الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَجْنُونِ نِكَاحًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهُ، أَوْ بِعَيْنٍ مِنْ أَمْوَالِهِ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهُ، صَحَّ. وَإِنْ قَبِلَهُ بِأَكْثَرِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَالصَّدَاقُ فَاسِدٌ. وَكَذَا لَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ الْمَجْنُونَةَ أَوِ الْبِكْرَ، أَوِ الصَّغِيرَةَ أَوِ الْكَبِيرَةَ بِغَيْرِ إِذْنِهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَسَدَ الصَّدَاقُ. وَفِي النِّكَاحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا: صِحَّتُهُ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَفِيمَا إِذَا أَصْدَقَهَا عَيْنًا وَجْهٌ أَنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ ; لِأَنَّهُ تَرَكَ مَصْلَحَةَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، فَصَارَ كَتَرْكِ الْكَفَاءَةِ. وَلَوْ أَصْدَقَ عَنِ ابْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ. أَحَدُهُمَا: يَفْسُدُ الْمُسَمَّى ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِ الِابْنِ، ثُمَّ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالزِّيَادَةِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ وَتَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ الْمُسَمَّى ; لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الِابْنِ، بَلْ إِذَا لَمْ نُصَحِّحْهُ أَضْرَرْنَا بِهِ، فَإِنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي مَالِهِ، وَبِهَذَا الثَّانِي قَطَعَ الْغَزَالَيُّ وَالْبَغَوِيُّ، وَرَجَّحَ الْمُتَوَلِّي وَالسَّرَخْسِيُّ فِي «الْأَمَالِي» الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ، وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ الصَّبِيَّ كَفَّارَةُ قَتْلٍ فَأَعْتَقَ الْوَلِيُّ عَنْهُ عَبْدًا لِنَفْسِهِ، لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ وَإِعْتَاقِهِ عَنْهُ، وَإِعْتَاقُ عَبْدِ الطِّفْلِ لَا يَجُوزُ.
فَصْلٌ
إِذَا اتَّفَقُوا عَلَى مَهْرٍ فِي السِّرِّ وَأَعْلَنُوا بِأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ، فَعَنِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ: الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ، وَفِي مَوْضِعٍ: الْعَلَانِيَةُ.
وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: إِثْبَاتُ قَوْلَيْنِ: وَفِي مَوْضِعِهِمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَوْضِعُهُمَا إِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَلْفٍ، وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُعَبِّرُوا عَنِ الْأَلْفِ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ. أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ وُجُوبُ أَلْفَيْنِ بِجَرَيَانِ
اللَّفْظِ الصَّرِيحِ بِهِمَا. وَالثَّانِي: الْوَاجِبُ أَلْفٌ عَمَلًا بِاصْطِلَاحِهِمَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِثْبَاتُ قَوْلَيْنِ مَهْمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَلْفٍ وَجَرَى الْعَقْدُ بِأَلْفَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلتَّعْبِيرِ عَنْ أَلْفٍ بِأَلْفَيْنِ اكْتِفَاءً بِقَصْدِهِمْ. قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَجْرِي الْأَحْكَامُ الْمُتَلَقَّاةُ مِنَ الْأَلْفَاظِ. فَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ: إِذَا قُلْتُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، وَإِنَّمَا غَرَضِي أَنْ تَقُومِي وَتَقْعُدِي، وَأُرِيدُ بِالثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ. وَفِي وَجْهٍ: الِاعْتِبَارُ بِمَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ.
ثُمَّ مَا الْمَعْنَى بِمَا أَطْلَقْنَاهُ فِي الْوَجْهَيْنِ مِنْ الِاتِّفَاقِ فِي السِّرِّ، أَهْوَ مُجَرَّدُ التَّرَاضِي وَالتَّوَاعُدِ؟ أَمِ الْمُرَادُ مَا إِذَا جَرَى الْعَقْدُ بِأَلْفٍ فِي السِّرِّ ثُمَّ عَقَدُوا بِأَلْفَيْنِ فِي الْعَلَانِيَةِ؟ مِنْهُمْ مَنْ يُشْعِرُ كَلَامُهُ بِالْأَوَّلِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ إِثْبَاتُ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ جَرَى الْعَقْدَانِ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا، أَنَّ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ كَالْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا التَّخْرِيجِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ: تَنْزِيلُ النَّصَّيْنِ عَلَى حَالَيْنِ، فَحَيْثُ قَالَ: الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ، أَرَادَ إِذَا عَقَدَ فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ، ثُمَّ أَتَوْا بِلَفْظِ الْعَقْدِ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ تَحَمُّلًا وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى بَقَاءِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ. وَحَيْثُ قَالَ: الْمَهْرُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ، أَرَادَ إِذَا تَوَاعَدُوا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ أَلْفًا، وَلَمْ يُعْقَدْ فِي السِّرِّ ثُمَّ عَقَدُوا فِي الْعَلَانِيَةِ، فَالْمَهْرُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ لِأَنَّهُ الْعَقْدُ.
