المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة السادسة: خصوص السبب لا يخص - الإبهاج في شرح المنهاج - ط العلمية - جـ ٢

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌المسألة الثانية في تعريف الطلب

- ‌الفصل الثاني: في صيغة أفعل

- ‌المسألة الأولى في معاني صيغة أفعل

- ‌المسألة الثانية: صيغة أفعل حقيقة في الوجوب

- ‌المسألة الثالثة مدلول الأمر بعد التحريم

- ‌المسألة الرابعة: الأمر المطلق لا يفيد التكرار ولا يدفعه

- ‌المسألة الخامسة الأمر المغلق بشرط أو صفة هل يفيد التكرار

- ‌المسألة السادسة: الأمر الطلق هل يفيد الفور

- ‌الفصل الثالث في النواهي

- ‌المسألة الأولى: النهي يقتضي التحريم

- ‌المسألة الثانية: النهي يدل على الفساد

- ‌المسألة الثالثة: مقتضى النهي فعل الضد

- ‌المسألة الرابعة: أقسام النهي

- ‌الباب الثالث في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌تعريف العام

- ‌المسألة الأولى: الفرق بين العام وما يشاركه في الجنس

- ‌المسألة الثانية: في أقسام العام

- ‌المسألة الثالثة: في الجمع المنكر لا يقتضي العموم

- ‌المسألة الرابعة: نفي المساواة بين الشئين هل هو عام

- ‌الفصل الثاني في الخصوص

- ‌المسألة الأولى: في تعريف التخصيص والفرق بينه وبين النسخ

- ‌المسألة الثانية: الذي يقبل التخصيص

- ‌المسألة الثالثة: في غاية التخصيص

- ‌المسألة الرابعة: العام بعد التخصيص هل هو حقيقة أم مجاز

- ‌المسألة الخامسة: المخصص بمعين حجة

- ‌المسألة السادسة: يستدل بالعام مالم يظهر المخصص

- ‌الفصل الثالث: في المخصص، وهو متصل ومنفصل

- ‌الأول: الإستثناء

- ‌المسألة الأولى: في شروطه

- ‌المسألة الثانية: الإستثناء من الإثبات نفي وبالعكس

- ‌المسألة الثالثة: في حكم الاستثناءات المتعددة

- ‌المسألة الرابعة: الاستثناء بعد الجمل

- ‌ الثاني: الشرط

- ‌المسألة الأولى: متى يوجد المشروط

- ‌المسألة الثانية: العطف على الشرط أو على المشروط

- ‌ الثالث الصفة

- ‌ الرابع الغاية

- ‌المخصص المنفصل وهو ثلاثة

- ‌الأول: اللعقل

- ‌ الثاني الحس

- ‌الثالث: الدليل السمعي

- ‌المسألة الأولى: تعارض العام والخاص

- ‌المسألة الثانية: ما يخصص القرآن الكريم

- ‌المسألة الثالثة: التخصيص بخبر الواحد

- ‌المسألة الرابعة: تخصيص المنطوق بالمفهوم

- ‌المسألة الخامسة: التخصيص بالعادة

- ‌المسألة السادسة: خصوص السبب لا يخص

- ‌المسألة السابعة: أفراد فرد لا يخصص

- ‌المسألة الثامنة: عطف الخاص لا يخصص

- ‌المسألة التاسعة: عود ضمير خاص لا يخصص

- ‌تذنيب حكم المطلق مع المقيد

- ‌الباب الرابع في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول: في المجمل

