الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَجَوُّزٌ لَا مَحَلَّ لَهُ:
ولقد تجوز أكثر الفقهاء في التعبير وسموا ما حدث من ترشيح أبي بكر لعمر بيعة، ورتبوا على ذلك نتيجة غير صحيحة تخالف كل المخالفة نصوص الشريعة الإسلامية وروحها، حيث أجازوا للإمام القائم أن يعقد البيعة لمن يخلفه بعهد منه، حتى لقد قالوا هذه المسألة مِمَّا انعقد الإجماع على جوازها ووقع الاتفاق على صحتها واستدلوا على ذلك بأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروها، أحدهما: أن أبا بكر رضي الله عنه عهد بها إلى عمر فأثبت المسلمون إمامة عمر بعهد أبي بكر، وثانيهما: أن عمر رضي الله عنه عهد بها إلى أهل الشورى فقبلت الجماعة دخولهم فيها وهم أعيان العصر، اعتقادًا بصحة العهد بها، وخرج باقي الصحابة منها حتى قال علي للعباس حين عاتبه على الدخول في الشورى:«كَانَ أَمْرًا عَظِيمًا مِنْ أُمُورِ الإِسْلَامِ لَمْ أَرَ لِنَفْسِي الخُرُوجَ مِنْهُ» (1).
وما استدل به الفقهاء لا يؤدي إلى إعطاء الإمام القائم حق عقد البيعة لمن يخلفه، ويكفي في التدليل على ذلك ما قالوه من أن أبا بكر عهد بالخلافة لعمر فأثبت المسلمون إمامة عمر بعهد
(1)" الأحكام السلطانية " للماوردي: ص 9، "الأحكام السلطانية " للفراء: ص 9، " المسامرة ": جـ 2 ص 171، " مقدمة " ابن خلدون: ص 198، 200، " الملل والنحل ": جـ 4 ص 167 وما بعدها، " المواقف ": ص 606، 607، " حاشية ابن عابدين ": جـ 4 ص 428.
أبي بكر، ومعنى ذلك أن عهد أبي بكر لم يجعل عمر إمامًا وإنما صار عمر إمامًا حيث أثبت المسلمون إمامته بناء على عهد أبي بكر، إذن فعهد أبي بكر لم يكن إلا ترشيحًا، والأمر في عهد عمر للستة أظهر من أن يكون محلاً للاشتباه، فهذا العهد لا يمكن أن يكون إلا ترشيحًا إذ المقصود منه تحديد الأشخاص الذين رأى عمر أنهم يصلحون لتولي الخلافة، ولو كان عهد عمر عقد بيعة لما اختار ستة إذ البيعة لا تكون إلا لواحد فقط.
فعهد أبي بكر لعمر وعهد عمر للستة إنما كان كلاهما ترشيحًا، وقبول الأمة لهذا الترشيح يعتبر سابقة تقرر للخليفة القائم حق ترشيح من يخلفه على أن يكون المرشح واحدًا أو أكثر، وللأمة أن توافق على المرشح أو ترشح غيره، وما يعطي ترشيح الخليفة القائم لغيره أي حق، ولا يجعل له فضلاً على أي مرشح آخر.
وهذا الذي نقوله قد قاله بعض الفقهاء، حيث رأى أنه ليس من الضروري استشارة أهل الحل والعقد وقت العهد، لأن عهد الإمام القائم لغيره ليس بعقد للإمامة، بدليل أنه لو كان عقدًا لأفضى إلى اجتماع إمامين في عصر واحد وهذا غير جائز، وإذا لم يكن العهد عقدًا فلا يعتبر حضور أهل الحل والعقد وقت العهد، وإنما يعتبر بعد موت الإمام، هذا القول صريح في أن العهد ترشيح وليس بيعة (1).
(1)" الأحكام السلطانية " للفراء: ص 9، " الأحكام السلطانية " للماوردي: ص 9.
ولكن الفريق الآخر الذي نقضنا كلامه يرى بغير حق أن الخلافة تنعقد بالعهد، لكن تصرف الخليفة الجديد يكون موقوفًا على موت الخليفة القائم، فالبيعة في هذه الحالة تشبه وكالة أنجزت وعلق تصرفها على شرط، فالخليفة الجديد خليفة حالاً ولكن تصرفه هو المعلق.
ومع أن هذا الفريق يرى انعقاد الخلافة بعهد الخليفة القائم إلا أنه يشترط أن يكون الخليفة العاهد جامعًا لكل شروط الخلافة، فإن لم يكن كذلك فلا يجوز له أن يعهد لغيره (1)، فإن عهد لغيره فعهده غير صحيح، ولا يجوز تنفيذه، والقائلون بهذا ينتقدون العلماء وأصحاب الرأي في الأمة لقبولهم تنفيذ عهود بني أمية وبني العباس وهي غير صحيحة لعدم استجماع خلفائهم لكل شروط الخلافة، ويعللون سكوت العلماء على تنفيذ هذه العهود مع عدم صحتها بشوكة الخلفاء وقوتهم وبخشية العلماء من الفتنة.
ويرى السيد محمد رشيد رضا رحمه الله أن للإمام أن يستخلف غيره بشرط أن يكون الإمام جامعًا لشروط الإمامة ولكن الاستخلاف يكون متوقفًا على إقرار أهل الحل والعقد له، كما يرى أن استدلال الفقهاء يقتضي هذا الرأي وإن كانوا لم يصرحوا به (2).
(1)" تحفة المحتاج ": جـ 4 ص 116، " أسنى المطالب " و" حاشية الشهاب ": جـ 4 ص 109.
(2)
" الخلافة ": ص 33، 35.