المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَرْعٌ جُنَّ الزَّوْجُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ، وَمَضَتِ السَّنَةُ وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَطَلَبَتِ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٧

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّدَاقِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْوَلِيمَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْخُلْعِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: فَرْعٌ جُنَّ الزَّوْجُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ، وَمَضَتِ السَّنَةُ وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَطَلَبَتِ

فَرْعٌ

جُنَّ الزَّوْجُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ، وَمَضَتِ السَّنَةُ وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَطَلَبَتِ الْفَرْقَةَ، لَمْ تُجَبْ إِلَيْهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ.

فَرْعٌ

مَضَتِ السَّنَةُ فَأَمْهَلَتْهُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً أُخْرَى، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ: لَهَا ذَلِكَ، وَلَهَا أَنْ تَعُودَ إِلَى الْفَسْخِ مَتَى شَاءَتْ، كَمَا إِذَا أُمْهِلَ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَا يُلْزَمُ الْإِمْهَالَ، وَالصَّحِيحُ بُطْلَانُ حَقِّهَا بِهَذَا الْإِمْهَالِ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ.

فَرْعٌ

إِذَا فَسَخَتْ بِالْعُنَّةِ، فَلَا مَهْرَ عَلَى الْمَشْهُورِ ; لِأَنَّهُ فَسْخٌ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَفِي قَوْلٍ: كُلُّهُ، حَكَاهُمَا صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» عَنْ حِكَايَةِ الْإِصْطَخْرِيِّ.

‌فَصْلٌ

قَالَ الْأَصْحَابُ: إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْوَطْءِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ نَافِيهِ عَمَلًا بِأَصْلِ الْعَدَمِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ.

إِحْدَاهَا: إِذَا ادَّعَتْ عُنَّتَهُ فَقَالَ: أَصَبْتُهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُدَّةِ أَمْ بَعْدَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ خَصِيًّا أَوْ مَقْطُوعَ بَعْضِ الذَّكَرِ، إِذَا كَانَ الْبَاقِي بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْجِمَاعُ بِهِ، أَوْ، ادَّعَتْ عَجْزَهُ. وَقِيلَ: فِي الْخَصِيِّ وَالْمَقْطُوعِ،

ص: 201

فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُقَوِّي جَانِبَهَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ الْبَاقِي، هَلْ يُمْكِنُ الْجِمَاعُ بِهِ؟ قَالَ الْأَكْثَرُونَ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ: يَنْبَغِي أَنْ يَرَى أَهْلُ الْخِبْرَةِ لِيَعْرِفُوا قَدْرَهُ، وَيُخْبِرُوا عَنِ الْحَالِ، كَمَا لَوِ ادَّعَتْ أَنَّهُ مَجْبُوبٌ فَأَنْكَرَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. وَلَوِ ادَّعَتْ عَجْزَهُ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ، وَادَّعَى أَنَّهَا امْتَنَعَتْ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بِهَا، وَإِلَّا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ النِّكَاحِ. فَإِذَا حَلَفَ، ضَرَبَ الْقَاضِي الْمُدَّةَ ثَانِيًا وَأَسْكَنَهُمَا فِي جِوَارِ قَوْمٍ ثِقَاتٍ يَتَفَقَّدُونَ حَالَهُمَا. فَإِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ، اعْتَمَدَ الْقَاضِي قَوْلَ الثِّقَاتِ وَجَرَى عَلَيْهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي.

الثَّانِي: إِذَا طَالَبَتْهُ فِي الْإِيلَاءِ بِالْفَيْأَةِ وَالطَّلَاقِ فَقَالَ: وَطِئْتُهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اسْتِدَامَةً لِلنِّكَاحِ. وَلَوْ قَالَتْ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ: أَنَا بِكْرٌ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ: إِنْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِبَكَارَتِهَا، حُكِمَ بِعَدَمِ الْإِصَابَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفِهَا، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ شَهَادَتِهِنَّ: أَصَبْتُهَا وَلَمْ أُبَالِغْ، فَعَادَتِ الْبَكَارَةُ وَطَلَبَ يَمِينَهَا، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَحَلَفَتْ. وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا، لَمْ تَحْلِفْ. وَالثَّانِي وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْإِفْصَاحِ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ كَجٍّ، وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ: تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ مَعَ الْبَيِّنَةِ عَلَى قِيَامِ الْبَكَارَةِ ; لِأَنَّ الْبَكَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً، فَاحْتِمَالُ الزَّوَالِ وَالْعَوْدِ قَائِمٌ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الزَّوْجُ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاحْتِيَاطِ. ثُمَّ إِذَا حَلَفَتْ بَعْدَ دَعْوَاهُ أَوْ دُونَهَا [حَلَفَتْ] عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا، أَوْ عَلَى أَنَّ بَكَارَتَهَا هِيَ الْبَكَارَةُ الْأَصْلِيَّةُ، وَلَهَا حَقُّ الْفَسْخِ بَعْدَ يَمِينِهَا. وَإِنْ نَكَلَتْ، حَلَفَ الزَّوْجُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ. وَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ أَيْضًا، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَهَا الْفَسْخُ وَيَكُونُ نُكُولُهُ كَحَلِفِهَا ; لِأَنَّ