- ‌الأولى: اللفظ إما أن يكون مجملا بين حقائقه

- ‌ الثانية: قالت الحنفية وامسحوا برؤوسكم مجمل

- ‌ الثالثة: قيل آية السرقة مجملة

- ‌الفصل الثاني: في المبين

- ‌تعريف المبين

- ‌المسألة الأولى: المبين يكون قولا وفعلا

- ‌المسألة الثانية: جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب

- ‌ تنبيه يجوز تأخير التبليغ الى وقت الحاجة

- ‌الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخخ

- ‌الفصل الأول: في تعريف النسخ وفيه مسائل

- ‌المسألة الأولى في وقوع النسخ

- ‌المسألة الثانية: يجوز نسخ بعض القرآن ببعض

- ‌المسٍألة الثالثة: يجوز نسخ الوجوب قبل العمل

- ‌المسألة الرابعة: يجوز النسخ بغير بدل أو ببدل أثقل منه

- ‌المسألة الخامسة: نسخ الحكم دون التلاوة وبالعكس

- ‌المسألة السادسة: نسخ الخبر المستسقبل

- ‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ وفيه مسائل

- ‌المسألة الأولى نسخ الكتاب بالسنة وبالعكس

- ‌المسألة الثانية: لاينسخ المتواتر بالآحاد

- ‌المسألة الثالثة: الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به

- ‌المسألة الرابعة: نسنخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى

- ‌الكتاب الثاني في السنة

- ‌الباب الأول في أفعاله صلى الله عليه وسلم وفيه مسائل

- ‌المسألة الأولي في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌المسألة الثانية: فعله المجرد يدل على الإباحة

- ‌المسألة الثالثة: جهة فعله تعلم إما بتنصيصه أو تسويته بما علم من جهته

- ‌المسألة الرابعة: الفعلان لا يتعارضان

- ‌المسألة الخامسة: إنه عليه السلام قبل النبوة تعبد بشرع وقيل لا

- ‌الباب الثاني في الأخبار

- ‌الفصل الأول فيما علم صدقه

- ‌الفصل الثاني فيما علم كذبه

- ‌الفصل الثالث فيما ظن صدقه

- ‌الباب الثالث في شرائظ العمل بالخبر

- ‌الكتاب الثالث في الإجماع

- ‌الباب الأول في بيان حجيته

- ‌المسألة الأولى: ذهب بعضهم إلى استحالته

- ‌المسألة الثانية: حجية الإجماع والدليل على ذلك

- ‌المسألة الثالثة: إجماع أهل المدينة والخلاف فيه

- ‌المسألة الرابعة: إجماع العترة

- ‌المسألة الخامسة: إجماع الخلفاء الأربعة

- ‌المسألة السادسة: مايثبت به الإجماع وما لا يثبت

-

- ‌تعريف الإجماع

- ‌الباب الثاني في أنواع الإجماع

- ‌المسألة الأولى إذا اختلفوا على قولين فهل لمن بعدهم إحداث ثالث

- ‌المسألة الثانية: إذا لم يفصلوا بين مسألتين فهل لمن بعدهم الفصل

- ‌المسألة الثالثة: يجوز الاتفاق على الحكم بعد الاختلاف

- ‌المسألة الرابعة: الاتفاق على قولين من اثنين إجمماع

- ‌المسألة الخامسة: إذا اختلفوا فماتت إحدى الطائفتين يصير قول الباقين حجة

- ‌الإجماع السكوتي والمذاهب فيه

- ‌الباب الثالث في شرائطه

- ‌المسألة الأولى: لابد فيه من قول كل عالمي ذلك الفن

- ‌المسألة الثانية: لابد للإجماع من سند

- ‌المسألة الثالثة: لا يشترط انقراض المجمعين

- ‌المسألة الرابعة: لايشترط التواتر في نقل الإجماع

- ‌المسألة الخامسة: إذا عارض الإجماع نص أول القابل له

الفصل: ‌المسألة السادسة: خصوص السبب لا يخص

إباحته فهذا فرق بين المقامين فان قلت يكفي في تسويغ الفعل البرآة الأصلية قلت هذا كاف في الإباحة لأن إبقاء الشارع بحكم البرآة الأصلية حكم وهو دليل شرعي وإنما يقول بالتحريم إذا قدم بلا سبب فهذا ينكر عليه سواء كان هناك حكم أم لا فإذا لم ينكر دل على الإباحة ويحمل على ان فاعله اقدم عن علم بخلاف السائل فإن ظاهر حاله انه واقف عن الاعتقاد منتظر الجواب فلا يحصل مفسدة والله اعلم.

ص: 183

‌المسألة السادسة: خصوص السبب لا يخص

قال: السادسة خصوص السبب لا يخص لأنه لا يعارضه.