وَنَقَلَ الْحَنَّاطِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصًّا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَيَفْسُدُ الْمُسَمَّى، وَحَمَلُوهُ عَلَى مَا إِذَا جَرَى الْعَقْدُ بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يُكْتَفَى بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إِلَّا أَدَاءُ أَلْفٍ. وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ تُوَافُقُ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ، وَقَدْ يُحْتَاجُ إِلَى مُسَاعَدَةِ الْمَرْأَةِ.
السَّبَبُ السَّادِسُ: مُخَالَفَةُ الْآمِرِ لَا يُشْتَرَطُ فِي إِذْنِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ إِذْنُهَا تَقْدِيرُ الْمَهْرِ، وَلَا ذِكْرُهُ. لَكِنْ لَوْ قَدَّرَتْ فَقَالَتْ: زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ مَثَلًا، فَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ أَوْ وَكِيلُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ مَا إِذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِلَا مَهْرٍ أَوْ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ فِي صُورَةِ الْوَلِيِّ قَوْلَانِ. وَلَوْ قَالَتْ لِوَكِيلِ الْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْمَهْرِ، فَزَوَّجَهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَسَدَ النِّكَاحُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَفْسُدُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا لَوْ وَكَّلَ الْوَلِيُّ بِالتَّزْوِيجِ مُطْلَقًا، فَزَوَّجَ الْوَكِيلُ وَنَقْصَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْوَكِيلِ إِذَا نَقَصَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَلَوْ أَطْلَقَ التَّزْوِيجَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَهْرِ، فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي ذِكْرَ الْمَهْرِ عُرْفًا. وَأَصَحُّهُمَا: يَصِحُّ مَهْرُ الْمِثْلِ ; لِأَنَّ فِعْلَهُ مُطَابِقٌ لِلْإِذْنِ. وَلَوْ أَذِنَتْ لِلْوَلِيِّ فِي التَّزْوِيجِ مُطْلَقًا، فَزَوَّجَ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِلَا مَهْرٍ، فَهَلْ يَبْطُلُ النِّكَاحُ أَمْ يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي السَّبَبِ الْخَامِسِ.
أَظْهَرُهُمَا: الصِّحَّةُ. وَقِيلَ: يَفْسُدُ قَطْعًا كَالْوَكِيلِ. وَلَوْ قَالَتْ لِلْوَلِيِّ أَوْ لِلْوَكِيلِ: زَوِّجْنِي بِمَا شَاءَ الْخَاطِبُ، فَقَالَ الْمَأْذُونُ لَهُ لِلْخَاطِبِ: زَوَّجْتُكَهَا بِمَا شِئْتَ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا شَاءَ الْخَاطِبُ، فَقَدْ زَوَّجَهَا بِمَجْهُولٍ، فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَإِنْ عَرَفَ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: صِحَّةُ الْمُسَمَّى لِعِلْمِهَا بِهِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِإِبْهَامِ اللَّفْظِ.
