المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب - الإبهاج في شرح المنهاج - ط العلمية - جـ ٢

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌المسألة الثانية في تعريف الطلب

- ‌الفصل الثاني: في صيغة أفعل

- ‌المسألة الأولى في معاني صيغة أفعل

- ‌المسألة الثانية: صيغة أفعل حقيقة في الوجوب

- ‌المسألة الثالثة مدلول الأمر بعد التحريم

- ‌المسألة الرابعة: الأمر المطلق لا يفيد التكرار ولا يدفعه

- ‌المسألة الخامسة الأمر المغلق بشرط أو صفة هل يفيد التكرار

- ‌المسألة السادسة: الأمر الطلق هل يفيد الفور

- ‌الفصل الثالث في النواهي

- ‌المسألة الأولى: النهي يقتضي التحريم

- ‌المسألة الثانية: النهي يدل على الفساد

- ‌المسألة الثالثة: مقتضى النهي فعل الضد

- ‌المسألة الرابعة: أقسام النهي

- ‌الباب الثالث في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌تعريف العام

- ‌المسألة الأولى: الفرق بين العام وما يشاركه في الجنس

- ‌المسألة الثانية: في أقسام العام

- ‌المسألة الثالثة: في الجمع المنكر لا يقتضي العموم

- ‌المسألة الرابعة: نفي المساواة بين الشئين هل هو عام

- ‌الفصل الثاني في الخصوص

- ‌المسألة الأولى: في تعريف التخصيص والفرق بينه وبين النسخ

- ‌المسألة الثانية: الذي يقبل التخصيص

- ‌المسألة الثالثة: في غاية التخصيص

- ‌المسألة الرابعة: العام بعد التخصيص هل هو حقيقة أم مجاز

- ‌المسألة الخامسة: المخصص بمعين حجة

- ‌المسألة السادسة: يستدل بالعام مالم يظهر المخصص

- ‌الفصل الثالث: في المخصص، وهو متصل ومنفصل

- ‌الأول: الإستثناء

- ‌المسألة الأولى: في شروطه

- ‌المسألة الثانية: الإستثناء من الإثبات نفي وبالعكس

- ‌المسألة الثالثة: في حكم الاستثناءات المتعددة

- ‌المسألة الرابعة: الاستثناء بعد الجمل

- ‌ الثاني: الشرط

- ‌المسألة الأولى: متى يوجد المشروط

- ‌المسألة الثانية: العطف على الشرط أو على المشروط

- ‌ الثالث الصفة

- ‌ الرابع الغاية

- ‌المخصص المنفصل وهو ثلاثة

- ‌الأول: اللعقل

- ‌ الثاني الحس

- ‌الثالث: الدليل السمعي

- ‌المسألة الأولى: تعارض العام والخاص

- ‌المسألة الثانية: ما يخصص القرآن الكريم

- ‌المسألة الثالثة: التخصيص بخبر الواحد

- ‌المسألة الرابعة: تخصيص المنطوق بالمفهوم

- ‌المسألة الخامسة: التخصيص بالعادة

- ‌المسألة السادسة: خصوص السبب لا يخص

- ‌المسألة السابعة: أفراد فرد لا يخصص

- ‌المسألة الثامنة: عطف الخاص لا يخصص

- ‌المسألة التاسعة: عود ضمير خاص لا يخصص

- ‌تذنيب حكم المطلق مع المقيد

- ‌الباب الرابع في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول: في المجمل

