الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فِي آدَابِ الْأَكْلِ مِنْهَا: أَنْ يَقُولَ أَوَّلًا: بِاسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ نَسِيَ قَالَ إِذَا تَذَكَّرَ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَأَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ قَبْلَ الْأَكْلِ وَبَعْدَهُ، وَأَنْ يَأْكُلَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ، وَأَنْ يَدْعُوَ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ إِنْ كَانَ ضَيْفًا، وَيَقُولَ:«أَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ. وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ» وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا، وَأَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِي آكِلِيهِ، وَأَنْ يَأْكُلَ مِنْ وَسَطِ الْقَصْعَةِ وَأَعْلَى الثَّرِيدِ وَنَحْوَهُ، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَوَاكِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَعِيبَ الطَّعَامَ، وَأَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ تَمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَنْ يَأْكُلَ بِشِمَالِهِ، وَأَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ، وَأَنْ يَنْفُخَ فِيهِ.
وَلَا يُكْرَهُ الشُّرْبُ قَائِمًا، وَحَمَلُوا النَّهْيَ الْوَارِدَ عَلَى حَالَةِ السَّيْرِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ تَأْوِيلِ النَّهْيِ عَلَى حَالَةِ السَّيْرِ، قَدْ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالْمُتَوَلِّي، وَقَدْ تَأَوَّلَهُ آخَرُونَ بِخِلَافِ هَذَا. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الشُّرْبَ قَائِمًا بِلَا عُذْرٍ خِلَافَ الْأَوْلَى، لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» .
وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ الصَّحِيحَانِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ قَائِمًا، فَمَحْمُولَانِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ.
وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى أَحَادِيثِ النَّهْيِ بِأَشْيَاءَ بَاطِلَةٍ، أَوْضَحْتُ جَوَابَهَا فِي شَرْحِ «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» . وَيُكْرَهُ الشُّرْبَ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ.
وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ: حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آخِرِهِ. وَكَذَلِكَ فِي آخِرِ الشُّرْبِ فَيَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ وَلَا مُوَدَّعٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا» . ثَبَتَ ذَلِكَ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا أَذْكَارٌ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ جَمَعْتُ
مَقَاصِدَهَا فِي كِتَابِ أَذْكَارِ الطَّعَامِ مِنْ كِتَابِ «الْأَذْكَارِ» ، وَشَرَحْتُ فِيهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ أَحْسَنَ شَرْحٍ وَأَوْجَزَهُ، مَعَ جُمَلٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَطْعِمَةِ.
وَقَوْلُهُ: رَبَّنَا، يَجُوزُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ النِّدَاءِ، وَبِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَإِذَا أَكَلَ جَمَاعَةٌ، فَمِنَ الْأَدَبِ أَنْ يَتَحَدَّثُوا عَلَى طَعَامِهِمْ بِمَا لَا إِثْمَ فِيهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَمَخَّطَ وَيَبْصُقَ فِي حَالِ أَكْلِهِمْ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَرِّبَ فَمَهُ مِنَ الْقَصْعَةِ بِحَيْثُ يَرْجِعُ مِنْ فَمِهِ إِلَيْهَا شَيْءٌ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْعَقَ الْقَصْعَةَ، وَأَنْ يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ، وَأَنْ يَأْكُلَ اللُّقْمَةَ السَّاقِطَةَ مَا لَمْ تَتَنَجَّسْ وَيَتَعَذَّرْ تَطْهِيرُهَا؛ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ. وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْكُلَ الشَّخْصُ وَحْدَهُ، وَأَنْ لَا يَرْتَفِعَ عَنْ مُؤَاكَلَةِ الْغُلَامِ وَالصِّبْيَانِ وَالزَّوْجَةِ، وَأَنْ لَا يَتَمَيَّزَ عَلَى جُلَسَائِهِ بِنَوْعٍ إِلَّا لِحَاجَةٍ، كَدَوَاءٍ، وَنَحْوِهِ، وَأَنْ يَمُدَّ الْأَكْلَ مَعَ رُفْقَتِهِ مَا دَامَ يَظُنُّ لَهُمْ حَاجَةً إِلَى الْأَكْلِ، وَأَنْ يُؤْثِرَهُمْ بِفَاخِرِ الطَّعَامِ، كَقِطْعَةِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ لَيِّنٍ، أَوْ طَيِّبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ سَبَقَ اسْتِحْبَابُ التَّسْمِيَةِ فِي أَوَّلِ الطَّعَامِ، وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِكُلِّ آكِلٍ، حَتَّى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْهَرَ بِهَا جَهْرًا يَسْمَعُهُ رُفْقَتُهُ سَمَاعًا مُحَقَّقًا؛ لِيُقْتَدَى بِهِ فِيهَا، وَلِيَتَنَبَّهَ غَيْرُهُ لَهَا وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ أَنْ يُسَمِّيَ.
فَإِنْ سَمَّى وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ، أَجَزَأَ عَنِ الْبَاقِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي كِتَابِ «الْأَذْكَارِ» وَفِي «طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ» فِي تَرْجَمَةِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِرَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي قَوْلُ أَحَدِ الْجَمَاعَةِ.
وَمَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ لِعَارِضٍ آخَرَ، ثُمَّ تَمَكَّنَ فِي أَثْنَاءِ أَكْلِهِ، سَمَّى، كَمَا لَوْ نَسِيَهَا، وَسَبَقَ مِثْلُهُ فِي الْوُضُوءِ، وَالتَّسْمِيَةِ فِي الْمَشْرُوبِ كَالْمَأْكُولِ.
وَلَا بَأْسَ