاجماع على انه يجب على كل مجتهد ان يعمل به ومن قلده بما اداه إليه اجتهاده من قياس أو غيره وإن كان قد اخطأ الحكم المقرر في نفس الأمل كما يقول فيمن اجتهد ثم اخطأ الكعبة يجب ان يصلي الى الجهة التي استقبلها وان كانت خطأ في نفس الأمر واعلم ان الإمام لم يخترع هذا التفصيل بل سبقه إليه أبو الحسين في المعتمد.
وقال الآمدي العلة الجامعة في القياس ان كانت منصوصة فهي في معنى النص ويمكن نسخه بنص أو قياس في معناه لو ذهب إليه ذاهب بعد النبي صلى الله عليه وسلم لعدم اطلاعه على ناسخه بعد البحث فانه وان وجب عليه اتباع ما ظنه فوقع حكمه في حقه بعد اطلاعه على الناسخ لا يكون نسخا متجددا بل يتبين انه كان منسوخا وان كانت مستنبطة فحكمها في حقه غير ثابت بالخطاب فرفعه في حقه عند الظفر بدليل يعارضه ويترجح عليه لا يكون نسخا لكونه ليس بخطاب لأن النسخ هو الخطاب.
أما النسخ بالقياس فاختار فيه انه يصح ان كانت العلة منصوصة وإلا فإن كان القياس قطعيا كقياس الامة على العبد في السراية فانه وان كان مقدما لكن ليس نسخا لكونه ليس بخطاب والنسخ عنده هو الخطاب وان كان ظنيا بان تكون العلة مستنبطة فلا يكون نسخا.