هذه المسألة مشتملة على بحثين:

الأولى: في أن خصوص السبب لا يخصص عموم اللفظ ومن الناس من أطلق الكلام في هذه المسألة كالمصنف والتحبيق تفصيل وهو ان الخطاب إما ان يكون لسؤال سائل او لا فان كان جوابا فاما أن يستقل بنفسه أولا فإن لم يستقل فلا خلاف انه على حسب الجواب ان كان عاما فعام وان كان خاصا فخاص وان استقل فهو أقسام لأنه وإما ان يكون أمضى أو مساويا أو اعم والأخص مثل قول القائل من جامع في نهار رمضان فعليه ما على المظاهر في جواب من سأله عمن افطر في نهار رمضان وهذا جائز بشرائط:

أحدها: ان يكون فيما خرج من الجواب ينبه على ما لم يخرج منه.

والثاني: ان يكون السائل مجتهدا او لا لم يفد التنبيه.

والثالث: ان لا تفوت المصلحة بأشغال السائل بالاجتهاد وأما المساوي فلا إشكال فيه وأما الأعم فهو منقسم إلى قسمين لأنه إما ان يكون اعم منه فيما سئل عنه كقوله عليه السلام: لما سئل عن ماء بئر بضاعة: "أن الماء طهور لا ينجسه شيء" 1 رواه أبو داود والترمذي وقال حسن.

1 رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب: ماجاء في بئر بضاعة.

والترمذي، باب: ماجاء في الماء لاينجسه شيء.

كما رواه النسائي وابن ماجة.

ص: 183

وإما أن يكون عاما في غير ما سئل عنه كقوله عليه السلام حين سئل عن التوضؤ بماء البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" 1 وحكم هذا القسم التعميم بالنسبة الى ما سئل عنه والى غيره من غير خلاف.

وأما القسم الأول فقد جعلوه من محل الخلاف الذي يستقصي القول فيه إن شاء الله تعالى وقال والدي أيده الله تعالى الذي يتجه القطع بأن العبرة بعموم اللفظ لأن عدول المجيب عن الخاص المسئول عنه الى العام دليل على إرادة العموم.

وإما الخطاب الذي لا يرد جوابا لسؤال بل واقعة فإما ان يرد في اللفظ قرينه تشعر بالتعميم كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} 2 والسبب رجل سرق رداء صفوان فالإتيان معه قرينة تدل على الاقتصار على المعهود وكذلك العدول عن الإفراد الى الجمع كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} 3 نزلت في عثمان بن طلحة اخذ مفتاح الكعبة وتغيب به وأبى ان يدفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقيل ان عليا رضي الله عنه أخذه منه وأبى ان يدفعه إليه ونزلت فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اياه وقال "خذوها يا بني طلحة خالده مخلدة فيكم أبدا لا ينزعها منكم إلا ظالم" وإن لم يكن ثم قرينة وكان معرفا بالألف واللام فمقتضى كلامهم الحمل على المعهود إلا ان يفهم من نفس الشرع تأسيس قاعدة فيكون دليلا على العموم وإن كان العموم لفظ آخر غير

1 رواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – الفتح الكبير2/18.

2 سورة المائدة 38.

3 سورة النساء آية 58.

نزلت هذه الآية – كما قال المفسرون -: في شأن مفتاح الكعبة لما أخذه علي- رضي الله عنه – من عثمان بن طلحة قهرا بأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم الفتح ليصلي فيها فصلى فيها ركعتين ثم خرج فسأله العباس المفتاح ليضم السدانة إلى السقاية فنزلت الآية فرده علي لعثمان بلطف بأمر- النبي صلى الله عليه وسلم – فتعجب عثمان في ذلك فقرأ له علي الآية {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها....} فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم.

شرح جلال الدين المحلي على جمع الجوامع 2/39.

ص: 184

الألف واللام فيحسن ان يكون ذلك هو محل الخلاف إذا عرفت ذلك فالصحيح الذي عليه الجمهور وبه جزم في الكتاب ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وخالف في ذلك مالك والمزني وأبو ثور فقالوا ان خصوص السبب يكون مخصصا لعموم اللفظ قال إمام الحرمين وهو الذي صح عندنا من مذهب الشافعي وكذلك قال الغزالي في المنخول.

وقال في مختصر التقريب والإرشاد نقل المذهبان جميعا عنه واعلم ان الذي صح من مذهب الشافعي رضي الله عنه موافقة الجمهور خلاف ما ذكره امام الحرمين.

