المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثالثة: التخصيص بخبر الواحد - الإبهاج في شرح المنهاج - ط العلمية - جـ ٢

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌المسألة الثانية في تعريف الطلب

- ‌الفصل الثاني: في صيغة أفعل

- ‌المسألة الأولى في معاني صيغة أفعل

- ‌المسألة الثانية: صيغة أفعل حقيقة في الوجوب

- ‌المسألة الثالثة مدلول الأمر بعد التحريم

- ‌المسألة الرابعة: الأمر المطلق لا يفيد التكرار ولا يدفعه

- ‌المسألة الخامسة الأمر المغلق بشرط أو صفة هل يفيد التكرار

- ‌المسألة السادسة: الأمر الطلق هل يفيد الفور

- ‌الفصل الثالث في النواهي

- ‌المسألة الأولى: النهي يقتضي التحريم

- ‌المسألة الثانية: النهي يدل على الفساد

- ‌المسألة الثالثة: مقتضى النهي فعل الضد

- ‌المسألة الرابعة: أقسام النهي

- ‌الباب الثالث في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌تعريف العام

- ‌المسألة الأولى: الفرق بين العام وما يشاركه في الجنس

- ‌المسألة الثانية: في أقسام العام

- ‌المسألة الثالثة: في الجمع المنكر لا يقتضي العموم

- ‌المسألة الرابعة: نفي المساواة بين الشئين هل هو عام

- ‌الفصل الثاني في الخصوص

- ‌المسألة الأولى: في تعريف التخصيص والفرق بينه وبين النسخ

- ‌المسألة الثانية: الذي يقبل التخصيص

- ‌المسألة الثالثة: في غاية التخصيص

- ‌المسألة الرابعة: العام بعد التخصيص هل هو حقيقة أم مجاز

- ‌المسألة الخامسة: المخصص بمعين حجة

- ‌المسألة السادسة: يستدل بالعام مالم يظهر المخصص

- ‌الفصل الثالث: في المخصص، وهو متصل ومنفصل

- ‌الأول: الإستثناء

- ‌المسألة الأولى: في شروطه

- ‌المسألة الثانية: الإستثناء من الإثبات نفي وبالعكس

- ‌المسألة الثالثة: في حكم الاستثناءات المتعددة

- ‌المسألة الرابعة: الاستثناء بعد الجمل

- ‌ الثاني: الشرط

- ‌المسألة الأولى: متى يوجد المشروط

- ‌المسألة الثانية: العطف على الشرط أو على المشروط

- ‌ الثالث الصفة

- ‌ الرابع الغاية

- ‌المخصص المنفصل وهو ثلاثة

- ‌الأول: اللعقل

- ‌ الثاني الحس

- ‌الثالث: الدليل السمعي

- ‌المسألة الأولى: تعارض العام والخاص

- ‌المسألة الثانية: ما يخصص القرآن الكريم

- ‌المسألة الثالثة: التخصيص بخبر الواحد

- ‌المسألة الرابعة: تخصيص المنطوق بالمفهوم

- ‌المسألة الخامسة: التخصيص بالعادة

- ‌المسألة السادسة: خصوص السبب لا يخص

- ‌المسألة السابعة: أفراد فرد لا يخصص

- ‌المسألة الثامنة: عطف الخاص لا يخصص

- ‌المسألة التاسعة: عود ضمير خاص لا يخصص

- ‌تذنيب حكم المطلق مع المقيد

- ‌الباب الرابع في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول: في المجمل

- ‌الأولى: اللفظ إما أن يكون مجملا بين حقائقه

- ‌ الثانية: قالت الحنفية وامسحوا برؤوسكم مجمل

- ‌ الثالثة: قيل آية السرقة مجملة

- ‌الفصل الثاني: في المبين

- ‌تعريف المبين

- ‌المسألة الأولى: المبين يكون قولا وفعلا

- ‌المسألة الثانية: جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب

- ‌ تنبيه يجوز تأخير التبليغ الى وقت الحاجة

- ‌الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخخ

- ‌الفصل الأول: في تعريف النسخ وفيه مسائل

- ‌المسألة الأولى في وقوع النسخ

- ‌المسألة الثانية: يجوز نسخ بعض القرآن ببعض

- ‌المسٍألة الثالثة: يجوز نسخ الوجوب قبل العمل

- ‌المسألة الرابعة: يجوز النسخ بغير بدل أو ببدل أثقل منه

- ‌المسألة الخامسة: نسخ الحكم دون التلاوة وبالعكس

- ‌المسألة السادسة: نسخ الخبر المستسقبل

- ‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ وفيه مسائل

- ‌المسألة الأولى نسخ الكتاب بالسنة وبالعكس

- ‌المسألة الثانية: لاينسخ المتواتر بالآحاد

- ‌المسألة الثالثة: الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به

- ‌المسألة الرابعة: نسنخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى

- ‌الكتاب الثاني في السنة

- ‌الباب الأول في أفعاله صلى الله عليه وسلم وفيه مسائل

- ‌المسألة الأولي في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌المسألة الثانية: فعله المجرد يدل على الإباحة

- ‌المسألة الثالثة: جهة فعله تعلم إما بتنصيصه أو تسويته بما علم من جهته

- ‌المسألة الرابعة: الفعلان لا يتعارضان

- ‌المسألة الخامسة: إنه عليه السلام قبل النبوة تعبد بشرع وقيل لا

- ‌الباب الثاني في الأخبار

- ‌الفصل الأول فيما علم صدقه

- ‌الفصل الثاني فيما علم كذبه

- ‌الفصل الثالث فيما ظن صدقه

- ‌الباب الثالث في شرائظ العمل بالخبر

- ‌الكتاب الثالث في الإجماع

- ‌الباب الأول في بيان حجيته

- ‌المسألة الأولى: ذهب بعضهم إلى استحالته

- ‌المسألة الثانية: حجية الإجماع والدليل على ذلك

- ‌المسألة الثالثة: إجماع أهل المدينة والخلاف فيه

- ‌المسألة الرابعة: إجماع العترة

- ‌المسألة الخامسة: إجماع الخلفاء الأربعة

- ‌المسألة السادسة: مايثبت به الإجماع وما لا يثبت

-

- ‌تعريف الإجماع

- ‌الباب الثاني في أنواع الإجماع

- ‌المسألة الأولى إذا اختلفوا على قولين فهل لمن بعدهم إحداث ثالث

- ‌المسألة الثانية: إذا لم يفصلوا بين مسألتين فهل لمن بعدهم الفصل

- ‌المسألة الثالثة: يجوز الاتفاق على الحكم بعد الاختلاف

- ‌المسألة الرابعة: الاتفاق على قولين من اثنين إجمماع

- ‌المسألة الخامسة: إذا اختلفوا فماتت إحدى الطائفتين يصير قول الباقين حجة

- ‌الإجماع السكوتي والمذاهب فيه

- ‌الباب الثالث في شرائطه

- ‌المسألة الأولى: لابد فيه من قول كل عالمي ذلك الفن

- ‌المسألة الثانية: لابد للإجماع من سند

- ‌المسألة الثالثة: لا يشترط انقراض المجمعين

- ‌المسألة الرابعة: لايشترط التواتر في نقل الإجماع

- ‌المسألة الخامسة: إذا عارض الإجماع نص أول القابل له

الفصل: ‌المسألة الثالثة: التخصيص بخبر الواحد

التخصيص إنما هو بالآية التي نسخت تلاوتها ويبقى حكمها وهي الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما كما سيأتي في النسخ ان شاء الله تعالى والمراد بالشيخ والشيخة الشيب والشيبة ثم أن رجمه صلى الله عليه وسلم المحصن ليس فعلا وإنما هو قول فإن عليه السلام قال اذهبوا به فارجموه فلا يصح مثالا للفعلية.

فرع: يجوز تخصيص السنة المتواترة بالكتاب وعن بعض فقهاء أصحابنا أنه لا يجوز البحث.

الثالث: يجوز تخصيص الكتاب بالإجماع وكذا السنة المتواترة يجوز تخصيصها بالإجماع قال الآمدي لا اعرف فيها خلافا واستدل في الكتاب او مثل بأن الإجماع خصص العبد من آية الجلد يعني قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1 لأنه قام على ان ينصف على العبد وإما عكس ذلك وهو تخصيص الإجماع بالكتاب والسنة المتواترة فلم يذكره كم الكتاب وهو غير جائز بالإجماع ولأن إجماعهم على الحكم العام مع سبق المخصص خطأ ولا يجوز الإجماع على الخطأ.

تنبيه: معنى قولنا تخصيص الكتاب بالإجماع أنهم يجمعون على تخصيص العام بدليل آخر فالمخصص سند الاجماع ثم يلزم من بعدهم متابعتهم وان جهلوا المخصص وليس معناه انهم خصوا العام بالاجماع لأن الكتاب والسنة المتواترة موجودان في عهده عليه السلام وانعقاد الاجماع بعد ذلك على خلافه خطأ فالذي جوزناه اجماع على التخصيص لا تخصيص بالإجماع والله اعلم.

1 سورة النور آية 4.

