الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمسلم أو معاهد. أي حماية الأمن الخارجي بالعدة والاستعداد الدائمين.
السادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة.
السابع: جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصًا واجتهادًا من غير عسف.
الثامن: تقدير العطاء وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقصير ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير. التاسع: استكفاء الأمناء وتقليد العظماء فيما يفوضه إليهم من الأعمال.
العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال ليهتم بسياسة الأمة وحراسة الملة.
هذه هي واجبات الإمام كما حددها بعض الفقهاء وهي تدخل جميعًا تحت واجبين اثنين هما إقامة الدين وإدارة شؤون الدولة في حدوده.
مَسْؤُولِيَةُ الإِمَامِ فِي أَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ:
والإمام في أدائه لواجباته مسؤول عن أخطائه وإهماله وتقصيره وسوء استعماله للسلطة الممنوحة له، فضلاً عما يتعمده من خروج على حدود سلطاته وما يرتكبه من جور أو
عسف أو ظلم، وهو في هذا كله خاضع للنصوص العامة، لأن الإسلام لا يفرق بين فرد وفرد، ولا بين حاكم ومحكوم بل الكل سواء يسري على هذا ما يسري على ذاك دون تمييز.
ويؤكد مسؤولية الإمام وعدم تمييزه عن أي فرد آخر من أفراد الأمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ رَاعٍ عَلَى رَعِيَّتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْهُ» وقوله: «لَا يَسْتَرْعِي اللَّهُ تبارك وتعالى عَبْدًا رَعِيَّةً، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، إِلَاّ سَأَلَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، أَقَامَ فِيهِمْ أَمْرَ اللَّهِ تبارك وتعالى أَمْ أَضَاعَهُ؟ حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ خَاصَّةً» وقوله: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَاّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ» وفي رواية «فَلَمْ يَحُطْهَا بِنُصْحِهِ لَمْ [يَجِدْ] رَائِحَةَ الجَنَّة» وقوله: «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أُمُورَ المُسْلِمينَ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ، إلا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الجَنَّةَ» .
بل أن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تؤكد أن مسؤولية الإمام أكثر من مسؤولية أي فرد عادي وذلك ظاهر مِمَّا سبق ومن قوله «مَنْ وَلاهُ اللهُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ المُسْلِمِينَ، فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وقوله:«مَا مِنْ أَحَدٍ يَكُونُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ هَذِهِ الأُمَّةِ [قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ] فَلَا يَعْدِلُ فِيهِمْ إِلَاّ كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ» ، وقوله:
وَمِمَّا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ بِشْرَ بْنَ عَاصِمٍ عَلَى صَدَقَاتِ هَوَازِنَ فَتَخَلُّفِ بِشْرٌ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَقَالَ: مَا خَلَّفَكَ؟ أَمَا لَنَا عَلَيْكَ سَمْعٌ وَطَاعَةٌ؟ فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أُتِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَجَا، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا انْحَرَفَ الجِسْرُ فَهَوَى فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» .
فَخَرَجَ عُمَرُ كَئِيبًا [حَزِينًا]، فَلَقِيَهُ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ كَئِيبًا حَزِينًا؟ قَالَ: [وَمَا يَمْنَعُنِي] أَنْ أَكُونَ كَئِيبًا حَزِينًا، وَقَدْ سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ عَاصِمٍ يَقُولُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ كَذَا، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: وَمَا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ وَلِيَ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ ، أُتِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، حَتَّى يُوقَفَ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَجَا، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا انْخَرَقَ الجِسْرُ ، فَهَوَى سَبْعِينَ خَرِيفًا، وَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ» ، فَأَيُّ الْحَدِيثَيْنِ أَوْجَعُ لِقَلْبِكَ؟ قَالَ: كِلَاهُمَا قَدْ أَوْجَعَ قَلْبِي، فَمَنْ يَأْخُذُ بِمَا فِيهَا؟ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَنْ سَلَتَ (1) اللَّهُ أَنْفَهُ، وَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالأَرْضِ أَمَا إِنَّا لَا نَعْلَمُ إِلَاّ خَيْرًا وَعَسَى إِنْ وُلِّيتُهَا مَنْ لَا يَعْدِلُ فِيهَا ، أَنْ لَا تَنْجُوَ مِنْ إثْمِهَا.
(1) جدع أنفه.
وعمر بن الخطاب الذي أوجع قلبه هذا الحديث هو الذي كان يقول: «لَوْ مَاتَتْ شَاةٌ عَلَى شَطِّ الفُرَاتِ ضَائِعَةً لَظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى سَائِلِي عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ» . وهو الذي رآه على ابن أبي طالب على قتب يغدو فقال له: «يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَيْنَ تَذْهَبُ؟» ، فَقَالَ:«بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ أَطْلُبُهُ» ، فَقَالَ عَلِيٌّ:«لَقَدْ أَذْلَلْتَ الخُلَفَاءَ بَعْدَكَ» ، قَالَ:«لَا تَلُمْنِي يَا أَبَا الحَسَنِ فَوَالذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالنَّبَوَّةِ لَوْ أَنَّ عِنَاقًا ذَهَبَتْ بِشَاطِئِ الفُرَاتِ لأُخِذَ بِهَا عُمَرُ يَوْمَ القِيَامَةِ» .
عمر بن الخطاب الذي أوجع قلبه هذا الحديث هو الذي كان يهنأ بنفسه إبل الصدقة، وهو الذي كان يقتص من نفسه ويقتص من عُمَّالِهِ، وهو الذي عزل أحد عُمَّالِهِ لأنه لَا يُقَبِّلُ وَلَدَهُ، وهو الذي عزل أحد قواده لأنه أنزل جنديا في الماء يرتاد مخاضة ليجوز منها الجيش فمات الجندي من البرد ولم يترك عمر القائد حتى ألزمه الدية.
عمر بن الخطاب الذي أوجع قلبه هذا الحديث هو الذي لَانَ قلبه في الله حتى لهو ألين من الزبد، واشتد قلبه في الله حتى لهو أشد من الحجر، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» . كان إذا أتاه الخصمان برك على ركبتيه وقال: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُرِيدُنِي عَلَى دِينِي» . وكلمته امرأته في أحد عماله فقال: «يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ، وَفِيمَ أَنْتِ وَهَذَا، إِنَّمَا أَنْتِ لُعْبَةٌ يُلْعَبُ بِكِ، ثُمَّ تُتْرَكِينَ» .
وأرسل إليه عامله على أذربيجان
سفطين من الخبيص فلما ذاقه وجد شيئًا حلوًا، فقال للرسول:«أَكُلَّ الْمُسْلِمِينَ يَشْبَعُ مَنْ هَذَا فِي رَحْلِهِ؟» قَالَ: لَا، قال:«أَمَّا لَا فَارْدُدْهُمَا» ، ثم كتب إلى عامله:«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّكَ وَلَا مِنْ كَدِّ أَبِيكَ، وَلَا مِنْ كَدِّ أُمِّكَ أَشْبِعِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ» .
وأرسل إلى امرأة بلغه أن الرجال يتحدثون عنها، فلما جاءها الرسول ضربها المخاض من الخوف فألقت غلاما، فوداه عمر لا من بيت المال وإنما من مال عاقلته.
والقاعدة في الشريعة أن الإمام يقتص منه في كل ما تعمده من جور فجار به على الناس، فإذا قتل إنسانا قتل به وإذا قطع إنسانا قطع به سواء باشر الفعل كأن ضربه بسيف أو تسبب فيه كأن حكم عليه ظلمًا بالقتل أو القطع.
ولكن الإمام لا يسأل جنائيًا إذا أدى عمله طبقًا للحدود المرسومة للعمل، أما إذا تعدى هذه الحدود فهو مسؤول جنائيًا عن عمله إذا كان يعلم أن لا حق له فيه، أما إذا حسنت نيته فأتى العمل وهو يعتقد أن من واجبه إتيانه فلا مسؤولية عليه من الناحية الجنائية.
وكما يسأل الإمام عن عمده يسأل عن خطأه، لكنهم اختلفوا في ضمان الخطأ فرأى البعض أن الضمان على الإمام وعاقلته لأنه ضمان وجب بخطئه فمسؤوليته عنه كمسؤولية أي مخطئ، ورأى البعض أن ضمان الخطأ في بيت المال لأن خطأ الإمام يكثر فلو وجب الضمان في ماله ومال عاقلته لأجحف