ص: 202

الظَّاهِرَ أَنَّ بَكَارَتَهَا هِيَ الْأَصْلِيَّةُ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ ; لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَصْلُ دَوَامُ النِّكَاحِ.

الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: قَالَتْ، طَلَّقَنِي بَعْدَ الدُّخُولِ فَلِي كُلُّ الْمَهْرِ، فَقَالَ: بَلْ قَبْلَهُ فَلَكِ النِّصْفُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِلْأَصْلِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مُؤَاخَذَةً بِقَوْلِهَا، وَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى، وَلِلزَّوْجِ نِكَاحُ بِنْتِهَا وَأُخْتِهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا فِي الْحَالِ. فَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِزَمَنٍ مُحْتَمَلٍ، ثَبَتَ النَّسَبُ وَتَقَوَّى بِهِ جَانِبُهَا، فَيُرْجَعُ إِلَى تَصْدِيقِهَا، وَتُطَالِبُ الزَّوْجَ بِالنِّصْفِ الثَّانِي، وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْعَبَّادِيُّ ; لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ لَا يُورِثُ يَقِينَ الْوَطْءِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إِذَا ظَهَرَتِ الْبَكَارَةُ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ مَحَلُّ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ تَصْدِيقِ النَّافِي. فَإِنْ لَاعَنَ الزَّوْجُ وَنَفَى الْوَلَدَ، فَقَدْ زَالَ الْمُرَجَّحُ فَتَعُودُ إِلَى تَصْدِيقِهِ، وَيَسْتَمِرُّ الْأَمْرُ عَلَى مَا سَبَقَ.

وَحَيْثُ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ نَافِي الْإِصَابَةِ، فَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُوَافِقْ عَلَى جَرَيَانِ خُلُوِّهِ، فَإِنْ وَافَقَ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي: تَصْدِيقُ الْمُثْبِتِ. فَعَلَى هَذَا: تُضَمُّ هَذِهِ الصُّورَةُ إِلَى مَوَاضِعَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ تَصْدِيقِ النَّافِي وَتَصِيرُ أَرْبَعَةً، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

قُلْتُ: عَجَبٌ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ رحمه الله: فِيمَا إِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِزَمَنٍ مُحْتَمَلٍ أَنَّهَا الْمُصَدَّقَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ، وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ، فَفِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا، أَمْ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْإِمْكَانِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُولِجُ بَعْضَ الْحَشَفَةِ أَوْ يُبَاشِرُ فِيمَا قَارَبَ الْفَرْجِ فَيُدْخِلُ الْمَنِيَّ فَيَلْحَقُ النَّسَبُ وَلَا وَطْءَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 203

الْبَابُ التَّاسِعُ فِيمَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ

وَفِيهِ مَسَائِلُ.

إِحْدَاهَا: لَهُ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ، إِلَّا النَّظَرَ إِلَى الْفَرْجِ، فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي حُكْمِ النَّظَرِ، وَإِلَّا الْإِتْيَانَ فِي الدُّبُرِ، فَإِنَّهُ حَرَامٌ، وَيَجُوزُ التَّلَذُّذُ بِمَا بَيْنَ الْإِلْيَتَيْنِ، وَالْإِيلَاجُ فِي الْقُبُلِ مِنْ جِهَةِ الدُّبُرِ.

فَرْعٌ

الْإِتْيَانُ فِي الدُّبُرِ كَالْإِتْيَانِ فِي الْقُبُلِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، كَإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ وَوُجُوبِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَلَا التَّحْلِيلُ، وَلَا الْفَيْأَةُ فِي الْإِيلَاءِ، وَلَا يَزُولُ حُكْمُ التَّعْنِينِ، وَفِي هَذَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ.

وَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا أَتَى السَّيِّدُ أَمَتَهُ فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَإِمْكَانُ الْوَطْءِ كَافٍ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَيَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَطْعًا، وَيَسْتَقِرُّ بِهِ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْتَقِرُّ، فَقَالَ الْحَنَّاطِيُّ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَهُ، فَلَهَا الْمُسَمَّى وَتَرُدُّ مَهْرَ الْمِثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي وَجْهٍ: لَهَا الْمُسَمَّى وَمَهْرُ الْمِثْلِ. وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا وَطَلَّقَهَا، فَقَدْ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلِلزَّوْجِ عِنْدَهَا الْمُسَمَّى. فَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ، جَرَتْ أَقْوَالُ التَّقَاصِّ، وَهَذَا كَلَامٌ مُظْلِمٌ لَا يُهْتَدَى إِلَيْهِ.

ص: 204

قُلْتُ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ، إِنَّا إِذَا قُلْنَا: لَا يَسْتَقِرُّ الْمُسَمَّى، لَا يَجِبُ أَيْضًا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَنَّاطِيُّ مُظْلِمٌ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَعَجَبٌ قَوْلُهُ: وَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لَهُ عَلَيْهَا الْمُسَمَّى، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يَشْطُرُ الْمُسَمَّى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَتَثْبُتُ بِهِ الْمُصَاهَرَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْعِدَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يُشْتَرَطُ نُطْقُ الْمُصَابَةِ فِي دُبُرِهَا إِذَا اسْتُؤْذِنَتْ فِي النِّكَاحِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فِي دُبُرِهَا، فَلَا حَدَّ عَلَى الصَّحِيحِ.

قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا:

[حُكْمُ] الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ كَالْقُبُلِ إِلَّا فِي سَبْعَةِ أَحْكَامٍ: التَّحْلِيلِ، وَالتَّحْصِينِ، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْفَيْأَةِ، وَالتَّعْنِينِ، وَتَغَيُّرِ إِذْنِ الْبِكْرِ. وَالسَّادِسِ، أَنَّ الدُّبُرَ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ، وَالْقُبُلَ يَحِلُّ فِي الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ. وَالسَّابِعِ: إِذَا جُومِعَتِ الْكَبِيرَةُ فِي دُبُرِهَا، فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مَنِيُّ الرَّجُلِ مِنْ دُبُرِهَا، لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ ثَانٍ، بِخِلَافِ الْقُبُلِ، فَقَدْ يَجِيءُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْعَزْلُ: هُوَ أَنْ يُجَامِعَ، فَإِذَا قَارَبَ الْإِنْزَالَ، نَزَعَ فَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرَجِ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، كَرَاهَتَهُ، وَلَا يَحْرُمُ فِي السِّرِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ، صِيَانَةً لِلْمَلِكِ، وَلَا يَحْرُمُ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ.

[وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ بِغَيْرِ إِذَنٍ] وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي الْحُرَّةِ.

ص: 205

وَأَمَّا الْمُسْتَوْلَدَةُ، فَفِيهَا خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ الْحُرَّةِ، وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهَا غَيْرُ رَاسِخَةٍ فِي الْفِرَاشِ وَلِهَذَا لَا يَقْسِمُ لَهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَحَيْثُ حَرَّمْنَا، فَذَلِكَ إِذَا نَزَعَ بِقَصْدِ أَنْ يَقَعَ الْإِنْزَالُ خَارِجًا تَحَرُّزًا عَنِ الْوَلَدِ، فَأَمَّا إِذَا عَنَّ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ لَا عَلَى هَذَا الْقَصْدِ، فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنْ لَا يَحْرُمَ.

الثَّالِثَةُ: الِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ حَرَامٌ، وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ أَنَّهُ تُوُقِّفَ فِيهِ فِي الْقَدِيمِ. وَالْمَذْهَبُ الْجَزْمُ بِتَحْرِيمِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْنِيَ بِيَدِ زَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ، كَمَا يَسْتَمْتِعُ بِسَائِرِ بَدَنِهَا، ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ.

الرَّابِعَةُ: الْقَوْلُ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَتَحْرِيمِ سَائِرِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، كَمَا سَبَقَ فِي «بَابِ الْحَيْضِ» . وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ، أَنَّهُ يَجْتَنِبُ الْحَائِضَ فِي جَمِيعِ بَدَنِهَا.

قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ، يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْمَشْهُورَةَ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ سِوَى النِّكَاحِ» وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ يُبَاشِرُ الْحَائِضَ فَوْقَ الْإِزَارِ» فَقَدْ خَالَفَ قَائِلُهُ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْخَامِسَةُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَطُوفَ عَلَى إِمَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلِّلَ بَيْنَ كُلِّ وَطْئَيْنِ وُضُوءً أَوْ غَسْلَ الْفَرْجِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي «كِتَابِ الطَّهَارَةِ» ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الزَّوْجَاتِ إِلَّا بِإِذْنِهِنَّ. وَأَمَّا حَدِيثُ «الصَّحِيحَيْنِ» أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَافَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، فَمَحْمُولٌ عَلَى إِذْنِهِنَّ إِنْ قُلْنَا: كَانَ الْقَسْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ، صلى الله عليه وسلم، وَإِلَّا فَهُنَّ كَالْإِمَاءِ.

السَّادِسَةُ: يُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ وَهُنَاكَ أَمَتُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى، وَأَنْ يَتَحَدَّثَ بِمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ.

ص: 206

قُلْتُ: وَيُسَنُّ مُلَاعَبَتُهُ الزَّوْجَةَ إِينَاسًا وَتَلَطُّفًا مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» . وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يُعَطِّلَهَا، وَأَنْ لَا يُطِيلَ عَهْدَهَا بِالْجِمَاعِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَأَنْ لَا يَتْرُكَ ذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرِهِ، لِقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ» ، أَيِ: ابْتَغِ الْوَلَدَ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْجِمَاعِ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِيهِ، وَلَا يُكَرَهُ الْجِمَاعُ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ وَلَا مُسْتَدْبِرُهَا، لَا فِي الْبُنْيَانِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ تَحْرِيمًا غَلِيظًا أَنْ تَمْتَنِعَ إِذَا طَلَبَهَا لِلِاسْتِمْتَاعِ الْجَائِزِ، وَلَا يَحْرُمُ وَطْءُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ، وَيُكْرَهُ أَنْ تَصِفَ الْمَرْأَةُ امْرَأَةً أُخْرَى لِزَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.

الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي وَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ وَنِكَاحِهِ إِيَّاهَا وَوُجُوبِ إِعْفَافِهِ

فِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ.

الطَّرَفُ الْأَوَّلُ: فِي وَطْئِهَا، فَيَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ وَطْئُ جَارِيَةِ ابْنِهِ مَعَ عِلْمٍ بِالْحَالِ، فَإِنْ وَطِئَهَا، نُظِرَ، أَهِيَ مَوْطُوءَةُ الِابْنِ أَمْ لَا؟

الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ لَا تَكُونَ وَفِيهِ مَسَائِلُ.

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَا حَدَّ عَلَى الْأَبِ لِشُبْهَةِ الْإِعْفَافِ. وَعَنِ الْإِصْطَخْرِيِّ تَخْرِيجُ قَوْلٍ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَعَلَى هَذَا، فَيُعَزَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِحَقِّ اللَّهِ، تَعَالَى. وَقِيلَ: لَا يُعَزَّرُ. فَعَلَى تَخْرِيجِ الْإِصْطَخْرِيِّ: هُوَ كَالزِّنَا بِأَمَةِ

ص: 207

أَجْنَبِيٍّ. فَإِنْ أَكْرَهَهَا، وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ، فَوَجْهَانِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: هُوَ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِلِابْنِ. فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، أُخِذَ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَفِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يُوسَرَ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مُعْسِرًا، لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كَمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَيَجِبُ الْمَهْرُ، تَثْبُتُ الْمُصَاهَرَةُ فَتَحْرُمُ الْجَارِيَةُ عَلَى الِابْنِ أَبَدًا، وَيَسْتَمِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا إِذَا لَمْ يُوجَدْ عَلَى الْأَبِ إِحْبَالٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الِابْنِ بِتَحْرِيمِهَا ; لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْحِلِّ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ فِيهِ الْمَالِيَّةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ، وَلَهُ تَزْوِيجُهَا وَتَحْصِيلُ مَهْرِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَةَ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ بِالشُّبْهَةِ، فَإِنَّهُ يُغَرَّمُ الْمَهْرَ لَهُ ; لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْمِلْكَ وَالْحِلَّ جَمِيعًا، وَلِأَنَّ الْحِلَّ هُنَاكَ هُوَ الْمَقْصُودُ.

