الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
الرأي والحكمة: ويشترط فيمن يصلح للشورى أن يكون ممن عرف بجودة الرأي والحكمة، ولا يشترط فيه أن يكون من ذوي العصبية، لأن أساس الشورى هو الرأي الصحيح الحكيم المتفق مع الشرع المجرد من الهوى والعصبية (1).
سُلْطَانُ الأُمَّةِ:
قلنا فيما سبق أن الشورى صفة لازمة للمسلم لا يكمل إيمانه إلا بتوفرها، وأنها فريضة إسلامية واجبة على الحاكمين والمحكومين، وإذا كانت الشورى فريضة قد وجب أن يكون لأهل الشورى السمع والطاعة على كل أفراد الأمة من حاكمين ومحكومين، وهذا السلطان الذي تعطيه الشورى لأهل الشورى ليس سلطانهم وحدهم وإنما هو سلطان الأمة كلها، إذ أن أهل الشورى ليسوا في الواقع إلا نواب الأمة وأصحاب الرأي والنفوذ فيها اختيروا ليمثلوا الأمة في إبداء رأيها في أمورها التي جعلها الله شورى بين المسلمين جميعًا.
وإذا كان الحكام كما رأينا ملزمين بتنفيذ ما تفضي إليه الشورى وبإقامته على الوجه الذي ارتضاه ممثلو الأمة، فالحكام يكونون من هذه الوجهة خدامًا للأمة ومنفذين لإرادتها وتكون الأمة هي مصدر سلطانهم فيما يفعلون وما يدعون تنفيذًا لما أفضت إليه الشورى.
(1)" الخلافة ": ص 15 وما بعدها، " الأحكام السلطانية " للماوردي: ص 4.
ويستدل البعض على سلطان الأمة بأن الله أمر بطاعة أولي الأمر ولا يطاع الواحد منهم إلا بتأييد جماعة المسلمين له، فهم الذين اختاروه وبايعوه وطاعته تابعة لطاعتهم واجتماع كلمتهم كما ورد في الأحاديث الصحيحة الخاصة بالتزام الجماعة كحديث:«مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا [يَكْرَهُهُ] فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَاّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» ، وحديث حذيفة بن اليمان الذي قال فيه الرسول:«تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» ، قال حذيفة: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا» . فهذان الحديثان يدلان على انعدام السلطة بانعدام الجماعة، ووجودها بوجود الجماعة وإذا كانت السلطة لا توجد إلا بوجود الجماعة، فالجماعة هي مصدر السلطان، ويمثلها أولو الأمر من المسلمين وأهل الحل والعقد والرأي والمطاع (1).
ويدللون أيضًا على سلطان الأمة بما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» وفي رواية أخرى: «سَأَلْتُ اللَّهَ عز وجل أَنْ لَا [يَجْمَعَ] أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَأَعْطَانِيهَا» (*). ومقتضى الحديث أن الاجتماع على رأي يجعله ملزمًا، وإذا كان الرأي ملزمًا فصاحبه ذو سلطان.
ويدللون كذلك على سلطان الأمة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
(1)" الخلافة ": ص 14.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر الحديث بصيغته في صفحة 202 من هذا الكتاب.
وقوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]. ويفسرون أولي الأمر بأنهم أهل الحل والعقد من المسلمين، ويدخل فيهم الأمراء والحكام والعلماء والرؤساء عامة ورؤساء الجند خاصة والزعماء الذين يرجع إليهم في الحاجات والمصالح العامة، ويقولون: إن هؤلاء إذا اتفقوا على أمر أو حكم وجب أن يطاعوا فيه بشرط أن يكونوا منا، وأن لا يخالفوا أمر الله ولا سنة رسوله، وأن يكونوا مختارين في بحثهم في الأمر واتفاقهم عليه، وأن يكون ما يتفقون عليه من المصالح العامة التي لأولي الأمر سلطة فيها ووقوف عليها. أما ما يؤخذ عن الله ورسوله فقط فليس لأحد رأي فيه إلا ما يكون في فهمه أو تنفيذه.
ويدللون على صحة تفسير أولي الأمر الواردة في الآية الأولى بالمعنى السالف بما تدل عليه عبارة أولي الأمر في الآية الثانية.
وإذا كان لأولي الأمر على هذا المعنى سلطان واجب النفاذ وهو ممثلو الأمة فالسلطان لمن يمثلون وهي الأمة، وما جاءهم السلطان إلا عن طريقها بصفتهم نوابًا عنها وممثلين لها (1).
(1)" الخلافة ": ص 13 وما بعدها، " تفسير المنار ": جـ 5 ص 181، 299 وما بعدها.