- ‌الأولى: اللفظ إما أن يكون مجملا بين حقائقه

- ‌ الثانية: قالت الحنفية وامسحوا برؤوسكم مجمل

- ‌ الثالثة: قيل آية السرقة مجملة

- ‌الفصل الثاني: في المبين

- ‌تعريف المبين

- ‌المسألة الأولى: المبين يكون قولا وفعلا

- ‌المسألة الثانية: جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب

- ‌ تنبيه يجوز تأخير التبليغ الى وقت الحاجة

- ‌الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخخ

- ‌الفصل الأول: في تعريف النسخ وفيه مسائل

- ‌المسألة الأولى في وقوع النسخ

- ‌المسألة الثانية: يجوز نسخ بعض القرآن ببعض

- ‌المسٍألة الثالثة: يجوز نسخ الوجوب قبل العمل

- ‌المسألة الرابعة: يجوز النسخ بغير بدل أو ببدل أثقل منه

- ‌المسألة الخامسة: نسخ الحكم دون التلاوة وبالعكس

- ‌المسألة السادسة: نسخ الخبر المستسقبل

- ‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ وفيه مسائل

- ‌المسألة الأولى نسخ الكتاب بالسنة وبالعكس

- ‌المسألة الثانية: لاينسخ المتواتر بالآحاد

- ‌المسألة الثالثة: الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به

- ‌المسألة الرابعة: نسنخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى

- ‌الكتاب الثاني في السنة

- ‌الباب الأول في أفعاله صلى الله عليه وسلم وفيه مسائل

- ‌المسألة الأولي في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌المسألة الثانية: فعله المجرد يدل على الإباحة

- ‌المسألة الثالثة: جهة فعله تعلم إما بتنصيصه أو تسويته بما علم من جهته

- ‌المسألة الرابعة: الفعلان لا يتعارضان

- ‌المسألة الخامسة: إنه عليه السلام قبل النبوة تعبد بشرع وقيل لا

- ‌الباب الثاني في الأخبار

- ‌الفصل الأول فيما علم صدقه

- ‌الفصل الثاني فيما علم كذبه

- ‌الفصل الثالث فيما ظن صدقه

- ‌الباب الثالث في شرائظ العمل بالخبر

- ‌الكتاب الثالث في الإجماع

- ‌الباب الأول في بيان حجيته

- ‌المسألة الأولى: ذهب بعضهم إلى استحالته

- ‌المسألة الثانية: حجية الإجماع والدليل على ذلك

- ‌المسألة الثالثة: إجماع أهل المدينة والخلاف فيه

- ‌المسألة الرابعة: إجماع العترة

- ‌المسألة الخامسة: إجماع الخلفاء الأربعة

- ‌المسألة السادسة: مايثبت به الإجماع وما لا يثبت

-

- ‌تعريف الإجماع

- ‌الباب الثاني في أنواع الإجماع

- ‌المسألة الأولى إذا اختلفوا على قولين فهل لمن بعدهم إحداث ثالث

- ‌المسألة الثانية: إذا لم يفصلوا بين مسألتين فهل لمن بعدهم الفصل

- ‌المسألة الثالثة: يجوز الاتفاق على الحكم بعد الاختلاف

- ‌المسألة الرابعة: الاتفاق على قولين من اثنين إجمماع

- ‌المسألة الخامسة: إذا اختلفوا فماتت إحدى الطائفتين يصير قول الباقين حجة

- ‌الإجماع السكوتي والمذاهب فيه

- ‌الباب الثالث في شرائطه

- ‌المسألة الأولى: لابد فيه من قول كل عالمي ذلك الفن

- ‌المسألة الثانية: لابد للإجماع من سند

- ‌المسألة الثالثة: لا يشترط انقراض المجمعين

- ‌المسألة الرابعة: لايشترط التواتر في نقل الإجماع

- ‌المسألة الخامسة: إذا عارض الإجماع نص أول القابل له

الفصل: ‌المسألة الثانية: جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب

لأن فيه المشاهدة واستفادة وقوعها على جهة معينة من واجب أو ندب وغيرهما بالقول أقوى وأوضح من الفعل لصراحته.

ص: 215

‌المسألة الثانية: جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب

قال الثانية لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة لأنه تكليف بما لا يطاق ويجوز عن وقت الخطاب ومنعت المعتزلة وجوز البصري ومنا القفال والدقاق وأبو اسحاق بالبيان الإجمالي فيما عدا المشترك.

هذه المسألة تشتمل على بحثين الأول في تأخير البيان عن وقت الحاجة والثاني في تأخير وقت الخطاب.

