الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتِخْدَامٍ وَنَحْوِهَا، فَلَا يَضْمَنُهَا عَلَى قَوْلِ ضَمَانِ الْعَقْدِ، إِنْ قُلْنَا: جِنَايَةُ الْبَائِعِ كَآفَةٍ. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ كَجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ قُلْنَا بِضَمَانِ الْيَدِ، ضَمِنَهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ.
فَرْعٌ
قَالَ الْأَصْحَابُ: الْقَوْلَانِ فِي ضَمَانِ الْعَقْدِ وَالْيَدِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ نِحْلَةٌ وَعَطِيَّةٌ، أَمْ عِوَضٌ كَالْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ؟ وَرُبَّمَا رَدُّوا الْقَوْلَيْنِ إِلَى أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ شِبْهُ النِّحْلَةِ أَمِ الْعِوَضُ؟ وَدَلِيلُ النِّحْلَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النِّسَاءِ: 3] ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهِ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ. وَدَلِيلُ الْعِوَضِ، أَنَّ قَوْلَهُ: زَوَّجْتُكِ بِكَذَا، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكِ بِكَذَا، أَوْ لِأَنَّهَا تَتَمَكَّنُ مِنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَلِأَنَّهَا تَحْبِسُ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَائِهِ [وَ] لِأَنَّهُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيهِ، وَهَذَا أَصَحُّ. وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ بِجَوَابَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنِّحْلَةِ: الدِّينُ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَنْتَحِلُ كَذَا، فَالْمَعْنَى: آتُوهُنَّ صَدُقَاتِهِنَّ تَدَيُّنًا. وَالثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: عَطِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُنَّ. وَإِنَّمَا لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِفَسَادِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا فِي النِّكَاحِ، مَعَ أَنَّهُ حُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهُ يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِفَسَادِ الصَّدَاقِ.
فَصْلٌ
إِذَا فَسَدَ الصَّدَاقُ بِأَنْ أَصْدَقَهَا حُرًّا، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يَجِبُ مَهْرُ
الْمِثْلِ. وَالثَّانِي: قِيمَتُهُ بِتَقْدِيرِ الرِّقِّ، وَيُنْسَبُ هَذَا إِلَى الْقَدِيمِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ: قَوْلَانِ فِيمَا إِذَا قَالَ: أَصْدَقْتُكِ هَذَا الْعَبْدَ وَهُوَ عَالِمٌ بِحُرِّيَّتِهِ، أَوْ جَاهِلٌ. أَمَّا لَوْ قَالَ: أَصْدَقْتُكِ هَذَا الْحُرَّ، فَالْعِبَارَةُ فَاسِدَةٌ، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ قَطْعًا. وَحَكَى الْمُتَوَلِّي طَرِيقَةً أُخْرَى، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ. وَلَوْ قَالَ: أَصْدَقْتُكِ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، فَلَا خَلَلَ فِي الْعِبَارَةِ، فَفِيهِ الْقَوْلَانِ. وَلَوْ ذَكَرَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً، فَقِيلَ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ قَطْعًا. وَقِيلَ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ. فَعَلَى هَذَا يَعُودُ النَّظَرُ فِي عِبَارَتِهِ، إِنْ قَالَ: أَصْدَقْتُكِ هَذَا الْخَمْرَ أَوِ الْخِنْزِيرَ، فَالْعِبَارَةُ فَاسِدَةٌ. وَإِنْ قَالَ: هَذَا الْعَصِيرَ أَوِ النَّعْجَةَ، فَهُوَ مَوْضِعُ الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَى هَذَا عَلَى قَوْلِ الرُّجُوعِ إِلَى بَدَلِ الصَّدَاقِ، يُقَدَّرُ الْخَمْرُ عَصِيرًا وَيَجِبُ مِثْلُهُ، وَقَدْ حَكَيْنَا فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ، فِيمَا إِذَا جَرَى قَبْضُهُمْ فِي خَمْرٍ وَجْهًا أَنَّهَا تُقَدَّرُ خَلًّا، وَلَمْ يَذْكُرُوا هُنَاكَ تَقْدِيرَ الْعَصِيرِ، وَالْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا. وَحَكَيْنَا وَجْهًا أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْخَمْرِ عَنْ مَنْ يَرَى لَهَا قِيمَةً، فَلَا يَبْعُدُ مَجِيئُهُ هُنَا، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ كَمَا