[الْمَسْأَلَةُ] الثَّالِثَةُ: إِذَا أَحْبَلَهَا بِوَطْئِهِ، فَالْوَلَدُ نَسِيبٌ حُرٌّ، كَمَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَجْنَبِيٍّ بِشُبْهَةٍ. وَهَلْ تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ. أَظْهَرُهَا: نَعَمْ. وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا، فَنَعَمْ، وَإِلَّا فَلَا. وَضَعَّفَ الْأَصْحَابُ هَذَا. فَإِنْ قُلْنَا بِهِ، قَالَ الْإِمَامُ: يَجِبُ أَنْ تُخَرَّجَ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي تَعْجِيلِ الِاسْتِيلَادِ، وَتَأْخِيرِهِ إِلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ أَوِ التَّوَقُّفِ، كَمَا فِي سِرَايَةَ الْعِتْقِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ. وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ، فَعَلَى الْأَبِ قِيمَةُ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ يَوْمِ الِانْفِصَالِ إِنِ انْفَصَلَ حَيًّا ; لِأَنَّ الرِّقَّ انْدَفَعَ بِسَبَبِهِ. وَإِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلِابْنِ بَيْعُ الْأَمَةِ مَا لَمْ تَضَعْ ; لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِحُرٍّ، وَهَلْ عَلَى الْأَبِ قِيمَتُهَا فِي الْحَالِ لِلْحَيْلُولَةِ ثُمَّ تُسْتَرَدُّ عِنْدَ الْوَضْعِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ ; لِأَنَّ يَدَهُ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَيْهَا وَمُنْتَفِعٌ بِالِاسْتِخْدَامِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْآبِقِ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَغْرُورِ

ص: 208

بَحُرِّيَّتِهَا، وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ إِذَا أَحْبَلَتَا، وَإِذَا مَلَكَ الْأَبُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ يَوْمًا، هَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ. أَمَّا إِذَا قُلْنَا بِالْأَظْهَرِ: إِنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، فَيَجِبُ عَلَى الْأَبِ قِيمَتُهَا مَعَ الْمَهْرِ. فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ.

وَمَتَى يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْجَارِيَةِ إِلَى الْأَبِ؟ فِيهِ أَرْبَعَةٌ أَوْجُهٍ. أَحُدُهَا: قُبَيْلَ الْعُلُوقِ لِيَسْقُطَ مَاؤُهُ فِي مِلْكِهِ صِيَانَةً لَهُ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيُّ. وَالثَّانِي: مَعَ الْعُلُوقِ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ. وَالثَّالِثُ: عِنْدَ الْوِلَادَةِ. وَالرَّابِعُ: عِنْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ. وَفِي وُجُوبِ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبِ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ. قَالَ الْإِمَامُ: لَوْ فُرِضَ الْإِنْزَالُ مَعَ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ، فَقَدِ اقْتَرَنَ مُوجِبُ الْمَهْرِ بِالْعُلُوقِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّلَ الْمُهْرُ مَنْزِلَةَ قِيمَةِ الْوَلَدِ. وَالَّذِي أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ لُزُومِ الْمَهْرِ، مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ مُوجِبِ الْمَهْرِ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ إِنْ أَثْبَتْنَا الِاسْتِيلَادَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يُثْبَتْ عَلَى الْأَصَحِّ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اسْتَوْلَدَ الْأَبُ جَارِيَةً مُشْتَرِكَةً بَيْنَ ابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ، فَثُبُوتُ الِاسْتِيلَادِ فِي نَصِيبِ الِابْنِ عَلَى الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ، فَإِنْ أَثْبَتْنَاهُ وَكَانَ مُوسِرًا، سَرَى إِلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَعَلَى الْأَبِ كَمَالُ الْمَهْرِ، وَكَمَالُ الْقَيِّمَةِ لِلِابْنِ وَالْأَجْنَبِيِّ. وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، لَمْ يَثْبُتِ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَيَكُونُ نِصْفُ الْوَلَدِ حُرًّا وَنَصِفُهُ رَقِيقًا عَلَى الْأَظْهَرِ. وَحَكَى أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ وَجْهًا أَنَّ الِاسْتِيلَادَ

ص: 209

لَا يَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ بِحَالٍ، وَلَا يُجْعَلُ حَقُّ الْمِلْكِ وَشُبْهَتُهُ كَحَقِيقَةِ الْمِلْكِ، وَلَوْ كَانَ نِصْفُ الْجَارِيَةِ لِلِابْنِ وَنَصِفُهَا حُرًّا، اقْتَصَرَ الِاسْتِيلَادُ عَلَى نَصِيبِ الِابْنِ لَا مَحَالَةَ.

