المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَعَلَى هَذَا، هَلْ يَخْتَصُّ هَذَا الْوَجْهُ بِمَا إِذَا اقْتَرَعُوا مِنْ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٧

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّدَاقِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْوَلِيمَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْخُلْعِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: فَعَلَى هَذَا، هَلْ يَخْتَصُّ هَذَا الْوَجْهُ بِمَا إِذَا اقْتَرَعُوا مِنْ

فَعَلَى هَذَا، هَلْ يَخْتَصُّ هَذَا الْوَجْهُ بِمَا إِذَا اقْتَرَعُوا مِنْ غَيْرِ ارْتِفَاعٍ إِلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، أَمْ يَخْتَصُّ بِقُرْعَةٍ يُنْشِئُهَا الْقَاضِي؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا أَذِنَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ، أَوْ قَالَتْ: أَذِنْتُ فِي فُلَانٍ، فَمَنْ شَاءَ مِنْ أَوْلِيَائِي فَلْيُزَوِّجْنِي بِهِ. وَلَوْ قَالَتْ: زَوِّجُونِي، اشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَتْ: رَضِيتُ أَنْ أُزَوَّجَ، أَوْ رَضِيتُ بِفُلَانٍ زَوْجًا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لِأَحَدٍ تَزْوِيجُهَا، لِأَنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ لِجَمِيعِهِمْ إِذْنًا عَامًّا، وَلَا خَاطَبَتْ وَاحِدًا، فَصَارَ كَقَوْلِهَا: رَضِيتُ أَنْ يُبَاعَ مَالِي. وَأَصَحُّهُمَا: يَصِحُّ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَزْوِيجُهَا، لِأَنَّهُمْ مُتَعَيِّنُونَ شَرْعًا، وَالشَّرْطُ رِضَاهَا وَقَدْ وُجِدَ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ عَيَّنَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَاحِدًا، فَفِي انْعِزَالِ الْبَاقِينَ وَجْهَانِ. وَقَطَعَ فِي الرَّقْمِ بِالِانْعِزَالِ، وَقَطَعَ الْبَغَوِيُّ بِخِلَافِهِ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ عَدَمُ الِانْعِزَالِ، وَغَلَّطَ الشَّاشِيُّ مَنْ قَالَ بِالِانْعِزَالِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

‌فَصْلٌ

إِذَا أَذِنَتْ لِأَحَدِ الْوَلِيَّيْنِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِزَيْدٍ، وَلِلْآخَرِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِعَمْرٍو، وَأَطْلَقَتِ الْإِذْنَ، وَصَحَّحْنَاهُ، فَزَوَّجَ وَاحِدٌ زَيْدًا، وَآخَرُ عَمْرًا، أَوْ وَكَّلَ الْوَلِيُّ الْمُجْبَرُ رَجُلًا، فَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ زَيْدًا، وَالْوَكِيلُ عَمْرًا، أَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ، فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا زَيْدًا، وَالْآخَرُ عَمْرًا، فَلِلْمَسْأَلَةِ خَمْسُ صُوَرٍ. إِحْدَاهَا: أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُ النِّكَاحَيْنِ وَنَعْلَمُهُ، فَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالثَّانِي بَاطِلٌ، سَوَاءٌ دَخَلَ الثَّانِي، أَمْ لَا، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ السَّبْقُ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ التَّصَادُقِ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقَعَا مَعًا، فَبَاطِلَانِ. وَلَوِ اتَّحَدَ الْخَاطِبُ، وَأَوْجَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَلِيَّيْنِ النِّكَاحَ لَهُ مَعًا، صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَتَقَوَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْإِيجَابَيْنِ بِالْآخَرِ،

ص: 88

وَحَكَى الْعِبَادِيُّ عَنِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، فَتَدَافَعَا.

الثَّالِثَةُ: إِذَا لَمْ يُعْلَمِ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ، وَأَمْكَنَا، فَبَاطِلَانِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الصِّحَّةِ، كَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِنْشَاءِ فَسْخٍ، لِاحْتِمَالِ السَّبْقِ.

الرَّابِعَةُ: أَنْ يَسْبِقَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ، ثُمَّ يَخْفَى، فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى يُبَيَّنَ، وَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَلَا لِثَالِثٍ نِكَاحُهَا، إِلَّا أَنْ يُطَلِّقَاهَا، أَوْ يَمُوتَا، أَوْ يُطَلِّقَ أَحَدُهُمَا، أَوْ يَمُوتَ الْآخَرُ.

قُلْتُ: وَلَا بُدَّ مِنَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَ مَوْتِ آخِرهِمَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَطَرَدَ بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

الْخَامِسَةُ: إِذَا عُلِمَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهُ، فَبَاطِلَانِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، كَمَا لَوِ احْتَمَلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ لِتَعَذُّرِ الْإِمْضَاءِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي مُخَرَّجٌ مِنَ الْجَمْعَيْنِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ: أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ كَمَا فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، هَلْ يَبْطُلَانِ بِلَا فَسْخٍ؟ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إِنْشَاءِ فَسْخٍ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ، فَإِنْ شَرَطْنَا الْإِنْشَاءَ، فَفِيمَنْ يَفْسَخُ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: الْحَاكِمُ أَوِ الْمُحَكَّمُ إِنْ جَوَّزْنَا التَّحْكِيمَ. وَالثَّانِي: لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ. وَالثَّالِثُ: لِلزَّوْجَيْنِ الْفَسْخُ أَيْضًا. وَحَيْثُ أَبْطَلْنَا النِّكَاحَيْنِ، فَلَا مَهْرَ، إِلَّا أَنْ يُوجَدَ دُخُولٌ، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَإِذَا أَبْطَلْنَا عِنْدَ احْتِمَالِ السَّبْقِ وَالْمَعِيَّةِ، وَفِيمَا إِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُعْلَمْ، فَهَلْ يَبْطُلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، أَمْ ظَاهِرًا فَقَطْ؟ وَجْهَانِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ، لَوْ ظَهَرَ وَتَعَيَّنَ السَّابِقُ بَعْدُ، فَلَا زَوْجِيَّةَ. وَلَوْ نَكَحَتْ ثَالِثًا، فَهِيَ زَوْجَةُ الثَّالِثِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، فَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ.

ص: 89

قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: الْأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ جَرَى فَسْخٌ مِنَ الْحَاكِمِ، انْفَسَخَ أَيْضًا بَاطِنًا، وَإِلَّا، فَلَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

إِذَا قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، وَقَفْنَا مِنْ تَرِكَتِهِ مِيرَاثَ زَوْجِهِ. وَلَوْ مَاتَتْ، وَقَفْنَا مِيرَاثَ زَوْجٍ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا أَوْ يُبَيَّنَ الْحَالُ، وَفِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ وَمُدَّةِ الْحَبْسِ قَبْلَ الْفَسْخِ إِذَا قُلْنَا بِهِ، وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، لِعَدَمِ التَّمْكِينِ، وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ. وَالثَّانِي: نَعَمْ، لِصُورَةِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ النُّشُوزِ مَعَ حَبْسِهَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَبِالثَّانِي قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ. فَإِنْ أَوْجَبْنَا، وُزِّعَتْ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ تَعَيَّنَ السَّابِقُ، رَجَعَ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ. قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا يَرْجِعُ إِذَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ، وَأَمَّا الْمَهْرُ، فَلَا يُطَالَبُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

فَرْعٌ

جَمِيعُ مَا سَبَقَ، هُوَ فِيمَا إِذَا تَصَادَقُوا فِي كَيْفِيَّةِ جَرَيَانِ الْعَقْدِ. أَمَّا إِذَا تَنَازَعُوا، وَادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ سَبْقَهُ، وَأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَيُنْظَرُ، إِنْ لَمْ يَدَّعِيَا عَلَيْهَا، لَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُمَا، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا يُحَلِّفُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْعَبَّادِيُّ فِي الرَّقْمِ: يُحَلَّفَانِ فَلَعَلَّهُ يَظْهَرُ الْحَقُّ. قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا لَا مَجَالَ لَهُ إِنْ زَعَمَا عِلْمَ الْمَرْأَةِ بِالْحَالِ، بَلْ تُرَاجَعُ هِيَ. فَإِنِ اعْتَرَفَا بِأَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ، فَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيَنْقَدِحُ فِي الْبَدَاءَةِ تَخْيِيرُ الْقَاضِي أَوِ الْإِقْرَاعُ. فَإِنْ حَلَفَا

ص: 90

أَوْ نَكَلَا، فَهُوَ كَمَا لَوِ اعْتَرَفَا بِالْإِشْكَالِ. وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، قُضِيَ لَهُ. وَإِنِ ادَّعَيَا عَلَى الْمَرْأَةِ، فَذَاكَ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدَّعِيَا عِلْمَهَا بِالسَّبْقِ. فَإِنْ كَانَتِ الصِّيغَةُ: إِنَّهَا تَعْلَمُ سَبْقَ أَحَدِ النِّكَاحَيْنِ، لَمْ تُسْمَعِ الدَّعْوَى، لِلْجَهْلِ. وَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ: هِيَ تَعْلَمُ أَنَّ نِكَاحِي سَابِقٌ، فَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمَا: يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي إِقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ، هَلْ يَقْبَلُ؟ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، لَمْ تُسْمَعِ الدَّعْوَى، إِذْ لَا فَائِدَةَ. وَإِنْ قُلْنَا: تُقْبَلُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، سُمِعَتْ. وَحِينَئِذٍ، إِمَّا أَنْ تُنْكِرَ، وَإِمَّا أَنْ تُقِرَّ.

الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنَّ تُنْكِرَ الْعِلْمَ بِالسَّبْقِ، فَتَحْلِفَ عَلَيْهِ. وَهَلْ يَكْفِي لَهُمَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، أَمْ يَجِبُ يَمِينَانِ؟ قَالَ الْبَغَوِيُّ: يَمِينَانِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: إِنْ حَضَرَا وَادَّعَيَا، حَلَفَتْ يَمِينًا، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ. وَقَالَ الْإِمَامُ: إِنْ حَضَرَا وَرَضِيَا بِيَمِينٍ، كَفَتْ. وَإِنْ حَلَّفَهَا أَحَدُهُمَا، ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرُ، فَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُهَا؟ وَجْهَانِ، لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ وَاحِدَةٌ، وَنَفْيُ الْعِلْمِ بِالسَّبْقِ يَشْمَلُهُمَا. فَإِذَا حَلَفَتْ كَمَا يَنْبَغِي، فَقِيلَ: لَا تَحَالُفَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقَدْ أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَى الْإِشْكَالِ، وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ وَقَالَ: إِنَّمَا حَلَفَتْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالسَّبْقِ، وَلَمْ تُنْكِرْ جَرَيَانَ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَيَبْقَى التَّدَاعِي وَالتَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا. وَالَّذِي أَنْكَرْنَاهُ ابْتِدَاءً التَّحَالُفُ مِنْ غَيْرِ رَبْطِ الدَّعْوَى بِهَا، وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ. وَإِنْ نَكَلَتْ هِيَ، رَدَدْنَا الْيَمِينَ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا، جَاءَ الْإِشْكَالُ، وَإِلَّا فَيُقْضَى لِلْحَالِفِ، وَإِذَا حَلَفَا وَنَكَلَا، فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهَا. وَفِي كِتَابِ الْحَنَّاطِيِّ وَجْهٌ: أَنَّهُمَا إِذَا حَلَفَا وَانْدَفَعَ النِّكَاحَانِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَيَمِينُهَا - حَلَفَتْ أَوْ نَكَلَتْ - تَكُونُ عَلَى الْبَتِّ دُونَ نَفْيِ الْعِلْمِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّعَرُّضِ لِعِلْمِهَا.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تُقِرَّ لِأَحَدِهِمَا بِالسَّبْقِ، فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ (لَهُ) . وَفِي سَمَاعِ دَعْوَى الثَّانِي عَلَيْهَا وَتَحْلِيفِهَا قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ لِلثَّانِي بَعْدَ إِقْرَارِهَا لِلْأَوَّلِ هَلْ تُغَرَّمُ لِلثَّانِي؟ وَفِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي الْإِقْرَارِ لِعَمْرٍو بِدَارٍ أَقَرَّ بِهَا لِزَيْدٍ

ص: 91

أَوَّلًا. فَإِنْ قُلْنَا: تُغَرَّمُ، سُمِعَتِ الدَّعْوَى وَحَلَّفَهَا، وَإِلَّا، فَقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ كَبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا الْمُدَّعِي؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: كَالْإِقْرَارِ. فَعَلَى هَذَا، لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا، لِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ هُوَ بَعْدَ نُكُولِهَا، وَهُوَ كَإِقْرَارِهَا، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَإِنْ قُلْنَا: كَالْبَيِّنَةِ، فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَيُحَلِّفَهَا. فَإِنْ حَلَفَتْ، سَقَطَتْ دَعْوَاهُ. وَإِنْ نَكَلَ، رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِ. فَإِنْ نَكَلَ، فَكَذَلِكَ. وَإِنْ حَلَفَ، بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ، أَمْ كَالْبَيِّنَةِ؟ إِنْ قُلْنَا: كَالْإِقْرَارِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَنْدَفِعُ النِّكَاحَانِ، لِتَسَاوِيهِمَا فِي أَنَّ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ إِقْرَارًا. وَحُكِيَ هَذَا عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ. وَأَصَحُّهُمَا: اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ لِلْأَوَّلِ، وَلَا يَرْتَفِعُ بِنُكُولِهَا الْمُحْتَمِلِ لِلتَّوَرُّعِ، فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ لِلْأَوَّلِ، ثُمَّ لِلثَّانِي. وَإِنْ قُلْنَا: كَالْبَيِّنَةِ. فَقِيلَ: يُحْكَمُ بِالنِّكَاحِ لِلثَّانِي، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقَدَّمَ عَلَى الْإِقْرَارِ. وَبِهَذَا قَطَعَ فِي «الْمُهَذَّبِ» . وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَآخَرُونَ: الصَّحِيحُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ إِنَّمَا تُجْعَلُ كَالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْحَالِفِ وَالنَّاكِلِ، لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا.

وَإِذَا اخْتَصَرَتْ قُلْتُ: هَلْ يَنْدَفِعُ النِّكَاحَانِ، أَمْ تُسَلَّمُ لِلْأَوَّلِ، أَمْ لِلثَّانِي؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. إِنْ سُلِّمَتْ لِلْأَوَّلِ، غَرِمَتْ لِلثَّانِي، وَحَيْثُ تَغْرَمُ، نُغَرِّمُهَا مَا يُغَرَّمُ شُهُودُ الطَّلَاقِ إِذَا رَجَعُوا؟ وَفِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَرْعٌ

لَوْ كَانَتْ خَرْسَاءَ، أَوْ خَرُسَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ، فَأَقَرَّتْ بِالْإِشَارَةِ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا، لَزِمَهَا الْإِقْرَارُ، وَإِلَّا، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَالْحَالُ حَالُ الْإِشْكَالِ، حُكِيَ هَذَا عَنْ نَصِّهِ.

ص: 92

فَرْعٌ

حَلَفَتْ لِأَحَدِهِمَا: لَا تَعْلَمُ سَبْقَهُ، لَا تَكُونُ مُقِرَّةً لِلْآخَرِ، وَلَوْ قَالَتْ لِأَحَدِهِمَا: لَمْ يَسْبِقْ، كَانَتْ مُقِرَّةً لِلْآخَرِ، كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ. وَالْمُرَادُ إِذَا جَرَى ذَلِكَ بَعْدَ إِقْرَارِهَا بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا، وَإِلَّا، فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَا مَعًا، فَلَا تَكُونُ مُقِرَّةً بِسَبْقِ الْآخَرِ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَدَّعِيَا عَلَيْهَا زَوْجِيَّةً مُطْلَقَةً، وَلَا يَتَعَرَّضَا لِسَبْقٍ، وَلَا لِعِلْمِهَا بِهِ، فَهَذَا يُبْنَى عَلَى أَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّفْصِيلُ وَذِكْرُ الشُّرُوطِ؟ وَبَيَانُهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ. فَإِنْ سَمِعْنَا دَعْوَى النِّكَاحِ مُطْلَقَةً، أَوْ فَصَّلَا الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلسَّبْقِ، لَزِمَهَا الْجَوَابُ الْحَازِمُ، وَلَا يَكْفِيهَا نَفْيُ الْعِلْمِ بِالسَّابِقِ، لَكِنَّهَا إِذَا لَمْ تَعْلَمْ، فَلَهَا الْجَوَابُ الْجَازِمُ وَالْحَلْفُ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ، وَهَذَا كَمَا إِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتْلَفَ كَذَا، وَطَلَبَ غُرْمَهُ مِنَ التَّرِكَةِ، حَلَفَ الْوَارِثُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ أَتْلَفَ.

وَلَوِ ادَّعَى (أَنَّ) عَلَيْهِ تَسْلِيمَ كَذَا مِنَ التَّرِكَةِ، حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ. وَعَدَمُ الْعِلْمِ يَجُوزُ لَهُ الْحَلْفُ الْجَازِمُ.

فَرْعٌ

هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى عَلَى الْمَرْأَةِ. فَإِنِ ادَّعَيَا عَلَى الْوَلِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْبَرًا، لَمْ تُسْمَعِ الدَّعْوَى، لِأَنَّ إِقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ. وَإِنْ كَانَ مُجْبَرًا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ. وَأَصَحُّهُمَا: تُسْمَعُ، لِأَنَّ إِقْرَارَهُ مَقْبُولٌ، وَمَنْ قُبِلَ إِقْرَارُهُ، تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَالْيَمِينُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، حَلَفَ الْأَبُ. وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَحْلِفُ، لِلْقُدْرَةِ عَلَى تَحْلِيفِهَا. وَأَصَحُّهُمَا: يَحْلِفُ.

ص: 93

ثُمَّ إِنْ حَلَفَ الْأَبُ، فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَ الْبِنْتَ أَيْضًا. فَإِنْ نَكَلَتْ، حَلَفَ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، وَثَبَتَ نِكَاحُهُ. وَفِي «التَّهْذِيبِ» : أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ بَالِغَةً، بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، فَالدَّعْوَى عَلَيْهَا.

الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْمُوَلَّى عَلَيْهِ

الْأَسْبَابُ الْمُقْتَضِيَةُ لِنَصْبِ الْوَلِيِّ خَمْسَةٌ: الصِّغَرُ، وَالْأُنُوثَةُ، وَالْجُنُونُ، وَالسَّفَهُ، وَالرِّقُّ، وَقَدْ سَبَقَ حُكْمُ الْأَوَّلَيْنِ.

السَّبُبُ الثَّالِثُ: الْجُنُونُ. فَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ كَبِيرًا، لَمْ يُزَوَّجْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَيُزَوَّجْ لِلْحَاجَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَظْهَرَ رَغْبَتُهُ فِيهِنَّ بِدَوَرَانِهِ حَوْلَهُنَّ وَتَعَلُّقِهِ بِهِنَّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَوْ بِأَنْ يَحْتَاجَ إِلَى مَنْ يَخْدِمُهُ وَيَتَعَهَّدُهُ، وَلَا يَجِدُ فِي مَحَارِمِهِ مَنْ يُحَصِّلُ هَذَا، وَتَكُونُ مَئُونَةُ النِّكَاحِ أَخَفَّ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ، أَوْ بِأَنْ يُتَوَقَّعَ شِفَاؤُهُ بِالنِّكَاحِ. وَإِذَا جَازَ تَزْوِيجُهُ، تَوَلَّاهُ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ السُّلْطَانُ، دُونَ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ، كَوِلَايَةِ الْمَالِ. وَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ صَغِيرًا، لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُزَوِّجُهُ الْأَبُ أَوِ الْجَدُّ، وَطَرَدَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَجْهَيْنِ فِي الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ الْمَمْسُوحِ.

وَمَتَّى جَازَ تَزْوِيجُ الْمَجْنُونِ، لَمْ يُزَوَّجْ إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً، وَالْمُخَبَّلُ كَالْمَجْنُونِ فِي النِّكَاحِ، وَهُوَ الَّذِي فِي عَقْلِهِ خَلَلٌ، وَفِي أَعْضَائِهِ اسْتِرْخَاءٌ، وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى النِّكَاحِ غَالِبًا. وَيَجُوزُ أَنْ يُزَوَّجَ الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ أَرْبَعًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى وَاحِدَةٍ.

قُلْتُ: وَفِي الْإِبَانَةِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ أَصْلًا، وَزَعَمَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَهُوَ غَلَطٌ.

ص: 94

ثُمَّ إِنَّمَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَ الْعَاقِلَ الْأَبُ وَالْجَدُّ، وَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْوَصِيِّ وَالْقَاضِي، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَانْتِفَاءِ كَمَالِ الشَّفَقَةِ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ فِي البُوَيْطِيِّ، وَصَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ فِي «الْبَيَانِ» : يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ كَالْأَبِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

فِي الْمَجْنُونَةِ أَوْجُهٌ. الصَّحِيحُ: أَنَّ الْأَبَ - وَالْجَدَّ عِنْدَ عَدَمِهِ - يُزَوِّجَانِهَا، سَوَاءً كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا. وَالثَّانِي: لَا يَسْتَقِلَّانِ بِتَزْوِيجِ الْكَبِيرَةِ الثَّيِّبِ، بَلْ يُشْتَرَطُ إِذْنُ السُّلْطَانِ بَدَلًا عَنْ إِذْنِهَا. وَالثَّالِثُ: لَا يُزَوَّجُ الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ كَمَا لَوْ كَانَتْ عَاقِلَةً، وَالْفَرْقُ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْبُلُوغَ غَايَةٌ تُنْتَظَرُ.

ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَزْوِيجِهَا ظُهُورُ الْحَاجَةِ، بَلْ يَكْفِي ظُهُورُ الْمَصْلَحَةِ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ، لِأَنَّ نِكَاحَهَا يُفِيدُ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ، وَيُغَرَّمُ الْمَجْنُونُ.

وَسَوَاءٌ الَّتِي بَلَغَتْ مَجْنُونَةً، وَمَنْ بَلَغَتْ عَاقِلَةً ثُمَّ جُنَّتْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ، فَوِلَايَةُ مَالِهِ لِأَبِيهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا لِلسُّلْطَانِ، فَكَذَا التَّزْوِيجُ.

وَأَمَّا الْمَجْنُونَةُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا وَلَا جَدَّ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، لَمْ تُزَوَّجْ، إِذْ لَا إِجْبَارَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَا حَاجَةَ لَهَا فِي الْحَالِ. وَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً، فَفِيمَنْ يُزَوِّجُهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْقَرِيبُ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ، لَكِنْ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ، بَلْ يُشْتَرَطُ إِذْنُ السُّلْطَانِ مَقَامَ إِذْنِهَا. فَإِنِ امْتَنَعَ الْقَرِيبُ، زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ كَمَا لَوْ عَضَلَهَا. وَأَصَحُّهُمَا: يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ كَمَا يَلِي مَالَهَا، لَكِنْ يُرَاجِعُ أَقَارِبَهَا، لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِمَصْلَحَتِهَا وَتَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، وَهَذِهِ الْمُرَاجَعَةُ وَاجِبَةٌ، أَمْ مُسْتَحَبَّةً؟ وَجْهَانِ. صَحَّحَ الْبَغَوِيُّ الْوُجُوبَ، وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ.

ص: 95

فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْمُشَاوَرَةَ، فَلَمْ يُشِيرُوا بِشَيْءٍ، اسْتَقَلَّ السُّلْطَانُ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي وُجُوبِ الْمُشَاوَرَةِ فِي تَزْوِيجِ الْمَجْنُونِ. ثُمَّ مَنْ وَلِيَ نِكَاحَهَا مِنَ السُّلْطَانِ أَوِ الْقَرِيبِ، يُزَوِّجُ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَاجَةِ بِأَنْ تَظْهَرَ عَلَامَاتُ غَلَبَةِ شَهْوَتِهَا، أَوْ يَقُولَ أَهْلُ الطِّبِّ: يُرْجَى بِتَزْوِيجِهَا الشِّفَاءُ.

أَمَّا إِذَا لَمْ تَظْهَرْ، وَأَرَادَ التَّزْوِيجَ لِكِفَايَةِ النَّفَقَةِ، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَى، فَهَلْ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لِلْأَبِ بِمُجَرَّدِ الْمَصْلَحَةِ؟ أَمْ لَا لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا يَقَعُ إِجْبَارًا وَلَيْسَ هُوَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي. قَالَ الْإِمَامُ: وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْمَصْلَحَةِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ وَالْجَدِّ.

فَرْعٌ

الْبَالِغُ الْمُنْقَطِعُ جُنُونُهُ، لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ حَتَّى يُفِيقَ فَيَأْذَنَ، وَيُشْتَرَطُ وُقُوعُ الْعَقْدِ فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ. فَلَوْ عَادَ الْجُنُونُ قَبْلَ الْعَقْدِ، بَطَلَ الْإِذْنُ، كَمَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْجُنُونِ، وَهَكَذَا الثَّيِّبُ الْمُنْقَطِعُ جُنُونُهَا. وَأَمَّا الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ بِمَرَضٍ، فَتُنْتَظَرُ إِفَاقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تُتَوَقَّعْ إِفَاقَتُهُ، فَكَالْمَجْنُونِ.

السَّبَبُ الرَّابِعُ: السَّفَهُ. فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّزَوُّجِ، بَلْ يُرَاجِعُ الْوَلِيَّ لِيَأْذَنَ أَوْ يُزَوِّجَهُ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فَتَزَوَّجَ، جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالصَّبِيِّ.

فَعَلَى الصَّحِيحِ، إِنْ عَيَّنَ لَهُ امْرَأَةً، لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ غَيْرِهَا، وَلْيَنْكِحْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ. فَإِنْ زَادَ، فَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ قَوْلًا مُخَرَّجًا: أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ. وَالْمَشْهُورُ صِحَّتُهُ، لِأَنَّ خَلَلَ الصَّدَاقِ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ. فَعَلَى هَذَا، تَبْطُلُ الزِّيَادَةُ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: الْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ.

ص: 96

وَالْفَرْقُ أَنَّ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ تَسْتَحِقُّ الزَّوْجَةُ مَهْرَ الْمِثْلِ مِنَ الْمُعَيَّنِ، وَعَلَى قَوْلِهِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ.

وَإِنْ قَالَ لَهُ الْوَلِيُّ: انْكِحِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فُلَانٍ، فَلْيَنْكِحْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَلَوْ قَدَّرَ الْمَهْرَ، وَلَمْ يُعَيِّنِ الْمَرْأَةَ، فَقَالَ: انْكِحْ بِأَلْفٍ، فَلْيَنْكِحِ امْرَأَةً بِأَلْفٍ. فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَأَكْثَرَ، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ بِالْمُسَمَّى. وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ، صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَسَقَطَتِ الزِّيَادَةُ. وَإِنْ نَكَحَ بِأَلْفَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَأْذَنْ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ. وَفِي الرَّدِّ إِلَى أَلْفٍ إِضْرَارٌ بِهَا. وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا أَوْ أَقَلَّ، صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَسَقَطَتِ الزِّيَادَةُ. وَعَنْ تَخْرِيجِ ابْنِ خَيْرَانَ وَابْنِ الْقَطَّانِ، أَنَّهُ مَتَى زَادَ عَلَى مَا أَذِنَ بِهِ الْوَلِيُّ، بَطَلَ النِّكَاحُ بِكُلِّ حَالٍ. وَلَوْ جَمَعَ الْوَلِيُّ فِي الْإِذْنِ بَيْنَ تَعْيِينِ الْمَرْأَةِ وَتَقْدِيرِ الْمَهْرِ، فَقَالَ: انْكِحْ فُلَانَةً بِأَلْفٍ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا دُونَ الْأَلْفِ، فَالْإِذْنُ بَاطِلٌ. وَإِنْ كَانَ أَلْفًا، فَنَكَحَهَا بِأَلْفٍ أَوْ أَقَلَّ، صَحَّ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى. وَإِنْ زَادَ، سَقَطَتِ الزِّيَادَةُ. وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ، فَإِنْ نَكَحَ بِأَلْفٍ، صَحَّ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى، وَإِنْ زَادَ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ.

أَمَّا إِذَا أَطْلَقَ الْوَلِيُّ الْإِذْنَ، فَقَالَ: تَزَوَّجْ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا:(وَهُوَ) مَحْكِيٌّ عَنْ أَبَوَيْ عَلَيٍّ: ابْنِ خَيْرَانَ، وَالطَّبَرِيِّ. وَعَنِ الدَّارَكِيِّ، أَنَّهُ يَلْغُو الْإِذْنُ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ امْرَأَةٍ، أَوْ قَبِيلَةٍ، أَوْ مَهْرٍ. وَأَصَحُّهُمَا: يَكْفِي الْإِطْلَاقُ كَالْعَبْدِ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ تَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، صَحَّ النِّكَاحُ، وَسَقَطَتِ الزِّيَادَةُ. وَإِنْ تَزَوَّجَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ، صَحَّ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى. لَكِنْ لَوْ نَكَحَ شَرِيفَةً يَسْتَغْرِقُ مَهْرُ مِثْلِهَا مَالَهُ، فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ. اخْتِيَارُ الْإِمَامِ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، بَلْ يَتَقَيَّدُ