سَبَقَ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَالْخِنْزِيرُ يُقَدَّرُ بَقَرَةً، كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ. وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي «كِتَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ» وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يُقَدَّرُ شَاةً، وَالْمَيْتَةُ تُقَدَّرُ مُذَكَّاةً، ثُمَّ الْوَاجِبُ فِيهَا وَفِي الْخِنْزِيرِ الْقِيمَةُ. هَذَا الِاضْطِرَابُ لِلْأَصْحَابِ يَزِيدُ الْقَوْلَ الْأَظْهَرَ الْقُوَّةَ، وَهُوَ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: تَسْلِيمُ الصَّدَاقِ. فَلَوْ أَخَّرَ تَسْلِيمَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَطَلَبَ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا، فَلَهَا الِامْتِنَاعُ [حَتَّى يُسَلِّمَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ إِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا حَالًّا، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا، فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ، فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ] أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَصْحَابُهُ، وَالْبَغَوِيُّ، وَالْمُتَوَلِّي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَهَا، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَاخْتَارَهُ الْحَنَّاطِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ; لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْآنَ الْمُطَالَبَةَ. وَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً، فَلِوَلِيِّهَا حَبْسُهَا حَتَّى تَقْبِضَ الصَّدَاقَ الْحَالَّ. فَلَوْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي التَّسْلِيمِ، فَلَهُ ذَلِكَ. وَلَوِ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ، فَقَالَ: لَا أُسَلِّمُ الصَّدَاقَ حَتَّى تُسَلِّمِي نَفْسَكِ، وَقَالَتْ: لَا أُسَلِّمُهَا حَتَّى تُسَلِّمَهُ، فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
أَظْهَرُهَا: يُجْبَرَانِ، بِأَنْ يُؤْمَرَ بِوَضْعِ الصَّدَاقِ عِنْدَ عَدْلٍ، وَتُؤْمَرَ بِالتَّمْكِينِ. فَإِذَا مَكَّنَتْ، سَلَّمَ الْعَدْلُ الصَّدَاقَ إِلَيْهَا. وَالثَّانِي: لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، بَلْ إِنْ بَادَرَ أَحَدُهُمَا فَسَلَّمَ، أُجْبِرَ الْآخَرُ. وَالثَّالِثُ: يُجْبَرُ الزَّوْجُ أَوَّلًا، فَإِذَا سَلَّمَ، سَلَّمَتْ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ كَبِيرَةٌ إِلَى إِنْكَارِ هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ. وَمَنْ أَثْبَتَهُ قَالَ: مَوْضِعُهُ مَا إِذَا كَانَتْ مُتَهَيِّئَةً لِلِاسْتِمْتَاعِ. أَمَّا إِذَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً بِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ، فَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الصَّدَاقِ. وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ؟ قَوْلَانِ. وَلَوْ سُلِّمَتْ مِثْلُ هَذِهِ الصَّغِيرَةِ إِلَى زَوْجِهَا، هَلْ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ؟ قَوْلَانِ كَالنَّفَقَةِ. أَظْهَرُهُمَا: الْمَنْعُ. وَقِيلَ بِالْمَنْعِ قَطْعًا ; لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَبْسِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَالْمَهْرُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ. وَقِيلَ بِالْإِيجَابِ قَطْعًا ; لِأَنَّ الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ بُضْعٍ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي الْحَالِ، وَالنَّفَقَةُ لِلتَّمْكِينِ وَهُوَ مَفْقُودٌ.
وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي مُطَالَبَةِ الْوَلِيِّ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا وَهِيَ كَبِيرَةً، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهَا طَلَبَ الْمَهْرِ كَالنَّفَقَةِ. وَإِذَا قُلْنَا: يُبْدَأُ بِالزَّوْجِ أَوْ
يُجْبَرَانِ، فَقَالَتْ: سَلِّمِ الْمَهْرَ لِأُسَلِّمَ نَفْسِي، لَزِمَهُ النَّفَقَةُ مِنْ حِينِئِذٍ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تُمَكِّنَ.
فَرْعٌ
إِذَا بَادَرَتْ فَمَكَّنَتْ، فَلَهَا طَلَبُ الصَّدَاقِ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَجْرِ وَطْءٌ، فَلَهَا الْعَوْدُ إِلَى الِامْتِنَاعِ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا قَبْلَ التَّمْكِينِ. وَإِنْ وَطِئَ، فَلَيْسَ لَهَا بَعْدَهُ الِامْتِنَاعُ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ الْبَائِعُ فَسَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ وَحَبْسُهُ. وَلَوْ وَطِئَهَا مُكْرَهَةً، فَلَهَا الِامْتِنَاعُ بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ، فِيمَا لَوْ سَلَّمَ الْوَلِيُّ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً قَبْلَ قَبْضِ صَدَاقِهَا إِذَا بَلَغَتْ أَوْ أَفَاقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَلَوْ بَلَغَتْ أَوْ أَفَاقَتْ قَبْلَهُ، فَلَهَا الِامْتِنَاعُ قَطْعًا. وَلَوْ بَادَرَ الزَّوْجُ فَسَلَّمَ الصَّدَاقَ، لَزِمَهَا التَّمْكِينُ إِذَا طَلَبَهَا. وَكَذَا لَوْ كَانَ الصَّدَاقُ مُؤَجَّلًا فَإِنِ امْتَنَعَتْ بِلَا عُذْرٍ، فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ وَإِنْ قُلْنَا: يُجْبَرُ أَوَّلًا ; لِأَنَّ الْإِجْبَارَ بِشَرْطِ التَّمْكِينِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُجْبَرُ، فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْمُبَادَرَةِ كَمُعَجَّلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ حُصُولِ الْغَرَضِ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: إِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً حِينَ سَلَّمَ، فَزَالَ الْعُذْرُ وَامْتَنَعَتِ، اسْتُرِدَّ ; لِأَنَّهُ سَلَّمَ رَاجِيًا التَّمْكِينَ، فَيُشْبِهُ هَذَا الْخِلَافُ وَجْهَيْنِ ذُكِرَا فِيمَا لَوْ سَلَّمَ مَهْرَ صَغِيرَةٍ لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ عَالِمًا بِحَالِهَا أَوْ جَاهِلًا وَقُلْنَا بِالْأَظْهَرِ: إِنَّهُ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ مَهْرِهَا، هَلْ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ؟
فَرْعٌ
إِذَا اسْتُمْهِلَتْ بَعْدَ تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ، أُمْهِلَتْ لِتَتَهَيَّأَ بِالتَّنْظِيفِ وَالِاسْتِحْدَادِ، وَإِزَالَةِ
الْأَوْسَاخِ عَلَى مَا يَرَاهُ الْقَاضِي مِنْ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ، وَغَايَةُ الْمُهْلَةِ ثَلَاثَةٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ، إِثْبَاتُ خِلَافٍ فِي أَنَّ الْمُهْلَةَ بِقَدْرِ مَا تَتَهَيَّأُ، أَمْ تُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؟ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ ثُمَّ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، أَنَّهُ يَجِبُ الْإِمْهَالُ إِذَا اسْتَمْهَلَتْ فِي الْعِدَّةِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَعَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ قَوْلٌ: إِنَّهُ لَا إِمْهَالَ أَصْلًا. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَلَا تُمْهَلُ لِتَهْيِئَةِ الْجِهَازِ، وَلَا لِانْتِظَارِ السِّمَنِ وَنَحْوَهِمَا، وَلَا بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، بَلْ تُسَلِّمُ لِسَائِرِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ كَالرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ. وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ، أَوْ كَانَ بِهَا مَرَضٌ أَوْ هُزَالٌ تَتَضَرَّرُ بِالْوَطْءِ مَعَهُ، أَمُهِلَتْ إِلَى زَوَالِ الْمَانِعِ. وَيُكَرَهُ لِلْوَلِيِّ تَسْلِيمُ هَذِهِ الصَّغِيرَةِ، وَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا إِلَى أَنْ تَصِيرَ مُحْتَمِلَةً. وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: سَلِّمُوا إِلَيَّ الصَّغِيرَةَ أَوِ الْمَرِيضَةَ وَلَا أَقْرَبُهَا إِلَى أَنْ يَزُولَ مَا بِهَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: يُجَابُ فِي الْمَرِيضَةِ دُونَ الصَّغِيرَةِ ; لِأَنَّ الْأَقَارِبَ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ وَفِي «الْوَسِيطِ» أَنَّهُ لَا يُجَابُ فِي الصُّورَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا وَطِئَ فَتَتَضَرَّرَانِ، بِخِلَافِ الْحَائِضِ، فَإِنَّهَا لَا تَتَضَرَّرُ لَوْ وَطِئَ.
وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسَلُّمِ الصَّغِيرَةِ ; لِأَنَّهُ نَكَحَ لِلِاسْتِمْتَاعِ لَا لِلْحَضَانَةِ. وَفِي الْمَرِيضَةِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي «الشَّامِلِ» : الْأَقْيَسُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ، كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهِ إِذَا مَرِضَتْ.
وَإِذَا تَسَلَّمَ الْمَرِيضَةَ، فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ لَا كَالصَّغِيرَةِ ; لِأَنَّ الْمَرَضَ عَارِضٌ مُتَوَقَّعُ الزَّوَالِ. وَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ نَحِيفَةً بِالْجِبِلَّةِ، فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ بِهَذَا الْعُذْرِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَقَّعِ الزَّوَالِ كَالرَّتْقَاءِ. ثُمَّ إِنْ خَافَتِ الْإِفْضَاءَ لَوْ وُطِئَتْ لِعَبَالَةِ الزَّوْجِ، فَلَيْسَ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ مِنَ الْوَطْءِ. قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ، بِخِلَافِ الرَّتْقِ ; لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ مُطْلَقًا، وَالنَّحَافَةُ لَا تَمْنَعُ وَطْءَ نَحِيفٍ مِثْلِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ أَيْضًا. وَلَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَأَفْضَاهَا، فَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إِلَى وَطْئِهَا حَتَّى تَبْرَأَ الْبُرْءَ الَّذِي لَوْ عَادَ
لَمْ يَخْدَشْهَا، هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ، رضي الله عنه. فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي حُصُولِ الْبُرْءِ، فَأَنْكَرَتْهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ، رحمه الله: الْقَوْلُ قَوْلُهَا قَالَ الْمُتَوَلِّي: الْمُرَادُ بِالنَّصِّ إِذَا ادَّعَتْ بَقَاءَ أَلَمٍ بَعْدَ الِانْدِمَالِ ; لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْهَا. أَمَّا إِذَا ادَّعَتْ بَقَاءَ الْجَرْحِ، وَأَنْكَرَتْ أَصْلَ الِانْدِمَالِ، فَتُعْرَضُ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ، وَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِنَّ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ النَّصَّ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَمْضِ مِنَ الزَّمَانِ مَا يَغْلِبُ فِيهِ الْبُرْءُ، فَإِنْ مَضَى رَاجَعْنَا النِّسْوَةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِمُرَاجَعَتِهِنَّ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ. وَعَلَى هَذَا، فَالنَّصُّ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ.
فَرْعٌ
مَسَائِلُ عَنْ مُجَرَّدِ الْحَنَّاطِيِّ
اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَأَبُو الزَّوْجَةِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هِيَ صَغِيرَةٌ لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ، وَقَالَ الْآخَرُ: تَحْتَمِلُهُ. فَهَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِ الِاحْتِمَالِ، أَمْ تُعْرَضُ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، أَوْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمَحَارِمِ؟ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: زَوْجَتِي حَيَّةٌ فَسَلِّمَهَا وَقَالَ: لَا بَلْ مَاتَتْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِبَغْدَادَ امْرَأَةً بِالْكُوفَةِ، وَجَرَى الْعَقْدُ بِبَغْدَادَ، فَالِاعْتِبَارُ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ، فَتُسَلِّمُ نَفْسَهَا بِبَغْدَادَ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ بِبَغْدَادَ. وَلَوْ خَرَجَ الزَّوْجُ إِلَى الْمَوْصِلِ وَبَعَثَ إِلَيْهَا مَنْ يَحْمِلُهَا مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَنَفَقَتُهَا مِنْ بَغْدَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ عَلَى الزَّوْجِ.