الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَسْأَلْهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شُرُوطِ أَنْكِحَتِهِمْ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا. وَأَمَّا فِي حَالِ الْإِسْلَامِ، فَالْوَجْهُ: الِاحْتِيَاطُ.
فَصْلٌ
قَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَا إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْعَقْدِ الْجَارِي فِي الشِّرْكِ وَلَا بِالْإِسْلَامِ مُفْسِدٌ، وَمَا إِذَا اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ مُفْسِدٌ، وَهَذَا الْفَصْلُ لِقِسْمٍ ثَالِثٍ، وَهُوَ أَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِالْعَقْدِ، لَكِنْ يَطْرَأُ مُفْسِدٌ وَيَقْتَرِنُ بِالْإِسْلَامِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ بَنَاهَا جَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّ الِاخْتِيَارَ وَالْإِمْسَاكَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، أَمْ كَاسْتِدَامَتِهِ؟ قَالُوا: وَفِيهِ قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ. أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلُ.
إِحْدَى الْمَسَائِلِ: إِذَا أَسْلَمَ، وَوُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، أَوْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، اسْتَمَرَّ نِكَاحُهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً نِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ، لِأَنَّ عِدَّةَ الشُّبْهَةِ لَا تَقْطَعُ نِكَاحَ الْمُسْلِمِ، فَذَا أَوْلَى.
[الْمَسْأَلَةُ] الثَّانِيَةُ: أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَعَنِ النَّصِّ جَوَازُ إِمْسَاكِهَا فِي الْإِحْرَامِ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثُمَّ أَسْلَمْنَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، لَهُ اخْتِيَارُ (أَرْبَعٍ) مِنْهُنَّ، وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ وَهُوَ مُوسِرٌ، لَا يَجُوزُ إِمْسَاكُهَا، وَهَؤُلَاءِ حَمَلُوا النَّصَّ عَلَى مَا إِذَا أَسْلَمَا مَعًا ثُمَّ أَحْرَمَ الزَّوْجُ، فَلَهُ الِاخْتِيَارُ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا التَّأْوِيلُ، الْأَنْمَاطِيُّ، وَابْنُ سَلَمَةَ. وَعَنِ الْقَفَّالِ إِنْكَارُ هَذَا النَّصِّ، وَقَالَ: تَفَحَّصْتُ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ، فَلَمْ أَجِدْهُ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ.
وَأَظْهَرُهُمَا وَمُخْتَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: الْأَخْذُ بِظَاهِرِ النَّصِّ، لِأَنَّ عُرُوضَ الْإِحْرَامِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ الْإِمْسَاكَ اسْتِدَامَةٌ، فَأَشْبَهَ الرَّجْعَةَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: نَكَحَ فِي الْكُفْرِ حُرَّةً وَأَمَةً، ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَسْلَمَتَا مَعَهُ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْحُرَّةَ تَتَعَيَّنُ لِلنِّكَاحِ، وَيَنْدَفِعُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَسَوَاءٌ نَكَحَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، وَتَنْدَفِعُ الْأَمَةُ أَيْضًا بِالْيَسَارِ الْمُقَارِنِ لِلْإِسْلَامِ. وَقِيلَ: فِي انْدِفَاعِهَا فِي الصُّورَتَيْنِ قَوْلَانِ، بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. وَالْحَاصِلُ لِلْفَتْوَى، أَنَّهُ مَتَى أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ وَأَسْلَمَتْ مَعَهُ، أَوْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لِيَسَارٍ أَوْ أَمْنِ الْعَنَتِ، انْدَفَعَ نِكَاحُهَا.
[الْمَسْأَلَةُ] الرَّابِعَةُ: أَسْلَمَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَارْتَدَّتْ، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمِ الزَّوْجُ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ، بَانَتْ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ أَوَّلًا، وَتَكُونُ الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا، سَقَطَ حُكْمُ تِلْكَ الْعِدَّةِ مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَنَتَوَقَّفُ. فَإِنْ عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ رِدَّتِهَا، اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ، وَإِلَّا، انْقَطَعَ مِنْ يَوْمِ الرِّدَّةِ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَارْتَدَّ، إِنْ لَمْ تُسْلِمِ الْمَرْأَةُ إِلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ إِسْلَامِهِ، بَانَتْ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ، تَوَقَّفْنَا، فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ رِدَّتِهِ، اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ، وَإِلَّا، حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ مِنْ يَوْمِئِذٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَحَكَى الْقَفَّالُ عَنِ النَّصِّ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ النِّكَاحُ فِي إِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَارْتِدَادِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ، وَالْمَشْهُورُ التَّوَقُّفُ. وَعَلَى هَذَا قَالَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ: الرِّدَّةُ يَفْتَرِقُ فِيهَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَالِاسْتِدَامَةِ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ نِكَاحِ الْمُرْتَدِّ بَاطِلٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ عَلَى التَّوَقُّفِ، وَفِي الدَّوَامِ تَوَقَّفْنَا، فَالْتَحَقَتِ الرِّدَّةُ بِالْعِدَّةِ لِلشُّبْهَةِ وَالْإِحْرَامِ. وَإِنَّمَا قِيلَ بِالتَّوَقُّفِ فِي الرِّدَّةِ، وَلَمْ نُجَوِّزِ الِاخْتِيَارَ فِيهَا بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ وَالْعِدَّةِ، لِأَنَّ مُنَافَاةَ الرِّدَّةِ لِلنِّكَاحِ أَشَدُّ، فَإِنَّهَا تَقْطَعُهُ، بِخِلَافِهِمَا، وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الرَّجْعَةُ فِي الرِّدَّةِ، وَتَجُوزُ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَتِ
النِّسْوَةُ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ أَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ فِي الرِّدَّةِ. فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ فِي الْعِدَّةِ، فَلَهُ الِاخْتِيَارُ حِينَئِذٍ.
فَرْعٌ
قَدْ بَانَ بِمَا ذَكَرْنَا، أَنَّ الْقَاطِعَ لِلنِّكَاحِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ، مِنْهُ مَا يَكُونُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَاسْتَمَرَّ كَالْعِدَّةِ، وَمِنْهُ مَا يَطْرَأُ كَمَا لَوْ نَكَحَ حُرَّةً عَلَى أَمَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ، أَوْ نَكَحَ أَمَةً ثُمَّ أَيْسَرَ وَأَسْلَمَ مُوسِرًا. ثُمَّ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الِانْقِطَاعِ أَنْ يُقَارِنَ الْمُفْسِدُ إِسْلَامَهُمَا، أَوْ يَكْفِي اقْتِرَانُهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ.
أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَالْأَصَحُّ الِاكْتِفَاءُ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ وَمَعَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ، انْدَفَعَتِ الْأَمَةُ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَتِ الْحُرَّةُ الْمَدْخُولُ بِهَا مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَتِ الْأَمَةُ. وَلَوْ أَصَرَّتِ الْأَمَةُ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ، انْدَفَعَتْ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ. وَلَوْ مَاتَتِ الْحُرَّةُ بَعْدَ إِسْلَامِهَا، أَوِ ارْتَدَّتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتِ الْأَمَةُ، انْدَفَعَتِ الْأَمَةُ أَيْضًا، وَكَفَى اقْتِرَانُ إِسْلَامِ الْحُرَّةِ بِإِسْلَامِهِ. وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ تَلِفَ مَالُهُ وَأَسْلَمَتْ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَهُ إِمْسَاكُهَا، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْيَسَارُ فِي الدَّفْعِ إِذَا قَارَنَ إِسْلَامَهُمَا جَمِيعًا. وَقِيلَ: يَكْفِي اقْتِرَانُ الْيَسَارِ بِإِسْلَامِهِ، حُكِيَ هَذَا عَنْ أَبِي يَحْيَى الْبَلْخِيِّ، قَالَ: وَعَكْسُهُ لَوْ أَسْلَمَ مُعْسِرًا ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَلَهُ إِمْسَاكُهَا نَظَرًا إِلَى وَقْتِ إِسْلَامِهِ. وَعَنِ ابْنِ خَيْرَانَ: فِي الْيَسَارِ الزَّائِلِ قَوْلَانِ. وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ: أَنَّ فِي صُورَةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ لَهُ إِمْسَاكَ الْأَمَةِ، فَحَصَلَ خِلَافٌ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ فِي صُورَةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ انْدِفَاعُ الْأَمَةِ وَإِنْ مَاتَتِ الْحُرَّةُ. وَفِي صُورَةِ زَوَالِ الْيَسَارِ عَدَمُ انْدِفَاعِهَا، وَاعْتِبَارُ اقْتِرَانِهِ بِإِسْلَامِهِمَا، لِأَنَّ وَقْتَ الِاجْتِمَاعِ هُوَ وَقْتُ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ.