الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
ارْتَدَّتِ الزَّوْجَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ، يَحْرُمُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، كَالرَّجْعِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: فَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَلَهُ فِي الْحَالِ نِكَاحُ أُخْتِهَا، لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوِ ارْتَدَّتْ فَخَالَعَهَا فِي الرِّدَّةِ. وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ، وَكَبِيرَةٌ مَدْخُولٌ بِهَا، فَارْتَدَّتِ الْكَبِيرَةُ، وَأَرْضَعَتْ أُمُّهَا فِي عِدَّتِهَا الصَّغِيرَةَ، وَقَفَ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ. فَإِنْ أَصَرَّتِ الْكَبِيرَةُ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ، فَفِي نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ، بِحَالِهِ. وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ، بَطَلَ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ. وَفِي بُطْلَانِ نِكَاحِ الْكَبِيرَةِ قَوْلَانِ نَذْكُرُهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الرَّضَاعِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: أَظْهَرُهُمَا: لَا يَبْطُلُ كَمَا لَوْ نَكَحَ أُخْتًا عَلَى أُخْتٍ لَا تَبْطُلُ الْأُولَى. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَتِ الْمُرْضِعَةُ أُخْتَ الْكَبِيرَةِ.
ثُمَّ عَلَى الزَّوْجِ لِلصَّغِيرَةِ نَصِفُ الْمُسَمَّى، وَلِلْكَبِيرَةِ تَمَامُهُ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَبِكُلِّهِ فِي قَوْلٍ، وَبِجَمِيعِ مَهْرِ مِثْلِ الْكَبِيرَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ إِنْ أَبْطَلْنَا نِكَاحَهَا.
النَّوْعُ الثَّانِي: فِي قَدْرِ الْعَدَدِ الْمُبَاحِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَنْكِحَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ. فَلَوْ نَكَحَ خَمْسًا فِي عَقْدٍ، بَطَلَ نِكَاحُهُنَّ، وَإِنْ نَكَحَهُنَّ مُرَتَّبًا، بَطَلَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ الْأُولَيَاتِ. وَلَوْ نَكَحَ خَمْسًا فِي عَقْدٍ فِيهِنَّ أُخْتَانِ، بَطَلَ فِيهِمَا، وَفِي الْبَوَاقِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ.
وَلَوْ نَكَحَ سَبْعًا فِيهِنَّ أُخْتَانِ، بَطَلَ الْجَمِيعُ.
وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعٌ فَأَبَانَهُنُّ، فَلَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ بَدَلَهُنَّ وَإِنْ كُنَّ فِي الْعِدَّةِ. وَلَوْ أَبَانَ وَاحِدَةً، فَلَهُ نِكَاحُ أُخْرَى فِي عِدَّةِ الْمُبَانَةِ.
وَلَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، فَلَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ فِي عِدَّتِهَا. وَلَوْ كَانَتِ الْمُفَارَقَةُ رَجْعِيَّةً، لَمْ تَجُزْ. وَأَمَّا الْعَبْدُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى امْرَأَتَيْنِ.
فَرْعٌ
لِابْنِ الْحَدَّادِ
نَكَحَ سِتَّ نِسْوَةٍ، ثَلَاثًا فِي عَقْدٍ، وَثِنْتَيْنِ فِي عَقْدٍ، وَوَاحِدَةً فِي عَقْدٍ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُتَقَدِّمَ، فَنِكَاحُ الْوَاحِدَةِ صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ إِلَّا أَوَّلَةً، أَوْ ثَالِثَةً، أَوْ رَابِعَةً، فَإِنَّهَا لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنِ الْعَقْدَيْنِ، كَانَ ثَانِيهُمَا بَاطِلًا، فَتَقَعُ هِيَ صَحِيحَةً. وَأَمَّا الْبَوَاقِي، فَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: لَا يَثْبُتُ نِكَاحُهُنَّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَقْدَيْهِمَا يَحْتَمِلُ كَوْنُهُ مُتَأَخِّرًا بَاطِلًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الصِّحَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ غَلَطٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، بَلْ يَصِحُّ مَعَ نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ، إِمَّا الثِّنْتَانِ، وَإِمَّا الثَّلَاثُ، وَهُوَ الَّذِي سَبَقَ مِنْهُمَا، وَلَا نَعْرِفُ عَيْنَهُ فَيُوقَفُ، وَيُسْأَلُ الزَّوْجُ، فَإِنِ ادَّعَى سَبْقَ الثِّنْتَيْنِ وَصَدَّقَتَاهُ، ثَبَتَ نِكَاحُهُمَا. وَإِنِ ادَّعَى سَبْقَ الثَّلَاثِ، وَصَدَّقْنَهُ، فَكَذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ: لَا أَدْرِي، أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ، فَلَهُنَّ طَلَبُ الْفَسْخِ. وَإِنْ رَضِينَ بِالضَّرَرِ، لَمْ يَنْفَسِخْ، وَعَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ الْجَمِيعِ مُدَّةَ التَّوَقُّفِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، اعْتَدَّتْ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا عِدَّةَ وَفَاةٍ، وَمَنْ دَخَلَ بِهَا بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ مِنْ وَفَاةٍ وَإِقْرَاءٍ، وَيَدْفَعُ إِلَى الْفَرْدَةِ رُبْعَ مِيرَاثِ النِّسْوَةِ، لِاحْتِمَالِ صِحَّةِ نِكَاحِ ثَلَاثٍ مَعَهَا، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحَ مَعَهَا نِكَاحُ الثَّلَاثِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَ الرُّبْعِ الْمَأْخُوذِ، وَيُحْتَمَلُ صِحَّةُ نِكَاحِ الثِّنْتَيْنِ، فَيَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ، فَيُوقَفُ مَا بَيْنَ الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، وَهُوَ نِصْفُ سُدْسٍ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ، لَا حَقَّ لِلثِّنْتَيْنِ فِيهِ، وَيُوقَفُ الثُّلُثَانِ بَيْنَ
نَصِيبِ النِّسْوَةِ، بَيْنَ الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ، لَا حَقَّ لِلْوَاحِدَةِ فِيهِ. فَإِنْ أَرَدْنَ الصُّلْحَ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَالصُّلْحُ فِي نِصْفِ السُّدْسِ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ، وَفِي الثُّلُثَيْنِ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ. وَأَمَّا الْمَهْرُ، فَلِلْمُفْرَدَةِ الْمُسَمَّى. وَأَمَّا الْبَوَاقِي، فَإِنْ دَخَلَ بِهِنَّ، قَابَلْنَا الْمُسَمَّى لِإِحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ وَمَهْرَ الْمِثْلِ بِالْمُسَمَّى لِلْفِرْقَةِ الْأُخْرَى وَمَهْرَ مِثْلِ الْأُولَى، وَأَخَذْنَا أَكْثَرَ الْقَدْرَيْنِ مِنَ التَّرِكَةِ، وَدَفَعْنَا إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ الْأَقَلَّ مِنْ مُسَمَّاهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا، وَوَقَفْنَا الْبَاقِيَ.
مِثَالُهُ: سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِائَةً، وَمَهْرُ مِثْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسُونَ، فَمُسَمَّى الثَّلَاثِ وَمَهْرُ مِثْلِ الثِّنْتَيْنِ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ مُسَمَّى الثِّنْتَيْنِ وَمَهْرِ مِثْلِ الثَّلَاثِ، فَنَأْخُذُ مِنَ التَّرِكَةِ أَرْبَعَمِائَةٍ، وَنَدْفَعُ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسِينَ، وَنَقِفُ الْبَاقِيَ وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ (مِنْهَا) مِائَةٌ بَيْنَ النِّسْوَةِ الْخَمْسِ، وَخَمْسُونَ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْوَرَثَةِ، فَإِنْ بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِ الثِّنْتَيْنِ، فَالْمِائَةُ لَهُمَا، وَالْخَمْسُونَ لِلْوَرَثَةِ. وَإِنْ بَانَ صِحَّةُ الثَّلَاثِ، فَالْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ لَهُنَّ. وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ، أَخَذْنَا مِنَ التَّرِكَةِ أَكْثَرَ الْمُسَمَّيَيْنِ، وَلَا نُعْطِي فِي الْحَالِ وَاحِدَةً شَيْئًا. وَالْأَكْثَرُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثُمِائَةٍ، فَنَقِفُ مِائَتَيْنِ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ، وَمِائَةً بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْوَرَثَةِ. وَإِنْ دَخَلَ بِإِحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ، أَخَذْنَا الْأَكْثَرَ مِنْ مُسَمَّى الْمَدْخُولِ بِهِنَّ فَقَطْ، وَمِنْ مَهْرِ مِثْلِهِنَّ مَعَ مُسَمَّى الْفِرْقَةِ الْأُخْرَى، وَأُعْطِيَ الْمَوْطُوءَاتُ الْأَقَلَّ مِنَ الْمُسَمَّى وَمَهْرِ مِثْلِهِنَّ. فَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، إِنْ دَخَلَ بِالثِّنْتَيْنِ، فَمَهْرُ مِثْلِهِمَا مَعَ مُسَمَّى الثَّلَاثِ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ مُسَمَّى الثِّنْتَيْنِ، فَنَأْخُذُ أَرْبَعَمِائَةٍ، وَنُعْطِي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الثِّنْتَيْنِ خَمْسِينَ، وَنَقِفُ مِائَةً بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الثَّلَاثِ، وَمِائَتَيْنِ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْوَرَثَةِ. فَإِنْ بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِ الثِّنْتَيْنِ، دَفَعْنَا الْمِائَةَ إِلَيْهِمَا، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ. وَإِنْ بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِ الثَّلَاثِ، دَفَعْنَاهَا مَعَ الْمِائَتَيْنِ إِلَيْهِنَّ، وَإِنْ دَخَلَ بِالثَّلَاثِ، فَمَهْرُ مِثْلِهِنَّ مَعَ مُسَمَّى الثِّنْتَيْنِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ مُسَمَّى الثَّلَاثِ، فَنَأْخُذُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَنُعْطِي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الثُّلُثِ خَمْسِينَ مِنْهَا، وَنَقِفُ الْبَاقِيَ وَهُوَ مِائَتَانِ، مِنْهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ بَيْنَ الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الثِّنْتَيْنِ وَالْوَرَثَةِ. فَإِنْ بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِ الثَّلَاثِ، أَعْطَيْنَاهُنَّ مِائَةً وَخَمْسِينَ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ. وَإِنْ بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِ الثِّنْتَيْنِ، أَعْطَيْنَاهُمَا الْمِائَتَيْنِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: فَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، وَنَكَحَ أَرْبَعًا أُخَرَ فِي عَقْدٍ رَابِعٍ، وَلَمْ يُعْرَفِ التَّرْتِيبُ، لَمْ يُحْكَمْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ، لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَقَفْنَا مِيرَاثَ زَوْجَاتٍ، وَلَا نُعْطِي وَاحِدَةً مِنْهُ شَيْئًا. وَأَمَّا الْمَهْرُ، فَإِنْ دَخَلَ بِهِنَّ، أَخَذْنَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْأَكْثَرَ مِنْ مُسَمَّاهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا، وَأَعْطَيْنَاهَا أَقَلَّهُمَا، وَوَقَفْنَا الْبَاقِيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ. فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاحِدَةُ مَعَ الثَّلَاثِ، أَوْ مَعَ الثِّنْتَيْنِ، فَيُنْظَرُ مَهْرُ الْأَرْبَعِ وَحْدَهُ، وَمَهْرُ الْوَاحِدَةِ مَعَ الثَّلَاثِ، ثُمَّ مَعَ الثِّنْتَيْنِ، وَيُؤْخَذُ أَكْثَرُ الْمَقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ، وَيُوقَفُ. وَإِنْ دَخَلَ بِبَعْضِهِنَّ، أُخِذَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَكْثَرُ مَهْرَيْهَا، وَتُعْطَى مِنْهُ أَقَلَّهُمَا، وَيُوقَفُ الْبَاقِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَأُخِذَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مُسَمَّاهَا، فَيُوقَفُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: اسْتِيفَاءُ عَدَدِ الطَّلَاقِ. فَإِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي نِكَاحٍ أَوْ أَنْكِحَةٍ دَفْعَةً أَوْ أَكْثَرَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَيَطَأَهَا وَيُفَارِقَهَا وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَإِذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ، فَكَطَلَاقِ الْحُرِّ ثَلَاثًا. وَلَوْ عَتَقَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يُؤَثِّرْ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ. وَفِي قَوْلٍ: يَكْفِي الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَهُ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَيُشْتَرَطُ تَغْيِيبُ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، وَبِهِ تَتَعَلَّقُ أَحْكَامُ الْوَطْءِ كُلُّهَا. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ كَانَتْ بِكْرًا، فَأَقَلُّهُ الِاقْتِضَاضُ بِآلَتِهِ. وَمَنْ قُطِعَتْ حَشَفَتُهُ، إِنْ بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ دُونَ قَدْرِهَا، لَمْ يَحِلَّ. وَإِنْ بَقِيَ قَدْرُهَا فَقَطْ، أُحِلَّ. وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِهَا، كَفَى تَغْيِيبُ قَدْرِ حَشَفَةِ هَذَا الشَّخْصِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ تَغْيِيبُ جَمِيعِ الْبَاقِي، سَوَاءً كَانَ قَوِيَّ الِانْتِشَارِ، أَوْ ضَعِيفَهُ فَاسْتَعَانَ بِأُصْبَعِهِ أَوْ أُصْبَعِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ انْتِشَارٌ أَصْلًا، لِتَعْنِينٍ أَوْ شَلَلٍ
أَوْ غَيْرِهِمَا، لَمْ يَحْصُلِ التَّحْلِيلُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِهِمْ، لِعَدَمِ ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ، وَحَصَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْغَزَالِيُّ، لِحُصُولِ الْوَطْءِ وَأَحْكَامِهِ. وَاسْتِدْخَالُ ذَكَرِ النَّائِمِ وَغَيْرِهِ يُحَلِّلُ، وَاسْتِدْخَالُ الْمَاءِ لَا يُحَلِّلُ.
قُلْتُ: وَلَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَأَوْلَجَ، حَلَّلَ عَلَى الصَّحِيحِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ بِكُلِّ زَوْجٍ، حُرٍّ مُسْلِمٍ، وَعَبْدٍ، وَمَجْنُونٍ، وَخَصِيٍّ، وَذِمِّيٍّ إِذَا كَانَتِ الْمُطَلَّقَةُ ذِمِّيَّةً، سَوَاءٌ كَانَ الْمُطَلِّقُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، وَيُشْتَرَطُ وَطْءُ الذِّمِّيِّ فِي وَقْتٍ لَوْ تَرَافَعُوا إِلَيْنَا لَقَرَرْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ.
قُلْتُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي تَحْلِيلِ الذِّمِّيَّةِ لِلْمُسْلِمِ وَطْءُ ذِمِّيٍّ، بَلِ الْمَجُوسِيُّ وَالْوَثَنِيُّ يُحَلِّلَانِهَا أَيْضًا لِلْمُسْلِمِ، كَمَا يُحَصِّنَانِهَا، صَرَّحَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَالصَّبِيُّ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجِمَاعُ، كَالْبَالِغِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَالطِّفْلُ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ، لَا يُحَلِّلُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَنِ الْقَفَّالِ، أَنَّهُ يُحَلِّلُ.
قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ كَالْغَلَطِ الْمَنَابِذِ لِقَوَاعِدِ الْبَابِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُحَلِّلُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
إِذَا كَانَتِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا صَغِيرَةً، وَوَطِئَهَا زَوْجٌ، حَلَّتْ قَطْعًا. وَقِيلَ فِي الَّتِي لَا تُشْتَهَى الْوَجْهَانِ كَتَحْلِيلِ الصَّبِيِّ.
فَرْعٌ
لَوْ وَطِئَهَا فِي إِحْرَامِهِ أَوْ إِحْرَامِهَا، أَوِ الْحَيْضِ، أَوْ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ ظِهَارِهَا، أَوْ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، حَلَّتْ، لِأَنَّهُ وَطْءُ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ. وَلَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ فِي عِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَقَعَ بَعْدَ نِكَاحِهِ، حَلَّتْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ وَطِئَهَا فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَوْ رِدَّتِهَا، وَعَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، لَمْ تَحِلَّ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِاضْطِرَابِ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ سَائِرِ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ. وَاعْتَرَضَ الْمُزَنِيُّ بِأَنَّهُ إِنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ، فَقَدْ حَلَّتْ، وَإِلَّا، فَتَبِينُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: تُتَصَوَّرُ الْعِدَّةُ بِلَا دُخُولٍ، بِأَنْ يَطَأَهَا فِي الدُّبُرِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَسَبَقَ الْمَاءُ، أَمْ تَسْتَدْخِلُ مَاءَهُ، فَتَجِبُ الْعِدَّةُ، وَلَا تَحِلُّ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَكَذَا بِالْخَلْوَةِ عَلَى الْقَدِيمِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنِ النَّصِّ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالْوَطْءِ فِي الرِّدَّةِ، هُوَ الصَّوَابُ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ صَاحِبُ «التَّلْخِيصِ» : إِنِ اجْتَمَعَا فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْقَفَّالُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا، بِاسْتِدْخَالِ الْمَاءِ قَبْلَ الدُّخُولِ، ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ (لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ: إِذَا قُلْنَا: تَحِلُّ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا، فَلَا تَحِلُّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
نَكَحَهَا عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَطِئَهَا بَانَتْ مِنْهُ، أَوْ نَكَحَهَا إِلَى أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَطِئَهَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، فَنِكَاحٌ بَاطِلٌ، فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ إِذَا وَطِئَهَا طَلَّقَهَا، فَبَاطِلٌ
أَيْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ. وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَلَوْ تَزَوَّجَ بِلَا شَرْطٍ، وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا إِذَا وَطِئَهَا، كُرِهَ، وَصَحَّ الْعَقْدُ، وَحَلَّتْ بِوَطْئِهِ. وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا إِلَّا مَرَّةً، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا نَهَارًا، فَلِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي بُطْلَانِ النِّكَاحِ أَوْ صِحَّتِهِ دُونَ الشَّرْطِ نَصَّانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا عَلَى حَالَيْنِ. فَالْبُطْلَانُ إِذَا شَرَطَتِ الزَّوْجَةُ أَنْ لَا يَطَأَهَا، وَالصِّحَّةُ إِذَا شَرَطَ الزَّوْجُ أَنْ لَا يَطَأَ، لِأَنَّهُ حَقُّهُ، فَلَهُ تَرْكُهُ وَالتَّمْكِينُ عَلَيْهَا. وَلَوْ نَكَحَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ، فَقَالَ الْإِمَامُ: يَجِبُ أَنْ تَلْحَقَ بِشَرْطِ تَرْكِ الْوَطْءِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ، لِلتَّنَاقُضِ.
قُلْتُ: قَوْلُ الْغَزَالِيِّ أَصَحُّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَفِي «فَتَاوَى» الْقَفَّالِ: أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِبُضْعِهَا، فَكَشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَ. وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْلِكَ بُضْعَهَا، فَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ، فَكَذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ، لَمْ يَضُرَّ. وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ إِذَا شَرَطَهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَلَوْ تَوَاطَآ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَعَقَدَا عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ بِلَا شَرْطٍ، فَلَيْسَ كَالْمَشْرُوطِ عَلَى الصَّحِيحِ.
فَرْعٌ
قَالَ الْأَئِمَّةُ: أَسْلَمُ طَرِيقٍ فِي الْبَابِ، وَأَدْفَعُهُ لِلْعَارِ، أَنْ تُزَوَّجَ بِعَبْدٍ صَغِيرٍ، وَتَسْتَدْخِلَ حَشَفَتَهُ، ثُمَّ تَتَمَلَّكُهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا، فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، وَيَحْصُلُ التَّحْلِيلُ إِنْ صَحَّحْنَا تَحْلِيلَ الصَّبِيِّ وَجَوَّزْنَا إِجْبَارَ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ عَلَى النِّكَاحِ، وَإِلَّا، فَلَا.
فَرْعٌ
إِذَا قَالَتِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا: نَكَحْتُ زَوْجًا آخَرَ، فَوَطِئَنِي وَفَارَقَنِي، وَانْقَضَتْ عِدَّتِي مِنْهُ، قُبِلَ قَوْلُهَا عِنْدَ الِاحْتِمَالِ. وَإِنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ الثَّانِي، وَصُدِّقَ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ، فَكَذَلِكَ، لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْوَطْءُ يَعْسُرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنْ ظَنَّ صِدْقَهَا، فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا كَرَاهَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَظُنَّهُ، اسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا. وَإِنْ قَالَ: هِيَ كَاذِبَةٌ، لَمْ يَكُنْ لَهُ نِكَاحُهَا. فَإِنْ قَالَ بَعْدَهُ: تَبَيَّنْتُ صِدْقَهَا، فَلَهُ نِكَاحُهَا.
قُلْتُ: قَدْ جَزَمَ الْفُورَانِيُّ بِأَنَّهُ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُهَا، لَمْ تَحِلَّ لَهُ. وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى هَذَا، وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهَا تَحِلُّ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُهَا إِذَا كَانَ الصِّدْقُ مُمْكِنًا. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْفُورَانِيُّ غَلَطٌ، وَهُوَ مِنْ عَثَرَاتِ الْكُتَّابِ، وَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَحْكِ هَذَا الْوَجْهَ، لِشِدَّةِ ضَعْفِهِ، وَلِقَوْلِ الْإِمَامِ: إِنَّهُ غَلَطٌ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ: وَلَوْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ وَالشُّهُودُ، لَمْ تَحِلَّ عَلَى الْأَصَحِّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَبْلَ وَطْءِ زَوْجٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى الصَّحِيحِ، لِظَاهِرِ الْقَرَانِ.
قُلْتُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ التَّحْلِيلِ، التَّنْفِيرُ مِنَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الْجِنْسُ الثَّالِثُ مِنَ الْمَوَانِعِ: رِقُّ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ. رَقِيقَةٌ يَمْلِكُهَا، وَرَقِيقَةٌ لَا يَمْلِكُهَا. الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: مَمْلُوكَتُهُ، فَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ مَنْ يَمْلِكُهَا أَوْ بَعْضَهَا. وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَ زَوْجَتِهِ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، وَلَيْسَ لَهَا نِكَاحُ مَنْ تَمْلِكُ بَعْضَهُ. وَلَوْ مَلَكَتْ زَوْجَهَا، انْفَسَخَ نِكَاحُهَا.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَمَةُ غَيْرِهِ، فَلَا تَحِلُّ لِلْحُرِّ إِلَّا بِشُرُوطٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ يَتَيَسَّرُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَمْنَعُ كَوْنُ الْكِتَابِيَّةِ تَحْتَهُ. فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرِ الِاسْتِمْتَاعُ، بِأَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ، أَوْ هَرِمَةٌ، أَوْ غَائِبَةٌ، أَوْ مَجْنُونَةٌ، أَوْ مَجْذُومَةٌ، أَوْ بَرْصَاءُ، أَوْ رَتْقَاءُ، أَوْ مُضْنَاةٌ لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ «الْمُهَذَّبِ» وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، وَبِهِ قَطَعَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ. فَعَلَى هَذَا، لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ حَتَّى تَبِينَ مِنْهُ الْحُرَّةُ.
(الشَّرْطُ) الثَّانِي: أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ لِعَدَمِ الْحُرَّةِ، أَوْ عَدَمِ صَدَاقِهَا. فَلَوْ قَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنَاءَ، أَوْ مَجْنُونَةٍ، أَوْ مَجْذُومَةٍ، أَوْ رَضِيعَةٍ، أَوْ مُعْتَدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ، لَمْ تَحِلَّ الْأَمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ)
[النِّسَاءِ: 25] قَيَّدَ بِالْمُؤْمِنَاتِ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، لَا لِلِاشْتِرَاطِ.
وَلَوْ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ غَائِبَةٍ، قَالَ الْأَصْحَابُ: إِنْ كَانَ يَخَافُ الْعَنَتَ فِي مُدَّةِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ، أَوْ يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهَا، فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَإِلَّا، فَلَا. قَالَ الْإِمَامُ: الْمَشَقَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ، أَنْ يُنْسَبَ مُتَحَمِّلُهَا فِي طَلَبِ زَوْجِهِ إِلَى الْإِسْرَافِ. وَلَوْ لَمْ يَجِدْ
إِلَّا حُرَّةً لَا تَرْضَى إِلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَهُوَ وَاجِدُهُ، فَنَقَلَ الْبَغَوِيُّ: أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ أَمَةً. وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي جَوَازَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: إِنْ كَانَتْ زِيَادَةً يُعَدُّ بَذْلُهَا إِسْرَافًا، حَلَّتِ الْأَمَةُ، وَإِلَّا، فَلَا. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ، بِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْمَاءِ تَتَكَرَّرُ، وَبِأَنَّ هَذَا النَّاكِحَ لَا يُعَدُّ مَغْبُونًا.
قُلْتُ: قَطَعَ آخَرُونَ بِمُوَافَقَةِ الْمُتَوَلِّي، وَهُوَ الْأَصَحُّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَهْرٍ، وَوَجَدَ حُرَّةً تَرْضَى بِمَهْرٍ مُؤَجَّلٍ، وَهُوَ يَتَوَقَّعُ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ، أَوْ وَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ نَسِيئَةً مَا يَفِي بِصَدَاقِهَا، أَوْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ، أَوْ رَضِيَتْ حُرَّةٌ بِأَنْ يَنْكِحَهَا بِلَا مَهْرٍ، حَلَّتِ الْأَمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ أُقْرِضَ مَهْرَهَا، لَمْ يَجِبِ الْقَبُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِاحْتِمَالِ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ. وَقِيلَ بِالْوَجْهَيْنِ. وَلَوْ رَضِيَتْ حُرَّةٌ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَهُوَ يَجِدُهُ، لَمْ تَحِلَّ الْأَمَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِيهِ قَلِيلَةٌ، إِذِ الْعَادَةُ الْمُسَامَحَةُ فِي الْمُهُورِ. وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَالٌ أَوْ جَارِيَةٌ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ، وَحَلَّتِ الْأَمَةُ. وَمَنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ، هَلْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، أَمْ عَلَيْهِ بَيْعُهُمَا وَصَرْفُهُمَا إِلَى طَوْلِ حُرَّةٍ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَالْمَالُ الْغَائِبُ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ، كَمَا لَا يَمْنَعُ ابْنُ السَّبِيلِ الزَّكَاةَ. وَمَنْ هُوَ مُعْسِرٌ، وَلَهُ ابْنٌ مُوسِرٌ، يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ إِنْ لَمْ نُوجِبْ عَلَى الِابْنِ إِعْفَافَهُ. وَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ، فَوَجْهَانِ، لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ بِمَالِ الِابْنِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: خَوْفُ الْعَنَتِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الزِّنَا، قَالَ الْإِمَامُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الزِّنَا، بَلْ أَنْ يَتَوَقَّعَهُ لَا عَلَى النُّدُورِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِغَيْرِ الْخَائِفِ أَنْ يُعْلَمَ اجْتِنَابُهُ، بَلْ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِالتَّقْوَى، وَالِاجْتِنَابُ يُنَافِي الْخَوْفَ، فَمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ، وَضَعْفُ تَقْوَاهُ، فَهُوَ خَائِفٌ. وَمَنْ ضَعُفَتْ شَهْوَتُهُ، وَهُوَ يَسْتَبْدِعُ الزِّنَا لِدِينٍ أَوْ مُرُوءَةٍ أَوْ حَيَاءٍ، فَهُوَ غَيْرُ خَائِفٍ. وَإِنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ، وَقَوِيَ تَقْوَاهُ، فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ، لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا. وَالثَّانِي: إِنْ كَانَ تَرْكُ الْوِقَاعِ يَجُرُّ ضَرَرًا أَوْ مَرَضًا، فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الزِّنَا. قَالَ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي: لَيْسَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: فَلَوْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً، فَوَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا، وَأَرَادَتِ الْفَسْخَ، فَقَالَ الزَّوْجُ: جُبَّ ذَكَرِي بَعْدَ النِّكَاحِ. فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ غَيْرَ مُحْتَمَلٍ، بِأَنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مُنْدَمِلًا، وَقَدْ عُقِدَ النِّكَاحُ أَمْسِ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ. وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ، فَذَاكَ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ، فَدَعْوَاهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهَا، بُطْلَانُ النِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: لِلْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ نِكَاحُ الْأَمَةِ عِنْدَ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الْفِعْلِ الْمَأْثُومِ بِهِ، لِأَنَّ الْعَنَتَ الْمَشَقَّةُ.
فَرْعٌ
الْقَادِرُ عَلَى شِرَاءِ أَمَةٍ يَتَسَرَّاهَا، لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ أَمَةٌ، لَمْ يَنْكِحْ أَمَةً قَطْعًا، وَطَرَدَ الْحَنَّاطِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ كَانَتِ الْأَمَةُ الَّتِي يَمْلِكُهَا غَيْرَ مُبَاحَةٍ، فَإِنْ وَفَتْ قِيمَتُهَا بِمَهْرِ حُرَّةٍ، أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ يَتَسَرَّاهَا، لَمْ يَنْكِحِ الْأَمَةَ، وَإِلَّا، فَيَنْكِحُهَا.