قُلْتُ: هَذَا الْمَذْكُورُ فِي هَذَا السَّبَبِ، هُوَ طَرِيقَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ. وَأَمَّا الْعِرَاقِيُّونَ فَقَطَعُوا بِصِحَّةِ النِّكَاحِ فِي كُلِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. قَالَ صَاحِبُ «الْبَيَانِ» : إِذَا أَذِنَتْ
فِي التَّزْوِيجِ، فَزَوَّجَهَا وَلَيُّهَا بِلَا مَهْرٍ، أَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ بِدُونِ مَا أَذِنَتْ فِيهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ زَوَّجَ الْأَبُ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ أَوِ الْكَبِيرَةَ بِلَا مَهْرٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ وَكَلَّ بَعْلًا فَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ، أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ: يَصِحُّ النِّكَاحُ فِي كُلِّ الصُّوَرِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلَيْنِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ: زَوِّجْهَا مَنْ شَاءَتْ بِكَمْ شَاءَتْ، فَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، صَحَّ. وَلَوْ قَالَ: زَوِّجْهَا بِأَلْفٍ فَزَوَّجَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ بِرِضَاهَا، قَالَ الْمُتَوَلِّي: الصَّحِيحُ صِحَّةُ النِّكَاحِ ; لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بَاشَرَ غَيْرَ مَا وُكِّلَ فِيهِ.
فَرْعٌ
جَاءَ رَجُلٌ وَقَالَ: أَنَا وَكِيلُ فُلَانٍ فِي قَبُولِ نِكَاحِ فُلَانَةٍ بِكَذَا، فَصَدَّقَهُ الْوَلِيُّ وَالْمَرْأَةُ، وَجَرَى النِّكَاحُ، وَضَمِنَ الْوَكِيلُ الصَّدَاقَ، ثُمَّ إِنَّ فُلَانًا أَنْكَرَهُ وَصَدَّقْنَاهُ بِالْيَمِينِ، فَهَلْ يُطَالَبُ الْوَكِيلُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّدَاقِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا ; لِأَنَّ مُطَالَبَةَ الْأَصْلِ سَقَطَتْ وَالضَّامِنُ فَرْعُهُ. وَأَصَحُّهُمَا وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ نَصِّهِ فِي «الْإِمْلَاءِ» :
أَنَّهُ يُطَالَبُ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ ; لِأَنَّ الْمَالَ ثَابِتٌ عَلَيْهِمَا بِزَعْمِهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو أَلْفٌ وَأَنَا ضَامِنُهُ، فَأَنْكَرَ عَمْرٌو، يَجُوزُ لِزَيْدٍ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ.
فَرْعٌ
فِي «فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ» أَنَّهُ إِذَا قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ: لَا تُزَوِّجْهَا إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ تَرْهَنَ بِالصَّدَاقِ فُلَانًا، أَوْ يَتَكَفَّلُهُ فُلَانٌ، صَحَّ وَعَلَى الْوَكِيلِ الِاشْتِرَاطُ. فَإِنْ أَهْمَلَهُ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ. وَلَوْ قَالَ: زَوِّجْهَا بِكَذَا وَخُذْ بِهِ كَفِيلًا، فَزَوَّجَهَا بِلَا شَرْطٍ، صَحَّ النِّكَاحُ ; لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَمْرَيْنِ امْتَثَلَ أَحَدُهُمَا. وَإِنْ قَالَ: لَا تُزَوِّجْهَا إِذَا لَمْ يَتَكَفَّلْ فُلَانٌ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ التَّوْكِيلُ ; لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَتَأَخَّرُ عَنِ النِّكَاحِ، وَقَدْ مَنَعَ الْعَقْدَ إِلَّا بِهَا، وَأَنَّهُ إِذَا قَالَ لِلْوَكِيلِ: زَوِّجْهَا بِأَلْفٍ وَجَارِيَةٍ وَلَمْ يَصِفِ الْجَارِيَةَ، فَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ بِأَلْفٍ، لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ قَالَ: زَوِّجْهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَجْهُولٍ، فَزَوَّجَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَقْدَ الْبَلَدِ وَقَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ أَكْثَرَ، صَحَّ النِّكَاحُ وَالْمُسَمَّى، وَإِلَّا فَلَا.
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي التَّفْوِيضِ وَحُكْمِ الْمُفَوِّضَةِ
التَّفْوِيضُ: أَنْ تَجْعَلَ الْأَمْرَ إِلَى غَيْرِهِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ الْإِهْمَالُ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى. . . وَسُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ مُفَوِّضَةً لِتَفْوِيضِهَا أَمْرَهَا إِلَى الزَّوْجِ أَوِ الْوَلِيِّ بِلَا مَهْرٍ، أَوْ لِأَنَّهَا أَمْهَلَتِ الْمَهْرَ. وَمُفَوَّضَةٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ ; لِأَنَّ الْوَلِيَّ فَوَّضَ أَمْرَهَا إِلَى الزَّوْجِ. وَفِي الْبَابِ طَرَفَانِ.
