الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ
قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: لَا اعْتِبَارَ بِالِانْتِسَابِ إِلَى عُظَمَاءِ الدُّنْيَا وَالظَّلَمَةِ الْمُسْتَوْلِينَ عَلَى الرِّقَابِ وَإِنْ كَانَ النَّاسُ قَدْ يَتَفَاخَرُونَ بِهِمْ، وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ، لَا يُسَاعِدُهُ كَلَامُ النَّقَلَةِ. وَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي: لِلْعَجَمِ عُرْفٌ فِي الْكَفَاءَةِ، فَيُعْتَبَرُ عُرْفُهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الشَّامِلِ نَقَلَ قَوْلًا عَنْ كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ: أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي الدِّينِ وَحْدِهِ، وَالْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ.
فَصْلٌ
الْكَفَاءَةُ حَقُّ الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً مُسْتَوِينَ فِي دَرَجَةٍ. فَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ وَلَيُّهَا الْمُنْفَرِدُ بِرِضَاهَا، أَوْ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ بِرِضَاهَا وَرِضَى الْبَاقِينَ، صَحَّ النِّكَاحُ، فَالْكَفَاءَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ. وَإِذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ بِغَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا، لَمْ يَكُنْ لِلْأَبْعَدِ الِاعْتِرَاضُ. فَلَوْ كَانَ الَّذِي يَلِي أَمْرَهَا السُّلْطَانُ، فَهَلْ لَهُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ إِذَا طَلَبَتْهُ؟ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ، فَلَا يُتْرَكُ الْحَظُّ. وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ بِغَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَى الْبَاقِينَ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ، وَلَهُمُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ قَطْعًا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ قَطْعًا. وَإِنْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَكَانَتْ قَدْ أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ مُطْلَقًا، وَقُلْنَا: لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ، أَوْ زَوَّجَ الْأَبُ أَوِ الْجَدُّ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ أَوِ الْبَالِغَةَ بِغَيْرِ كُفْءٍ بِغَيْرِ إِذْنِهَا، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ عَدَمَ الْكَفَاءَةِ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا، فَصَحِيحٌ. وَإِذَا صَحَّحْنَا، فَلِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ إِنْ كَانَتْ بَالِغَةً، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ، تَخَيَّرَتْ. وَحَكَى الْإِمَامُ
وَجْهًا: أَنَّهَا لَا تَتَخَيَّرُ، وَعَلَيْهَا الرِّضَى بِعَقْدِ الْأَبِ. وَهَلْ لِلْوَلِيِّ الْخِيَارُ فِي صِغَرِهَا؟ وَجْهَانِ. وَرَوَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى لِلصَّغِيرِ مَعِيبًا. وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ خِيَارُ شَهْوَةٍ. وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْحَنَّاطِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَرَآهُ الْإِمَامُ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا جَهِلَ الْوَلِيُّ حَالَ الزَّوْجِ، فَإِنْ عَلِمَ، فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَطَرَدَهُ ابْنُ كَجٍّ وَآخَرُونَ فِي حَالَتَيِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَقَالُوا: لَيْسَ هُوَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِعِلْمِهِ.
فَرْعٌ
فِي «فَتَاوَى» الْبَغَوِيِّ: أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِنِكَاحٍ لِغَيْرِ كُفْءٍ، فَلَا اعْتِرَاضَ لِلْوَلِيِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْشَاءِ عَقْدٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: مَا رَضِيَتْ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ، لَا يُقْبَلُ إِنْكَارُهُ، قَالَ: وَلَوْ زُوِّجَتْ بِوِكَالَةٍ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْوَلِيُّ التَّوْكِيلَ وَالْمَرْأَةُ سَاكِتَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ. فَلَوْ أَقَرَّتْ بِالنِّكَاحِ، قُبِلَ قَوْلُهَا.
فَرْعٌ
إِذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَنْ لَا تُكَافِئُهُ، نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً بِعَيْبٍ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، فَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ كُفْءٍ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَصِحُّ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إِنْكَاحُهُ الرَّتْقَاءَ وَالْقَرْنَاءَ قَطْعًا، لِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ فِي بُضْعٍ لَا يَنْفَعُ، بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ بِمَجْبُوبٍ. وَإِنْ زَوَّجَهُ أَمَةً، لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ. وَإِنْ زَوَّجَهُ بِمَنْ لَا تُكَافِئُهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، إِذْ لَا عَارَ عَلَى الرَّجُلِ فِي اسْتِفْرَاشِ مَنْ دُونَهُ. فَإِنْ صَحَّحْنَا، فَالتَّفْرِيعُ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّغِيرَةِ. وَإِنَّ زَوَّجَهُ عَمْيَاءَ، أَوْ عَجُوزًا، أَوْ مَفْقُودَةَ بَعْضِ الْأَطْرَافِ، فَوَجْهَانِ. وَيَجِبُ أَنْ
يَكُونَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ بِالْأَعْمَى وَالْأَقْطَعِ وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ الْوَجْهَانِ. وَإِنْ زَوَّجَ الْمَجْنُونَ أَمَةً، جَازَ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَخُشِيَ عَلَيْهِ الْعَنَتُ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ وَطْءٌ يُوجِبُ حَدًّا أَوْ إِثْمًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الصَّغِيرَةِ.
فَرْعٌ
زَوَّجَ بِنْتَهُ بِخُنْثَى قَدْ بَانَ رَجُلًا، أَوِ ابْنَهُ بِخُنْثَى قَدْ بَانَ امْرَأَةً، فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ بِهَذَا السَّبَبِ، فَالْخُنْثَى كَالْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ، وَإِلَّا، فَكَالْأَعْمَى.
قُلْتُ: الْخَصِيُّ كَالْخُنْثَى فِي هَذَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَكَذَا لَوْ أَذِنَتِ الْبَالِغَةُ فِي التَّزْوِيجِ مُطْلَقًا فَزَوَّجَهَا بِخَصِيٍّ أَوْ خُنْثَى. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
لِلسَّيِّدِ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ بِرَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ، وَلَا يُزَوِّجُهَا مَنْ بِهِ عَيْبٌ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، وَلَا مَنْ لَا يُكَافِئُهَا بِسَبَبٍ آخَرَ. فَإِنْ خَالَفَ، فَهَلْ يَبْطُلُ النِّكَاحُ، أَمْ يَصِحُّ وَلَهَا الْخِيَارُ؟ فِيهِ مِثْلُ الْخِلَافِ السَّابِقِ. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: يَصِحُّ بِلَا خِيَارٍ. وَلَوْ زَوَّجَهَا بِمَعِيبٍ بِرِضَاهَا، لَمْ يَكُنْ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ تَمْكِينِهِ، وَلَهُ بَيْعُهَا مِمَّنْ بِهِ بَعْضُ تِلْكَ الْعُيُوبِ. وَهَلْ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ تَمْكِينِهِ؟ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: قَالَ الْمُتَوَلِّي: أَصَحُّهُمَا: يَلْزَمُهَا التَّمْكِينُ. وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ، لَوْ زَوَّجَهَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ بِكُفْءٍ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَى بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ، صَحَّ قَطْعًا، إِذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْمَهْرِ، وَلَا عَارَ. وَلَوْ طَلَبَتِ
التَّزْوِيجَ بِرَجُلٍ، وَادَّعَتْ كَفَاءَتَهُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ: لَيْسَ بِكُفْءٍ، رُفِعَ إِلَى الْقَاضِي، فَإِنْ ثَبَتَتْ كَفَاءَتُهُ، أَلْزَمَهُ تَزْوِيجَهَا، فَإِنِ امْتَنَعَ، زَوَّجَهَا الْقَاضِي بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ، لَمْ يَلْزَمْهُ تَزْوِيجُهَا بِهِ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَوْ زَوَّجَهَا وَاحِدٌ بِرِضَاهَا وَرِضَى الْبَاقِينَ بِغَيْرِ كُفْءٍ، فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ، ثُمَّ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِهِ بِرِضَاهَا دُونَ إِذْنِ الْبَاقِينَ، فَقِيلَ: يَصِحُّ قَطْعًا، لِأَنَّهُمْ رَضَوْا بِهِ أَوَّلًا. وَقِيلَ: عَلَى الْخِلَافِ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَدِيدٌ. وَلَوِ امْتَنَعُوا، فَلَهُمْ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ: وَلَوِ اسْتَأْذَنَ الْأَبُ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ كُفْءٍ، فَسَكَتَتْ، فَهَلْ يَصِحُّ قَطْعًا، أَمْ يَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. وَالْمَذْهَبُ: الصِّحَّةُ. وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي «الْإِمْلَاءِ» : لَوْ زَوَّجَ أُخْتَهُ، فَمَاتَ الزَّوْجُ، فَادَّعَى وَارِثُهُ أَنَّ الْأَخَ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَأَنَّهَا لَا تَرِثُ، فَقَالَتْ: زَوَّجَنِي بِرِضَايَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَتَرِثُ، قَالَ فِي «الْإِمْلَاءِ» : وَإِنْ قَالَ رَجُلٌ: هَذِهِ زَوْجَتِي، فَسَكَتَتْ فَمَاتَ، وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَتْ، لَمْ يَرِثْهَا، لِأَنَّ إِقْرَارَهُ يُقْبَلُ عَلَيْهِ دُونَهَا. وَلَوْ أَقَرَّتْ بِزَوْجِيَّةِ رَجُلٍ، فَسَكَتَ فَمَاتَتْ، وَرِثَهَا، وَإِنْ مَاتَ، لَمْ تَرِثْهُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الطَّرَفُ الثَّامِنُ: فِي اجْتِمَاعِ الْأَوْلِيَاءِ. فَإِذَا اجْتَمَعُوا فِي دَرَجَةٍ، كَالْأُخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمُ، اسْتُحِبَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَفْضَلُهُمْ بِالْفِقْهِ أَوِ الْوَرَعِ، وَأَسَنُّهُمْ، بِرِضَى الْبَاقِينَ، لِأَنَّ هَذَا أَجْمَعُ لِلْمَصْلَحَةِ. وَلَوْ تَعَارَضَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ، قُدِّمَ الْأَفْقَهُ، ثُمَّ الْأَوْرَعُ، ثُمَّ الْأَسَنُّ. وَلَوْ زَوَّجَ غَيْرُ الْأَسَنِّ وَالْأَفْضَلِ بِرِضَاهَا بِكُفْءٍ، صَحَّ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْبَاقِينَ. وَلَوْ تَنَازَعُوا، وَقَالَ كُلٌّ: أَنَا أُزَوِّجُ، نُظِرَ، إِنْ تَعَدَّدَ الْخَاطِبُ، فَالتَّزْوِيجُ مِمَّنْ تَرْضَاهُ الْمَرْأَةُ، فَإِنْ رَضِيَتْهُمْ جَمِيعًا، نَظَرَ الْقَاضِي فِي الْأَصْلَحِ وَأَمَرَ بِتَزْوِيجِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَإِنِ اتَّحَدَ الْخَاطِبُ، وَتَزَاحَمُوا عَلَى الْعَقْدِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، زَوَّجَهَا، فَإِنْ بَادَرَ غَيْرُهُ فَزَوَّجَهَا، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ.