الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأولى التمسك بما درج عليه السالفون من الصحابة والتابعين فانهم استدلوا بأكثر العمومات المخصوصة من غير نكير بل لو صح ما ذكروه باب التمسك باللفظ العام إذ ما من عام في حكم شرعي الا وهو مخصوص وعلى ما قالوه يمتنع الاستدلال به.
المسألة السادسة: يستدل بالعام مالم يظهر المخصص
…
قال السادسة يستدل بالعام ما لم يظهر مخصص وابن سريج أوجب طلبه أولا هل يجوز ان يستدل بالعام قبل البحث عن المخصص فيه مذهبان.
أحدهما: الجواز وهو قول الصيرفي واليه مال الإمام.
والثاني: المنع وهو قول أبي العباس بن سريج.
واعلم ان إثبات الخلاف في هذه المسألة على هذا الوجه هو ايراد الإمام وجمهور اتباعه وادعى جمع من المتأخرين ان ذلك غير معروف بل باطل محتجين بأن الذي قاله الغزالي فمن بعده كالآمدي وغيره أنه لا يجوز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص اجماعا ثم اختلفوا فمن قائل يبحث ومن قائل لا يكفي الظن ولا يشترط القطع بل لا بد من اعتقاد جازم تسكن النفس إليه ومن قائل لا بد من القطع وعليه القاضي قال ويحصل ذلك بتكرير النظر والبحث واشتهار كلام الأئمة قالوا وليس خلاف الصيرفي إلا في اعتقاد عمومه قبل دخول وقت العمل به وإذا ظهر مخصص تغير الاعتقاد هكذا نقله إمام الحرمين ثم الآمدي وغيره واشتهرت هذه المقالة حتى تولعت الألسن بأن هذا كان من غلطات الإمام وأنا أقول قد سبق الإمام بهذا النقل الثقة أثبت الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فقال في شرح اللمع ما نصه إذ أوردت هذه الألفاظ الموضوعة للعموم هل يجب اعتقاد عمومها في الحال عند سماعها العمل بموجبها انتهى وكذلك الأستاذ أبو إسحاق في أصوله الذي انتخبه والده أيده الله ولفظه قيل يلزم وقيل لا يلزم ويعرض على الأصول الممهدة لجواز ان يكون فيها ما يخصصه وأفاد الأستاذ في هذه المسألة فائدة جليلة وهي ان الخلاف ليس إلا فيما إذا ورد الخطاب العام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أما إذا ورد في عهده وجبت المبادرة الى الفعل على عمومه لأن أصول الشريعة لم تكن متقرره قد بان لك بهذين النقلين ان ما نقله الإمام
غير مستنكر وهو أولى واوجه من القول بإيجاب اعتقاد العموم على جزم حين ظهور المخصص يتغير الاعتقاد فإن مذهبه في غاية السقوط لا وجه له ولا حاصل تحته وقال امام الحرمين انه عنده غير معدود من مباحث العقلاء ومضطرب العلماء قال وإنما هو قول صدر عن عبادة واستمرار في عناد انتهى وهذا بخلاف القول بالعمل بالعام ابتداء فإنه ذو وجه ظاهر وجيه.
قال: لنا لو وجب لوجب طلب المجاز للتحرز عن الخطأ واللازم منتف قال عارض دلالته احتمال المخصص قلنا: الأصل يدفعه.
هذا دليل على ما اختاره من وجوب العمل بالعام ابتداء وتقريره لو وجب طلب المخصص والبحث عنه قبل التمسك بالعام لوجب طلب المجاز عند استعمال اللفظ في حقيقته واللازم منتف فالملزوم مثله أما وجه الملازمة فلأن الطلب في الصورة الأولى إنما هو الاحتراز على المفسدة واحتمال ضرر الخطأ وهذا المعنى موجود في الحقيقة وأما انتفاء اللازم فظاهر إذ لم يزل العلماء خلفا عن سلف على ممر الدهور وتعاقب الأزمنة يحملون اللفظ على حقيقته من غير بحث عن المجاز ومنهم من ادعى الاجماع على انه لا يجب طلب المجاز ولكن فيه نظر فقد نقل الثقات ابن سريج الى وجوبه وصرح القرافي بأن المسألتين على السواء على تقدير صحة الإجماع فالفرق واضح وذلك لأن احتمال وجود المخصص أقوى إذ ما من عام إلا وقد تطرق إليه التخصيص كما قال امام الحرمين قال والدي رحمه الله ويوضح هذا التفريق ان في العام دلالتين.
إحداهما: على اصل المعنى هي نص والأخرى على استغراق الأفراد وهي ظاهرة واحتمال المجاز حاصل في الأولى وفي كل حقيقة يدل اللفظ فيها على معنى والدلالة الإفرادية عليه قطعية فلذلك لم يطلب المجاز واحتمال التخصيص إنما هو في الثانية قال ومن تأمل هذا الكلام على ان إيراد الحقيقة على العام ساقط لأن في العام حقيقة ومجازا شارك فيهما وفيه تخصيص ينفرد به لا يوجد مثله في الحقيقة قال وهذا نفيس جدا.
قلت: ونظيره على العكس قلنا لا رجل بالفتح نص في الاستغراق وان كان محتمل المجاز لإراده لا غلام رجل لا رجل بالرفع ظاهر في الاستغراق لا
نص فهذا نظير العام والأول نظير الحقيقة وانما قلنا على العكس لأن قضية الاستغراق في الأول لا في الثاني فلا رجل بالفتح عمومه نص مقطوع به وحقيقة ظاهرة عكس العام ولا رجل بالرفع عمومه ظاهر وحقيقته محتملة للمجاز كغيرها من الحقائق قوله قال عارض أي احتج ابن سريج على مذهبه بأن العام وان دل على ثبوت الحكم في جميع الأفراد فاحتمال المخصص يعارضه لأن العام قبل طلب المخصص يحتمل التخصيص ويحتمل عدمه احتمالا على السواء وأجاب بأن الأصل عدم المخصص والإحتمال بمجرده لا يصلح معارضا لهذا الأصل فيكون مرجوحا.
فائدة: إذا اقتضى اللفظ العام عملا مؤقتا وضاق الوقت عن طلب الخصوص فهل يعمل بالعموم أو يتوقف فيه اختلف أصحابنا في ذلك كما حكاه ابن الصباغ في كتابه عده العالم في آخر مسألة إسماع الله المكلف اللفظ العام دون مخصصه وللخلاف نظائر كثيرة في المذهب منها هل للمجتهد التقليد عند ضيق الوقت ليعمل به أم لا فيه وجهان:
الأول: منهما وهو الجواز قول ابن سريج قال ولا يجوز له ان يفتى قال الرافعي وقياسه ان لا يجوز القضاء وأولى ومنهم من طرد قول ابن سريج في القضاء قال الرافعي ومن قال به فقياسه طرده في الفتوى ومنها لا يجوز للقادر عل الاجتهاد في القبلة ان يقلد غيره فإن ضاق عليه الوقت وظن ان وقت الصلاة ينتهي قبل اجتهاده فهل يقلد ويصلى في الوقت أو يتمادى في نظره الى تمام الاجتهاد فيه وجهان ومنها واستيقظ قبيل الوقت وكان بحيث لو اشتغل بالوضوء لخرج الوقت فهل يباح له التيمم أو يتوضأ أو يصلي خارج الوقت فيه وجهان.