أَحَدُهُمَا: فِي صُورَةِ التَّفْوِيضِ.
وَالثَّانِي: فِي حُكْمِهِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالتَّفْوِيضُ ضَرْبَانِ. تَفْوِيضُ مَهْرٍ وَتَفْوِيضُ بُضْعٍ. فَتَفْوِيضُ الْمَهْرِ أَنْ تَقُولَ لِوَلِيِّهَا: زَوِّجْنِي عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ مَا شِئْتَ أَوْ مَا شِئْتُ أَنَا، أَوْ مَا شَاءَ الْخَاطِبُ، أَوْ فُلَانٌ، فَإِنْ زَوَّجَهَا عَلَى مَا ذَكَرَتْ مِنَ الْإِبْهَامِ، فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي آخِرِ الْبَابِ السَّابِقِ. وَإِنْ زَوَّجَهَا بِمَا عَيَّنَ الْمَذْكُورُ مَشِيئَتَهُ، صَحَّ الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَإِنْ زَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ، فَهَلْ يَبْطُلُ النِّكَاحُ، أَمْ يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي آخِرِ الْبَابِ السَّابِقِ فِيمَا إِذَا أَطْلَقَتِ الْإِذْنَ وَزَوَّجَ الْوَلِيُّ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ خَالِيًا عَنِ الْمَهْرِ، وَلَيْسَ هَذَا التَّفْوِيضُ بِالتَّفْوِيضِ الَّذِي عَقَدْنَا لَهُ الْبَابَ.
وَأَمَّا تَفْوِيضُ الْبُضْعِ، فَالْمُرَادُ بِهِ: إِخْلَاءُ النِّكَاحِ عَنِ الْمَهْرِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ إِذَا صَدَرَ مِنْ مُسْتَحِقِّ الْمَهْرِ بِأَنْ تَقُولَ الْبَالِغَةُ الرَّشِيدَةُ، ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا: زَوَّجْنِي بِلَا مَهْرٍ أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ، فَيُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ وَيَنْفِي الْمَهْرَ، أَوْ يَسْكُتُ عَنْهُ. وَلَوْ قَالَتْ: زَوِّجْنِي وَسَكَتَتْ عَنِ الْمَهْرِ، فَالَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْوِيضٍ ;
لِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ غَالِبًا بِمَهْرٍ، فَيُحْمَلُ الْإِذْنُ عَلَى الْعَادَةِ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: زَوِّجْنِي بِمَهْرٍ، وَيُوَافِقُ هَذَا مَا سَبَقَ. وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ مَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ تَفْوِيضًا. وَمِنَ التَّفْوِيضِ الصَّحِيحِ أَنْ يَقُولَ سَيِّدُ الْأَمَةِ: زَوَّجْتُهَا بِلَا مَهْرٍ، أَوْ زَوَّجَهَا سَاكِتًا عَنِ الْمَهْرِ.
وَلَوْ أَذِنَتِ الْحُرَّةُ لِوَلِيِّهَا فِي التَّزْوِيجِ، عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا فِي الْحَالِ وَلَا عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَا غَيْرِهِ، وَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ كَذَلِكَ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: بُطْلَانُ النِّكَاحِ. وَأَصَحُّهُمَا: صِحَّتُهُ. وَعَلَى هَذَا، هَلْ هُوَ تَفْوِيضٌ فَاسِدٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، أَمْ يُلْغَى النَّفْيُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَكُونُ تَفْوِيضًا صَحِيحًا؟ وَجْهَانِ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ ; لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِي النِّكَاحِ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ. وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَنَفَى الْمَهْرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَرْضَى هِيَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ نَقَصَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. فَإِنْ كَانَ مُجْبَرًا، فَهَلْ يَبْطُلُ النِّكَاحُ، أَمْ يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؟ قَوْلَانِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُجْبَرٍ، فَهَلْ يُبْطُلُ قَطْعًا أَمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ، وَقَدْ سَبَقَ جَمِيعُ هَذَا.
فَرْعٌ
لَا يَصِحُّ تَفْوِيضُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا لِسَفَهٍ، وَلَا الصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَةِ. وَإِذَا قَالَتِ السَّفِيهَةُ: زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ، اسْتَفَادَ بِهِ الْوَلِيُّ الْإِذْنَ فِي النِّكَاحِ وَلَغَا التَّفْوِيضَ.
فَرْعٌ
نَكَحَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَتُعْطِي زَوْجَهَا أَلْفًا، فَهَذَا أَبْلَغُ فِي التَّفْوِيضِ. وَلَوْ قَالَتْ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ، فَزَوَّجَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ
مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، صَحَّ الْمُسَمَّى. وَإِنْ زَوَّجَهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، لَمْ يَلْزَمِ الْمُسَمَّى، وَكَانَ كَمَا لَوْ نَكَحَهَا تَفْوِيضًا.
الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي حُكْمِ التَّفْوِيضِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ.
إِحْدَاهَا: هَلْ تَسْتَحِقُّ الْمُفَوِّضَةُ مَهْرَ الْمِثْلِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، أَمْ لَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الثَّانِي. فَعَلَى هَذَا، إِذَا وَطِئَهَا، وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ تَخْرِيجُ وَجْهٍ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ، خَرَّجَهُ مِنْ وَطْءِ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، ظَانًّا الْإِبَاحَةَ، وَالْجَامِعُ حُصُولُ الْإِذْنِ مِنْ مَالِكِ الْبُضْعِ، وَمَوْضِعُ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ مَنْ نَقَلَهُ مَا إِذَا جَدَّدَتْ إِذْنًا فِي الْوَطْءِ وَصَرَّحَتْ بِنَفْيِ الْمَهْرِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ تَجْدِيدُ الْإِذْنِ، قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْمَجْمُوعَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَأَوْجَبْنَا مَهْرَ الْمِثْلِ، فَهَلْ تُعْتَبَرُ حَالَةُ الْوَطْءِ، أَمْ يَجِبُ أَكْثَرُ مَهْرٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إِلَى الْوَطْءِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَوْ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الثَّانِي.
الثَّانِيَةُ: مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ، فَهَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَمْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؟ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى حَدِيثِ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، أَنَّهَا نُكِحَتْ بِلَا مَهْرٍ، فَمَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا، فَقَضَى لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَالْمِيرَاثِ، فَقِيلَ إِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ، وَجَبَ الْمَهْرُ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَثْبُتْ، فَلَا مَهْرَ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. وَقِيلَ: إِنْ ثَبَتَ، وَجَبَ، وَإِلَّا، فَلَا، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ (الْمُخْتَصَرِ) . وَقِيلَ: قَوْلَانِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْحَلِيمِيُّ،
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَظْهَرِ مِنْهُمَا، فَرَجَّحَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» وَالْمُتَوَلِّي، الْوُجُوبَ. وَرَجَّحَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ.
قُلْتُ: الرَّاجِحُ تَرْجِيحُ الْوُجُوبِ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا قِيلَ فِي إِسْنَادِهِ، وَقِيَاسًا عَلَى الدُّخُولِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ مُقَرَّرٌ كَالدُّخُولِ، وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ مَعَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ أَوْجَبْنَا، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِاعْتِبَارِ يَوْمِ الْعَقْدِ، أَمْ يَوْمِ الْمَوْتِ، أَمْ أَكْثَرِهِمَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْحَنَّاطِيُّ.
الثَّالِثَةُ: طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، إِنْ كَانَ فَرَضَ لَهَا، تَشْطُرُ الْمَفْرُوضَ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْضَ لَهَا، فَلَا يُشْطَرُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ. وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَالْمُتَوَلِّي، خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ أَمْ لَا؟ قَالَ الْإِمَامُ: لَا يُعْتَدُّ بِهَذَا، وَلَا يَلْتَحِقُ بِالْوُجُوهِ الضَّعِيفَةِ.
