الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
وهكذا نزلت نصوص القرآن بوجوب تصدي القضاة لشرعية القوانين التي يطلب إليهم تطبيقها، فإن كانت شرعية طبقوها وإلا أهملوها وطبقوا نصوص الشريعة أو تطبيقًا لمبادئها العامة وروحها التشريعية. وبذلك سبق الإسلام القوانين الوضعية بحوالي ثلاثة عشر قرنًا في تقرير نظرية شرعية القوانين أو ما نسميه اليوم في عرفنا القانوني بنظرية دستورية القوانين.
رَابِعًا: السُّلْطَةُ المَالِيَّةُ:
ولقد أوجد الإسلام من يوم إنشاء الدولة الإسلامية سلطة مستقلة أخرى لم تكن معروفة من قبل ولم يعرفها العالم كله إلا في هذا القرن، تلك هي السلطة المالية، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُعَيِّنُ عُمَّالاً يستقلون بأمر القضاء. وَعُمَّالاً يستقلون بأمر الإدارة وَعُمَّالاً يستقلون بأمر الصدقات يجمعونها من الأغنياء في كل منطقة ليردوها على فقراء المنطقة، فما بقي منها نقل إلى بيت المال.
ولما فتح الله على المسلمين اتسع اختصاص القائمين على السلطة المالية فكان يشمل الصدقات والخراج والجزية والفيء والغنيمة، وكان المال الذي يجمع من هذه المصادر يوزع طبقًا
لما جاء في كتاب الله وعلى ما جرت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان من نصيب أفراد معيين وطوائف معينة وزع عليهم، وما كان من حق الجميع أرسل إلى بيت المال ليوزع على الجميع وليأخذ كل منه بنصيب حتى لقد فرض عمر في بيت المال فروضًا شهرية لكل رجل ولكل امرأة ولكل كبير وصغير، بل إنه فرض لكل طفل يولد بمجرد ولادته، وظلت هذه الفروض قائمة في بيت المال زمنًا طويلاً.
وإذا كان عمر قد ميز بالسابقة والقدم في الإسلام، فميز المهاجرين على الأنصار وأصحاب بدر على غيرهم وهكذا، إلا أنه رأى أخيرًا أن يعدل عن هذا التمييز ويعود إلى ما كان يفعله أبو بكر من التسوية بين الجميع.
وكان أبو بكر وعلي يسويان بين الناس في قسمة المال العام، أما عثمان فكان على ما كان عليه عمر من المفاضلة
والتمييز، وكان أبو بكر يقسم بين الحر والعبد، أما عمر فمنع العبيد اجتهادًا لأنهم لا ملك لهم، على أن الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الأَمَةَ ولا فرق بين الأَمَةِ وَالعَبْدِ.
والتسوية أقرب إلى عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله، فَقَدْ سَأَلَهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَكُونُ حَامِيَةَ القَوْمِ، أَيَكُونُ سَهْمُهُ وَسَهْمُ غَيْرِهِ سَوَاءً؟ قَالَ:«ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ أُمِّ سَعْدٍ، وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ» .
أما اعتبار المال مال الله ليس أحد أحق به من غيره فهو قوله صلى الله عليه وسلم «مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ، إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» وعن الرسول أخذ عمر مقالته، وعنه قال علي بن أبي طالب ما أثر عنه:«أَلَا إِنَّ مَفَاتِيحَ مَالِكُمْ مَعِي أَلَا وَإِنَّهُ لَيْسَ لِي أَنْ آخُذَ مِنْهُ دِرْهَمًا دُونَكُمْ» .
والإمام بصفته نائبًا عن الأمة كلها هو المشرف على القائمين على السلطة المالية، يوليهم ويعزلهم ويراقبهم بصفته هذه، ولكنهم يعتبرون نوابًا عن الأمة لا عنه بمجرد تعيينهم كما هو شأن القضاة، فما يعزلون بموت الإمام ولا يجوز له عزل أحدهم إلا بسبب يوجبه، ومِمَّا يؤثر في هذا الباب أن خازن بيت المال في عهد عثمان اعترض على صرف أموال لم ير جواز صرفها، فقال له عثمان: إنك خازن، فرد عليه بأنه خازن بيت مال المسلمين لا خازنه الخاص.