قال الإمام في كتابه الموضوع في مناقب الشافعي رحمه الله ومعاذ الله ان يصح هذا النقل وكيف وكثير من الآيات نزلت في أسباب خاصة ثم لم يقل الشافعي رحمه الله أنها مقصورة على تلك الأسباب قال والسبب في وقوع هذا النقل الفاسد عنه انه يقول ان دلالته على سبب أقوى لأنه لما وقع السؤال عن تلك الصورة لم يجز ان لا يكون اللفظ جوابا عنه وإلا تأخر البيان عن وقت الحاجة وأبو حنيفة عكس ذلك وقال دلالته على سبب النزول اضعف وحكم بأن الرجل لا يلحقه ولد أمته وان وطئها ما لم يقم بالولد مع أن قوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" 1 إنما ورد في أمة والقصة مشهورة في قضية عبد بن زمعه فبالغ الشافعي في الرد على من يجوز إخراج السبب وأطنب في ان الدلالة عليه قطعية كدلالة للعام عليه بطريقين.

أحدهما: العموم.

وثانيهما: كونه واردا لبيان حكمه فتوهم المتوهم انه يقول ان العبرة بخصوص السبب هذا حاصل ما ذكره الإمام وهو بليغ واما ما ذكره إمام الحرمين فلعله

1 رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة والنسائي من حديث عائشة – رضي الله عنها.

كما رواه الإمام أحمد في مسنده. والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه. الفتح الكبير3/308.

ص: 185

اطلع على نص مرجوح عنه او غير ذلك فإن الخلاف فيه غير بعيد عن المذهب ولذلك اختلف الأصحاب في ان العرايا هل يختص بالفقر أم يشترك فيها الأغنياء والفقراء والصحيح والتعميم مع أنها وردت على سبب خاص وهو الحاجة والفرص أن الصحيح من مذهبه موافقة الجمهور وفروعه تدل على ذلك.

قال الأصحاب في من دخل عليه صديقه فقال تغد معي فقال أن لم تتغد معي فامرأتي طالق لا يقع الطلاق ولو تغدا بعد ذلك معه ان طال الزمان انحلت اليمين فإن نوى الحال فلم يفعل وقع الطلاق وهو يخالف قول الأصوليين ان الجواب الذي يستقل بنفسه الا ان الفرق يقتضي عدم استقلاله مثل هذه الصورة في حكم الذي لا يستقل بوضعه فيكون على حسب السؤال.

ورأى البغوي حمل المطلق على إكمال العادة وهو يوفق قول الأصوليين هذا وأفتى القاضي الحسن في امرأة صعدت بالمفتاح الى السطح فقال: زوجها ان لم تلق بالمفتاح فأنت طالق فلم تلقه ونزلت انه لا يقع ويحمل قوله ان لم تلقه على التأييد واخذ ذلك مما قاله الأصحاب في المسألة المذكورة وفي الرافعي عن المبتدأ في الفقه للقاضي الروباني انه لو قيل له وكلم زيدا فقال والله لا كلمته انعقدت اليمين على الأبد الا ان ينوي اليوم فإن كان ذلك في طلاق وقال أردت اليوم لم يقبل في الحكم وهذه الصور كلها شاهدة لأن العبرة بعموم اللفظ ومخالفة لما قال الأصوليون في الجواب الذي يقتضي العرف عدم استقلاله دون الوضع.

والحق مع الفقهاء لأن اللفظ عام والعادة لا تخصص وأما ما وقع في كتابي طبقات الفقهاء في ترجمة الإمام الشافعي في الأم في الجزء الرابع من أجزاء تسعة في كتاب ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع وهو بعد الطلاق الذي يملك فيه الرجعة وقبل الحجة في النية وما أشبهها نص على ما ذكره الإمام عنه من ان العبرة بعموم اللفظ فذلك خطا مني في الفهم وأردت ان انبه على ذلك هنا لئلا يغتر به فإن حذفه من ذلك الكتاب تعذر لانتشار النسخ به وبيان ذلك انه قال ما نصه ما يقع به الطلاق من الكلام ومالا يقع.

ص: 186

قال الشافعي رضي الله عنه ذكر الله تعالى في كتابه الطلاق والفراق والسراح فقال عز وجل: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} 1 وقال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوف} 2 وقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في أزواجه: {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآية.