ص: 171

وأتباعه منهم المصنف وبه قال امام الحرمين وطوائف وتبعهم الآمدي قال إمام الحرمين ومن شك ان الصديق لو روى خبرا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في تخصيص عموم الكتاب لا بتدره الصحابة قاطبة بالقبول فليس على دراية من قاعدة الاخبار.

والثاني: المنع مطلقا ونقله ابن برهان في الوجيز عن طائفة من المتكلمين وشرذمة من الفقهاء.

والثالث: قال عيسى بن أبان إنه لا يجوز في العام الذي لم يخصص ويجوز فيما خصص لأن دلالته تضعف وشرط ان يكون الذي خصص به دليلا قطعيا.

والرابع: إن كان التخصيص بدليل منفصل جاز وإن يخص أو كان بمتصل فلا يجوز قاله أبو الحسن الكرخي وشبهته أن تخصيصه بمنفصل يصيره مجازا كما هو رأيه وإذا كان مجازا ضعف فيتسلط عليه التخصيص فمدار ابن ابان والكرخي على والضعف غير ان مدرك الكرخي في القوة الحقيقية والمجاز ومدرك الأخر القطع بالمجاز وعدم القطع وقوله والكرخي بمنفصل أي ومنع الكرخي فيما لم يخصص بمنفصل وقد اقتصر في الكتاب على الأربعة.

وفي المسألة مذهب خامس وهو الوقف في المحل الذي يتعارض فيه الخبر ومقتضى لفظ الكتاب وأجرى اللفظ العام من الكتاب في بقية مسمياته.

وذهب إليه القاضي كما نقله عن إمام الحرمين والغزالي والامام والآمدي نقل عنه ابن برهان في الوجهين أنهما يتعارضان ويتساقطان ويجب الرجوع إلى دليل آخر وهو عند التحقيق غير القول بالوقف وكلامه في مختصر التقريب محتمل لكل من النقلين إلا أنه لما نقله ابن برهان أقرب فانه قال إذا تقابلا يتعارضان القدر الذي يختلفان فيه ولا يتمسك بواحد منهما ويتمسك بالصفة العامة في بقية المسميات التي لم يتناولها الخبر الخاص فينزل الخبر مع العموم فيما يختلف فيه ظاهرهما منزلة خبرين مختلفي الظاهر نقلا مطلقين انتهى وحكى في مختصر التقريب مذهب سادسا وهو أنه يجوز التعبد بتخصيص العموم بخبر الواحد وعدمه عقلا لكن لم يدل على أحد القسمين وهذا أيضا قول بالوقف وهنا فوائد.

ص: 172

أحدها: ان هذا الخلاف الذي في تجوير تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد هل هو جار في تخصيص السنة المتواترة به الظاهر وهو الذي صرح به في الكتاب نعم والمصنف وإن كان منسوبا في ذلك الى التقرير عن الإمام وأصحابه وغيرهم من المتأخرين فهو آت بحق فقد سبقه بذلك القاضي رضي الله عنه فقال في مختصر التقريب القول في تخصيص الكتاب والسنة المقطوع بها بأخبار الآحاد اعلم وفقك الله ان هذا باب عظيم.

خلاف العلماء فيه ثم ساق المذاهب المذكورة.

الثانية: لعلك تقول قد سبق أن ابن أبان يرى أن العام المخصوص ليس بحجة فكيف الجمع بينه وبين ما ذكره هنا والجواب أن الجمع بينهما أنه لا يحتج بالعام المخصوص لكونه صار مجازا وليس بعض المحامل أولى من البعض بالعام المخصوص لكونه صار مجازا وليس بعض المحامل أولى من البعض فيصير مجملا عنده فإذا جاء مخصص بعد ذلك جزمنا بإخراج ما دل عليه بعد أن كنا لا نحكم عليه بشيء ويبقى الباقي على ما كان عليه لا يحتج به ولا يجزم لعدم إرادته فالمخصص مبني لكون ذلك الفرد غير مراد وساكت عن الباقي فلا منافاة بين الكلامين وهذا الجمع قرره والدي أحسن الله إليه ورأيت أنا بعد ذلك القاضي في مختصر التقريب قال بعد حكاية مذهب ابن أبان هذا مبني على أصل له قدمناه وهو أن العموم إذا خص بعضه صار مجملا في بقية المسميات لا يسوغ الاستدلال باللفظ المجمل في عموم ولا خصوص قبل ورود الخبر وبعده انتهى وهذا حسن نفيس.

الثالثة: قال القرافي المحدثون والنحاة على عدم صرف أبان قال ونقله ابن يعيش في شرح المفصل عن الجمهور وقال إنه بناء على أن وزنه أفعل واصله أبين صيغه مبالغة في الظهور الذي هو البيان والابانه فيقول هذا أبين من هذا أي أظهر منه وأوضح فلوحظ أصله مع العلمية التي فيها فلم يصرف.