أما الأول فاعلم لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الحاجة عن وقت الحاجة أي الوقت الذي قام الدليل على إيقاع العمل بالمجمل فيه على التضييق من غير فسحة في التأخير لأن الإتيان بالشيء مع عدم العلم به ممتنع والتكليف بذلك تكليف بما لا يطاق وقد نقل القاضي في مختصر التقريب إجماع أرباب الشرائع على ذلك ولقائل ان يقول التكليف بالمحال جائز عند المصنف فكان ينبغي ان يفعل الإمام فيقول إنا منعنا التكليف بما لا يطاق فلا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة والإيجاد لكن لا يقع لأن التكليف بالمحال غير واقع واخصر من هذا أن يقول لا يقع تأخير للبيان عن وقت الحاجة.

وأما الثاني: وهو تأخيره عن وقت الخطاب الى وقت الحاجة فيقدم عليه أن الخطاب المحتاج الى البيان ضربان.

أحدهما: ما له ظاهر وقد استعمل في خلافه كتأخير بيان التخصيص وتأخير بيان النسخ وتأخير بيان الأسماء الشرعية إذا استعملت في المسميات الشرعية كالصلاة إذا أريد بها الدعاء ونحو ذلك بيان اسم النكرة إذا أريد بها شيء معين.

والثاني: ما لا ظاهر له كالأسماء المتواطئة والمشتركة إذا عرفت هذا فنقول في جواز تأخيره عن وقت الخطاب مذاهب.

أحدهما: يجوز في جميع هذه الأقسام واليه ذهب اكثر أصحابنا وجماعة من أصحاب أبي حنيفة ونقله القاضي في مختصر التقريب عن الشافعي نفسه واختاره الإمام وأتباعه وابن الحاجب.

ص: 215

والثاني: وإليه ذهب اكثر متقدمي المعتزلة انه لا يجوز الا في النسخ فإنهم جوزوا تأخير بيانه كذا استثناه الإمام وهو مأخوذ من الغزالي فإنه ادعى الاتفاق على انه يجوز تأخير بيان النسخ قال بل يجب تأخيره لا سيما عند المعتزلة فإن النسخ عندهم بيان لوقت العبادة ويجوز ان يرد لفظ يدل على تكرر الأفعال على الدوام ثم ينسخ ويقطع الحكم بعد حصول الاعتقاد بلزوم الفعل على الدوام لكن بشرط ان لا يرد نسخ وما ادعاه الغزالي ادعاه ابن برهان في الوجيز أيضا.

وهذا الكلام من الغزالي مأخوذ من امام الحرمين فإنه قال ناقضت المعتزلة أصولهم إذ النسخ عندهم بيان مدة التكليف ولم يكن هذا البيان مقترنا بمورد الخطاب الأول قال وليس لهم عن هذا جواب والقاضي في مختصر التقريب ذكر ذلك ايضا فقال ومما إستدل به أصحابنا ان قالوا النسخ تخصيص في الزمان والتخصيص في الأعيان ثم يجوز ان ترد اللفظة مغلقة في الأزمان والمراد بعضها فإن لم يبعد ذلك في الأزمان لم يبعد في الأعيان قال القاضي ولا يستقيم هنا الاستدلال بذلك فإن النسخ ليس بتخصيص في الأزمان عند معظم المحققين من أصحابي وإنما هو رفع والمصنف أهمل إستثناء النسخ وكذا الشيخ أبو اسحاق في شرح اللمع وابن برهان في الوجيز والغزالي الا انه نقل الاتفاق على النسخ بعد ذلك.

كما عرفت ولعل من أطلق القول ترك الاستثناء اكتفاء بالعلم بالاتفاق على النسخ وانه خارج عن صور النزاع الا ان كلام جماعة يقتضي ان النزاع في النسخ موجود والذي يظهر من جهة النقل ان النزاع فيه موجود ولكن ليس من القائلين بامتناع تأخير البيان كلهم من بعضهم:

والثالث: أن المجمل ان لم يكن له ظاهر كالمشترك قال الإمام والأسماء المتواطئة جاز تأخير بيانه لأنه لا يلزم محذور من تأخيره وان كان له ظاهر جاز تأخير البيان التفصيلي دون الإجمالي فانه يشترط وجوده عند الخطاب حتى يكون مانعا من الوقوع في الخطأ فنقول مثلا المراد من هذا العام هو الخاص أو بالمطلق المقيد أو بالنكرة المعين.

قال الإمام والآمدي ان هذا الحكم ينسخ وهذا يدل على ان النسخ من

ص: 216

محل الخلاف وأما البيان التفصيلي وهو تشخيص بكذا مثلا فليس بشرط وقد نقل المصنف تبعا للإمام هذا المذهب عن أبي الحسين البصري من المعتزلة والدقاق والقفال وأبي اسحاق فأما أبو الحسين فالنقل عنه صحيح وأما الدقاق فقد نقل عنه الأستاذ أبو اسحاق في أصوله موافقة المعتزلة وأما القفال فالظاهر أن المراد الشاشي وفي النقل عنه نظر فقد نقل عنه القاضي في مختصر التقريب والشيخ أبو اسحاق في شرح اللمع وغيرهما موافقة سائر الأصحاب على المذاهب المختار وأما أبو اسحاق فإن كان هو المروزي كما صرح به الإمام ففي النقل نظر إذ نقل عنه القاضي في مختصر التقريب والشيخ أبو اسحاق والغزالي والآمدي القول بمذهب المعتزلة وان كان مراد المصنف الشرازي فالنقل أيضا ليس بجيد لأنه قد صرح في شرح اللمع الجواز مطلقا وكذلك الأستاذ لا يصح ان يكون هو المراد لتصريحه في كتابه بموافقة الأصحاب وقد اقتصر في الكتاب تبعا للإمام على حكاية هذه المذاهب.

والرابع: أنه يجوز تأخير بيان المجمل دون غيره كتخصيص العموم.

والخامس: يجوز التأخير في الأمر وكذا النهي كما قاله القاضي في مختصر التقريب والشيخ أبو اسحاق والإمام أو الظفر بن السمعاني وغيرهم ولا يجوز في الخبر قال ابن السمعاني قال الماوردي ولم يقل بهذا القول أحد من أصحاب الشافعي.

والسادس: عكسه يجوز في الخبر ولا يجوز في الامر والنهي حكاه الشيخ أبو اسحاق.

والسابع: واليه ذهب الجبائي ونقله الآمدي عن عبد الجبار يجوز تأخير بيان النسخ دون غيره وبحكاية هذا المذهب يعلم ان النسخ من محل الخلاف وابن برهان حكى عن عبد الجبار تجويز تأخير التخصيص دون المجمل والقرافي قال قد يجمع بين هذا وبين من نقل الاتفاق ان لا نفاق إنما هو على جواز تأخير البيان التفصيلي والخلاف في الإجمال قال وكذلك حكاه صاحب العمد في المعتمد.

فائدتان: إحداهما: قال الأستاذ في كتابه هذه العبارة مزيفة يعنى تأخير البيان

ص: 217

إلى وقت الحاجة قيل وهي لائقة بمذهب المعتزلة دون مذهبنا لأن عندهم المؤمنون بهم حاجة الى التكليف نحو العبادات لينالوا بها الدرجات الرفيعة ويستحقونها على طريق المعارضة وعندنا للباري تعالى ينزل المؤمنين الجنة فضلا ويدخل الكافرين النار.

عدلا فالعبادة الصحيحة على مذهبنا ان نقول تأخير البيان عن وقت وجوب الفعل بالخطاب والى وقت وجوب الفعل.

الثانية: نقل الجماهير عن أبي بكر الصيرفي موافقة المعتزلة على المنع من تأخير البيان مطلقا قال الأستاذ في كتابه وهذا مذهب كان يذهب إليه الصيرفي قديما فنزل به أبو الحسن الأشعري ضيفا فناظره في هذا واستنزله عن هذه المقالة ورجع الى مذهب الشافعي وسائر المتسننة.

قلنا لنا مطلقا قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} قيل البيان التفصيلي قلنا تقييد بلا دليل وخصوصا ان المراد من قوله: {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} معينة بدليل: {مَا هِيَ} {مَا لَوْنُهَا} والبيان تأخير قيل يوجب التأخير عن وقت الحاجة قلنا الأمر لا يوجب الفور قيل لو كانت معينة لما عنفهم قلنا للتواني بعد البيان وأنه تعالى انزل: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} فنقض ابن الزبعري بالملائكة والمسيح فنزل: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ} الآية قبل ما لا تتناولهم وان سلم لكن خصوا بالفعل واجيب بقوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} وأن عدم رضاهم لا يعرف الا بالنقل.

احتج على المذهب المختار بأدلة ثلاثة أولها مطلق أي يدل على جواز التأخير مطلقا والآخران مقيدان احدهما يدل على جواز التأخير في صورة النكرة والآخر في صورة العام الدليل الأول الدال على جواز التأخير مطلقا قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 1 وثم في اللغة للتراخي أي والله أعلم علينا بيانه بعد القراءة وقوله مطلقا عبارة ركيكة وليس المراد حقيقة المطلق بل انه عام يتطلق على الصور ولو قال يدل مطلقا عموما لكان احسن لا سيما وقد قال بعد ذلك خصوصا.

1 سورة القيامة 18- 19.

ص: 218

واعترض أبو الحسين ومن وافقه بأن المراد البيان التفصيلي دون الإجمالي وأجاب المصنف بأن هذا تقييد بلا دليل ولقائل ان يقول قوله بيانه مفرد مضاف فيعم البيانين الإجمالي والتفصيلي وحينئذ فليس القول بان المراد البيان التفصيلي تقييدا بلا دليل بل تقييدا على خلاف الدليل وفرق بين كون الشيء على خلافه وبين كونه بلا دليل أي لم يدل عليه دليل وهذا الجواب احسن من جواب المصنف وبه يظهر ضعف قوله الآمدي البيان يراد به الإظهار لغة تقول تبين الحق وتبين الكوكب معنى الآية ان علينا بيانه للخلق وإظهاره فيهم واشتهاره في الآفاق فلا يكون فيها حجة على صورة النزاع لأنا نقول البيان من حيث تعميمه بالإضافة كل ما يصدق عليه انه بيان قوله وخصوصا هذا معطوف على قوله مطلقا.

وقد قلنا انه يظهر به ان مراده بالمطلق العام لأن الخصوص إنما يقابله العموم ولو أراد الاطلاق لقال وتقييدا وهذا الدليل هو الثاني المختص بالنكرة اعني الدال على جواز تأخير البيان في النكرة وتقريره ان شاء الله تعالى أمر بني إسرائيل بذبح بقرة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وأراد معينة بدليل سؤالهم عن صفتها ولونها في قوله: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} الى آخر الآيات ثم لم يبينها لهم حتى سألوا هذه السؤالات فدل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب.

واعترض الخصم على هذا الاستدلال بوجهين.

أحدهما: أن بني إسرائيل أمروا بالذبح وقت الخطاب فكانوا محتاجين الى البيان في ذلك الوقت فتأخيره عن ذلك الوقت تأخير عن وقت الحاجة وهو ممتنع.

قال الخصم فحاصل الأمر انك لم تفعل بما تقتضيه الآية بل بما لا تقتضيه أجاب بأن الأمر لا يوجب الفور كما سبق فإن قلت هذا الجواب مبني على ان الأمر لا يقتضي الفور فلا يعم المذاهب بل يختص بمن يرى رأي المصنف ثم ان الامر بذلك إنما وقع للفصل بين الخصمين اللذين تنازعا في القتل والفصل واجب على الفور.

ص: 219

قلت أجاب القرافي بأن الآية إذا دلت على جواز التأخير عن وقت الخطاب دلت على جواز التأخير عن وقت الخطاب لأن كل من قال بجواز الأول قال بجواز الثاني من غير عكس.

ولأنه إذا ثبت في الأول ثبت في الثاني بطريق أولى وأما قول القرافي هنا انا لم نقل بما تقتضيه الآية بل قلنا به وهذا الصحيح من مذهبنا بناء على تجويز بما لا يطاق فضعيف لأنه عندنا غير واقع الكلام إنما هو في هذا الواقع.

والثاني: إنما ذكرتم وان دل على ان البقرة كانت معينة لكن عندنا ما يدل على أنها لم تكن معينة وبسببه يمنع كونها معينة وهو أنها لو كانت معينة لما عنفهم على السؤال عنها لكنه عنفهم بقوله فذبحوها وما كادوا يفعلون ومما يدل على أنها لم تكن معينة ما سلف من كلام ابن عباس وهو قوله شددوا فشدد الله عليهم.

وأجاب المصنف بأنا لا نسلم انه عنفهم على السؤال وإنما عنفهم على التواني أي التقصير بعد البيان هذا هو الأقرب.

واحتمال كون التعنيف على السؤال بعيد لأنه لو وجب المعينة بعد إيجاب خلافه لكان نسخا قبل الفعل وهو لا يجوز عند الخصم.

قوله: {وَأَنَّهُ تَعَالَى} هو معطوف على قوله وخصوصا ان المراد تقديره ولنا خصوصا في النكرة كذا وفي جواز تأخير بيان التخصيص انه تعالى انزل وتقريره إن الله تعالى لما أنزل قوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} قال عبد الله الزبعري1 قد عبدت الملائكة وعبد عيسى وليس هؤلاء من حصب جهنم فتأخر بيان ذلك حتى نزل.

قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} 2فإن

1 هو أبو سعيد عبد الله بن الزبعري بن قيس السهمي القرشي شاعر قريش في الجاهلية. كان شديدا على المسلمين إلى أن فتحت مكة فهرب إلى نجران. فقال فيه حسان بن ثابت أبياتا. فلما بلغته عاد إلى مكة وأسلم توفي نحو سنة 15هـ الأغاني 1/14، الأعلام 2/556.

2 سورة الانبياء آية 101.

ص: 220

قيل لا نسلم ان قوله وما تعبدون مندرج فيها الملائكة والمسيح وبيانه من وجهين.

أحدهما: ان لفظة ما تتناولهم لكونها مخصصة بمن لا يعقل فلا يتوجه نقض ابن الزبعري ولا يحتاج الى تخصيص قل كيف يمكن والتخصيص فرع الشمول ويدل على ذلك ما رواه الأصوليون في كتبهم من قوله صلى الله عليه وسلم لابن الزبعري حين قال ما قال: "ما أجهلك بلغة قومك" أما علمت أن ما لمن لا يعقل ومن لمن يعقل.

والثاني: وهو المشار إليه بقوله في الكتاب ولو سلم انا سلمنا ان لفظة من تتناولهم لكن خص الملائكة والمسيح من هذه الآية بالعقل لا بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} وذلك التعذيب إنما يقع على جريمة وأي جريمة لهؤلاء بعبادة غيرهم إياهم وهذا الدليل العقلي كان حاضرا في عقولهم قبل نزول: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ} .

قلنا الجواب عن الأول انا لا نسلم ان صفة ما مختصة بغير العقلاء بل هي شاملة للجميع ويدل على ذلك إطلاقها على الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} .

وكذلك قوله: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} .

وقوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} وأنها تأتي بمعنى الذي لا اتفاقا وكلمة الذي تتناول العقلاء فكذلك صيغة ما والحديث المذكور من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن ما مختصة بمن لا يعقل" غير معروف لو ثبت لسمعنا واطعنا.

وعن الثاني إن العقل إنما يجعل ترك تعذيبهم إذا علم بالعقل ايضا أنهم غير راضين بالعبادة لأنهم ان رضوا بالعبادة لكان ذلك الرضا موجبا للسخط وعدم رضاهم إنما علم بالنقل وهذان الجوابان ضعيفان أما الأول فما وجهين.

أحدهما: ان المصنف قدم في باب العموم إن ما مختصة بما لا يعقل.

وثانيهما: ان ما في هذه الآيات مصدرية تقديره وخلق الذكر والأنثى والسماء وما بناها ولا أنتم عابدون عبادتي ذكره القرافي وأما قوله ترد بمعنى الذي فتتناول العقلاء كما يتناول الذي فساقط لأن الذي وضعت للقدر المشترك بين

ص: 221

العقلاء وغيرهم ولا نسلم أنها تقوم مقامها ان استعملت في غير العقلاء وما ذلك إلا أول النزاع.

واما الثاني فإنه غير مستقيم على مذهب من يقول عصمة ذوي العصمة ثابتة بالعقل وهم المعتزلة ولا على من يقول إنها ثابتة بالسمع لأنها قد اشتهرت وصار العقل يحيل عدمها وان كان الأصل في إحالة هذا العقل لذلك إنما هو السمع لأنا بالضرورة من العقول ندرك ان الملائكة وعيسى عليهم السلام غير راضين بعبادة هؤلاء إياهم.

فائدة ابن الزبعري بكسر الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة من تحت بعدها وقد تكسر ايضا بعدها عين مهملة ساكنة ثم راء مهملة مفتوحة كان من اشد الناس على الإسلام وأكثرهم أذى بلسانه فحشا وهجاء وبنفسه مكايدة وعنادا ثم اسلم عام الفتح وحسن إسلامه وهذا المذكور عنه مشهور في كتب التفسير والسير وروى الحاكم أبو عبد الله في المستدرك عن الحسن بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال لما نزلت: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} .

قال المشركون فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله.

قوله: {لوكان هؤلاء آلهة ما وردوها} 1.

قال فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} وهذا مسند صحيح لكن ليس فيه ذكر ابن الزبعري بخصوصه.

قال قيل تأخير البيان أعز قلنا كذلك ما يوجب الظنون الكاذبة قيل كالخطاب بلغة لا تفهم قلنا هذا غرضا إجماليا بخلاف الأول.

احتج أبو الحسن على اشتراط البيان الإجمالي فيما له ظاهر بأن العموم خطاب لنا في الحال اجماعا فالمخاطب إما أن لا يقصد إفهامنا في الحال وهو باطل لأنه إذا لم يقصد إفهامنا في الحال مع أن ظاهره يقتضي كونه خطابا لنا

1 سورة الأنبياء آية 99.

ص: 222

في الحال يكون قد أغوانا بأن نعتقد انه قصد إفهامنا في الحال فيكون قصد ان نجهل لأن من خاطب قوما بلغتهم فقد أغواهم بأن يعتقدوا فيه انه يعني ما يفهمونه منه فثبت بطلانه.

وإما ان يقصد وحينئذ فإما ان يريد ان نفهم ان المراد ظاهره فقد أراد منا الجهل وهو باطل أو غير مظاهره فقد أراد ما لا سبيل إليه وهو تكليف بالمحال وهذا التقرير على هذا الوجه هو الذي أورده الإمام وهو الصواب فاعتمده.

وأجاب المصنف بأنا لا نسلم ان ذلك ممتنع وقد ورد ما أوجب ظاهره الظنون الكاذبة فدل على الجواز أما وروده فكثير قال الله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 1 وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 2 وقال: {وَجَاءَ رَبُّكَ} فلو صح ما ذكرتم لزم ان يكون هذه الخطابات للإغواء لأنه أطلق وأراد خلاف الظاهر ومن ها هنا عميت بصائر الحشوية وصمموا على فساد عقد لو نشر الواحد منهم بالمباشر لم يكن ولم يرجع وهو معتقد لا يعود وباله الا عليه ولا يرجع نكاله الا إليه ولقائل ان يقول هذه الأشياء يحتويها براهين عقلية ترشد الى الصواب بخلاف تأخير البيان.

وأعلم أن ظاهر ايراد المصنف يفهم ان هذا الدليل الذي أجاب عنه دليل للمانع مطلقا وعلى ذلك قرره العبري والجار بردي وليس كذلك بل هو حجة أبي الحسين كما قلناه وبه صرح الإمام وكيف يتجه أن يكون حجة للمانع مطلقا والمشترك ليس فيه إيقاع في الجهل فإن نسبته عند عدم القرينة الى كل معانيه على السوية وقد تنبه الاسفرايني لهذا وذكر ما أوردناه واحتج من منع تأخير البيان عن وقت الخطاب مطلقا بأنه كالخطاب بلغة لا نفهم مثل خطابك العربي باللغة الزنجية والخطاب بلغة لا تفهم ممنوع.

والجامع بينهما كون كل واحد منهما لا يفيد المقصود حالة الخطاب.

وأجاب في الكتاب بالفرق وهو ان الخطاب بما لا يفهمه المخاطب لا يفيد

1 سورة الفتح آية 10.

2 سورة طه آية 5.

ص: 223