قال الشافعي فمن خاطب امرأته فأفرد لها اسما من هذه الأسماء فقال أنت طالق أو أطلقتك أو فارقتك أو سرحتك لزمه الطلاق وان لم ينوه في الحكم ونويناه فيما بينه وبين الله عز وجل ويسعه إن لم يرد شيئا منه طلاقا ان يمسكها ولا يسعها ان يقيم لأنها لا تعرف من صدقه ما يعرف من صدق نفسه وسواء فيما يلزم من الطلاق ولا يلزم تكلم به الزوج عند غضب او مسألة طلاقا او رضا وغير مسألة طلاق ولا تصنع الأسباب شيئا إنما تصنعه الألفاظ لأن السبب قد يكون ويحدث الكلام على غير السبب ولا يكون مبتدأ الكلام الذي له حكم فيقع فإذا لم يصنع السبب بنفسه شيئا لم يصنعه ما بعده ولم يمتنع ما بعده ان يصنع ما له حكم إذا قيل انتهى فتوهمت انا ما توهمت من قوله ولا تصنع الأسباب شيئا الى آخر وهو وهم وانما مراده ان الغضب وغيره من الأسباب التي يرد عليها الطلاق لا تدفع وقوع الطلاق ولا تعلق لذلك بالمسألة الأصولية وقد احتج المصنف على ان العبره بعموم اللفظ بأن اللفظ صالح لتناول الأفراد إذ هو عام وكونه ورد على سبب لا يعارضه لأنه لا منافاة بينهما بدليل ان المجيب لو قال احمل اللفظ على عمومه ولا تخصيصه بخصوص سببه كان ذلك جائزا.

واعترض على هذا بأنه لا ينافي كون السبب يدل بطريق الظهور على تخصيص العام لأن الذي ذكر احتمال والإحتمال لا ينافي الظهور كما أنه لو صرح بإرادة الخصوص في العمومات من غير سبب جاز ذلك مع كون هذا الاحتمال لا ينافي ظهور صيغة العموم في الاستغراق وذكر الإمام دليلا آخر وهو اجماع الأمة على ان آية اللعان والظهار وغيرهما إنما نزلت في أقوام معينين مع

1 سورة البقرة آية 231.

2 سورة البقرة آية 231.

ص: 187

تعميم الأمة حكمها وما قال أحد ان ذلك التعميم خلاف الأصل واحتج الخصم بأن الجواب لو عم لم يكن مطابقا للسؤال والمطابقة بين السؤال والجواب شرط ولهذا لم يجز ان يكون الجواب خاصا وبأن السبب لو لم يكن مخصصا لما نقله الراوي لعدم فائدته.

واجيب عن الأول بأنك ان أردت بمطابقة الجواب ان تستوعب السؤال ولا تغادر منه شيئا فمسلم وإلا علم يحصل فيه المطابقة بهذا المعنى بخلاف الأخص وإن أردت بالمطابقة اختصاص الجواب بالسؤال فلا نسلم اشتراطها بهذا المعنى.

وعن الثاني: بأن فائدته معرفة السبب وقد صنف بعض المتأخرين في معرفة أسباب الحديث كما صنفت العلماء في معرفة أسباب النزول ومن فوائد ذلك امتناع إخراج صورة السبب عن العموم بالإجتهاد فمنه لا يجوز إخراج تلك الصورة التي ورد عليه السبب بالاجماع نص عليه القاضي في مختصر التقريب والآمدي في الأحكام وطائفة.

وحكى عن أبي حنيفة انه يجوز إخراجها وقد عرفت ذلك من قبل وقد قال العلماء ان دخول السبب قطعي لأن العام يدل عليه بطريقتين كما مر ومن ذلك استثناء كونه لا يخرج بالإجتهاد.

وقال والدي رحمه الله وهذا عندي ينبغي ان يكون إذا دلت قرائن حالية ومقالية على ذلك او على ان اللفظ العام يشمله بطريق الوضع لا محالة وإلا فقد تنازع الخصم في دخوله وضعا تحت اللفظ العام ويدعي انه قد يقصد المتكلم بالعام إخراج السبب وبيانه انه ليس داخلا في الحكم فإن للحنفية أن يقولوا في حديث عبد بن زمعة أن قوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش" وإن كان واردا في أمة فهو وارد لبيان حكم ذلك الولد وبيان حكمه إما بالثبوت أو بالانتفاء فإذا ثبت ان الفراش هي الزوجة لأنها الذي يتخذ لها الفراش غالبا.

وقال الولد للفراش كان فيه حصرا كالولد للحرة وبمقتضى ذلك لا يكون للأمة فكان فيه بيان للحكمين جميعا نفي السبب عن مسبب وإثباته لغيره ولا يليق دعوى القطع هنا وذلك من جهة اللفظ وهذا في الحقيقة نزاع في ان اسم

ص: 188

الفراش هل هو موضوع للحرة والأمة الموطؤة أو للحرة فقط والحنفية يدعون الثاني فلا عموم عندهم في الآية فتخرج المسالة من باب ان العبرة بعموم اللفظ وبخصوص السبب تعم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد بن زمعة هو لك يا عبد وللعاهر الحجر فهذا التركيب يقتضي انه ألحقه به على حكم السبب فيلزم ان يكون مرادا من قوله للفراش فلينتبه لهذا البحث فإنه نفيس جدا ولا يقال ان الكلام إنما هو حيث تحقق دخوله في اللفظ العام وضعا لأنا نقول قد يتوهم ان كون اللفظ جوابا للسؤال يقتضي دخوله فأردنا أن ننبه على أن الأمر ليس كذلك والجواب إنما يقتضي بيان الحكم وانما أردنا ان دعوى من ادعى انه دلالة العموم على سببه قطعية يمكن المنازعة فيها النزاع في دخوله تحت اللفظ العام وضعا لا مطلقا والمقطوع به انه لا بد فيه من بيان حكم السبب إما كونه يقطع بدخوله فى ذلك أو بخروجه عنه فلا يدل على تعيين واحد من الأمرين وتختم المسألة بعد ذكر هذا البحث النفيس بمثلين.

فأحدهما: أن جميع ما تقدم في السبب وبقية الأفراد التي دل اللفظ العام بلا وضع عليها وبين ذينك الشيئين رتبة متوسطة فنقول قد تنزل الآيات على الأسباب الخاصة وتوضع كل واحدة منها مع ما يناسبها من الأي رعاية لنظم القرآن وحسن اتساقه فلذلك الذي وضعت معه الآية النازلة على سبب خاص للمناسبة إذا كان مسوقا لما نزل في معنى يدخل تحت ذلك اللفظ العام او كان من جملة الأفراد الداخلة وضعا تحت اللفظ العام فدلالة اللفظ عليه يحتمل ان يقال انه كالسبب فلا يخرج ويكون من الآية قطعا ويحتمل ان يقال انه لا ينتهي في القوة الى ذلك لأنه قد يراد غيره وتكون المناسبة لشبهيته به والحق ان ذلك رتبة متوسطة دون السبب وفوق العموم المجرد ومثال ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} 1 فإن مناسبتها للآية التي قبلها وهي قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} 2 إن

1 سورة النساء آية 58.

2 سورة النساء آية 51.

ص: 189

ذلك إشارة الى كعب بن الأشرف كان قدم الى مكة وشاهد قتلى بدر وحرض الكفار على الأخذ بثأرهم وغزو النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه من أهدى سبيلا النبي صلى الله عليه وسلم أم هم فقال انتم كذبا منه وضلالة لعنه الله فتلك الآية في حقه وحق من يشاركه في تلك المقالة وهم أهل كتاب يجدون عندهم في كتابهم نعت النبي صلى الله عليه وسلم وصفته وقد أخذت عليهم المواثيق ان لا يكتموا ذلك وإن ينصروه كان ذلك أمانة لازمة لهم فلم يؤدوها وخانوا فيها وذلك مناسب لقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} .

ولا يرد على هذا ان قصة كعب بن الأشرف كانت عقب بدر ونزول ان الله يأمركم في الفتح او قريبا منه وبينهما نحو ست سنين لأن اتحاد الزمن إنما يشترط في سبب النزول ولا يشترط في المناسبة لأن المقصود منها وضع الآية موضع يناسبها.

والآيات كانت تنزل على أسبابها ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في المواضع التي يعلم من الله مواضعها وثانيها سؤال عظيم أورده والدي احسن الله إليه في تفسيره في آية الظهار وهو قوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} .

الآية وتقريره يتوقف على اعراب الآية فنقول الذين مبتدأ وخبره فتحرير أو فكفارتهم تحرير وجاز حذف ذلك لدلالة الكلام عليه وجاز دخول الفاء في الخبر لتضمين المبتدأ معنى الشرط وتضمين الخبر معنى الجزاء.

فإذا أريد التنصيص على ان الخبر مستحق بالصلة دخلت الفاء حتما للدلالة على ذلك فإذا لم تدخل احتمل ان يكون مستحقا به او بغيره كما لو قيل الذين يظاهرون عليهم تحرير رقبة وان كنا نقول ان ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية ولكن ليس بنص ودخول الفاء نص وهذا المواضع المتفق عليه جواز دخول الفاء لعموم الموصول فلو أريد بالموصول خاص بحيث لا يكون فيه عموم.

فالصحيح عدم جواز دخول الفاء وكذلك لو وصل بماض لم يجز دخول الفاء على الصحيح إذا عرفت هذا فالآية على ذلك لا تشمل الا من وجد من الظهار بعد نزولها لأن معنى الشرط متقبل فلا يدخل فيه الماضي والنبي صلى

ص: 190

الله عليه وسلم قد أوجب الكفارة على أوس بن الصامت وذلك لا يشك فيه من جهة ما عرفت من كونه هو السبب الا ان هذا الإشكال يعتوره من جهة عدم شمول اللفظ على ما تقرره من قاعدة دخول الفاء ومن جهة أخرى وهي ان الحكم إنما يثبت من حين نزول الآية وأوس ظاهر قبل نزولها فكيف يعطف حكمها على ما سبق لا سيما إذا كان الحكم قبل نزولها انه طلاق كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال:"ما أراك الا قد حرمت عليه" فكيف يرتفع التحريم أو الطلاق بعد وقوعه.

وهذا الإشكال وارد في أية اللعان من الجهتين كما هو وارد هنا ووارد في آية السرقة وآية حد الزنا ونحوهما من الجهة الثانية لإثبات أحكامها لمن صدر منه السبب المتقدم على نزولها وان لم نجعل الفاء فيها داخلة في خبر المبتدأ هذا تقرير السؤال وهو قوي وأجاب عنه بما لا يقاومه فقال أما إثبات أحكام هذه الآية لمن وجد منه السبب قبل نزولها فنقول ان السرقة والزنا ونحوهما من الأفعال التي كانت معلومة التحريم عندهم وجوب الحد فيها لا يتوقف على العلم والفاعل لها قبل نزول الآية إذا كان هو السبب في نزولها في حكم المقارن لها لأنها نزلت مبنية لحكمه فلذلك يثبت حكمها فيه دون غيره ممن تقدمه واما دخول الفاء في الخبر فيستدعي العموم في كل من يتظاهر من امرأته مثلا وذلك ويشمل الحاضر والمستقبل وسبب النزول حاضرا وفي حكم الحاضر واما دلالة الفاء على الاختصاص بالمستقبل فقد يمنع واما كون الظهار كان طلاقا فلم يكن ذلك شرع واما قول النبي صلى الله عليه وسلم ما أراك الا قد حرمت عليه فلم يثبت وقال بعض الناس انه منسوخ بالآية فإن ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فالأمر كذلك ويكون من نسخ السنة بالكتاب1.

قال: وكذلك مذهب الراوي كحديث أبي هريرة في الولوغ وعمله لأنه ليس بدليل قيل خالف الدليل وإلا انقدحت روايته قلنا ربما ظنه دليلا ولم يكن.

1 راجع أسباب النزولللسيوطي ص 164ط التحرير تفسير ابن كثير 8/60وما بعدها طبعة الشعب.

ص: 191

البحث الثاني: فيما أن أعمل الراوي بخلاف العموم هل يكون ذلك تخصيصا للعموم وقد اختلفوا فيه الاكثرون منهم الإمام والآمدي الا انه لا يخصص وعزاه الإمام الى الشافعي قال لأنه قال ان حمل الراوي الخبر على أحد محمليه صرت إلى قوله وإلا فلا أصير إليه.

هذا كلام الإمام وهو صريح في ان صورة اختياره في المسألة التفصيل الذي ذكره ومنهم من يطلق القول في المسألة ويجعل هذا قولا مفصلا.

وذهبت الحنفية والحنابلة الى ان يكون مخصصا وفصل بعضهم فقال ان وجد ما يقتضي تخصيصه به لم يخصص بمذهب الراوي بل به ان اقتضى نظر الناظر فيه ذلك والأخص بمذهب الراوي وهو مذهب القاضي عبد الجبار وقال امام الحرمين إن علم من حاله أنه فعل ما يخالف الحديث نسيانا فلا ينبغي ان يكون فيه خلاف إذ لا يظن بعاقل انه يرجح فعله إذ ذاك ولو احتمل ان يكون فعله احتياطا كما لو روى ما يقتضي رفع الحرج عن الفعل فيما يظن به التحريم رأيناه متحرجا عنه غير ملابس له فالتعويل على الحديث ويحمل فعله على الورع والتعليق بالأفضل وإن لم يحتمل شيئا من ذلك لم يجز التعليق بالحديث قلت وعندي ان محل الخلاف مخصوص بالقسم الثالث إذ لا يتجه في القسمين الأولين.

وقد مثل المصنف تبعا للإمام هذه المسألة بما روى عن مسلم عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب ان يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب رواه البخاري ولفظه إذا شرب مع ان أبا هريرة كما روى قال يغسل ثلاثا فلا نأخذ بمذهبه لأن قول الصحابي ليس بدليل إذ نحن مفرعون على ان قوله غير حجة وهذا المثال على هذا الوجه غير مطابق لأن التخصيص فرع العموم وسبع مرات من أسماء الأعداد التي هي نصوص في مسمياتها لا عامة نعم قد يحسن ايراد ذلك مثالا إذا صدرت المسألة هكذا الراوي الصحابي إذا خالف الحديث وفعل ما يضاده فهل يعول على الحديث او على فعله نحو خبر أبي هريرة واما لما نحن فيه فلا يحسن إيراده مثلا ومثل له صفي الدين الهندي وكذا ابن برهان كما نقل القرافي عنه بمثال اقرب من هذا وهو ابن عباس رضي الله عنه روى من بدل دينه فاقتلوه وهذا عام في

ص: 192

الرجال والنساء وذهب هو الى ان المرتدة لا تقتل قلت وفي هذا المثال ايضا نظر وهو ان من الشرطية على رأي لا تدخل فيها النساء فلعل ابن عباس يختار ذلك الرأي.

على ان كل هذا عدول عن التحقيق والتمثيل بحديث أبي هريرة وعمله صحيح وانما جاء الفساد فيه من جهة تقريره على الوجه المتقدم وكان الإمام الناظر علاء الدين البابجي1 يقرره على الوجه الصحيح وهو ان الكلب من حيث انه مفرد معروف للعموم يشمل كلب الزرع وغيره وأبو هريرة يرى ان كلب الزرع لا يغسل منه الا ثلاثا وغيره يغسل فقد أخرج بعض أفراد الكلب.

هذا هو معنى التخصيص في الحديث وهذه فائدة حسنة لكن ما ادري من أين كان له ان أبا هريرة كان يغسل من كلب الزرع ثلاثا فإن المعروف اختلاف الرواية عن أبي هريرة في انه هل كان يرى ان الغسل من ولوغ الكلب سبع او ثلاث فروى الدارقطني بسنده الى عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة قال إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه ثم اغسله ثلاث مرات ثم قال الدارقطني يرويه غير عبد الملك عن عطاء عنه سبع مرات قلت فإن صح ان أبا هريرة كان يفصل بين كلب الزرع وغيره يكون في ذلك جمعا بين اختلاف الروايات فمن روى عنه السبع يكون كلامه في غير كلب الزرع ومن روى الثلاث يكون مراده كلب الزرع.

واحتج من جعل مذهب الراوي مخصصا بأنه إنما خالف لدليل لأنه لو خالف لا لدليل لفسق فلا تقبل روايته وإذا كانت مخالفته مشاره الى دليل تحتم اتباعه والجواب انه ربما خالف لشيء ظن في نفسه بما اداه اليه نظره كونه دليلا ولم يكن كذلك في نفس الامر فلا يلزم القدح في روايته لأنه لم يقدح الا على حسب تأدية اجتهاده ولا الاتباع لعدم صحة المظنون بل ولو احتمل ان ما ظنه حق في نفسه فليس لنا الانقياد له بمجرد التقليد ما لم يتضح لنا وجه الحق في ذلك والفرض ان الذي يتضح لنا خلاف ما عمله لقيام الدليل الذي رواه معارضا بحق لما رآه.

1 تقدمت ترجمته في الجزء الأول من هذا الكتاب.

ص: 193