ص: 97

بِمُوَافَقَةِ الْمَصْلَحَةِ. ذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ تَفْرِيعًا عَلَى اعْتِبَارِ الْإِذْنِ الْمُطْلَقِ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ عَيَّنَ الْوَلِيُّ امْرَأَةً فَعَدَلَ السَّفِيهُ إِلَى غَيْرِهَا (فَنَكَحَهَا) بِمِثْلِ مَهْرِ الْمُعَيَّنَةِ، لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لِلْوَلِيِّ فِي أَعْيَانِ الزَّوْجَاتِ.

فَرْعٌ

قَالَ: انْكِحْ مَنْ شِئْتَ بِمَا شِئْتَ، ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِذْنُ، لِأَنَّهُ رَفَعَ الْحَجْرَ بِالْكُلِّيَّةِ.

فَرْعٌ

قَالَ ابْنُ كَجٍّ: الْإِذْنُ لِلسَّفِيهِ فِي النِّكَاحِ، لَا يُفِيدُهُ جَوَازُ التَّوْكِيلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعِ الْحَجْرَ.

فَرْعٌ

أَمَّا إِذَا قَبِلَ الْوَلِيُّ النِّكَاحَ لِلسَّفِيهِ، فَفِي اشْتِرَاطِ إِذْنِ السَّفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، لِأَنَّهُ فَوَّضَ إِلَيْهِ رِعَايَةَ مَصْلَحَتِهِ. فَإِذَا عَرَفَ حَاجَتَهُ، زَوَّجَهُ كَمَا يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ. وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ: أَنَّ السَّفِيهَ يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ، فَرُبَّمَا اسْتَأْنَسَ بِهِ الْأَوَّلُونَ، وَحَمَلَهُ الْآخِرُونَ عَلَى أَصْلِ التَّزْوِيجِ، ثُمَّ يُرَاعَى شَرْطُهُ، وَنَقَلَ الرَّبِيعُ: أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ اخْتِلَافُ قَوْلٍ، بَلْ حَمَلَ قَوْمٌ رِوَايَةَ الرَّبِيعِ عَلَى الْقَيِّمِ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْحَاكِمُ فِي التَّزْوِيجِ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى مَا إِذَا

ص: 98

لَمْ يَحْتَجِ السَّفِيهُ إِلَى النِّكَاحِ. ثُمَّ إِذَا قَبِلَ لَهُ الْوَلِيُّ النِّكَاحَ، فَلْيَقْبَلْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ، كَانَ كَمَا لَوْ قَبِلَ الْأَبُ لِابْنِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. فَفِي قَوْلٍ: يَبْطُلُ النِّكَاحُ. وَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ.

فَرْعٌ

لَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْوَلِيِّ، فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، فَلَا حَدَّ، لِلشُّبْهَةِ. وَفِي الْمَهْرِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: لَا يَجِبُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى شَيْئًا فَأَتْلَفَهُ. وَفِيهِ إِشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ تُزَوَّجَ وَلَا عِلْمَ لَهَا بِحَالِ الزَّوْجِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَالثَّالِثُ: يَجِبُ أَقَلُّ مَا يُتَمَوَّلُ.

قُلْتُ: وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ شَيْئًا، فَفَكَّ الْحَجْرَ، فَلَا شَيْءَ [عَلَيْهِ] عَلَى الْمَذْهَبِ، كَالصَّبِيِّ إِذَا وَطِئَ ثُمَّ بَلَغَ. وَحَكَى الشَّاشِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

قَالَ الْأَكْثَرُونَ: يُشْتَرَطُ فِي نِكَاحِ السَّفِيهِ حَاجَتُهُ إِلَيْهِ، وَإِلَّا، فَهُوَ إِتْلَافُ مَالِهِ بِلَا فَائِدَةٍ، وَبَنَوْا عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ إِلَّا وَاحِدَةً كَالْمَجْنُونِ. قَالُوا: وَالْحَاجَةُ بِأَنْ تَغْلِبَ شَهْوَتُهُ، أَوِ احْتَاجَ إِلَى مَنْ يَخْدِمُهُ وَلَمْ تَقُمْ مَحْرَمٌ بِخِدْمَتِهِ، وَكَانَتْ مُؤَنُ الزَّوْجَةِ أَخَفَّ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ وَمُؤَنِهَا، وَلَمْ يَكْتَفُوا فِي الْحَاجَةِ بِقَوْلِ السَّفِيهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ إِتْلَافَ الْمَالِ، بَلِ اعْتَبَرُوا ظُهُورَ الْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ. وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ بِالْمَصْلَحَةِ كَالصَّبِيِّ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ ظُهُورَ أَمَارَاتِ الشَّهْوَةِ، وَاكْتَفَيَا فِيهَا بِقَوْلِ السَّفِيهِ.

ص: 99

فَرْعٌ

إِذَا طَلَبَ السَّفِيهُ النِّكَاحَ مَعَ ظُهُورِ أَمَارَةِ الْحَاجَةِ إِنِ اعْتَبَرْنَاهُ، أَوْ دُونَهُ إِنْ لَمْ نَعْتَبِرْهُ، وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ إِجَابَتُهُ. فَإِنِ امْتَنَعَ فَتَزَوَّجَ السَّفِيهُ بِنَفْسِهِ، فَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَجْهَيْنِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُتَوَلِّي: لَا يَصِحُّ. وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: إِذَا امْتَنَعَ الْوَلِيُّ، فَلْيُرَاجِعِ السَّفِيهُ السُّلْطَانَ كَالْمَرْأَةِ الْمَعْضُولَةِ. فَإِنْ خَفَّتِ الْحَاجَةُ، وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ السُّلْطَانِ، فَفِي اسْتِقْلَالِ السَّفِيهِ حِينَئِذٍ الْوَجْهَانِ.

فَرْعٌ

يَصِحُّ طَلَاقُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مِطْلَاقًا، سُرِّيَ بِجَارِيَةٍ.

فَرْعٌ

الْكَلَامُ فِيمَنْ يَلِي أَمْرَ السَّفِيهِ، سَبَقَ فِي الْحَجْرِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ: أَنَّهُ إِنْ بَلَغَ رَشِيدًا، ثُمَّ طَرَأَ السَّفَهُ، فَنِكَاحُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالسُّلْطَانِ. وَإِنْ بَلَغَ سَفِيهًا، فَهَلْ يُفَوِّضُ إِلَى السُّلْطَانِ، أَمْ إِلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ؟ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَ ابْنُ كَجٍّ أَنَّهُ يُزَوِّجُهُ الْقَاضِي، وَأَنَّهُ إِنْ جَعَلَهُ فِي حِجْرِ إِنْسَانٍ، زَوَّجَهُ الَّذِي هُوَ فِي حِجْرِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: إِنْ فُوِّضَ إِلَى الْقَيِّمِ التَّزْوِيجُ، زَوَّجَ، وَإِلَّا، فَلَا.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ، فَالتَّزْوِيجُ إِلَيْهِ، وَإِلَّا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ إِلَّا الْقَاضِي وَمَنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ الْقَاضِي تَزْوِيجَهُ. وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ وَجَزَمَ بِهِ، الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ «الْمُخْتَصَرِ» . - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

ص: 100

فَرْعٌ

قَالَ الْبَغَوِيُّ: إِقْرَارُ السَّفِيهِ بِالنِّكَاحِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُبَاشِرُهُ، وَهَذَا قَدْ يُشْكَلُ بِإِقْرَارِ الْمَرْأَةِ.

فَرْعٌ

لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلْسٍ النِّكَاحُ، وَتَكُونُ مُؤَنُهُ فِي كَسْبِهِ، لَا فِيمَا فِي يَدِهِ.

السَّبَبُ الْخَامِسُ: الرِّقُّ. فَنِكَاحُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ، وَبِإِذْنِهِ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ كَانَ سَيِّدُهُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً. وَيَجُوزُ إِذْنُ سَيِّدِهِ فِي امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقَبِيلَةِ، أَوِ الْبَلْدَةِ، وَيَجُوزُ مُطْلَقًا. وَإِذَا قُيِّدَ، فَعَدَلَ الْعَبْدُ عَنِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدَّرَ مَهْرًا، فَنَكَحَ غَيْرَ الْمُعَيَّنَةِ بِهِ، أَوْ بِأَقَلَّ، صَحَّ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَإِذَا أَطْلَقَ الْإِذْنَ، فَلَهُ نِكَاحُ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ، وَفِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى. وَلَوْ قَدَّرَ مَهْرًا، فَزَادَ، فَالزِّيَادَةُ فِي ذِمَّتِهِ، يُطْلَبُ بِهَا إِذَا عَتَقَ. وَلَوْ نَكَحَ بِالْمُقَدَّرِ امْرَأَةً مَهْرُهَا أَقَلُّ، فَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَّاطِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ احْتِمَالَاتٍ. أَصَحُّهَا: صِحَّةُ النِّكَاحِ، وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى فِي الْحَالِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، يُطْلَبُ بِهَا إِذَا عَتَقَ. وَالثَّالِثُ: بُطْلَانُ النِّكَاحِ. وَلَوْ رَجَعَ عَنِ الْإِذْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْعَبْدُ حَتَّى نَكَحَ، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْوَكِيلِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ. وَلَوْ طَلَّقَ الْعَبْدُ بَعْدَمَا نَكَحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، لَمْ يَنْكِحْ أُخْرَى إِلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ. وَلَوْ نَكَحَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا، فَهَلْ لَهُ نِكَاحُ أُخْرَى؟ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ، أَمْ يَخْتَصُّ بِالصَّحِيحِ، وَلِهَذَا أَصْلٌ سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ص: 101