الرَّابِعَةُ: إِذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ الْمَهْرُ لِلْمُفَوِّضَةِ بِالْعَقْدِ، فَلَهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِفَرْضِ مَهْرٍ قَبْلَ الْمَسِيسِ. وَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ بِالْعَقْدِ، فَمَنْ قَالَ: يُشْطَرُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ، قَالَ: لَيْسَ لَهَا طَلَبُ الْفَرْضِ، لَكِنْ لَهَا طَلَبُ الْمَهْرِ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، تُطَالِبُ بِهِ لَا بِالْفَرْضِ. وَمَنْ قَالَ: لَا يَتَشَطَّرُ. قَالَ: لَهَا طَلَبُ الْفَرْضِ لِيَتَقَرَّرَ الشَّطْرُ فَلَا يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لِلْفَرْضِ،
وَهَلْ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لِتَسْلِيمِ الْمَفْرُوضِ؟ قَالَ الْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: نَعَمْ كَالْمُسَمَّى: وَحَكَى الْإِمَامُ عَنِ الْأَصْحَابِ الْمَنْعَ، وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ لِأَنَّهَا سَامَحَتْ بِالْمَهْرِ، فَكَيْفَ تُضَايِقُ فِي تَقْدِيمِهِ.
فَرْعٌ
الْفَرْضُ يُوجَدُ مِنَ الزَّوْجِ، أَوِ الْقَاضِي، أَوْ أَجْنَبِيٍّ.
الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: إِذَا فَرَضَ الزَّوْجُ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ الْمَرْأَةُ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ وَفِيمَا عُلِّقَ عَنِ الْإِمَامِ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ مِنْهَا، بَلْ يَكْفِي طَلَبُهَا وَإِسْعَافُهُ، وَلْيَكُنْ هَذَا فِيمَا إِذَا طَلَبَتْ عَيْنًا أَوْ مُقَدَّرًا فَأَجَابَهَا، أَمَّا إِذَا أَطْلَقَتِ الطَّلَبَ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ رَاضِيَةً بِمَا يُعَيِّنُهُ أَوْ يُقَدِّرُهُ. أَمَّا إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى مَهْرٍ، فَيُنْظَرُ، إِنْ جَهِلَا قُدِّرَ مَهْرُ الْمِثْلِ، أَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا، فَفِي صِحَّةِ الْفَرْضِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: صِحَّتُهُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْإِمْلَاءِ» وَالْقَدِيمِ. وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِهِ، صَحَّ مَا فَرَضَاهُ. وَيَجُوزُ إِثْبَاتُ الْأَجَلِ فِي الْمَفْرُوضِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: فَرَضَ الْقَاضِي وَذَلِكَ إِذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنَ الْفَرْضِ، أَوْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الْمَفْرُوضِ، فَيَفْرِضُهُ، وَلَا يَفْرِضُ إِلَّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ حَالًّا. وَلَوْ رَضِيَتْ بِالْأَجَلِ، لَمْ يُؤَجِّلْ، بَلْ تُؤَخِّرُ هِيَ إِنْ شَاءَتْ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا يَنْقُصُ، كَمَا فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ. وَلَكِنَّ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ الْيَسِيرَ الَّذِي يَقَعُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، لَا اعْتِبَارَ
بِهِ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ: وَإِذَا فَرَضَ، لَمْ يَتَوَقَّفْ لُزُومُهُ عَلَى رِضَاهُمَا ; لِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْهُ، وَحُكْمُ الْقَاضِي لَا يَفْتَقِرُ لُزُومُهُ إِلَى رِضَى الْخَصْمَيْنِ.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: فَرْضُ الْأَجْنَبِيِّ. فَإِذَا فَرَضَ أَجْنَبِيٌّ لِلْمُفَوِّضَةِ مَهْرًا يُعْطِيهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِرِضَاهَا، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ صَحَّحْنَا، طَالَبَتِ الْأَجْنَبِيَّ بِالْمَفْرُوضِ، وَسَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ عَنِ الزَّوْجِ. وَعَلَى هَذَا، لَوْ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَنَصِفُ الْمَفْرُوضِ يَعُودُ إِلَى الزَّوْجِ أَمْ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِيمَا إِذَا تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى ثُمَّ طُلِّقَتْ قَبْلَ الْمَسِيسِ ذَكَرْنَاهُمَا فِيمَا لَوْ أَصْدَقَ عَنِ ابْنِهِ.