[الْمَسْأَلَةُ] الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ الْأَبُ الْمُسْتَوْلِدُ رَقِيقًا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَالْوَلَدُ نَسِيبٌ. وَفِي حُرِّيَّتِهِ وَجْهَانِ. أَفْتَى الْقَفَّالُ بِالْحُرِّيَّةِ كَوَلَدِ الْمَغْرُورِ، وَقِيمَتُهُ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يُعْتِقَ، وَالْمَهْرُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ إِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ، فَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَمْ بِذِمَّتِهِ؟ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ وَطِئَ الْعَبْدُ أَجْنَبِيَّةً بِشُبْهَةٍ. وَلَوْ كَانَ الْأَبُ الْمُحْبِلُ مُكَاتِبًا، فَفِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ثُبُوتِهِ إِذْ أَوْلَدَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ. وَلَوْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ رَقِيقًا، لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ، وَيَكُونُ نِصْفُ الْوَلَدِ حُرًّا، وَفِي نِصْفِهِ الْآخَرِ وَجْهَانِ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ حُرٌّ أَيْضًا، فَعَلَيْهِ كَمَالُ قِيمَةِ الْوَلَدِ، نِصْفُهَا فِي كَسْبِهِ، وَنِصْفُهَا فِي ذِمَّتِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: نِصْفُهُ الْآخَرُ رَقِيقٌ، فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِهِ فِي كَسْبِهِ.

فَرْعٌ

لَا فَرْقَ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ، بَيْنَ الْأَبِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَتَجْرِي الْأَقْوَالُ فِي ثُبُوتِ اسْتِيلَادِ (الذِّمِّيِّ وَإِنْ كَانَ الْكَافِرُ لَا يَشْتَرِي الْمُسْلِمَ ; لِأَنَّهُ مِلْكٌ قَهْرِيٌّ كَالْأِرْثِ.

فَرْعٌ

وَطْءُ الْأَبِ جَارِيَةَ الْبِنْتِ وَالْحَفَدَةِ كَجَارِيَةِ) الِابْنِ بِلَا فَرْقٍ.

ص: 210

[الْحَالَةُ] الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ مَوْطُوءَةَ الِابْنِ، وَوَطِئَهَا الْأَبُ عَالِمًا بِالْحَالِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ أَوِ الْأَظْهَرِ. وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بِرِضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ. الْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ: لَا حَدَّ. قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي «التَّجْرِبَةِ» : الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الِابْنُ اسْتَوْلَدَهَا، فَإِنْ كَانَ، وَجَبَ الْحَدُّ قَطْعًا، كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَمْلِكَهَا بِحَالٍ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَتْ مَوْطُوءَةً غَيْرَ مُسْتَوْلَدَةٍ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْحَدَّ عَلَى الْأَبِ، لَمْ تَحْرُمِ الْجَارِيَةُ عَلَى الِابْنِ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ إِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً. وَإِنْ كَانَتْ طَائِعَةً، لَمْ تَجِبْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ أَوْلَدَهَا، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَيَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا غَيْرَ نَسِيبٍ. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بِرِضَاعٍ وَغَيْرِهِ وَأَوْلَدَهَا، لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إِنْ أَوْجَبْنَا الْحَدَّ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالِاسْتِيلَادُ هُنَا وَفِي جَارِيَةِ الِابْنِ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْحَدَّ فِيهِمَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَلَوْ أَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ، ثَبَتَ النَّسَبُ وَالِاسْتِيلَادُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ: إِنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ ; لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ مِلْكَهُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الْحَدَّ صِيَانَةً لِمِلْكِ الشَّرِيكِ. أَمَّا إِذَا قُلْنَا: لَا حَدَّ عَلَى الْأَبِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ جَاهِلًا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ، وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمَا أَبَدًا. فَإِنْ أَوْلَدَهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوْلَدَةَ الِابْنِ، لَمْ تَصِرْ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ ; لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ، وَإِلَّا فَفِي مَصِيرِهَا مُسْتَوْلَدَةٌ لِلْأَبِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى.

فَرْعٌ

لَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةَ ابْنِهِ وَأَوْلَدَهَا فَفِي مَصِيرِهَا مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا ; لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ. وَالثَّانِي: نَعَمْ ; لِأَنَّهَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ، بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ

ص: 211