المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مَالٍ فِي الذِّمَّةِ، نُظِرَ، إِنْ أَضَافَهُ إِلَيْهَا، فَهِيَ الْمُطَالَبَةُ. وَإِنْ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٧

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّدَاقِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْوَلِيمَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْخُلْعِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: مَالٍ فِي الذِّمَّةِ، نُظِرَ، إِنْ أَضَافَهُ إِلَيْهَا، فَهِيَ الْمُطَالَبَةُ. وَإِنْ

مَالٍ فِي الذِّمَّةِ، نُظِرَ، إِنْ أَضَافَهُ إِلَيْهَا، فَهِيَ الْمُطَالَبَةُ. وَإِنْ لَمْ يُضِفْ بَلْ أَطْلَقَ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ السَّيِّدُ فِي الْوَكَالَةِ، جَازَ لِلزَّوْجِ مُطَالَبَتُهُ بِالْمَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَإِذَا غَرِمَ، رَجَعَ عَلَى الزَّوْجَةِ إِذَا قَصَدَ الرُّجُوعَ.

وَإِنْ أَذِنَ فِي الْوَكَالَةِ، تَعَلَّقَ الْمَالُ بِكَسْبِهِ، كَمَا لَوِ اخْتَلَعَتِ الْأَمَةُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ. وَإِذَا أَدَّى فِي كَسْبِهِ، ثَبَتَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلَةِ.

وَلَوْ وَكَّلَتْ فِي الِاخْتِلَاعِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ، فَلَوْ فَعَلَ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، كَاخْتِلَاعِ السَّفِيهَةِ، وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي فِيمَا إِذَا أَطْلَقَ.

وَأَمَّا إِذَا أَضَافَ الْمَالَ إِلَيْهَا، فَتَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ وَيَلْزَمُهَا الْمَالُ إِذْ لَا ضَرَرَ عَلَى السَّفِيهِ.

فَرْعٌ

الْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْخُلْعِ بِالْوَكَالَةِ، كَالْبَيْعِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ. فَلَوْ وَكَّلَ الزَّوْجَانِ رَجُلًا تَوَلَّى مَا شَاءَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مَعَ الزَّوْجِ الْآخَرِ أَوْ وَكِيلِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ يَكْفِي فِيهِ اللَّفْظُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْإِعْطَاءُ مِنْ جَانِبٍ.

وَعَلَى هَذَا، فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ شِقَّيِ الْعَقْدِ خِلَافٌ، كَبَيْعِ الْأَبِ مَالَهُ لِوَلَدِهِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

‌فَصْلٌ

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضُ الْخُلْعِ مَنْفَعَةً، وَيَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا. فَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى إِرْضَاعِ وَلَدِهِ أَوْ حَضَانَتِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، جَازَ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاسْتِتْبَاعُ أَحَدِهِمَا إِذَا أَفْرَدَ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْإِجَارَةِ.

وَفِي إِبْدَالِ الصَّبِيِّ الْمُعَيَّنِ وَانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِمَوْتِهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْإِجَارَةِ.

ص: 399

وَالْمَذْهَبُ الِانْفِسَاخُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ وَرَجَّحَهُ الْجُمْهُورُ.

وَامْتِنَاعُ الصَّبِيِّ مِنَ الِارْتِضَاعِ وَالْتِقَامِ الثَّدْيِ، كَالْمَوْتِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالِانْفِسَاخِ، فَذَلِكَ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ، وَلَا يَنْفَسِخُ فِي الْمَاضِي عَلَى الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ: قَوْلَانِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنِ انْفَسَخَ فِيمَا مَضَى رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ.

وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، بِأُجْرَةِ مِثْلِ الْإِرْضَاعِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَعَلَى الزَّوْجِ لَهَا أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ. وَإِنْ لَمْ تَنْفَسِخْ فِي الْمَاضِي، فَعَلَى الْأَظْهَرِ يَرْجِعُ بِقِسْطِ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إِذَا وُزِّعَ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُدَّتَيْنِ.

وَعَلَى الثَّانِي: يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ مِثْلِ مَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، فَإِنْ أَتَى بِصَبِيٍّ مِثْلِهِ لِتُرْضِعَهُ، فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ مَعَ الْإِمْكَانِ حَتَّى مَضَتِ الْمُدَّةُ، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ حَقُّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْتَفِعِ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ قَبْضِهِ الْعَيْنَ، تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ.

وَالثَّانِي: يَلْزَمُهَا قِسْطُ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إِذَا وُزِّعَ عَلَى الْمُدَّتَيْنِ، كَمَا إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، يَكُونُ مِنْ ضَمَانِهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنَ الْقَبْضِ، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْوَجْهُ الثَّانِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِصَبِيٍّ آخَرَ لِعَجْزِهِ، فَقَدْ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ، بِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ [كَمَا] إِذَا حَكَمْنَا بِالِانْفِسَاخِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يَطَّرِدَ فِيهِ الْخِلَافُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ كَمَا سَبَقَ فِي «الْإِجَارَةِ» فِيمَا لَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ الْمُعَيَّنُ لِلْخِيَاطَةِ وَقُلْنَا: لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، فَلَمْ يَأْتِ الْمُسْتَأْجِرُ بِثَوْبٍ مِثْلِهِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ فِي اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ وَجْهَيْنِ، سَوَاءٌ امْتَنَعَ مِنَ الْإِبْدَالِ لِعَجْزِهِ أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ.

ص: 400

قُلْتُ: الصَّحِيحُ، مَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيُّ وَمُوَافِقُوهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

لَوْ أَضَافَ إِلَى الْإِرْضَاعِ وَالْحَضَانَةِ نَفَقَتَهُ مُدَّةً، بِأَنْ خَالَعَهَا عَلَى كَفَالَةِ وَلَدِهِ عَشْرَ سِنِينَ، تُرْضِعُهُ مِنْهَا سَنَتَيْنِ، وَتُنْفِقُ عَلَيْهِ تَمَامَ الْعَشْرِ وَتَحْضُنُهُ، نُظِرَ، إِنْ بَيَّنَ النَّفَقَةَ كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ كَالزَّيْتِ وَاللَّحْمِ، وَكِسْوَتَهُ كُلَّ فَصْلٍ أَوْ سَنَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَوَصَفَهُ بِالْأَوْصَافِ الْمَشْرُوطَةِ فِي السَّلَمِ، فَفِي صِحَّةِ الْخُلْعِ بِمَا سَمَّى طَرِيقَانِ.

أَصَحُّهُمَا: الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْكَفَالَةُ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ تَابِعَةٌ.

وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ - لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، وَلِأَنَّهُ سَلَمٌ فِي أَجْنَاسٍ -. أَظْهَرُهُمَا: الصِّحَّةُ أَيْضًا.

فَإِنْ أَبْطَلْنَاهُ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَمْ بِبَدَلِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ؟ قَوْلَانِ.

أَظْهَرُهُمَا: الْأَوَّلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إِلَى بَدَلِ الْأَشْيَاءِ لَأَثْبَتْنَاهَا.

وَإِنْ صَحَّحْنَا، فَهُوَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ وَيَصْرِفَهُ إِلَى الْوَلَدِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَهَا بِالصَّرْفِ إِلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، فِيمَا إِذَا أَذِنَ الْحَاكِمُ لِلْمُلْتَقِطِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ مِنْ مَالِهِ، بِشَرْطِ الرُّجُوعِ.

قُلْتُ: لَيْسَ هُوَ مِثْلَهُ، بَلْ يَجُوزُ هَذَا قَطْعًا وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 401

ثُمَّ إِنْ عَاشَ الْوَلَدُ حَتَّى اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ وَالْعَيْنَ، فَذَاكَ، فَإِنْ خَرَجَ زَهِيدًا وَفَضَلَ مِنَ الْمُقَدَّرِ شَيْءٌ، فَهُوَ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ رَغِيبًا وَاحْتَاجَ إِلَى زِيَادَةٍ، فَهِيَ عَلَى الزَّوْجِ.

وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ، فَلَهُ حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْإِرْضَاعِ، فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، وَجَوَازِ الْإِبْدَالِ، فَإِنْ حَكَمْنَا بِالِانْفِسَاخِ، وَمَنَعْنَا الْإِبْدَالَ، انْفَسَخَ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ، وَفِي انْفِسَاخِهِ فِيمَا مَضَى وَفِي الطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ.

وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ، اسْتَوْفَى الزَّوْجُ الطَّعَامَ وَالْكُسْوَةَ، وَيَرْجِعُ بِمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ مِنَ الْمُدَّةِ إِلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي قَوْلٍ، وَإِلَى حِصَّتِهِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَبَيَانُ الْحِصَّةِ بِأَنْ يُقَوَّمَ الطَّعَامُ وَالْأُدْمُ وَالْكُسْوَةُ، وَمَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ، وَمَا بَقِيَ، وَيُعْرَفُ نِسْبَةُ قِيمَةِ الْبَاقِي مِنَ الْمُدَّةِ مِنَ الْجَمِيعِ، فَيَجِبُ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ.

وَإِذَا قُلْنَا: يَتَعَدَّى الِانْفِسَاخُ إِلَى الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَالنَّفَقَةِ، رَجَعَ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِلَى بَدَلِ الْجَمِيعِ عَلَى الثَّانِي، وَتَرْجِعُ الزَّوْجَةُ بِأُجْرَةِ مَا مَضَى مِنْ مُدَّةِ الْإِرْضَاعِ، وَقَدْ يَقَعُ التَّقَاصُّ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.

وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، أَنَّ الْوَاجِبَ قِسْطُ مَا سِوَى الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَتَسْقُطُ حِصَّتُهَا وَتُجْعَلُ مَنْفَعَتُهَا مُسْتَوْفَاةً.

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ ارْتِضَاعِهِ الْمُدَّةَ بِكَمَالِهَا، فَيَبْقَى اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ، وَهَلْ يَتَعَجَّلُ الِاسْتِحْقَاقَ أَمْ يَبْقَى مُنَجَّمًا كَمَا كَانَ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي.

وَلَوِ انْقَطَعَ جِنْسُ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ، فَفِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي انْقِطَاعِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ.

أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. فَعَلَى هَذَا يَنْفَسِخُ فِي الْمُنْقَطِعِ، وَلَا يَنْفَسِخُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَقْبُوضَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ، فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَتَلِفَ الْآخَرُ

ص: 402

وَلَا فِي الْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ حُكِمَ بِالِانْفِسَاخِ فِي الْجَمِيعِ غَرِمَ لَهَا بَدَلَ مَا اسْتَوْفَى مِنَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَلَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ.

وَفِي قَوْلٍ: بَدَلُ الْمُسَمَّى. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ إِلَّا فِي الْمُنْقَطِعِ، رَجَعَ إِلَى حِصَّتِهِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِلَى بَدَلِ الْمُنْقَطِعِ فِي قَوْلٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَنَّ انْقِطَاعَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ لَا يَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ، لَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ، فَلَهُ الْفَسْخُ فِي الْجَمِيعِ.

وَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِي الْمُنْقَطِعِ وَحْدَهُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنِ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا مَعِيبًا وَأَرَادَ إِفْرَادَهُ بِالرَّدِّ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَهُ الْفَسْخُ فِي الْأَعْيَانِ دُونَ الْمَنَافِعِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا جِنْسًا وَعَقْدًا.

وَإِذَا أَفْرَدَ الْمُنْقَطِعَ بِالرَّدِّ وَجَوَّزْنَاهُ، فَفِيمَا يَرْجِعُ بِهِ الْقَوْلَانِ.

هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْمَذْكُورُ مِمَّا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَوُصِفَ بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ تُوصَفْ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَالثِّيَابِ الْمَخِيطَةِ، وَالْمَحْشُوَّةِ، وَالْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ مِنَ الطَّعَامِ، فَالْمُسَمَّى فَاسِدٌ، وَالرُّجُوعُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ.

الْبَابُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ الْأَلْفَاظِ الْمُلْزِمَةِ وَمُقْتَضَاهَا.

فِيهِ أَطْرَافٌ.

الْأَوَّلُ: فِي الْأَلْفَاظِ الْمُلْزِمَةِ وَفِيهِ مَسَائِلُ.

إِحْدَاهَا: صِيغَةُ الْمُعَاوَضَةِ مُلْزِمَةٌ، فَإِذَا قَالَ: طَلَّقْتُكِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ، فَقَبِلَتْ، صَحَّ الْخُلْعُ وَلَزِمَ الْأَلْفُ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْكِ أَلْفٌ، أَوْ لِي

ص: 403

عَلَيْكِ أَلْفٌ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَسْبِقْهُ اسْتِيجَابٌ بَلِ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ بِهِ، وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا قَبِلَتْ أَمْ لَا، وَلَا مَالَ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا: طَلِّقْنِي وَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ فَأَجَابَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا مِنْ عَقْدِ الْخُلْعِ الِالْتِزَامُ، فَيُحْمَلُ لَفْظُهَا عَلَيْهِ، وَالزَّوْجُ يَنْفَرِدُ بِالطَّلَاقِ.

فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الْمُعَاوَضَةِ، حُمِلَ عَلَى مَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَصِيغَتُهُ خَبَرٌ.

فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي: وَعَلَيْكِ أَلْفٌ الْإِلْزَامَ وَقَصَدْتُ مَا يَقْصِدُهُ الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ، لَمْ يُصَدَّقْ.

فَإِنْ وَافَقَتْهُ، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يُؤَثِّرُ تَوَافُقُهُمَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ.

وَأَصَحُّهُمَا: يُؤَثِّرُ فَتَبِينُ بِالْأَلْفِ.

فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إِذَا أَنْكَرَتْ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ لَمْ تُؤَثِّرْ.

وَعَلَى الثَّانِي، يَحْلِفُ. وَمُقْتَضَى الثَّانِي انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ: بِعْتُكَ وَلِي عَلَيْكَ [كَذَا] ، تَفْرِيعًا عَلَى انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ، أَمَّا إِذَا سَبَقَ اسْتِيجَابٌ، فَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ عِوَضًا بِأَنْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي، فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ لَمْ تَطْلُبْ.

وَإِنْ ذَكَرَتْهُ مُبْهَمًا بِأَنْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِبَدَلٍ، فَإِنْ عَيَّنَ الزَّوْجُ الْبَدَلَ فِي الْجَوَابِ فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ وَعَلَيْكِ أَلْفٌ، فَهُوَ كَمَا لَوِ ابْتَدَأَ فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ، فَإِنْ قَبِلَتْ، بَانَتْ بِالْأَلْفِ، وَإِلَّا فَلَا طَلَاقَ.

وَإِنْ أَبْهَمَ الْجَوَابَ فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ بِالْبَدَلِ، أَوْ طَلَّقْتُكِ، بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَإِنْ عَيَّنَتِ الْبَدَلَ، فَقَالَتْ: طَلِّقْنِي، فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ وَعَلَيْكِ أَلْفٌ، بَانَتْ بِالْأَلْفِ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهَا طَلَبٌ، وَشَاعَ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ فِي طَلَبِ الْعِوَضِ وَإِلْزَامِهِ، كَانَ كَقَوْلِهِ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ.

وَلَوِ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: طَلَبْتِ مِنِّي الطَّلَاقَ بِبَدَلٍ. فَقُلْتَ فِي جَوَابِكِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْكِ أَلْفٌ، فَقَالَتْ: بَلِ ابْتَدَأْتَ فَلَا شَيْءَ لَكَ، صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا فِي نَفْيِ الْعِوَضِ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ لِقَوْلِهِ.

ص: 404

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُكِ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكِ أَلْفًا، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ. فَإِذَا قَبِلَتْ، بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْمَالُ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْأُمِّ» وَفِي «عُيُونِ الْمَسَائِلِ» ، وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ.

وَمُقْتَضَاهُ انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ: بِعْتُكِ هَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي عَلَيْكِ أَلْفٌ، وَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ أَنْ يُجْعَلَ كِنَايَةً فِي الْبَيْعِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ.

قَالَ: فَإِنْ فُسِّرَ بِالْإِلْزَامِ، فَفِي قَبُولِهِ وَجْهَانِ.

قَالَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» : لَا، وَغَيْرُهُ: نَعَمْ.

الثَّالِثَةُ: قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا، أَوْ إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ: ضَمِنْتُ، طُلِّقَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ.

وَلَوْ قَالَ: مَتَى ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ يُعْتَبَرِ الْمَجْلِسُ بَلْ مَتَى ضَمِنَتْ طُلِّقَتْ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ قَبْلَ الضَّمَانِ. وَلَوْ أَعْطَتْهُ الْمَالَ وَلَمْ يَقُلْ: ضَمِنْتِ أَوْ قَالَ: شِئْتِ بَدَلَ ضَمِنْتِ، لَمْ تُطَلَّقْ. وَلَوْ ضَمِنَتْ أَلْفَيْنِ، طُلِّقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا مَعَ زِيَادَةٍ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ، فَقَالَتْ: قَبِلْتُ بِأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ صِيغَةُ مُعَاوَضَةٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا تَوَافُقُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.

فَرْعٌ

قَالَ الزَّوْجُ لَهَا: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، أَوْ جَعَلْتُ أَمْرَ الطَّلَاقِ إِلَيْكِ، فَطَلِّقِي نَفْسَكِ إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا، فَقَالَتْ: ضَمِنْتُ وَطَلَّقْتُ نَفْسِي، أَوْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ وَضَمِنْتُ، بَانَتْ بِالْأَلْفِ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ وَالطَّلَاقُ مُقْتَرِنَيْنِ، سَوَاءٌ قَدَّمَتْ لَفْظَ الطَّلَاقِ، أَوِ الضَّمَانِ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا، فَقَالَتْ: ضَمِنْتُ، يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَثْبُتُ الْمَالُ مُقْتَرِنَيْنِ، وَإِنْ تَعَاقَبَ اللَّفْظَانِ، فَلَوْ ضُمِّنَتْ وَلَمْ تُطَلَّقْ، أَوْ طُلِّقَتْ

ص: 405

وَلَمْ تُضَمَّنْ، لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ. وَإِذَا جَمَعَتْهُمَا، اشْتُرِطَ كَوْنُ الضَّمَانِ فِي الْمَجْلِسِ قَطْعًا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ التَّطْلِيقِ فِي الْمَجْلِسِ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إِعْطَاءُ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ قَطْعًا.

وَهَلِ الْمُرَادُ بِالْمَجْلِسِ مَجْلِسُ التَّوَاجُبِ، أَمْ مَجْلِسُ الْقُعُودِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ، وَقَدْ سَبَقَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْقَبُولُ وَالِالْتِزَامُ دُونَ الضَّمَانِ الْمُفْتَقِرِ إِلَى أَصِيلٍ.

الرَّابِعَةُ: سَبَقَ أَنَّهُ إِذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْإِعْطَاءِ، لَا يَقَعُ إِلَّا بِالْإِعْطَاءِ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى الصَّحِيحِ، إِلَّا إِذَا كَانَ بِصِيغَةِ «مَتَى» وَمَا فِي مَعْنَاهَا، فَلَا تَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَارٍ فِي قَوْلِهِ: إِنْ أَقْبَضْتِينِي كَذَا، أَوْ أَدَّيْتِ إِلَيَّ كَذَا.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إِنْ شِئْتِ، اشْتُرِطَ وُجُودُ مَشِيئَتِهَا فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْعَاءٌ لِجَوَابِهَا وَاسْتِبَانَةُ رَغْبَتِهَا.

وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَجْلِسُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مَتَى شَاءَتْ، كَسَائِرِ التَّعْلِيقِ، وَالْمَجْلِسُ مَجْلِسُ التَّوَاجُبِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ.

وَإِذَا قَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ: شِئْتُ وَقَبِلْتُ، فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ فَتُطَلَّقُ وَيَلْزَمُ الْمَالُ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ.

وَإِنِ اقْتَصَرَتْ عَلَى قَوْلِهَا: شِئْتُ، أَوْ قَبِلْتُ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ: يَكْفِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُشْعِرُ بِالرِّضَى وَالِالْتِزَامِ، وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ.

وَالثَّانِي: لَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ [كَانَ جَوَابُهَا قَبِلْتُ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ] إِنْ شِئْتِ، كَانَ جَوَابُهَا شِئْتُ، فَإِذَا جَمَعَهُمَا، اشْتُرِطَ جَمْعُهُمَا فِي الْجَوَابِ.

وَالثَّالِثُ: يَكْفِي قَوْلُهَا: شِئْتُ،

ص: 406

وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا: قَبِلْتُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ مَشِيئَةً، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، فَقَالَتْ: قَبِلْتُ، لَمْ تُطَلَّقْ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِيمَا حَكَى عَنْهُ الْمُعَلِّقُ.

قُلْتُ: هَذَا الثَّالِثُ، هُوَ الْأَصَحُّ بَلِ الصَّحِيحُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَعَلَى الثَّالِثِ: لَا رُجُوعَ لِلزَّوْجِ عَلَى قَاعِدَةِ التَّعْلِيقَاتِ، وَعَلَى الثَّانِي: فِي جَوَازِ رُجُوعِهِ وَجْهَانِ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالْمُعَاوَضَةِ.

وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ بِصِيغَةِ «مَتَى» طُلِّقَتْ مَتَى شَاءَتْ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ.

وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إِنْ شِئْتِ، فَلَيْسَ بِجَوَابٍ لَهَا لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْلِيقِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ.

وَلَوْ نَكَّرَ فَقَالَ: عَلَى أَلْفٍ وَنَوَى مَا ذَكَرَتْ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ. وَإِنْ نَوَى غَيْرَ الدَّرَاهِمِ، فَقَدْ نَقَلَ الْحَنَّاطِيُّ أَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ وَلَا بَدَلَ، وَخَرَّجَ مِنْ عِنْدِهِ أَنَّهُ لَا طَلَاقَ حَتَّى يَتَّصِلَ بِهِ الْقَبُولُ وَالْمَشِيئَةُ، كَمَا لَوِ ابْتَدَأَ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْحَقُّ.

وَلَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَقَدْ حَكَى وَجْهَيْنِ فِي وُقُوعِهِ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا، وَوَجْهَيْنِ إِنْ وَقَعَ بَائِنًا فِي أَنَّ الْوَاجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَمِ الْمُسَمَّى؟ وَمُقْتَضَى جَعْلِهِ مُبْتَدَأً أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ إِلَّا أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ قَبُولٌ وَمَشِيئَةٌ.

الْخَامِسَةُ: فِي حَقِيقَةِ الْإِعْطَاءِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. فَإِنْ سَلَّمَتِ الْمَالَ إِلَيْهِ فَقَبَضَهُ، فَذَاكَ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَفَى وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا أَعْطَتْهُ وَهُوَ يُفَوِّتُ حَقَّهُ.

وَقِيلَ: لَا يَكْفِي الْوَضْعُ، فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ. فَإِذَا أَعْطَتْهُ، دَخَلَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الصَّحِيحِ.

ص: 407

وَقِيلَ: لَا بَلْ يَرُدُّهُ، وَيَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَيَجْرِي هَذَا الْوَجْهُ فِي قَوْلِهِ: إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: ضَمِنْتُ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْمَالِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا بَعِيدٌ، كَدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِعْطَاءِ.

وَإِذَا قَالَ: مَتَى أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَبَعَثَتْهُ عَلَى يَدِ وَكِيلِهَا، فَقَبَضَهُ الزَّوْجُ، لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُعْطِ هِيَ، وَكَذَا لَوْ أَعْطَتْهُ عَنِ الْأَلْفِ عِوَضًا، أَوْ كَانَ لَهَا عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَتَقَاصَّا، لَمْ تُطَلَّقْ.

وَلَوْ حَضَرَتْ وَقَالَتْ لِوَكِيلِهَا الْحَافِظِ لِمَالِهَا: سَلِّمْ إِلَيْهِ، فَسَلَّمَهُ، طُلِّقَتْ وَكَانَ تَمْكِينُهَا الزَّوْجَ مِنَ الْمَالِ الْمَقْصُودِ إِعْطَاءً، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي.

وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْإِقْبَاضِ فَقَالَ: إِنْ أَقْبَضْتِنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي: أَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ، بِخِلَافِ الْإِعْطَاءِ.

فَعَلَى هَذَا، لَا يُمَلَّكُ الْمَقْبُوضُ وَلَيْسَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، بَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا. وَلَا يَخْتَصُّ الْإِقْبَاضُ بِالْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِقْبَاضَ كَالْإِعْطَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيهِ. وَلَوْ قَالَتْ: إِنْ قَبَضْتُ مِنْكَ كَذَا، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: إِنْ أَقْبَضْتِنِي، وَيُعْتَبَرُ فِي الْقَبْضِ الْأَخْذُ بِالْيَدِ، وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَبْضًا، وَلَوْ بَعَثَتْهُ مَعَ وَكِيلِهَا، لَمْ يَكْفِ.

وَلَوْ قَبَضَ مِنْهَا مُكْرَهَةً، طُلِّقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ. وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْإِعْطَاءِ، لَوْ أَخَذَ مِنْهَا كُرْهًا، لَمْ تُطَلَّقْ لِأَنَّهَا لَمْ تُعْطِهِ.

وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي، أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْإِقْبَاضِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إِذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِيَاضِ بِأَنْ يَقُولَ: إِنْ أَقْبَضْتِنِي كَذَا وَجَعَلْتِهِ لِي أَوْ لِأَصْرِفَهُ فِي حَاجَتِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

قُلْتُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي مُتَعَيِّنٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْأَدَاءُ وَالدَّفْعُ وَالتَّسْلِيمُ، كَالْإِقْبَاضِ.

ص: 408

فَرْعٌ

قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْ أَلْفَيْنِ، طُلِّقَتْ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ هُنَا بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ، وَإِعْطَاءُ الْأَلْفَيْنِ يَشْتَمِلُ عَلَى إِعْطَاءِ الْأَلْفِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا فَضَمِنَتْ أَلْفَيْنِ، وَيَلْغُو ضَمَانُ الزِّيَادَةِ عَلَى أَلْفٍ.

وَإِذَا قَبَضَ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الْمُعَلَّقِ بِهِ، كَانَتْ أَمَانَةً عِنْدَهُ، وَيُخَالِفُ هَذَا قَوْلَهُ: خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَالَتْ: قَبِلْتُ بِأَلْفَيْنِ، فَإِنَّهَا لَا تُطَلَّقُ لِعَدَمِ مُوَافَقَةِ الْإِيجَابِ.

السَّادِسَةُ: فِي بَيَانِ مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الدِّرْهَمُ. إِذَا عُلِّقَ الطَّلَاقُ بِإِعْطَائِهِ، وَمَا يَقْبَلُ تَفْسِيرَهُ، وَقَدْ سَبَقَ فِي «الزَّكَاةِ وَالْإِقْرَارِ» قَدْرُ الدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ، وَاسْمُ الدِّرْهَمِ هُنَا يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ الْمَضْرُوبَةِ، سَوَاءٌ كَانَ نَوْعُهُ جَيِّدًا، أَوْ رَدِيئًا، لِسَوَادٍ أَوْ خُشُونَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.

فَإِذَا قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ بِأَيِّ نَوْعٍ أَعْطَتْهُ. لَكِنْ إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ، فَأَتَتْ بِغَيْرِهِ، طُولِبَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ تُنَزَّلُ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ، وَالْخُلْعُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ كَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ.

وَفِي قَوْلٍ: يَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ.

وَإِنْ قُلْنَا بِالرُّجُوعِ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، فَالْمُعْطَى غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِالرُّجُوعِ إِلَى الْغَالِبِ، فَالْمُعْطَى مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ، وَلَهُ رَدُّهُ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْغَالِبِ.

وَذَكَرَ فِي «الْوَسِيطِ» : أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَجِبُ الْإِبْدَالُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. ثُمَّ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ، إِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ، لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيمَا يَرُوجُ هُنَاكَ، وَلَا تُؤَثِّرُ فِي الْإِقْرَارِ وَالتَّعْلِيقِ، بَلْ يَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ فِيهِمَا. أَمَّا فِي التَّعْلِيقِ، فَلِقِلَّةِ وُقُوعِهِ، وَأَمَّا

ص: 409

فِي الْإِقْرَارِ، فَلِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ وُجُوبٍ سَابِقٍ، وَرُبَّمَا تَقَدَّمَ الْوُجُوبُ عَلَى الضَّرْبِ الْغَالِبِ، أَوْ وُجُوبٌ فِي بُقْعَةٍ أُخْرَى.

وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ، فَهَذَا لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ، فَيُنَزَّلُ عَلَى الْغَالِبِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُعَامَلَاتِ.

فَرْعٌ

لَوْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَلَدِ دَرَاهِمَ عَدَدِيَّةً نَاقِصَةَ الْوَزْنِ أَوْ زَائِدَتَهُ، لَمْ يَنْزِلِ الْإِقْرَارُ وَالتَّعْلِيقُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِمَا، وَاللَّفْظُ صَرِيحٌ فِي الْوَازِنَةِ، وَفِي تَنْزِيلِ الْبَيْعِ وَالْمُعَامَلَاتِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ، وَالْعُرْفُ لَا يُغَيِّرُ الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَ يَخُصُّ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ.

وَأَصَحُّهُمَا: التَّنْزِيلُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تُقْصَدُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ. وَفِي قَبُولِ تَفْسِيرِ الْمُقِرِّ بِالنَّاقِصِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ.

وَلَوْ فُسِّرَ الْمُعَلَّقُ بِالدَّرَاهِمِ الْمُعْتَادَةِ، فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً، قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً، قُبِلَ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ تَوْسِيعٌ لِبَابِ الطَّلَاقِ.

فَرْعٌ

لَوْ أَتَتْ بِدَرَاهِمَ مَغْشُوشَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَلَدِ الْمَغْشُوشَةَ، فَقَدْ أَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَا يُنَزَّلُ اللَّفْظُ عَلَيْهَا، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إِلَّا إِذَا أَعْطَتْهُ الْخَالِصَةَ، لَكِنْ تَسْتَرِدُّ مَا أَعْطَتْهُ وَتُعْطِيهِ مَغْشُوشَةً.

وَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ: التَّفْسِيرُ بِالْمَغْشُوشَةِ كَالتَّفْسِيرِ بِالنَّاقِصَةِ. فَإِنْ قُلْنَا: التَّفْسِيرُ بِهِمَا، فَهَلْ تُرَاجِعُهُ لِيُعَبِّرَ عَنْ مَقْصُودِهِ، أَمْ تَأْخُذُ بِالظَّاهِرِ إِلَّا أَنْ يُفَسَّرَ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ فِي «الْبَسِيطِ» .

ص: 410

قُلْتُ: أَفْقَهُهُمَا: الثَّانِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ، بِأَنَّ اللَّفْظَ يُنَزَّلُ عَلَى الْمَغْشُوشَةِ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ إِذَا أَعْطَتْ مَغْشُوشَةً، وَهَلْ تُسَلَّمُ لَهُ الدَّرَاهِمُ بِذَلِكَ؟ قَالَ الْمُتَوَلِّي: يُبْنَى عَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِالْمَغْشُوشَةِ.

إِنْ لَمْ نُجَوِّزْهَا، رَدَّ الدَّرَاهِمَ وَلَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِلَّا سُلِّمَتْ لَهُ الدَّرَاهِمُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَصَحَّ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَلَدِ الدَّرَاهِمَ الْخَالِصَةَ، فَلَا تُطَلَّقُ إِلَّا إِذَا أَعْطَتْ مَا تَبْلُغُ نُقْرَتُهُ أَلْفًا.

وَفِي وَجْهٍ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ بَلَغَتْهُ، كَمَا لَوْ أَعْطَتْهُ سَبِيكَةً. فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الْوُقُوعُ، فَهَلْ يَمْلِكُ الزَّوْجُ الْمَدْفُوعَ إِلَيْهِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ تُنَزَّلُ عَلَى الْغَالِبِ.

وَالثَّانِي: [نَعَمْ] ؛ لِأَنَّ قَبْضَهَا اعْتُبِرَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَكَذَا فِي إِفَادَةِ الْمِلْكِ، لَكِنْ لَهُ الرَّدُّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ. فَإِذَا رَدَّ، رَجَعَ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِلَى أَلْفٍ خَالِصَةٍ فِي قَوْلٍ.

وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْغِشَّ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا بَلَغَتِ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ أَلْفًا، بَقِيَ الْغِشُّ شَيْئًا آخَرَ مَضْمُومًا، فَلَا يَمْلِكُهُ كَمَا لَوْ ضَمَّتْ إِلَى الْأَلْفِ ثَوْبًا.

قُلْتُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَائِلِ بِالْمِلْكِ، أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إِلَى الْغِشِّ لِحَقَارَتِهِ فِي جَنْبِ الْفِضَّةِ، وَيَكُونُ تَابِعًا كَمَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ نَعْلِ الدَّابَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْمُعَامَلَةُ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ، فَذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابَيِ الزَّكَاةِ وَالْبَيْعِ، وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ.

ص: 411

السَّابِعَةُ: قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَوَصَفَهُ بِمَا يُعْتَبَرُ فِي السَّلَمِ، فَأَتَتْ بِهِ بِالصِّفَةِ، طُلِّقَتْ، وَمَلَكَهُ الزَّوْجُ كَمَا قُلْنَا فِي الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ، لَمْ تُطَلَّقْ وَلَا يَمْلِكُهُ.

فَلَوْ كَانَ بِالصِّفَةِ لَكِنَّهُ مَعِيبٌ، فَلَهُ الْخِيَارُ. فَإِنْ رَدَّهُ، رَجَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَبِقِيمَتِهِ سَلِيمًا فِي قَوْلٍ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِسَلِيمٍ بِالصِّفَةِ، وَفِي كِتَابِ الْحَنَّاطِيِّ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْعَبْدَ، بَلْ يَأْخُذُ أَرْشَ الْعَيْبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

أَمَّا إِذَا قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا وَلَمْ يَصِفْ، فَأَعْطَتْهُ عَبْدًا لَهَا، طُلِّقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَلَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَكُونُ مُعَاوَضَةً، وَالْمَجْهُولُ لَا يَكُونُ عِوَضًا، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ قَطْعًا.

وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَالْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا، أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا الْعِوَضُ إِذَا ابْتَدَأَتْ فَسَأَلَتْ طَلَاقًا بِعِوَضٍ، فَقَالَ فِي جَوَابِهَا: إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَسَوَاءٌ إِنْ أَعْطَتْ سَلِيمًا أَوْ مَعِيبًا، أَوْ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ، لِوُقُوعِ اسْمِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ، وَإِمْكَانِ نَقْلِهِ وَتَمْلِيكِهِ.

فَإِنْ أَعْطَتْهُ مُكَاتَبًا، لَمْ تُطَلَّقْ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي أَمَةً، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، فَأَعْطَاهُ أُمَّ وَلَدِهِ.

وَأُشِيرَ فِي الْمَكَاتَبِ إِلَى وَجْهٍ. وَلَوْ وَصَفَ الْعَبْدَ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ صِفَاتِهِ، فَهُوَ كَعَدَمِ الْوَصْفِ فِي أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، لَكِنْ لَوْ أَعْطَتْهُ عَبْدًا بِغَيْرِ الصِّفَةِ، لَمْ تُطَلَّقْ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا تُرْكِيًّا، فَأَعْطَتْهُ هِنْدِيًّا.

وَلَوْ أَتَتْ بِعَبْدٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ مُشْتَرَكٍ لَهَا وَلِغَيْرِهَا، أَوْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَأَتَتْ بِدَرَاهِمَ مَغْصُوبَةٍ، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ.

وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى إِعْطَاءً، وَطُرِدَ الْخِلَافُ فِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ.

قُلْتُ: يَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْمُسْتَأْجَرِ إِذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَغَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 412

وَلَوْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ فَأَعْطَتْهُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَقِيلَ: لَا يَقَعُ، وَقِيلَ: يَقَعُ رَجْعِيًّا.

وَلَوْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي زِقَّ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا إِذَا أَتَتْ بِهِ، بَانَتْ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ. فَإِنْ أَتَتْ بِخَمْرٍ مَغْصُوبَةٍ، بِأَنْ كَانَتْ مُحْتَرَمَةً أَوْ لِذِمِّيٍّ، فَإِنْ قُلْنَا فِي الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ: يَقَعُ الطَّلَاقُ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: الْوُقُوعُ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ هُنَا مُضَافٌ إِلَى مَا يَتَأَتَّى تَمَلُّكُهُ. وَالثَّانِي، الْمَنْعُ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ يَدًا، كَمَا حُمِلَ لَفْظُ الْعَبْدِ عَلَى مَا اخْتَصَّتْ بِهِ مِلْكًا.

وَلَوْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الْحُرَّ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: يَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ.

وَالثَّانِي: لَا يَقَعُ. وَالثَّالِثُ: يَقَعُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِحَالٍ، فَالزَّوْجُ لَمْ يَطْمَعْ بِشَيْءٍ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الْعَبْدَ أَوِ الثَّوْبَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ، طُلِّقَتْ وَمَلَكَهُ، فَإِنْ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا أَوْ مُكَاتَبًا، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ. وَأَصَحُّهُمَا: وُقُوعُهُ لِلْإِشَارَةِ، وَيَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَبِقِيمَتِهِ فِي قَوْلٍ.

وَإِنْ وَجَدَهُ مَعِيبًا، فَلَهُ رَدُّهُ، وَفِيمَا يَرْجِعُ بِهِ الْقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: مَهْرُ الْمِثْلِ. وَالثَّانِي: قِيمَتُهُ سَلِيمًا.

وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بَلْ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي ثَوْبًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ، لَمْ تُطَلَّقْ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ فَإِنْ قَالَ: هَذَا الثَّوْبُ فَأَعْطَتْهُ طُلِّقَتْ، وَفِيمَا يَرْجِعُ بِهِ الْقَوْلَانِ.

وَهَذَا تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الثَّوْبِ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ، وَلَا يَخْفَى مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِعْطَاءَ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي الْمَجْلِسِ.

الثَّامِنَةُ: قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ هَرَوِيٌّ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ وَبَانَ مَرَوِيًّا، لَمْ تُطَلَّقْ.

وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ فَبَانَ مَرَوِيًّا

ص: 413

أَوْ بِالْعَكْسِ، طُلِّقَتْ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صِيغَةَ شَرْطٍ بَلْ أَخْطَأَ فِي الْوَصْفِ.

وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ وَوَصَفَهُ كَمَا يَنْبَغِي، فَأَعْطَتْهُ ثَوْبًا بِالصِّفَةِ، فَبَانَ مَرَوِيًّا، رَدَّهُ وَطَالَبَهَا بِهَرَوِيٍّ بِالصِّفَةِ.

وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَبَانَ مَرَوِيًّا، وَقَعَتِ الْبَيْنُونَةُ وَمَلَكَهُ الزَّوْجُ، وَإِخْلَافُ الصِّفَةِ كَعَيْبٍ، فَلَهُ خِيَارُ الْخُلْفِ. وَقِيلَ: إِنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ عَنِ الْهَرَوِيِّ، فَلَا خِيَارَ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ وَلَا نَقْصَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

فَإِنَّ رَدَّ، رَجَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَبِقِيمَةِ هَرَوِيٍّ فِي الثَّانِي. فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا بَعْدَ تَلَفِهِ أَوْ تَعَيُّبِهِ فِي يَدِهِ وَتَعَذَّرَ الرَّدُّ، رَجَعَ بِقَدْرِ النَّقْصِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَبِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنَ الْقِيمَةِ فِي الثَّانِي، وَلَيْسَ لَهُ هُنَا طَلَبُ هَرَوِيٍّ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ هُنَا بِالْعَقْدِ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ: وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَةِ لَيْسَ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، كَمَا سَبَقَ فِي النِّكَاحِ.

فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ، فَالْعِوَضُ فَاسِدٌ فَلَيْسَ لَهُ إِمْسَاكُهُ، وَيَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، أَوْ قِيمَةِ الثَّوْبِ مَرَوِيًّا عَلَى قَوْلٍ. وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ، عَلَى أَنَّهُ كَتَّانٌ فَخَرَجَ قُطْنًا أَوْ بِالْعَكْسِ، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ: أَنَّهُ كَاخْتِلَافِ الصِّفَةِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي خُرُوجِهِ مَرَوِيًّا. وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ: أَنَّ الْعِوَضَ فَاسِدٌ وَتَقَعُ الْبَيْنُونَةُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَبِقِيمَةِ ثَوْبِ كَتَّانٍ فِي قَوْلٍ، وَلَيْسَ لَهُ إِمْسَاكُهُ، وَهَؤُلَاءِ قَالُوا: لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ كَتَّانٌ فَبَانَ قُطْنًا، بَطَلَ الْبَيْعُ.

وَلَوْ قَالَتْ: خَالِعْنِي عَلَى هَذَا الثَّوْبِ فَإِنَّهُ هَرَوِيٌّ، فَخَالَعَهَا عَلَيْهِ فَبَانَ مَرَوِيًّا، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ؛ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ.

قَالَ الْمُتَوَلِّي: لَوْ قَالَتْ: هَذَا الثَّوْبُ هَرَوِيٌّ فَقَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الثَّوْبَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ فَبَانَ مَرَوِيًّا، بُنِيَ عَلَى الْمُتَوَاطَأِ عَلَيْهِ

ص: 414

قَبْلَ الْعَقْدِ، كَالْمَشْرُوطِ فِيهِ أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا، نَعَمْ، لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ، وَإِلَّا وَقَعَ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ الثَّوْبُ. وَلَوْ قَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ وَهُوَ هَرَوِيٌّ فَبَانَ خِلَافُهُ، فَلَا رَدَّ لِأَنَّهُ لَا تَغْرِيرَ مِنْ جِهَتِهِمَا، وَلَا اشْتِرَاطَ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ.

فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: وَهُوَ هَرَوِيٌّ أَفَادَ الِاشْتِرَاطَ فِي قَوْلِهِ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ هَرَوِيٌّ، حَتَّى لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ إِذَا لَمْ يَكُنْ هَرَوِيًّا، فَلِمَ لَمْ يُفِدِ الِاشْتِرَاطُ فِي قَوْلِهِ: خَالَعْتُكِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ وَهُوَ هَرَوِيٌّ، حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنَ الرَّدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ هَرَوِيًّا كَمَا لَوْ قَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُوَ هَرَوِيٌّ دَخَلَ هُنَاكَ عَلَى كَلَامٍ غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الثَّوْبَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ، فَيَتَقَيَّدُ بِمَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ بِالْفَرَاغِ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَنْتِ طَالِقٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: خَالَعْتُكِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ، فَكَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ، فَجُعِلَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَهُوَ هَرَوِيٌّ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً، وَلَمْ يَتَقَيَّدْ بِهَا الْأَوَّلُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الْبَابُ الرَّابِعُ فِي سُؤَالِ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ بِمَالٍ، بِاخْتِلَاعِ الْأَجْنَبِيِّ.

فِيهِ أَطْرَافٌ.

الْأَوَّلُ: فِي أَلْفَاظِهَا وَفِيهِ مَسَائِلُ.

الْأُولَى: إِذَا قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِكَذَا، أَوْ عَلَى كَذَا، أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَ كَذَا، أَوْ أَنْ أَضْمَنَ لَكَ، أَوْ إِنْ طَلَّقْتَنِي، أَوْ إِذَا طَلَّقْتَنِي، أَوْ مَتَى طَلَّقْتَنِي، فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، فَهَذِهِ كُلُّهَا صِيَغٌ صَحِيحَةٌ فِي الِالْتِزَامِ، وَيَخْتَصُّ الْجَوَابُ فِي

ص: 415

الْمَجْلِسِ بِلَا خِلَافٍ، فِي «مَتَى» وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَتَى أَعْطَيْتِنِي، وَقَدْ سَبَقَ الْفَرْقُ.

الثَّانِيَةُ: قَالَتْ: إِنْ طَلَّقْتَنِي فَابْرَأْ مِنْ صَدَاقِي، أَوْ فَقَدْ أَبْرَأْتُكَ، فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ، وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَمْ يَبْرَأْ مِنَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَطَلَاقُ الزَّوْجِ طَمَعًا فِي الْبَرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ صَحِيحٌ فِي الِالْتِزَامِ لَا يُوجِبُ عِوَضًا، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْجَدِيدِ، الْأَظْهَرُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِبْرَاءِ لَا يَصِحُّ، وَكَانَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: طَلَّقَ طَمَعًا فِي عِوَضٍ، وَرَغِبَتْ هِيَ فِي الطَّلَاقِ بِالْبَرَاءَةِ فَيَكُونُ فَاسِدًا كَالْخَمْرِ.

الثَّالِثَةُ: قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، فَقَالَ طَلَّقْتُكِ، بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهَا صِيغَةُ الْتِزَامٍ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ، بَلْ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: طَلَّقْتُكِ، وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَإِنْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ، احْتَاجَ إِلَى قَبُولِهَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُهَا: طَلِّقْنِي وَأَضْمَنُ لَكَ أَلْفًا. وَلَوْ قَالَتْ: وَأُعْطِيكَ أَلْفًا، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا مُطْلَقًا، وَقَعَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الضَّمَانِ يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ، بِخِلَافِ الْإِعْطَاءِ وَلَمْ يَطَّرِدُوا الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ هُنَا فِي الْجَعَالَةِ، بَلْ لَوْ قَالَ: رُدَّ عَبْدِي وَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، فَرَدَّهُ، لَزِمَ الْمَالُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِيَ: بِعْنِي هَذَا وَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، فَقَالَ: بِعْتُ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَنْعَقِدُ كَالِاخْتِلَاعِ وَالْجَعَالَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي الْبَيْعِ، كَالتَّعْلِيقِ، وَفِيمَا عُلِّقَ عَنِ الْإِمَامِ، أَنَّ هَذَا أَصَحُّ.

وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ؟ فَأَمَّا كَوْنُهُ كِنَايَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ.

الرَّابِعَةُ: قَالَتْ: طَلِّقْنِي عَلَى أَلْفٍ، أَوْ أَتَتْ بِصِيغَةٍ أُخْرَى صَرِيحَةٍ فِي الِالْتِزَامِ،

ص: 416

فَإِنْ أَجَابَهَا وَأَعَادَ ذِكْرَ الْمَالِ، فَذَاكَ، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: طَلَّقْتُكِ، كَفَى وَانْصَرَفَ إِلَى السُّؤَالِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ.

وَلَوْ قَالَ: قَصَدْتُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الْجَوَابِ، قُبِلَ وَكَانَ رَجْعِيًّا، فَإِنِ اتَّهَمَتْهُ، حَلَّفَتْهُ.

الْخَامِسَةُ: اللَّفْظُ الدَّائِرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، إِنْ كَانَ صَرِيحًا مِنْهُمَا، فَذَاكَ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُمَا كِنَايَةً، بِأَنْ قَالَتْ: أَبِنِّي، قَالَ: أَبَنْتُكِ، فَإِنْ نَوَيَا الطَّلَاقَ، نَفَذَ وَلَزِمَ الْمَالُ إِنْ ذَكَرَا مَالًا.

وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ، فَلَا فُرْقَةَ، وَإِنْ نَوَى دُونَهَا، نُظِرَ، إِنْ جَرَى ذِكْرُ الْمَالِ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ، لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ رَبَطَ الطَّلَاقَ بِالْمَالِ وَهِيَ لَمْ تَسْأَلِ الْفِرَاقَ، وَلَمْ تَلْتَزِمِ الْمَالَ فِي مُقَابَلَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ ذِكْرُ الْمَالِ فِي الطَّرَفَيْنِ وَقَعَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ، وَإِنْ ذَكَرَ هُوَ الْمَالَ دُونَهَا، فَلَا طَلَاقَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَسْأَلْ فُرْقَةً، وَهُوَ إِنْشَاءُ فُرْقَةٍ عَلَى مَالٍ، وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ قَبُولٌ.

وَإِنْ ذَكَرَتْ هِيَ الْمَالَ، فَقَالَتْ: أَبِنِّي عَلَى أَلْفٍ، فَقَالَ: أَبَنْتُكِ، فَلَا طَلَاقَ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ ذَكَرَ الْمَالَ. وَقِيلَ: يَقَعُ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ قَالَ: قَصَدْتُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الْجَوَابِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا قَطْعًا.

أَمَّا إِذَا كَانَ لَفْظُ أَحَدِهِمَا صَرِيحًا وَالْآخَرُ كِنَايَةً، فَالْكِنَايَةُ مَعَ النِّيَّةِ كَالصَّرِيحِ، وَدُونَ النِّيَّةِ لَغْوٌ.

وَعَنِ ابْنِ خَيْرَانَ، أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي فَقَالَ: أَبَنْتُكِ وَنَوَى، لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَقْوَى، فَالْمَأْتِيُّ بِهِ غَيْرُ الْمَسْئُولِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي سُؤَالِهَا عَدَدًا، فِيهِ مَسَائِلُ.

إِحْدَاهَا: قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ وَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، أَوْ إِنْ طَلَّقْتَنِي ثَلَاثًا، فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ.

الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ طَلْقَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَالثَّانِي: لَا يَقَعُ طَلَاقٌ. وَالثَّالِثُ: يَقَعُ طَلْقَةً بِمَهْرِ

ص: 417

الْمِثْلِ، وَالرَّابِعُ: طَلْقَةٌ بِثُلُثِ مَهْرِ الْمِثْلِ. حَكَى الْحَنَّاطِيُّ الْأَخِيرَيْنِ.

فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ، اسْتَحَقَّ ثُلُثَيِ الْأَلْفِ. وَإِنْ طَلَّقَ طَلْقَةً وَنِصْفًا، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ ثُلُثَيِ الْأَلْفِ، أَمْ نِصْفَهُ؟ وَجْهَانِ.

قُلْتُ: الثَّانِي أَرْجَحُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إِلَّا طَلْقَةً، فَطَلَّقَهَا تِلْكَ الطَّلْقَةَ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ مَقْصُودُ الثَّلَاثِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى.

وَلِلْأَصْحَابِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا عِنْدَ الْقَفَّالِ وَالشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَكِبَارِ الْأَصْحَابِ وَأَكْثَرِهِمْ: وُجُوبُ جَمِيعِ الْأَلْفِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا طَلْقَةٌ أَمْ ظَنَّتْ بَقَاءَ الثَّلَاثِ، وَالثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا ثُلُثَ الْأَلْفِ فِي الْحَالَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ خَيْرَانَ، وَالثَّالِثُ: إِنْ عَلِمَتِ اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ، وَإِلَّا فَثُلُثَهُ، قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ.

وَالرَّابِعُ: يَسْتَحِقُّ مَهْرَ الْمِثْلِ، قَالَهُ صَاحِبُ «التَّلْخِيصِ» . وَالْخَامِسُ: لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ كَمَا سَأَلَتْ، حَكَاهُمَا الْحَنَّاطِيُّ.

وَلَوْ سَأَلَتِ الثَّلَاثَ بِأَلْفٍ وَلَا يَمْلِكُ إِلَّا طَلْقَتَيْنِ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَكَذَا عَلَى الثَّانِي، وَلَهُ النِّصْفُ عَلَى الثَّالِثِ إِنْ عَلِمَتْ، وَإِلَّا فَالثُّلُثُ.

وَإِنْ طَلَّقَهَا الطَّلْقَتَيْنِ، فَعَلَى النَّصِّ لَهُ الْأَلْفُ، وَعَلَى الثَّانِي ثُلُثَاهُ، وَعَلَى الثَّالِثِ إِنْ عَلِمَتْ، فَالْأَلْفُ، وَإِلَّا فَثُلُثَاهُ، وَزَادَ الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا رَابِعًا، وَهُوَ الرُّجُوعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَخَامِسًا: وَهُوَ ثُلُثَا مَهْرِ الْمِثْلِ، وَسَادِسًا: وَهُوَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي عَشْرًا بِأَلْفٍ، فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ الثَّلَاثَ، فَالْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ الْجَارِي عَلَى قِيَاسِ النَّصِّ، أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْوَاحِدَةِ عُشُرَ الْأَلْفِ، وَبِالثِّنْتَيْنِ عُشُرَيْهِ، وَبِالثَّلَاثِ جَمِيعَ

ص: 418

الْأَلْفِ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ التَّوْزِيعُ عَلَى الثَّلَاثِ وَالزِّيَادَةُ لَغْوٌ، فَيَسْتَحِقُّ بِالْوَاحِدَةِ الثُّلُثَ، وَبِالطَّلْقَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَطُرِدَ الْوَجْهَانِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْمُزَنِيِّ. فَعَلَى الْأَشْهَرِ تَسْتَحِقُّ بِالثَّلَاثِ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِ الْأَلْفِ.

وَعَلَى الثَّانِي تَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ تَوْزِيعًا عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ. وَعَلَى قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، تَسْتَحِقُّ بِالثَّلَاثِ الْجَمِيعَ، وَبِالْوَاحِدَةِ الثُّلُثَ، وَبِالثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ لَغْوٌ.

فَإِنْ ظَنَّتْ أَنَّهُ يَمْلِكُ عَشْرًا، بِأَنْ كَانَتْ قَرِيبَةَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، فَالْقِيَاسُ عَوْدُ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الْأَلْفِ أَمِ الْجَمِيعُ؟ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ إِلَّا طَلْقَتَيْنِ فَسَأَلَتْهُ عَشْرًا، فَعَلَى قِيَاسِ النَّصِّ، إِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، اسْتَحَقَّ عُشُرَ الْأَلْفِ أَوِ الثُّلُثَ.

وَإِنْ طَلَّقَ ثِنْتَيْنِ، فَتَمَامُ الْأَلْفِ. وَعَلَى قِيَاسِ الْمُزَنِيِّ، الْمُسْتَحَقُّ الْعُشُرُ أَوِ الْعُشُرَانِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَالثُّلُثُ أَوِ الثُّلُثَانِ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ.

وَعَلَى قَوْلِ الْفَارِقِ إِنْ عَلِمَتْ، فَلَهُ بِالْوَاحِدَةِ النِّصْفُ، وَبِالثِّنْتَيْنِ الْجَمِيعُ. وَإِنْ ظَنَّتْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الثَّلَاثَ، فَبِالْوَاحِدَةِ الثُّلُثُ، وَبِالثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ.

قَالَ الْأَصْحَابُ: وَالضَّابِطُ عَلَى النَّصِّ، أَنَّ الزَّوْجَ إِنْ مَلَكَ الْعَدَدَ الْمَسْئُولَ كُلَّهُ فَأَجَابَهَا، فَلَهُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ أَجَابَهَا بِبَعْضِهِ، فَلَهُ قِسْطُهُ بِالتَّوْزِيعِ.

وَإِنْ مَلَكَ بَعْضَ الْمَسْئُولِ، فَإِنْ تَلَفَّظَ بِالْمَسْئُولِ أَوْ حَصَلَ مَقْصُودُهَا بِمَا أَوْقَعَ، فَلَهُ الْمُسَمَّى، وَإِلَّا فَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى الْعَدَدِ الْمَسْئُولِ عَلَى الْأَشْهَرِ.

وَعَلَى قَوْلِ الْمُزَنِيِّ، التَّوْزِيعُ عَلَى الْمَسْئُولِ أَبَدًا، وَكَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْوَجْهِ الْفَارِقِ إِنْ جَهِلَتْ. فَإِنْ عَلِمَتْ، فَالتَّوْزِيعُ عَلَى الْمَمْلُوكِ دُونَ الْمَسْئُولِ، فَلَوْ مَلَكَ الثَّلَاثَ فَسَأَلَتْهُ سِتًّا بِأَلْفٍ، فَعَلَى النَّصِّ وَقَوْلِ الْمُزَنِيِّ: لَهُ بِالْوَاحِدَةِ السُّدُسُ، وَبِالثِّنْتَيْنِ الثُّلُثُ. فَإِنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا، فَعَلَى النَّصِّ: لَهُ الْجَمِيعُ، وَعِنْدَ الْمُزَنِيِّ: لَهُ النِّصْفُ وَعَلَى الْوَجْهِ: لَهُ بِالْوَاحِدَةِ الثُّلُثُ، وَبِالثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَبِالثَّلَاثِ الْجَمِيعُ.

ص: 419

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَهُوَ يَمْلِكُ الثَّلَاثَ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ بِأَلْفٍ وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا، فَنَقَلَ الْفُورَانِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمْ، أَنَّ الْأُولَى تَقَعُ بِثُلُثِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِوَاحِدَةٍ إِلَّا بِثُلُثِ الْأَلْفِ كَالْجَعَالَةِ، وَلَا يَقَعُ الْأُخْرَيَانِ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى.

وَقَالَ الْإِمَامُ: الْقِيَاسُ الْحَقُّ، أَنْ لَا تَجْعَلَ كَلَامَهُ جَوَابًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ إِلَّا بِالْأَلْفِ، وَإِذَا لَمْ يُوَافِقْ كَلَامُهُ سُؤَالَهَا، كَانَ مُبْتَدِئًا، فَإِذَا لَمْ تَقْبَلْ، لَا تَقَعُ الطَّلْقَةُ، كَمَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ، فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، لَا يَقَعُ.

وَإِذَا لَمْ تَقَعِ الْوَاحِدَةُ، وَقَعَ الْأُخْرَيَانِ رَجْعِيَّتَيْنِ، وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا قَالَ، وَهُوَ حَسَنٌ مُتَّجِهٌ، وَالْأَوَّلُ بَعِيدٌ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَا فِي «التَّهْذِيبِ» ، أَنَّهُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ بِالْأَلْفِ، وَلَا تَقَعُ الْأُخْرَيَانِ، وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ مِنَ النَّاسِخِ.

وَلَوْ سَأَلَتْهُ الثَّلَاثَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا، فَقَدْ وَافَقَ كَلَامُهُ مَا اقْتَضَاهُ السُّؤَالُ مِنَ التَّوْزِيعِ، وَزَالَ الْإِشْكَالُ، فَتَبِينُ بِالْأُولَى، وَلَا تَقَعُ الْأُخْرَيَانِ، وَنَقَلَ الْأَئِمَّةُ: إِنْ أَمْكَنَ تَأْوِيلُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَلْيَفْعَلْ.

وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ ثِنْتَيْنِ بِأَلْفٍ وَوَاحِدَةً مَجَّانًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ: تَقَعُ الثِّنْتَانِ بِثُلُثَيِ الْأَلْفِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَقَعَانِ. وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً مَجَّانًا وَثِنْتَيْنِ بِثُلُثَيِ الْأَلْفِ، أَوْ ثِنْتَيْنِ مَجَّانًا وَوَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَقَعَ مَا أَوْقَعَهُ مَجَّانًا، وَيُبْنَى مَا بَعْدَهُ عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّجْعِيَّةِ إِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَالْجَدِيدُ صِحَّتُهُ.

فَعَلَى هَذَا: تَقَعُ الثِّنْتَانِ بِثُلُثَيِ الْأَلْفِ، وَعَلَى الْقَدِيمِ: يَقَعَانِ بِلَا عِوَضٍ لِمَا سَبَقَ أَنَّ خُلْعَ الرَّجْعِيَّةِ عَلَى هَذَا كَالسَّفِيهَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا، بَانَتْ بِمَا أَوْقَعَهُ مَجَّانًا، فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهُ.

ص: 420

وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً مَجَّانًا وَثِنْتَيْنِ بِالْأَلْفِ، فَفِي «التَّهْذِيبِ أَنَّهُ» إِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَعَتِ الْأُولَى مَجَّانًا وَالثِّنْتَانِ بِثُلُثَيِ الْأَلْفِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ تَمَامَ الْأَلْفِ وَإِنْ حَصَلَ غَرَضُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا وَقَعَ الْمَمْلُوكُ مِنَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَالِ، وَهُنَا أَوْقَعَ بَعْضَ الْمَمْلُوكِ مَجَّانًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِشْكَالَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ يَعُودُ هُنَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِالطَّلْقَتَيْنِ إِلَّا بِثُلُثَيِ الْأَلْفِ وَقَدْ أَوْقَعَهُمَا بِأَلْفٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْعَلَ كَلَامًا مُبْتَدَأً. فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ قَبُولٌ، لَغَا.

وَفِي «التَّهْذِيبِ» أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا، وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، وَقَعَ الثَّلَاثُ وَاسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْأَلْفِ، وَيَعُودُ فِيهِ الْإِشْكَالُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَعَ الثَّلَاثُ وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ. وَهَلِ الْأَلْفُ فِي مُقَابَلَةِ الثَّلَاثِ أَمِ الْوَاحِدَةِ؟ وَجْهَانِ.

ظَاهِرُ النَّصِّ: ثَانِيهِمَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِلَافِ فَائِدَةٌ حِكَمِيَّةٌ.

وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: بِعْتَكَهُ مَعَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ كَالْجَعَالَةِ.

وَقِيلَ: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ الْمَسْئُولِ خَاصَّةً. وَلَوْ أَعَادَ فِي الْجَوَابِ ذِكْرَ الْأَلْفِ. فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، فَهَلْ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِأَلْفٍ، أَمِ الثَّلَاثُ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، أَمْ وَاحِدَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَلَا يَقَعُ الْأُخْرَيَانِ أَمْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَصْلًا؟ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: الْأَوَّلُ.

وَيَنْبَغِي أَنْ تَطَّرِدَ هَذِهِ الْأَوْجُهُ فِيمَا إِذَا لَمْ يُعِدْ ذِكْرَ الْأَلْفِ. وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَقَعُ الطَّلْقَتَانِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَلْفَ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، إِذْ لَمْ تَحْصُلِ الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى، فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ خَالَفَ وَلَمْ تَحْصُلِ الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى.

ص: 421

الرَّابِعَةُ: قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَمْ بِأَلْفٍ وَيُلْغَى قَوْلُهُ: بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِقَوْلِهِ: طَلَّقْتُكِ وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ، أَمْ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا لَوْ خَالَفَتْ فِي قَبُولِهَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.

أَصَحُّهَا: الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي عَبْدَكَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: بِعْتُكَ بِخَمْسِمِائَةٍ، لَمْ يَنْعَقِدِ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ. وَقِيلَ: يَصِحُّ بِخَمْسِمِائَةٍ.

الْخَامِسَةُ: قَالَتْ: طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا دِرْهَمًا، فَطَلَّقَهَا عَلَى دَنَانِيرَ، كَانَ مُبْتَدِئًا بِكَلَامِهِ، فَيُنْظَرُ، أَيَتَّصِلُ بِهِ قَبُولٌ أَمْ لَا؟ .

وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، سُئِلَ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ مُقَابَلَةَ الْأُولَى بِالْأَلْفِ، وَقَعَتِ الْأُولَى بِالْأَلْفِ وَلَمْ تَقَعِ الْأُخْرَيَانِ.

وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الثَّانِيَةَ بِالْأَلْفِ، وَقَعَتِ الْأُولَى رَجْعِيَّةً، وَيَجِيءُ فِي الثَّانِيَةِ الْقَوْلَانِ فِي خُلْعِ الرَّجْعِيَّةِ، فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، لَغَتِ الثَّالِثَةُ، وَإِلَّا فَلَا.

وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الثَّالِثَةَ، وَقَعَتِ الْأُولَيَانِ بِلَا عِوَضٍ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْخِلَافُ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ مُقَابَلَةَ الْجَمِيعِ بِالْأَلْفِ، وَقَعَتِ الْأُولَى بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَلَغَتِ الْأُخْرَيَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: بَانَتِ الْأُولَى بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهَا، وَلَغَتِ الْأُخْرَيَانِ.

وَذَكَرَ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» مِثْلَ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا إِذَا ابْتَدَأَ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ بِأَلْفٍ، وَلْيُشْتَرَطْ فِيهِ مُطَابَقَةُ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ. وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ بِأَلْفٍ، انْقَطَعَ احْتِمَالُ مُقَابَلَةِ الْجَمِيعِ بِالْأَلْفِ، وَالْبَاقِي كَمَا ذَكَرْنَاهُ.

ص: 422

هَذَا إِذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ، وَأَرَادَ مُقَابَلَةَ غَيْرِ الْأُولَى بِالْأَلْفِ، بَانَتِ الْأُولَى، وَلَغَا مَا بَعْدَهَا. وَلَوْ قَالَتْ لَهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إِلَّا طَلْقَةً: طَلِّقْنِي طَلْقَتَيْنِ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ طَلْقَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا بِأَلْفٍ، وَالثَّانِيَةُ مَجَّانًا، اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ.

وَإِنْ قَالَ: الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا بِأَلْفٍ، وَقَعَتِ الْأُولَى بِلَا عِوَضٍ وَلَغَتِ الثَّانِيَةُ. وَإِنْ قَالَ: إِحْدَاهُمَا بِأَلْفٍ، أَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: طَلَّقْتُكِ طَلْقَتَيْنِ، سُئِلَ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ شَيْئًا، فَفِي اسْتِحْقَاقِهِ الْمَالَ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ لِمُطَابَقَةِ الْجَوَابِ السُّؤَالَ.

وَلَوْ أَعَادَ ذِكْرَ الْمَالِ، فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ طَلْقَتَيْنِ بِأَلْفٍ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ خَمْسَمِائَةٍ عَمَلًا بِالتَّوْزِيعِ، أَمْ أَلْفًا لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، وَبِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ.

فَرْعٌ

لَوْ لَمْ يَمْلِكْ إِلَّا طَلْقَةً، فَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، طَلْقَةً أُحَرَّمُ بِهَا فِي الْحَالِ، وَطَلْقَتَيْنِ يَقَعَانِ عَلَيَّ إِذَا نَكَحْتَنِي بَعْدَ زَوْجٍ، أَوْ تَكُونَانِ فِي ذِمَّتِكَ تُنْجِزُهُمَا حِينَئِذٍ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَقَعَتِ الْوَاحِدَةُ، وَلَغَا كَلَامُهُمَا فِي الْأُخْرَتَيْنِ.

ثُمَّ النَّصُّ فِي «الْمُخْتَصَرِ» : أَنَّ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ، وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَأَصَحُّهُمَا عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ مَمْلُوكٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ أَبْطَلْنَا، فَلَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ صَحَّحْنَا، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْعِوَضِ لِتَبْعِيضِ مَقْصُودِهَا، فَإِنْ فَسَخَتْ، فَلَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَجَازَتْ، فَهَلْ يُجِيزُ بِكُلِّ الْأَلْفِ، أَمْ بِثُلُثِهِ عَمَلًا بِالتَّقْسِيطِ؟ قَوْلَانِ كَالْبَيْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ هُنَا بِالتَّقْسِيطِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْفَسْخِ

ص: 423

يَدْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالطَّلَاقُ هُنَا لَا مَدْفَعَ لَهُ، فَيَبْعُدُ إِلْزَامُهَا بِوَاحِدَةٍ مَا الْتَزَمَتْهُ لِلثَّلَاثِ.

السَّادِسَةُ: قَالَتْ: طَلِّقْنِي نِصْفَ طَلْقَةٍ بِأَلْفٍ، أَوْ طَلِّقْ نِصْفِي، أَوْ يَدِي، أَوْ رِجْلِي بِأَلْفٍ، فَأَجَابَهَا بِذَلِكَ، أَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: طَلَّقْتُكِ نِصْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ طَلَّقْتُ نِصْفَكِ بِأَلْفٍ، فَقَبِلَتْ، فَلَا يَخْفَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مُكَمَّلًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَجَعَلْنَاهُ طَلَاقًا.

ثُمَّ الْوَاجِبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الصَّحِيحِ لِفَسَادِ صِيغَةِ الْمُعَاوَضَةِ.

وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا نِصْفَ بَيْعَةٍ، أَوْ بِعْتُهُ لِنِصْفِكَ أَوْ لِيَدِكَ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَإِذَا فَسَدَتِ الصِّيغَةُ، تَعَيَّنَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ الْخِلَافُ فِي الرُّجُوعِ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَبَدَلِ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي الْمُسَمَّى. وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا وَاخْتَارَهُ: أَنَّهُ يَجِبُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ كَمَّلَ ذَلِكَ الْمُبَعَّضَ فَصَارَ كَتَكْمِيلِهَا.

الطَّرَفُ الثَّالِثُ: فِي تَعْلِيقِهَا بِزَمَانٍ وَفِيهِ مَسَائِلُ.

الْأُولَى: قَالَتْ: طَلِّقْنِي غَدًا وَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، أَوْ إِنْ طَلَّقْتَنِي غَدًا فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، أَوْ قَالَتْ: خُذْ هَذَا الْأَلْفَ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي غَدًا فَأَخَذَهُ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَلْزَمِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ فِي الطَّلَاقِ وَالطَّلَاقُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.

ثُمَّ إِنْ طَلَّقَهَا فِي الْغَدِ أَوْ قَبْلَهُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَلَزِمَهَا الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ إِنْ طَلَّقَ فِي الْغَدِ، فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهَا.

وَإِنَّ طَلَّقَ قَبْلَهُ، فَقَدْ زَادَهَا كَمَا لَوْ سَأَلَتْ طَلْقَةً فَطَلَّقَ ثَلَاثًا. فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ الِابْتِدَاءَ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَفِي الْمَالِ الْوَاجِبِ طَرِيقَانِ.

الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ: مَهْرُ الْمِثْلِ. وَالثَّانِي: قَوْلَانِ. ثَانِيهِمَا: الْمُسَمَّى.

ص: 424

وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَالِمًا بِبُطْلَانِ مَا جَرَى، وَبَيْنَ تَطْلِيقِهَا جَاهِلًا بِبُطْلَانِهِ؟ قَالَ الْقَاضِيَ حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ: يُفَرَّقُ وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ إِذَا طَلَّقَهَا عَالِمًا، بَلْ يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ، وَاسْتَشْهَدَ بِالْخُلْعِ عَلَى الْخَمْرِ وَسَائِرِ الْأَعْوَاضِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْمَالِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ.

وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْغَدِ، نَفَذَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ قَوْلَهَا، فَكَانَ مُبْتَدِئًا، فَإِنْ ذَكَرَ مَالًا، اشْتُرِطَ فِي وُقُوعِهِ الْقَبُولُ.

الثَّانِيَةُ: قَالَتْ: لَكَ أَلْفٌ إِنْ طَلَّقْتَنِي فِي هَذَا الشَّهْرِ وَلَمْ تُؤَخِّرْ تَطْلِيقِي عَنْهُ، أَوْ قَالَتْ: خُذْ هَذَا الْأَلْفَ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي فِي هَذَا الشَّهْرِ مَتَى شِئْتَ، فَهُوَ بَاطِلٌ وَأَوْلَى بِالْبُطْلَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْغَدِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الشَّهْرِ كَانَ مُبْتَدِئًا، وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الشَّهْرِ، وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا. وَفِي الْمَالِ الْوَاجِبِ الطَّرِيقَانِ.

وَلَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْمَجْلِسِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ، وَفِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، أَنَّهَا إِذَا قَالَتْ: مَتَى طَلَّقْتَنِي فَلَكَ أَلْفٌ يُشْتَرَطُ التَّطْلِيقُ فِي الْمَجْلِسِ.

وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، أَحَدُهُمَا: طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا، وَالْمَذْهَبُ: الْفَرْقُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ «مَتَى» ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ التَّأَخُّرِ، لَكِنَّ قَرِينَةَ الْعِوَضِ خَصَّتْهَا بِالْمَجْلِسِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَهُنَا صَرَّحَتْ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ، فَضَعُفَتِ الْقَرِينَةُ عَنْ مُقَاوَمَةِ الصَّرِيحِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّسْوِيَةِ: هِيَ اشْتِرَاطُ الْمَجْلِسِ وَعَدَمِهِ، وَالْمُسَمَّى صَحِيحٌ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِلَا خِلَافٍ.

الثَّالِثَةُ: قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ طَلَاقًا يَمْتَدُّ تَحْرِيمُهُ إِلَى شَهْرٍ، ثُمَّ أَكُونُ فِي نِكَاحِكَ حَلَالًا لَكَ، فَطَلَّقَهَا كَذَلِكَ، وَقَعَ الطَّلَاقُ مُؤَبَّدًا، وَفِي قَدْرِ الْمَالِ الْوَاجِبِ

ص: 425

الطَّرِيقَانِ، وَطَرِيقَةُ الْقَطْعِ هُنَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَفَسَادُ الشَّرْطِ يُوجِبُ الْجَهْلَ بِالْعِوَضِ، فَيَتَعَيَّنُ مَهْرُ الْمِثْلِ.

الرَّابِعَةُ: عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِصِفَةٍ وَذَكَرَ عِوَضًا فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ إِذَا جَاءَ غَدٌ، أَوْ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ دَخَلْتِ الدَّارَ عَلَى أَلْفٍ، فَقَبِلَتْ، أَوْ سَأَلَتْهُ، فَقَالَتْ: عَلِّقْ طَلَاقِي بِرَأْسِ الشَّهْرِ، أَوْ بِدُخُولِ الدَّارِ عَلَى أَلْفٍ فَعَلَّقَ، فَالصَّحِيحُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ.

وَقِيلَ: لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْمَالِ. وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ، لَمْ تُطَلَّقْ لِارْتِبَاطِهِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ، اشْتُرِطَ الْقَبُولُ عَلَى الِاتِّصَالِ، قَالَ الْقَفَّالُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا تُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَبُولِ فِي الْحَالِ، أَوْ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ.

ثُمَّ الْوَاجِبُ الْمُسَمَّى أَمْ مَهْرُ الْمِثْلِ؟ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: الْأَوَّلُ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا قَالَتْ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَطَلَّقْتَنِي، فَلَكَ أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ إِجَابَةً لَهَا.

وَقِيلَ: إِنِ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ بِالتَّعْلِيقِ، وَجَبَ الْمُسَمَّى، وَإِنِ ابْتَدَأَتْ بِالسُّؤَالِ، فَمَهْرُ الْمِثْلِ. وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْمُسَمَّى، فَمَتَى يَجِبُ وَيَلْزَمُ تَسْلِيمُهُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ.

أَصَحُّهَا: فِي الْحَالِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ؛ لِأَنَّ الْأَعْوَاضَ الْمُطْلَقَةَ يَلْزَمُ تَسْلِيمُهَا فِي الْحَالِ، وَالْمُعَوَّضُ تَأَخَّرَ بِالتَّرَاضِي. فَإِنْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمُعَوَّضِ، بِأَنْ فَارَقَهَا قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، لَزِمَ رَدُّ الْعِوَضِ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمُسْلَمِ فِيهِ.

وَالثَّانِي: يَجِبُ فِي الْحَالِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُهُ إِلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِتَأَخُّرِ الْمُعَوَّضِ.

ص: 426

وَالثَّالِثُ: لَا يُجِبْ إِلَّا عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهَا قَبْلَ الْقَبُولِ. فَأَمَّا إِذَا قَالَتْ: طَلِّقْنِي غَدًا وَلَكَ أَلْفٌ، أَوْ إِنْ طَلَّقْتَنِي غَدًا، فَلَكَ أَلْفٌ، وَهُمَا الصُّورَتَانِ السَّابِقَتَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ التَّطْلِيقِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ بِهِ يَحْصُلُ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ هُنَاكَ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ التَّطْلِيقِ.

الطَّرَفُ الرَّابِعُ: فِي اخْتِلَاعِ الْأَجْنَبِيِّ، فِيهِ مَسَائِلُ.

الْأُولَى: يَصِحُّ الْخُلْعُ مِنَ الزَّوْجِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَيَلْزَمُ الْأَجْنَبِيَّ الْمَالُ، هَذَا إِذَا قُلْنَا: الْخُلْعُ طَلَاقٌ. قَالَ الْأَصْحَابُ: فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ، لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ بِلَا سَبَبٍ، وَلَا يَجِيءُ هَذَا الْخِلَافُ إِذَا سَأَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ الطَّلَاقَ فَأَجَابَهُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ الْحَاصِلَةَ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الطَّلَاقِ طَلَاقٌ بِلَا خِلَافٍ.

الثَّانِيَةُ: الْخُلْعُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، كَهُوَ مَعَ الزَّوْجَةِ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْأَحْكَامِ، وَهُوَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَمِنْ جَانِبِ الْأَجْنَبِيِّ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا ثُبُوتُ جَعَالَةٍ.

فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ: طَلِّقِ امْرَأَتِي وَعَلَيْكَ كَذَا، طُلِّقَتْ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ: طَلِّقْهَا وَعَلَيَّ أَلْفٌ، أَوْ لَكَ أَلْفٌ فَطَلَّقَ، وَقَعَ بَائِنًا وَلَزِمَهُ الْمَالُ. وَلَوِ اخْتَلَعَهَا عَبْدٌ، كَانَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوِ اخْتَلَعَتْ أَمَةٌ نَفْسَهَا.

وَلَوِ اخْتَلَعَهَا سَفِيهٌ، وَقَعَ رَجْعِيًّا كَمَا لَوِ اخْتَلَعَتْ سَفِيهَةٌ نَفْسَهَا.

الثَّالِثَةُ: لَوْ وَكَّلَتِ الزَّوْجَةُ مَنْ يَخْلَعُهَا، فَلَهُ أَنْ يَخْتَلِعَهَا اسْتِقْلَالًا وَبِالْوَكَالَةِ.

فَإِنْ صَرَّحَ بِالِاسْتِقْلَالِ، فَذَاكَ، وَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ، فَالزَّوْجُ يُطَالِبُ الزَّوْجَةَ بِالْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ وَنَوَى الْوَكَالَةَ، فَالْخُلْعُ لَهَا لَكِنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُهْدَةُ فَيُطَالَبُ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا.

وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ وَلَا نَوَى شَيْئًا أَصْلًا، فَالْخُلْعُ لَهَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَهَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنَ الْوَكَالَةِ فِي الشِّرَاءِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْأَجْنَبِيُّ الزَّوْجَةَ لِتَخْتَلِعَ عَنْهُ، وَحِينَئِذٍ تَتَخَيَّرُ الزَّوْجَةُ بَيْنَ أَنْ تَخْتَلِعَ اسْتِقْلَالًا أَوْ بِالْوَكَالَةِ.

ص: 427

وَقَوْلُ الزَّوْجَةِ لِأَجْنَبِيٍّ: سَلْ زَوْجِي تَطْلِيقِي عَلَى أَلْفٍ، تَوْكِيلٌ، سَوَاءٌ قَالَتْ: عَلَيَّ أَمْ لَا. وَقَوْلُ الْأَجْنَبِيِّ لَهَا: سَلِي زَوْجَكِ يُطَلِّقُكِ عَلَى كَذَا، إِنْ لَمْ يَقُلْ: عَلَيَّ، فَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ. فَلَوِ اخْتَلَعَتْ، فَالْمَالُ عَلَيْهَا. وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ، كَانَ تَوْكِيلًا.

فَإِنْ أَضَافَتْ إِلَيْهِ أَوْ نَوَتْهُ، فَالْمَالُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. وَقَوْلُ الْأَجْنَبِيِّ لِلْأَجْنَبِيِّ: سَلْ فُلَانًا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ عَلَى أَلْفٍ، كَقَوْلِهِ لِلزَّوْجَةِ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ: عَلَيَّ، وَعَدَمِهِ.

وَلَوِ اخْتَلَعَ الْأَجْنَبِيُّ، وَأَضَافَ إِلَيْهَا مُصَرِّحًا بِالْوَكَالَةِ، ثُمَّ بَانَ كَذِبُهُ، لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّهُ مَرْبُوطٌ بِالْمَالِ وَهُوَ لَمْ يَلْتَزِمْ فِي نَفْسِهِ، فَأَشْبَهَ إِذَا خَاطَبَهَا وَلَمْ تَقْبَلْ.

فَرْعٌ

قَالَ لِرَجُلٍ: بِعْ عَبْدَكَ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَعَلَيَّ أَلْفٌ، فَبَاعَهُ، لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَى الْقَائِلِ شَيْئًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَقَالَ الدَّارَكِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَلْفَ كَالْتِمَاسِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ عِنْدَكَ بِأَلْفٍ فِي مَالِي، لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَى الْقَائِلِ شَيْئًا.

الرَّابِعَةُ: أَبُو الزَّوْجَةِ فِي اخْتِلَاعِهَا كَالْأَجْنَبِيِّ، فَإِنِ اخْتَلَعَ بِمَالِ نَفْسِهِ، فَذَاكَ، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ بَالِغَةً، وَإِنِ اخْتَلَعَ بِمَالِهَا وَصَرَّحَ بِالنِّيَابَةِ أَوِ الْوِلَايَةِ، لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ كَمَا لَوْ بَانَ كَذِبُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ فِي الِاخْتِلَاعِ.

وَإِنِ اخْتَلَعَ بِمَالِهَا مُصَرِّحًا بِالِاسْتِقْلَالِ، فَهُوَ كَالِاخْتِلَاعِ بِمَغْصُوبٍ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَبِبَدَلِ الْمُسَمَّى فِي قَوْلٍ. وَلَوِ اخْتَلَعَ بِعَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ مَالِهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِنِيَابَةٍ وَلَا اسْتِقْلَالٍ، وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَمُخَالَعَةِ السَّفِيهَةِ، صَغِيرَةً كَانَتِ الزَّوْجَةُ أَمْ كَبِيرَةً، بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا.

ص: 428

وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْأَجْنَبِيِّ: خَالِعْهَا عَلَى عَبْدِهَا هَذَا، أَوْ صَدَاقِهَا، وَذَكَرَا فِي تَشْبِيهِهِ بِالسَّفِيهَةِ أَنَّهُ أَهْلٌ لِلْقَبُولِ، لَكِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهَا، وَلَكِنَّ هَذَا يَنْتَقِضُ بِالْمَغْصُوبِ، وَلِهَذَا خَرَّجَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هُنَا وَجْهًا أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَيَعُودُ الْقَوْلَانِ فِي قَدْرِ الْمَالِ الْوَاجِبِ.

وَالْمَذْهَبُ الْفَرْقُ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ مُتَبَرِّعٌ بِمَا يَبْذُلُهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ فَائِدَةٌ إِذَا أَضَافَ إِلَى مَالِهَا، فَقَدْ صَرَّحَ بِتَرْكِ التَّبَرُّعِ بِخِلَافِ اخْتِلَاعِهَا نَفْسَهَا بِمَغْصُوبٍ.

وَبَنَى الْبَغَوِيُّ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ، أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ: طَلِّقْهَا عَلَى هَذَا الْمَغْصُوبِ، أَوْ عَلَى هَذَا الْخَمْرِ، أَوْ عَلَى عَبْدِ زِيدٍ هَذَا، فَطَلَّقَ، وَقَعَ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا الْتَمَسَتِ الْمَرْأَةُ هَكَذَا.

وَلَوِ اخْتَلَعَ الْأَبُ أَوِ الْأَجْنَبِيُّ بِعَبْدِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مِنْ مَالِهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الزَّوْجُ كَوْنَهُ عَبْدَهَا، فَكَالْمَغْصُوبِ، فَيَقَعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِنْ عَلِمَ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالَّذِي لَمْ يَعْلَمْ.

وَقِيلَ: الْمَعْلُومُ كَالْمَذْكُورِ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا، هَذَا كُلُّهُ إِذَا اخْتَلَعَ الْأَبُ بِغَيْرِ صَدَاقِهَا، فَإِنِ اخْتَلَعَ بِهِ أَوْ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِهَا، أَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِهَا، فَالْمَنْصُوصُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَلَا يَبْرَأَ عَنْ صَدَاقِهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ.

وَحَكَى الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ تَخْرِيجَهُ عَلَى عَفْوِ الْأَبِ عَنْ صَدَاقِ الصَّغِيرَةِ، وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ، صَحَّ الْخُلْعُ، وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ رَجْعِيًّا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ كَاخْتِلَاعِ السَّفِيهَةِ.

وَقِيلَ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَصْلًا كَالْوَكِيلِ الْكَاذِبِ. فَإِذَا صَحَّحْنَا عَفْوَ الْوَلِيِّ، فَشَرْطُهُ كَوْنُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَحِينَئِذٍ يَتَشَطَّرُ الْمَهْرُ فَيَكُونُ الْعِوَضُ أَحَدَ الشَّطْرَيْنِ.

وَلَوِ اخْتَلَعَا بِالْبَرَاءَةِ عَنْ صَدَاقِهَا وَضَمِنَ لَهُ الدَّرَكَ، فَالَّذِي أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ مِنَ

ص: 429

الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَالَ فِي نَفْسِهِ، فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَاعَ بِمَغْصُوبٍ. فَعَلَى هَذَا، هَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ أَمْ بَدَلُ الصَّدَاقِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْأَوَّلُ.

وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إِذَا قَالَ الْأَبُ أَوِ الْأَجْنَبِيُّ: طَلِّقْهَا عَلَى عَبْدِهَا هَذَا وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ. فَعَلَى الْأَظْهَرِ: يَلْزَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَعَلَى الثَّانِي: قِيمَةُ الْعَبْدِ. وَالَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، هُوَ فِيمَا إِذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالضَّمَانِ.

وَحَكَى الْإِمَامُ، أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِهَذَا الضَّمَانِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنَ الصَّدَاقِ. وَوَجْهًا أَنَّهُ [إِنْ] قَالَ: طَلِّقْهَا وَأَنَا ضَامِنٌ بَرَاءَتَكَ، لَغَا وَوَقَعَ رَجْعِيًّا إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ.

وَإِنْ قَالَ: وَأَنَا ضَامِنٌ لِلصَّدَاقِ، إِنْ طُولِبْتَ بِهِ أَدَّيْتُهُ عَنْكَ، وَقَعَ بَائِنًا لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْمَقْصُودِ، إِلَّا أَنَّهُ الْتِزَامٌ فَاسِدٌ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ هَذَا.

وَلَفْظُ الضَّمَانِ هُنَا، كَهُوَ فِي قَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ. وَالْمُرَادُ بِهِ الِالْتِزَامُ دُونَ الضَّمَانِ الْمَشْهُورِ.

وَلَوِ الْتَمَسَ الطَّلَاقَ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ، وَضَمِنَ الدَّرَكَ، فَقَالَ الزَّوْجُ فِي جَوَابِهِ: إِنْ بَرِئْتُ مِنْ صَدَاقِهَا، فَهِيَ طَالِقٌ، لَمْ تُطَلَّقْ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا لَمْ تُوجَدْ.

الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الِاخْتِلَافِ.

فِيهِ مَسَائِلُ.

الْأُولَى: قَالَتْ: خَالِعْنِي عَلَى كَذَا، فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ كَانَ

ص: 430

لَهُ زَوْجَتَانِ تُسَمَّيَانِ بِاسْمٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: خَالَعْتُ فُلَانَةَ بِكَذَا، فَقَبِلَتْ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: أَرَدْتُ الْأُخْرَى، وَقَالَتِ الْقَائِلَةُ: بَلْ أَرَدْتَنِي، فَهُوَ الْمُصَدَّقُ وَلَا فُرْقَةَ.

وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ: بِلَا عِوَضٍ، صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا فِي نَفْيِ الْعِوَضِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي سُقُوطِ سُكْنَاهَا وَنَفَقَتِهَا، وَتَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ بِقَوْلِهِ.

وَلَوْ قَالَ: خَالَعْتُكِ بِالْعِوَضِ الَّذِي سَأَلْتِ، فَأَنْكَرَتْ أَصْلَ السُّؤَالِ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ.

وَإِنْ قَالَتْ: طَلَّقْتَنِي بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ، وَقَالَ: بَلْ فِي الْحَالِ، فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ فِي نَفْيِ الْمَالِ أَيْضًا.

وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ وَلَمْ تَقْبَلِي فَلِيَ الرَّجْعَةُ، وَقَالَتْ: بَلْ طَلَّقْتَنِي مُتَّصِلًا بِسُؤَالِي، فَلَا رَجْعَةَ لَكَ، فَالْمُصَدَّقُ الزَّوْجُ.

الثَّانِيَةُ: اتَّفَقَا عَلَى الْخُلْعِ وَاخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْعِوَضِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ صِفَتِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالتَّكَسُّرِ وَالْأَجَلِ، وَلَا بَيِّنَةَ، تَحَالَفَا وَحَصَلَتِ الْبَيْنُونَةُ، وَإِنَّمَا أَثَّرَ التَّحَالُفِ فِي الْعِوَضِ.

وَالْقَوْلُ فِي أَنَّهُ هَلْ تَنْفَسِخُ التَّسْمِيَةُ، أَمْ تُفْسَخُ إِنْ أَصَرَّا عَلَى النِّزَاعِ، وَفِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ وَمَنْ يَبْدَأُ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ وَفِي الرُّجُوعِ بَعْدَ الْفَسْخِ أَوِ الِانْفِسَاخِ إِلَى مَهْرٍ كَتَحَالُفِهِمَا فِي الصَّدَاقِ؟ وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَا ادَّعَاهُ.

وَقِيلَ: بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى الَّذِي ادَّعَتْهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

وَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، فَهَلْ تَتَسَاقَطَانِ، أَمْ يُقْرَعُ؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْحَنَّاطِيُّ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، هَلْ يَحْلِفُ؟ وَجْهَانِ. وَعَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ، أَنَّهُ يَعْمَلُ بِأَكْثَرِ الْبَيِّنَتَيْنِ.

قُلْتُ: الْأَظْهَرُ، أَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ وَلَا تَرْجِيحَ بِالْكَثْرَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ خَالَعَ أَجْنَبِيًّا وَاخْتَلَفَا، تَحَالَفَا وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ مَهْرُ الْمِثْلِ.

ص: 431

الثَّالِثَةُ: سَبَقَ أَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ نَزَلَ عَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ، بَطَلَتِ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ نَوَيَا نَوْعًا، فَالصَّحِيحُ الِاكْتِفَاءُ بِالنِّيَّةِ وَلُزُومُ ذَلِكَ النَّوْعِ.

وَقِيلَ: تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَنَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ هُنَا مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي الْبَيْعِ.

وَلَوْ قَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ جِنْسًا، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَإِبْهَامِ النَّوْعِ، فَإِنْ نَوَيَا جِنْسًا، تَعَيَّنَ.

وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ هُنَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَجْنَاسِ. وَلَوْ قَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفِ شَيْءٍ فَقَبِلَتْ، وَنَوَيَا شَيْئًا مُعَيَّنًا، قَالَ الْقَاضِيَ حُسَيْنٌ: التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ لِشِدَّةِ الْإِجْمَالِ، فَيُرْجَعُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُنَازِعَهُ غَيْرُهُ.

ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: إِنَّمَا يُؤَثِّرُ التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ إِذَا تَوَاطَآ قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَى مَا يَقْصِدَانِهِ وَلَا أَثَرَ لِلتَّوَافُقِ بِلَا مُوَاطَأَةٍ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ آخَرُونَ ذَلِكَ، بَلِ اعْتَبَرُوا مُجَرَّدَ التَّوَافُقِ.

قُلْتُ: هَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ هُنَا ضَعِيفٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ، فَلَوْ تَخَالَعَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَطْلَقَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: أَرَدْنَا بِالدَّرَاهِمِ النُّقْرَةَ، فَقَالَتْ: بَلْ أَرَدْنَا بِهَا الْفُلُوسَ أَوْ عَلَى أَلْفٍ، فَقَالَ: أَرَدْنَا الدَّنَانِيرَ أَوِ الدَّرَاهِمَ فَقَالَتْ: أَرَدْنَا الْفُلُوسَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ.

وَقِيلَ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِلَا تَحَالُفٍ.

فَلَوْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ النُّقْرَةَ، وَادَّعَتْ أَنَّهَا أَرَادَتِ الْفُلُوسَ وَقَالَ: بَلْ أَرَدْتُ النُّقْرَةَ أَيْضًا، حَصَلَتِ الْبَيْنُونَةُ لِانْتِظَامِ الصِّيغَةِ وَمُؤَاخَذَةً لَهَا، وَتَصَدَّقُ هِيَ بِيَمِينِهَا. فَإِذَا حَلَفَتْ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا نَفَتْ بِيَمِينِهَا النُّقْرَةَ، وَنَفَى هُوَ الْفُلُوسَ.

وَلَوْ تَوَافَقَا أَنَّهَا أَرَادَتِ الْفُلُوسَ، وَقَالَ هُوَ: أَنَا أَرَدْتُ النُّقْرَةَ، وَلَا فُرْقَةَ لِلْمُخَالَفَةِ، فَقَالَتْ:

ص: 432

بَلْ أَرَدْتُ الْفُلُوسَ أَيْضًا وَبِنْتُ مِنْكَ، حَصَلَتِ الْبَيْنُونَةُ ظَاهِرًا لِاتِّفَاقِ اللَّفْظَيْنِ.

وَهَلْ لِلزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ؟ وَجْهَانِ، قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: نَعَمْ لِلْبَيْنُونَةِ ظَاهِرًا، وَالَّذِي اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ: لَا، لِإِنْكَارِهِ الْبَيْنُونَةَ وَعِوَضَهَا.

قُلْتُ: هَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْإِمَامُ.

قَالَ الْإِمَامُ: فَإِنْ قِيلَ: لَوْ صَدَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي اتِّفَاقِ النِّيَّةِ، قُلْنَا: إِذْ ذَاكَ يُطَالِبُهَا بِالْمُسَمَّى الْمُعَيَّنِ لَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الصُّورَةِ مَا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الدَّرَاهِمَ، وَزَعَمَ أَنَّهَا أَرَادَتِ الْفُلُوسَ، وَلَا فُرْقَةَ، فَقَالَتْ: أَرَدْتُ الدَّرَاهِمَ وَبِنْتُ، فَالْفُرْقَةُ حَاصِلَةٌ، وَيَعُودُ الْوَجْهَانِ فِي ثُبُوتِ شَيْءٍ لِلزَّوْجِ، وَبِالثُّبُوتِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ، وَقَالَ: لَا تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بَاطِنًا إِنْ كَانَ صَادِقًا.

وَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ النُّقْرَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِجَانِبِهَا، وَقَالَتْ: أَرَدْتُ الْفُلُوسَ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِجَانِبِهِ، حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ.

ثُمَّ عَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ. وَفِي «الْبَسِيطِ» أَنَّ الْوَجْهَ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهَا مُعَيَّنًا حَتَّى تَحْلِفَ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ، وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ بِلَا تَحَالُفٍ. وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ مُخَالَفَةَ الْقَاضِي فِي التَّحَالُفِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَخَالِعَيْنِ: أَطْلَقْنَا الدَّرَاهِمَ. وَقَالَ الْآخَرُ: عَيَّنَّا نَوْعًا تَحَالَفَا.

الرَّابِعَةُ: قَالَتْ: سَأَلْتُكَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ بِأَلْفٍ فَأَجَبْتَنِي، فَقَالَ: بَلْ سَأَلْتِ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَأَجَبْتُكِ، فَالْأَلْفُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَكِنِ اخْتَلَفَا فِي الْمُعَوَّضِ فَيَتَحَالَفَانِ، فَإِذَا تَحَالَفَا، فَعَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَالْقَوْلُ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ. قَالَ

ص: 433

الْحَنَّاطِيُّ: وَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنِ اتَّفَقَ تَارِيخُ الْبَيِّنَتَيْنِ، تَحَالَفَا وَإِلَّا فَالْأَسْبَقُ تَارِيخًا مُقَدَّمَةٌ.

وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ وَحْدَكِ بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ: بَلْ طَلَّقْتَنِي وَضَرَّتِي، تَحَالَفَا وَعَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَلَوْ قَالَتْ: سَأَلْتُكَ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَأَجَبْتَنِي فَقَالَ: بَلْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، وَقَعَ الثَّلَاثُ وَوَجَبَ الْأَلْفُ، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الِاخْتِلَافِ.

وَلَوْ قَالَتْ: سَأَلْتُكَ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقْتَنِي طَلْقَةً، فَلَكَ الثُّلُثُ فَقَالَ: بَلْ ثَلَاثًا فَلِيَ الْأَلْفُ، فَإِنْ لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ، وَإِنْ طَالَ وَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ جَوَابًا طُلِّقَتْ ثَلَاثًا بِإِقْرَارِهِ وَتَحَالَفَا لِلْعِوَضِ، وَعَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ.

وَفِيمَا نَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ فِي «عُيُونِ الْمَسَائِلِ» وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ، فَأَخَذَتْ طَائِفَةٌ بِالنَّصِّ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: يَتَحَالَفَانِ وَلَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طُولِ الْفَصْلِ وَعَدَمِهِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: النَّصُّ مُشْكِلٌ فِي حَالَتَيِ الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ. قَالَ الْإِمَامُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي حَالَةِ الِاتِّصَالِ، إِنْ قَالَ الزَّوْجُ: مَا طَلَّقْتُكِ مِنْ قَبْلُ، وَالْآنَ أُطَلِّقُكِ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ، تَقَعُ الثَّلَاثُ وَيَجِبُ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتُ الْجَوَابِ.

وَإِنْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ مِنْ قَبْلُ ثَلَاثًا تَعَذَّرَ جَعْلُ هَذَا إِنْشَاءً؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَهُ، فَيَقَعُ الثَّلَاثُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَا يَلْزَمُهَا إِلَّا ثُلُثُ الْأَلْفِ كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ رَدَدْتَ أَعْبُدِي الثَّلَاثَةَ، فَلَكَ الْأَلْفُ، فَقَالَ: رَدَدْتُهُمْ وَقَالَ: مَا رَدَدْتَ إِلَّا وَاحِدًا.

وَأَمَّا فِي حَالِ الِانْفِصَالِ، فَيُحْكَمُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِإِقْرَارِهِ وَعَلَيْهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّحَالُفِ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي صِفَةِ الْعَقْدِ أَوِ الْعِوَضِ، [وَهُمَا] هُنَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الْمَسْئُولَ ثَلَاثٌ، وَأَنَّ الْعِوَضَ أَلْفٌ،

ص: 434

وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّفَهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَنَّهُ مَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَهَذَا صَحِيحٌ وَلْيُتَأَوَّلِ النَّصَّ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.

فَرْعٌ

قَالَ الْحَنَّاطِيُّ: قَالَتْ: طَلَّقْتَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَالَ: بَلْ طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً بِأَلْفَيْنِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِقَوْلِهِ، وَاتَّفَقَا أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ إِلَّا مَرَّةً، تَحَالَفَا وَلَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ.

الْخَامِسَةُ: تَخَالَعَا بِأَلْفٍ فَطَالَبَهَا بِهِ، فَقَالَتْ: ضَمِنَهُ زَيْدٌ، لَمْ يَنْفَعْهَا هَذَا الْجَوَابُ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَقْطَعُ الطَّلَبَ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: قَبِلْتُ الْخُلْعَ عَلَى أَنْ يَزِنَ زَيْدٌ عَنِّي الْأَلْفَ، وَهِيَ فِي الصُّورَتَيْنِ مُقِرَّةٌ بِالْأَلْفِ.

وَلَوْ قَالَتْ: قَبِلْتُ الْخُلْعَ بِأَلْفٍ لِي فِي ذِمَّةِ زَيْدٍ، فَفِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى بَيْعِ الدَّيْنِ، وَحَاصِلُهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ.

أَصَحُّهُمَا: التَّحَالُفُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الدَّيْنِ، وَالثَّانِي: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِلَا تَحَالُفٍ، بِنَاءً عَلَى مَنْعِهِ، وَالثَّالِثُ: تُصَدَّقُ هِيَ بِيَمِينِهَا، وَالرَّابِعُ: هُوَ بِيَمِينِهِ، نَقَلَهُمَا الْمُتَوَلِّي بِنَاءً عَلَى مَنْعِهِ، وَهُمَا الْوَجْهَانِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ.

فَرْعٌ

قَالَ: خَالَعْتُكِ، فَقَالَتْ: اخْتَلَعَنِي أَجْنَبِيٌّ لِنَفْسِهِ بِمَالِهِ، بَانَتْ بِاعْتِرَافِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَلَعْتُ بِوَكَالَةِ زَيْدٍ وَأُضِفْتُ إِلَيْهِ، فَهَلْ يَتَحَالَفَانِ أَمْ تُصَدَّقُ هِيَ أَمْ هُوَ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ.

وَلَوْ قَالَتْ: لَمْ أُضَفْ وَلَكِنْ نَوَيْتُ الِاخْتِلَاعَ لِزَيْدٍ، فَإِنْ قُلْنَا: تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْوَكِيلِ،

ص: 435