قال: لنا أعمال الدليلين ولو من وجه أولى قيل قال عليه الصلاة والسلام: "إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه" قلنا منقوض بالمتواتر قيل الظن لا يعارض القطع قلنا العام مقطوع المتن مظنون الدلالة والخاص بالعكس فتعادلا قيل لو خصص لنسخ قلنا التخصيص أهون

ص: 173

احتج على الجواز مطلقا بأن فيه إعمالا للدليلين أما الخاص ففي جميع ما دل عليه وأما العام فمن وجه وهو الإفراد التي لم تخصص دون وجه وهو ما خصص ومنع التخصيص يفضي إلى إلغاء أحد الدليلين وهو الخاص وأعمال الدليلين ولو من وجه أولى من إلغاء أحدهما وقد سبق مثل هذا واحتج المانع مطلقا بثلاثة أوجه.

أحدها: ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا روى عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه" 1 وهذا الحديث مخصوص بالكتاب فلا يدل على السنة المتواترة كما هي طريقة المصنف وقد رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده موصولا من حديث أبي هريرة واللفظ أنه ستأتيكم عني أحاديث مختلفة فما أتاكم عني موافقا لكتاب الله وسنتي فليس مني وفي سنده مقال ورواه البيهقي في المدخل من طريق الشافعي رضي الله عنه عن طريق منقطعة وأجاب المصنف بأن هذا منقوض بالسنة المتواترة فإنها مخالفة ويجوز التخصيص بها اتفاقا كما سبق وقال الشافعي رضوان الله عليه ما هو أحسن من هذا الجواب وهو ما نصه وليس يخالف الحديث القرآن ولكنه مبين معنى ما أراد خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ثم يلزم الناس ما بين يفرضه الله عز وجل فمن قيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قيل قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} 2 انتهى.

الثاني: إن الكتاب مقطوع به وكذا السنة المتواترة والآحاد مظنونة والمقطوع أولى من المظنون.

1 قال الإمام الشافعي- رضي الله عنه: هذا الحديث رواه رجل مجهول وهو منقطع ولم يروه أحد يثبت حديثه الرسالة ص 224-225 بتحقيق الشيخ أحمد شاكر وفي عون المعبود 4/329: فأما مارواه بعضهم أنه قال: "إذا جاءكم الحديث فأعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه

فإنه حديث باطل لأصل له. وينقل العلامة الفتني في تذكرة الموضوعات ص28 عن الخطابي أنه قال: ضعفه الزنادقة. وقد عقد الإمام أبو محمد بن حزم لهذا المعنى فصلا نفيسا في كتابه الإحكام 2/86- 82 فراجعه هناك والله أعلم.

2 سورة الحشر آية 7.

ص: 174

احتج على الجواز مطلقا بأن فيه أعمالا للدليلين أما الخاص ففي جميع ما دل عليه وأما العام فمن وجه وهو الإفراد التي لم تخصص دون وجه وهو ما خصص ومنع التخصيص يفضي إلى إلغاء أحد الدليلين وهو الخاص وأعمال الدليلين ولو من وجه أولى من إلغاء أحدهما وقد سبق مثل هذا واحتج المانع مطلقا بثلاثة أوجه.

أحدها: ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا روى عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه" 1 وهذا الحديث مخصوص بالكتاب فلا يدل على السنة المتواترة كما هي طريقة المصنف وقد رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده موصولا من حديث أبي هريرة واللفظ أنه ستأتيكم عني أحاديث مختلفة فما أتاكم عني موافقا لكتاب الله وسنتي فليس مني وفي سنده مقال ورواه البيهقي في المدخل من طريق الشافعي رضي الله عنه عن طريق منقطعة وأجاب المصنف بأن هذا منقوض بالسنة المتواترة فإنها مخالفة ويجوز التخصيص بها اتفاقا كما سبق وقال الشافعي رضوان الله عليه ما هو أحسن من هذا الجواب وهو ما نصه وليس يخالف الحديث القرآن ولكنه مبين معنى ما أراد خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ثم يلزم الناس ما بين يفرضه الله عز وجل فمن قيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قيل قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} 2 انتهى.

الثاني: إن الكتاب مقطوع به وكذا السنة المتواترة والآحاد مظنونة والمقطوع أولى من المظنون.

1 قال الإمام الشافعي- رضي الله عنه: هذا الحديث رواه رجل مجهول وهو منقطع ولم يروه أحد يثبت حديثه الرسالة ص 224-225 بتحقيق الشيخ أحمد شاكر وفي عون المعبود 4/329: فأما مارواه بعضهم أنه قال: "إذا جاءكم الحديث فأعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه

فإنه حديث باطل لأصل له. وينقل العلامة الفتني في تذكرة الموضوعات ص28 عن الخطابي أنه قال: ضعفه الزنادقة. وقد عقد الإمام أبو محمد بن حزم لهذا المعنى فصلا نفيسا في كتابه الإحكام 2/86- 82 فراجعه هناك والله أعلم.

2 سورة الحشر آية 7.

ص: 174

وأجاب بأن العام الذي فيه الكلام وهو الكتاب والسنة المتواترة مقطوع في متنه إذ لا شك في كونه من القرآن إن كان من الكتاب ولا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ان كان من السنة المتواترة وأما الخاص فبالعكس متنه مظنون لأنه من رواية الآحاد فلا يقطع بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ودلالته مقطوع بها لأنه لا يحتمل إلا ما يعرض له فكل منهما مقطوع به من وجه مظنون من آخر فتساويا فان قلت إذا تعادلا فلا ينبغي ان يرجح احدهما على الآخر إذ هو حينئذ ترجيح من غير مرجح قلت يرجح الخاص بأن فيه أعمالا للدليلين وقد ضعف الأصفهاني شارح المحصول هذا الدليل بأن خبر الواحد يحتمل المجاز والنقل وغيرهما مما يمنع القطع غاية ما في الباب أنه لا يحتمل التخصيص وذلك لا ينفع نعم يمكن ان يدعي قوة دلالة الخاص على مدلوله فإنها أقوى من دلالة العام عليه.

الثالث: انه لو جاز تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد لجاز نسخهما به واللازم منتف بالاتفاق على أنه لا يجوز نسخ المتواترة بخبر الواحد وبيان الملازمة ان كل واحد منهما تخصيص لكن أحدهما وهو النسخ تخصيص في الأزمان والآخر تخصيص في الأعيان وأجاب بأن التخصيص أهون من النسخ لأن النسخ يرفع الحكم بالكلية بخلاف التخصيص ولا يلزم من تأثير الشيء في الأضعف ان يكون مؤثرا في الأقوى قلت وهذا الدليل وجوابه يمشيان على طريق المصنف فإنه قال لا ينسخ المتواترة بالآحاد وهي طريقة فيها كلام لأن جماعة ينفلوا الاتفاق على الجواز وجعلوا محل الخلاف في الوقوع وجماعة جزموا بالجواز من غير حكاية خلاف كالإمام وغيره كما ستعرف ذلك إن شاء الله في النسخ فالعجب ليس من المصنف لأنه مشى على طريقته وهي صحيحة سنبين ذلك في كتاب النسخ بل من الإمام حيث لم ينبه على ذلك إذ ذكر الدليل والجواب.

قال: وبالقياس ومنع أبو على وشرط ابن ابان التخصيص والكرخي بمنفصل وابن سريج الجلاء في القياس واعتبر حجة الإسلام ارجح الظنين وتوقف القاضي وإمام الحرمين.

ص: 175

المبحث الثاني في جواز تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بالقياس أي بقياس نص خاص كذا صرح الغزالي وقوله بالقياس معطوف على قوله بخبر الواحد أي يجوز تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد وبالقياس والخلاف في هذه المسألة على مذاهب.

أحدها: الجواز مطلقا وبه قال الأئمة الأربعة والشيخ أبو الحسن وأبو هاشم بعد أن كان يوافق وهو المختار في الكتاب.

والثاني: المنع مطلقا قال أبو علي الجبائي ونقله القاضي عن طائفة من المتكلمين منهم ابن مجاهد من أصحابنا.

والثالث: أن تطرق إليهما التخصيص بغير القياس جاز تخصيصهما به وإلا فلا قاله ابن أبان ونقله ابن برهان في الوجيز عن أصحاب أبي حنيفة.

والرابع: أن تطرق إليهما التخصيص بمنفصل جاز وإلا فلا قاله الكرخي.

والخامس: يجوز تخصيصهما بالقياس الجلي دون الخفي وهو رأي ابن سريع وجماعة من أصحابنا واختلف هؤلاء في تفسير الجلي والخفي فقيل الجلي قياس العلة والخفي قياس الشبه وقيل الجلي ما تتبادر علته إلى الفهم عن سماع الحكم نحو تعظيم الأبوين عند سماع قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} ونحو اندهاش العقل عقل عند تمام الفكر عند سماع قوله عليه السلام: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" 1 والخفي ما ليس كذلك وقيل الجلي ما ينقض قضاء القاضي بخلافه والخفي ما ليس كذلك.

والسادس: ان تفاوت العام والقياس في إفادة غلبية الظن رجحنا الأقوى وأن تساويا فالتوفيق وهو مذهب حجة الاسلام الغزالي واعترف الإمام في بناء المسألة بأنه حق واستحسنه القرافي وقال الأصفهاني انه حق واضح وكذلك قال الهندي في أثناء المسألة.

1 حديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري وأبو داود وابن ماجة من حديث أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لايقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان". كما رواه النسائي بلفظ: "لايقضين أحد في قضاء بقضاءين ولا يقضين أحد بين خصمين وهو غضبان".

الفتح الكبير 3/368.

ص: 176

والسابع: الوقف ذهب إليه القاضي وإمام الحرمين واقتصر المصنف على حكاية هذه المذاهب السبعة.

والثامن: قال الآمدي ان كانت العلة منصوصة او مجمعا عليها جاز التخصيص به وإلا فلا.

والتاسع: ان كان الأصل المقيس عليه مخرجا من عام جاز التخصيصي وإلا فلا وهنا الخلاف كله في القياس المستنبط من الكتاب او عمومها او عموم خبر الواحد بالنسبة الى خبر الواحد فعلى الخلاف ايضا واما بالنسبة الى عموم الكتاب فيرتب على جواز تخصيصه بخبر الواحد فمن لا يجوز ذلك لا يجوز تخصيصه بالقياس المستنبط منه بطريق الأولى واما من يجوز قال الهندي فيحتمل ان لا يجيز ذلك لزيادة الضعف ويحتمل أن يجوز ذلك كما في القياس المستنبط من الكتاب إذ قد يكون قياسه أكثر قوة من ذلك العموم بأن يكون قد قياسة أكثر قوة من ذلك العموم بأن يكون قد تطرق إليه تخصيصيات كثيرة ويحتمل ان يتوقف فيه لتعادلهما إذ قد يظهر له ذلك.

قال: لنا ما تقدم قيل القياس فرع فلا يقدم قلنا على اصله قيل مقدماته أكثر قلنا قد يكون بالعكس ومع هذا فاعمال الكل أحرى.

استدل على ما اختاره بأن فيه اعمالا للدليلين وأعمال الدليلين ولو من وجه أولى وهذا هو الذي تقدم وقد مضى تقريره قال الغزالي وهو فاسد لأن القدر وقع فيه التقاتل ليس فيه جمع بين الدليلين بل هو رفع للعموم وتجريد للعمل بالقياس وهذا حسن وهو مأخوذ من القاضي فإنه أجاب به عن هذه الشبه في مختصر التقريب قال والمقصود من ذلك ان القدر الذي تحقق اجتماع القياس واللفظ فيه توهم فيه قضية اللفظ والقدر الذي بقي من اللفظ لم يمانعه القياس فينزل اللفظ باقي المسميات في منزلة اللفظة الأخرى فبطل ادعائه استعمال الدليلين في محل الاجتماع في الدليلين واحتج الجبائي على المنع مطلقا بوجهين.

أحدهما: أن القياس فرع النص فلو خصصنا العموم به لقدمنا الفرع على

ص: 177

أصله لا على أصل آخر وإذا خصصنا العموم به لم نقدمه على أصله وإنما قدمناه على أصل آخر وهو بالنسبة الى الأصل الآخر ليس فرعا بل هو دليل مثله.

والثاني: ان مقدمات القياس اكثر من مقدمات النص لأنه فرعه وكل مقدمة توقف النص عليها من غير عكس لاختصاص القياس بتوقفه على مقدمات آخر وبيان ذلك ان جهة الضعف في العام المقطوع المتن منحصرة في أمرين:

أحدهما: احتمال التخصيص.

وثانيهما: احتمال التجوز وفي غيره الاحتمالان المذكوران مع احتمال كذب الناقل وأما في القياس فهذه الثلاثه أو الاثنان لأن الأصل في القياس لا بد وأن يكون نصا ورابع وهو احتمال ان لا يكون الحكم معللا بعلة أصلا وخامس وهو احتمال ان تكون العلة غير ما ظنه القائس عله لأنه ربما لم يستكمل أوصاف الاجتهاد وربما قصر في الاجتهاد عامدا او مخطأ وسادس وقد ذكره القاضي في مختصر التقريب انه وان كان ما ظنه علة فيحتمل ان يكون قد زل في طريقة قرب مخطىء في الطرق التي ثبتت بها العلل وسابع وهو انه وان لم يزل في الطريق فيحتمل ان لا تكون موجودة في الفرع مع انه ظن وجودها فيه وثامن وهو أنها وإن وجدت في الفرع لكن ربما لم توجد فيه شرط الحكم أو فقد صانع وإذا كان كذلك كان القياس اضعف من العام لا سيما من المقطوع متنه فلم يجز تقديمه عليه لامتناع العمل بالمرجوح مع معارضة الراجح وقال القاضي في مختصر التقريب فإن قالوا إن كلامنا في قياس يصح قلنا فلا يتصور في المجتهدات قياس يقطع بصحته ثم ان صورتم قياسا قاطعا فصوروا صيغة تقطع بعمومها هذا تقرير الوجه الثاني من الوجهين اللذين اعتصم بهما الجبائي وأجاب في الكتاب عن هذا الثاني بوجهين.

أحدهما: لا نسلم أن مقدمات القياس أكثر مطلقا بل يكون بالعكس أي يكون مقدمات العام اكثر من مقدمات القياس فإن فيه احتمال التجوز والنسخ وخطأ الراوي وغير ذلك والقياس لا يحتمل شيء من ذلك.

ص: 178

وثانيهما: إنا سلمنا ان مقدمات القياس اكثر مطلقا لكن في العمل فيهما عمل بالدليلين وهو أحرى أي أحوط وأولى كما سبق وقد عرفت ما فيه من النظر والحق ان الوجهين ضعيفان أما هذا فلما عرفت واما الذي قبله فلأن القياس لا بد وأن يستند إلى أصل وذلك الأصل ان لم يكن مقطوع المتن تطرقت إليه هذه الإحتمالات وينضم إليها ما يختص به القياس من المحتملات فيكون الاحتمال فيه اكثر وان كان مقطوع المتن فدلالته ظنية وهي تقبل القوة والضعف كالقياس وعند ذلك نقول الحق في الجواب ان يقال كميات المقدمات قد تعارض كيفياتها بمقدمات القياس وإن كانت كثيرة لكنها قد تكون أقوى من مقدمات العام القليلة التي للعام او أرجح ومن أمثلة ذلك أنه لا يخفى على ذي لب أن إلحاق النبيذ بالخمر بالقياس بعلة الإسكار اغلب على الظن من بقائه تحت قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} 1 وكذلك دلالة قياس الأرز على البر في الربا أقوى بالنسبة الى الدلالة المأخوذة من قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} 2 على جواز بيعه متفاضلا وإذا فهم هذا لاح وجه الحق مع الغزالي ووضح ان مذهبه هو المرتضى الذي نختاره فإذا قلت ما ذكره الغزالي من الأخذ بأرجح الظنين يلزمه في خبر الواحد مع العموم فإن المرجحات المتجهة هنا متجهة ثم من جهة غلبة المجاز على أحدهما وقلته في الآخر وكثرة الأفراد وقلتها ونحو ذلك قلت أجاب الأصفهاني شارح المحصول بأن ذلك لا يلزمه فإنه يرى ان خبر الواحد في دلالته على مورده الخاص كالنص او هو نص فيه ودلالة العموم على مورده الخاص ضعيفة لاحتمال الإجمال في صيغة العموم بسبب الاشتراك على رأي قدم ولا كذلك القياس مع العمومات فإن قلت الخلاف في اصل هذه المسألة من جنس الخلاف في القطعيات او المجتهدات قلت قال الغزالي يدل سياق كلام القاضي على ان القول في تقديم خبر الواحد على عموم الكتاب وفي تقديم القياس على العموم مما يجب القطع فيه بخطأ المخالف ما به من مسائل الأصول قال وعندي إلحاق هذا بالمجتهدات أولى فإن الأدلة فيه من الجوانب متفاوتة غير بالغة مبلغ القطع.

1 سورة الأنعام آية 145.

2 سورة البقرة آية 275.

ص: 179

‌المسألة الثالثة: التخصيص بخبر الواحد

قال الثالثة يجوز تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد ومنع قوم وابن أبان فيما لم يخصص بمقطوع والكرخي بمنفصل.

هذه المسألة في تخصيص المقطوع بالمظنون وفيها بحثان:

الأول: في جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد وفيه مذاهب.

أحدها: الجواز مطلقا وهو المنقول عن الأئمة الأربعة واختاره الإمام

ص: 171

وأتباعه منهم المصنف وبه قال امام الحرمين وطوائف وتبعهم الآمدي قال إمام الحرمين ومن شك ان الصديق لو روى خبرا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في تخصيص عموم الكتاب لا بتدره الصحابة قاطبة بالقبول فليس على دراية من قاعدة الاخبار.

والثاني: المنع مطلقا ونقله ابن برهان في الوجيز عن طائفة من المتكلمين وشرذمة من الفقهاء.

والثالث: قال عيسى بن أبان إنه لا يجوز في العام الذي لم يخصص ويجوز فيما خصص لأن دلالته تضعف وشرط ان يكون الذي خصص به دليلا قطعيا.

والرابع: إن كان التخصيص بدليل منفصل جاز وإن يخص أو كان بمتصل فلا يجوز قاله أبو الحسن الكرخي وشبهته أن تخصيصه بمنفصل يصيره مجازا كما هو رأيه وإذا كان مجازا ضعف فيتسلط عليه التخصيص فمدار ابن ابان والكرخي على والضعف غير ان مدرك الكرخي في القوة الحقيقية والمجاز ومدرك الأخر القطع بالمجاز وعدم القطع وقوله والكرخي بمنفصل أي ومنع الكرخي فيما لم يخصص بمنفصل وقد اقتصر في الكتاب على الأربعة.

وفي المسألة مذهب خامس وهو الوقف في المحل الذي يتعارض فيه الخبر ومقتضى لفظ الكتاب وأجرى اللفظ العام من الكتاب في بقية مسمياته.

وذهب إليه القاضي كما نقله عن إمام الحرمين والغزالي والامام والآمدي نقل عنه ابن برهان في الوجهين أنهما يتعارضان ويتساقطان ويجب الرجوع إلى دليل آخر وهو عند التحقيق غير القول بالوقف وكلامه في مختصر التقريب محتمل لكل من النقلين إلا أنه لما نقله ابن برهان أقرب فانه قال إذا تقابلا يتعارضان القدر الذي يختلفان فيه ولا يتمسك بواحد منهما ويتمسك بالصفة العامة في بقية المسميات التي لم يتناولها الخبر الخاص فينزل الخبر مع العموم فيما يختلف فيه ظاهرهما منزلة خبرين مختلفي الظاهر نقلا مطلقين انتهى وحكى في مختصر التقريب مذهب سادسا وهو أنه يجوز التعبد بتخصيص العموم بخبر الواحد وعدمه عقلا لكن لم يدل على أحد القسمين وهذا أيضا قول بالوقف وهنا فوائد.

ص: 172

أحدها: ان هذا الخلاف الذي في تجوير تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد هل هو جار في تخصيص السنة المتواترة به الظاهر وهو الذي صرح به في الكتاب نعم والمصنف وإن كان منسوبا في ذلك الى التقرير عن الإمام وأصحابه وغيرهم من المتأخرين فهو آت بحق فقد سبقه بذلك القاضي رضي الله عنه فقال في مختصر التقريب القول في تخصيص الكتاب والسنة المقطوع بها بأخبار الآحاد اعلم وفقك الله ان هذا باب عظيم.

خلاف العلماء فيه ثم ساق المذاهب المذكورة.

الثانية: لعلك تقول قد سبق أن ابن أبان يرى أن العام المخصوص ليس بحجة فكيف الجمع بينه وبين ما ذكره هنا والجواب أن الجمع بينهما أنه لا يحتج بالعام المخصوص لكونه صار مجازا وليس بعض المحامل أولى من البعض بالعام المخصوص لكونه صار مجازا وليس بعض المحامل أولى من البعض فيصير مجملا عنده فإذا جاء مخصص بعد ذلك جزمنا بإخراج ما دل عليه بعد أن كنا لا نحكم عليه بشيء ويبقى الباقي على ما كان عليه لا يحتج به ولا يجزم لعدم إرادته فالمخصص مبني لكون ذلك الفرد غير مراد وساكت عن الباقي فلا منافاة بين الكلامين وهذا الجمع قرره والدي أحسن الله إليه ورأيت أنا بعد ذلك القاضي في مختصر التقريب قال بعد حكاية مذهب ابن أبان هذا مبني على أصل له قدمناه وهو أن العموم إذا خص بعضه صار مجملا في بقية المسميات لا يسوغ الاستدلال باللفظ المجمل في عموم ولا خصوص قبل ورود الخبر وبعده انتهى وهذا حسن نفيس.

الثالثة: قال القرافي المحدثون والنحاة على عدم صرف أبان قال ونقله ابن يعيش في شرح المفصل عن الجمهور وقال إنه بناء على أن وزنه أفعل واصله أبين صيغه مبالغة في الظهور الذي هو البيان والابانه فيقول هذا أبين من هذا أي أظهر منه وأوضح فلوحظ أصله مع العلمية التي فيها فلم يصرف.

قال: لنا أعمال الدليلين ولو من وجه أولى قيل قال عليه الصلاة والسلام: "إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه" قلنا منقوض بالمتواتر قيل الظن لا يعارض القطع قلنا العام مقطوع المتن مظنون الدلالة والخاص بالعكس فتعادلا قيل لو خصص لنسخ قلنا التخصيص أهون

ص: 173