فَرْعٌ
أَبْرَأَتِ الْمُفَوِّضَةُ عَنِ الْمَهْرِ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْعَقْدِ، صَحَّ الْإِبْرَاءُ إِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ مَهْرَ الْمِثْلِ، فَإِنْ جَهِلَتْهُ، فَفِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عَنِ الْمَجْهُولِ قَوْلَانِ سَبَقَا فِي «الضَّمَانِ» . أَظْهَرُهُمَا: الْمَنْعُ. فَإِنْ مَنَعْنَا، فَذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ. وَفِيمَا اسْتَيْقَنَتْهُ وَجْهَانِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
وَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْعَقْدِ، فَهُوَ إِبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ، وَجَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ. وَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ كَالْقَوْلَيْنِ فِي ضَمَانِهِ. أَظْهَرُهُمَا: فَسَادُهُ، فَحَصَلَ أَنَّ الْمَذْهَبَ فَسَادُ إِبْرَائِهَا.
وَلَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّ الْفَرْضِ، لَمْ يَسْقُطْ كَإِسْقَاطِ زَوْجَةِ الْمُوَلِّي، وَلَوْ أَبْرَأَتْ عَنِ الْمُتْعَةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَهُوَ إِبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ. وَإِنْ أَبْرَأَتْ بَعْدُ، فَإِبْرَاءٌ عَنْ مَجْهُولٍ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، فَأَبْرَأَتْهُ عَنِ الْمُسَمَّى، فَهُوَ لَغْوٌ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُهُ. وَإِنْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهِيَ عَالِمَةٌ بِهِ، صَحَّ.
فَرْعٌ
لِزَوْجَتِهِ عَلَيْهِ مَهْرٌ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ إِلَى أَلْفَيْنِ، وَرَغِبَا فِي الْبَرَاءَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُبَرِّئَهُ عَنْ أَلْفَيْنِ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ. وَلَوْ قَبَضَتْ أَلْفًا، وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ أَلْفٍ إِلَى أَلْفَيْنِ، فَإِنْ بَانَ أَنَّ مَهْرَهَا أَلْفٌ أَوْ فَوْقَ الْأَلْفِ إِلَى أَلْفَيْنِ، فَالْبَرَاءَةُ حَاصِلَةٌ، وَإِنْ بَانَ فَوْقَ الْأَلْفَيْنِ فَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ، وَحَصَلَتِ الْبَرَاءَةُ مِنْ أَلْفَيْنِ، وَالْقَوْلُ بِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ إِذَا بَانَ فَوْقَ أَلْفٍ إِلَى أَلْفَيْنِ، تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ: ضَمِنْتُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى عَشْرَةٍ، أَوْ أَبْرَأْتُ، صَحَّ الضَّمَانُ وَالْإِبْرَاءُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَلَوْ دَفَعَ الزَّوْجُ إِلَيْهَا أَلْفَيْنِ، وَحَلَّلَ لَهَا مَا بَيْنَ أَلْفٍ وَأَلْفَيْنِ، حَلَّ لَهَا ذَلِكَ إِنْ بَانَ فَوْقَ أَلْفٍ إِلَى أَلْفَيْنِ. وَإِنْ بَانَ دُونَ أَلْفٍ، فَعَلَيْهَا رَدُّ قَدْرِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ مَهْرِهَا وَبَيْنَ الْأَلْفِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّحْلِيلِ، وَيَحْصُلُ الْفَرْضُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ بِلَفْظِ التَّحْلِيلِ وَالْإِبْرَاءِ، أَوِ الْإِسْقَاطِ وَالْعَفْوِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، فَيُشْتَرَطُ لَفْظٌ صَالِحٌ لِتَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ. فَإِنْ تَصَرَّفَتْ فِي الْمَدْفُوعِ وَصَارَ دَيْنًا، جَرَتْ فِيهِ الْأَلْفَاظُ.
فَرْعٌ
قَالَ لِمَنْ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ: أَبْرَأْتُكَ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ وَقْتَ الْإِبْرَاءِ أَنَّهُ كَانَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ، لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الظَّاهِرِ. وَفِي الْبَاطِنِ وَجْهَانِ. قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: لَا يُقْبَلُ أَيْضًا لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَحَلِّ حَقِّهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقْبَلُ، وَالْخِلَافُ مَأْخُوذٌ مِمَّا إِذَا بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا.